دراسات إعلامية
الاتصال ودوره في النمو الثقافي
(1/2)
أحمد حسن محمد
تعتبر قضية الاتصال محوراً أساسياً تدور حوله علل كثير من مظاهر الحياة
الإنسانية؛ فإن الله سبحانه يوم خلق آدم عليه السلام إنما كان ذلك لحكمة ربانية
ولرسالة سامية تقام على أرض الله سبحانه ومنها إقامة حق الله بإحياء سننه،
وعمارة الدنيا بعبادته سبحانه ومن ثم يقام المجتمع القادر على استخدام مخلوقات الله
في الكون كله عن وعي وإدراك سليم بما يحقق المنافع ويدرأ المفاسد، وصدق الله
العظيم: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي
قَرِيبٌ مُّجِيبٌ] [هود: 61] .
وما كان لمثل هذه المهمة أن تتحقق دون تلاحم الناس وتعارفهم واتفاقهم، أي
اتصال بعضهم ببعض بما تحمل هذه الفطرة، فطرة الاتصال: من مواقف اتفاق
ومواقف اختلاف، مواقف تعاون ومواقف منافسة ...
بل إن قيم الإنسانية ومثلها العليا ونشأة الآمال والتطلعات وكافة الرغبات
البشرية تنبع من هذا التلاحم، وتتبادل الأخذ والعطاء، فتقام الحضارات، وتنشأ
الثقافات سواء في المجال المادي والإنشائي، أو المجال الفكري والثقافي.
وعلى ذلك فإن الاتصال البشري كان وما زال وسيلة أساسية ودافعاً لاستمرار
الحياة ودفع النشاط الاجتماعي وإحداث التغييرات الثقافية والاجتماعية. بل يدفع
النشاط الاجتماعي والتعبير عن الحضارة؛ حيث ينتقل بالأفراد والشعوب من
التعبير الغريزي إلى الإلهام بما ينشئ اتفاقاً عامّاً بين الأفكار، ويؤكد الشعور بأن
الناس يعيشون مع بعضهم البعض من خلال تبادل الرسائل وترجمة الفكر إلى عمل، تعبيراً عن العواطف والحاجات ابتداء من أبسط المهام التي تكفل بناء الإنسان
حتى أسمى مظاهر الإبداع أو أشد مظاهر التدبير) [1] .
الأقمار الصناعية وأهميتها الاتصالية:
نظراً لأهمية الوظيفة التي تقوم بها هذه الأقمار الصناعية يجدر بنا الإشارة
إلى هذه الأهمية وما تقوم به من دور فعال في العملية الاتصالية [2] ؛ إذ نشأت
فكرة هذه الأقمار خلال عام 1945م لتحقيق الاتصال عبر الفضاء، وساعدت على
ذلك الحرب الباردة التي تسببت في انتشار الصواريخ العابرة للقارات، ولم يتم
استخدام الأقمار الصناعية في مجال الاتصال إلا في عام 1958م بإطلاق الصاروخ
أطلس ثم القمر الصناعي إكو (?) صلى الله عليه وسلمcho (?) 1960م. وتوالت أنواع جديدة من
الأقمار زودت بأجهزة استقبال وتسجيل لإعادة البث حتى استطاعت هذه الأقمار نقل
المكالمات الهاتفية، وبرامج التلفاز والفاكس، والمعلومات العلمية والصور، بعد
إدخال العديد من التقنيات المتطورة إليها فاستخدمت في نقل الأحداث والأنشطة
المختلفة.
حتى ظهر ما يسمى بالقمر التجاري عام 1965م الذي عرف باسم (طائر
الصباح) وبواسطته أمكن لأوروبا أن ترى وتسمع بابا الكنيسة الكاثوليكية بولس
السادس وهو يلقي خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر 1965م.
وفي أغسطس عام 1964م وقّعت 47 دولة مواثيق لإرساء نظام عالمي
للاتصال عبر الفضاء؛ حتى كان عام 1974م حيث تم توقيع ميثاق الأقمار
الصناعية الذي وافقت فيه الدول السبع والأربعون على طبيعة هذه الأقمار التجارية.
ومن الطريف أن هذه الأقمار كان لها دور في بعض المواقف الاجتماعية؛
حيث تم التعرف على مجرم خطير بعدما وجه التلفاز الكندي أوصافه عن طريق
(قمر الصباح) بل استخدمت في المزاد العلني الذي أجري عام 1975 واستطاع أحد
الأفراد أن يشتري صورة المستر ونستون تشرشل المعروضة في صالة عرض
بلندن عن طريق الدائرة المغلقة بينما هو لم يبارح مكانه في نيوريوك.
كما تمكن أطباء في جنيف من متابعة إحدى عمليات القلب الدقيقة التي أجريت
في هيوستون بولاية تكساس الأمريكية. هذا عدا نقل العديد من المؤتمرات العلمية
والدورات الرياضية والأنشطة المختلفة.
الأقمار الصناعية والاتصال الدولي:
مع تطور تقنيات الاتصال كما سبق الإشارة إليه أصبحت دول العالم تتنافس
في الحصول على شبكات ونظم اتصال متقدمة، وظهرت النظم الإقليمية مثل شبكة
تلفزيون أوروبا الغربية، وشبكة أوروبا الشرقية، ودول الشمال وآسيا وأفريقيا،
ثم الشبكة العربية حتى أمكن الوصول إلى صورة للاتصال العالمي المنظم فظهرت
الشبكة العالمية لتحقيق بث مباشر على المستوى العالمي لبرامج تشترك فيها خدمات
كثيرة، ونجحت أول محاولة من هذا النوع يوم 27 أغسطس 1950م؛ حيث أمكن
بث العديد من البرامج الرياضية والأحداث العالمية.. ومن أبرز البرامج التي تم
إنتاجها عالمياً آنذاك برنامج عالمنا Our Warled الذي تم بثه على مستوى الكرة
الأرضية وذلك يوم 25 يونيو 1967م.
والذي يهمنا هنا مضمون هذا البرنامج لما له من أثر ثقافي تنموي؛ حيث
تبادل عرضاً لأطفال حديثي الولادة في اليابان وكندا والدانمارك والمكسيك لمدة
ساعتين تقريباً تضمن مشاهد لعلماء داخل معاملهم بحثاً عن الطعام اللازم وتوفير
السكن في عدد من بلدان العالم؛ ولقاءات القمة من أجل الموقف العالمي. وكان هذا
البرنامج يهدف إلى معرفة ما إذا كان بالإمكان مساعدة كل فرد في العالم أن يتعرف
على جاره وأن يفهمه بصورة أفضل لتحقيق أخوة المجتمع، عارضاً لمشاكل العالم
الرئيسة من حيث كثافة السكان، ومشكلة الجوع، والإسكان، وتوقعات الحضارة
في مستقبل العالم.
وبعد أربع سنوات أي حوالي عام 1971م تم بث برنامج أطفال العالم Les
enfants du wardl وكان معلق البرنامج يدير الحوار من مقر الأمم المتحدة في
نيويورك ومعه أطفال يمثلون العالم، واستطاعت حوالي 45 دولة في العالم متابعة
هذا البرنامج من خلال 22 محطة أرضية وأربعة أقمار صناعية، وقد استغرق
إعداد هذا البرنامج حوالي ستة شهور [3] . ومما هو جدير بالذكر أنه على الرغم
من هذا الإنجاز التقني المهم فإن بعض الصعوبات تعترض العملية الاتصالية من
خلال هذه النظم نذكر منها بإيجاز:
1- مشكلة الاختلاف في التوقيت بما يجعل عدد الساعات التي يمكن أن ينجح
فيها بث برنامج عالمي عدداً محدوداً؛ حيث لا توجد وحدة عالمية للتوقيت؛ بمعنى
أن العالم يستحيل أن يكون جميعاً في وقت الصباح مثلاً أو المساء، وعليه فإن ما
تبثه اتصالات أوروبا مساء لا يراه مشاهد أمريكا إلا ظهر اليوم التالي، بينما يراه
مشاهد شرق آسيا صباح اليوم الثالث وهكذا.
2- مشكلة اللغة؛ إذ يؤثر عامل اللغة في نوعية البرامج ومدى صلاحيتها
للبث المباشر.
3- اختلاف الأنظمة المستخدمة في البث والاستقبال وإن كانت المحاولات
الآن تبذل نحو التغلب على مثل هذه المشكلة.
إيجابيات وسائل الاتصال الإلكترونية:
أ - إن النجاح الذي حدث في تحقيق تواصل آلي بين أجزاء العالم ألغى
عنصر الزمن وعنصر المكان؛ فلم يعد البعد المكاني حائلاً دون الاتصال بين
المجتمعات ووصول الحدث مرئياً ومسموعاً لأي مكان في العالم بل كافة المعلومات
والمعارف؛ مما جعل هذا كله شريكاً متساوياً في الحصول على المعرفة والثقافة،
وأصبحت الرسالة المرسلة يتم استقبالها والتعامل معها والحصول على رجع الصدى
من المتلقي في الوقت نفسه وذلك باستخدام الفاكس والتلكس.. ولعل ما يشاهده
المسلمون ويعايشونه خلال موسم الحج يعد دليلاً ساطعاً على هذه المشاركة القادرة
على تحقيق تواصل مؤثر. وانعكس هذا النشاط على كافة مظاهر الحياة،
واستفادت منه الوسائل التقليدية في تطوير برامجها ومضامينها كالصحافة مثلاً التي
استخدمت القنوات الفضائية في طباعة إصداراتها ونشرها في أسرع وقت ممكن
لجميع أنحاء العالم [4] .
ب - القدرة على تخزين المعلومات وحفظها باستخدام الحاسب الإلكتروني
الذي يقدم إمكانات هائلة لحفظ المعلومات واستخدامها في الوقت المطلوب بما يسمى
الحاجة الآلية للمعلومات Lufarmaties. ومنذ اختراع الحاسب الرقمي فإن معظم
الأنشطة الإنسانية ارتبطت وتأثرت بالتعامل معه مباشرة مما أنتج ما يسمى بـ
(الانفجار المعلوماتي) فأضاف بعداً جديداً وأهمية عالمية أكبر لقدرة الإنسان على
التعامل مع المعلومات واستخدامها في النشاط العلمي أفادت منه الدول النامية بشكل
خاص حيث ظهرت بنوك المعلومات التي تساعد على تقديم المعلومات والانتفاع بها
على نطاق عالمي؛ حيث وجدت شبكات متخصصة في الزراعة (اجريس) وشبكات
للمعلومات النووية (ينس) وشبكات خاصة بالتنمية (دفسيس) وأخرى خاصة
بسياسات العلم والتكنولوجيا (سبانتز) [5] .
ومما لا شك فيه أن القدرة على معالجة هذه الكميات المتاحة من المعلومات
ستؤدي إلى تغيير نوعي في عملية الاتصال ذاتها؛ وبذلك ستظهر لها بل وظهرت
فعلاً آثار اجتماعية وسياسية يمكن أن تحطم أو تلغي أنماطاً قائمة للمعلومات مما
سيجعل الناس يعيدون النظر في قدرة وسائل الإعلام التقليدية.. ولعل الأزمة التي
تواجه كثيراً من الصحف مثلاً في بعض البلدان إنما كانت وليدة انصراف الناس إلى
الوسائل الحديثة والحصول على المعلومات من مخزونها في البنك (بنك المعلومات)
كما أن احتكار الإذاعات سيقل تدريجياً لشيوع وسيلة الحصول على المعلومة
بالطرق الحديثة.
وهكذا سيظل ارتباط تاريخ الحضارة بتاريخ الاتصال ابتداء بالكلمة واللغة
مروراً بالكتابة والطباعة والراديو حتى عصرنا الحاضر عصر الانفجار المعلوماتي
تحكي قصة الإنسان وتحدد المراحل المستجدة في تطوره والفرص الجديدة
المتاحة [6] .