المسلمون والعالم
د. باسم خفاجي
تعكس هذه الدراسة أهمية الدور الذي تلعبه المراكز الفكرية في صياغة
وتوجيه السياسة الخارجية في الإدارة الأمريكية، كما يظهر من بحث هذا الموضوع
أن اللوبي اليهودي قد نجح في توفير عدد من المؤسسات الفكرية المتخصصة في
شؤون الشرق الأوسط. وتزود هذه المراكز السياسيين في واشنطن بالبحوث
والدراسات في كافة أمور السياسة الخارجية دون منافسة تذكر في ذلك من قبل
المؤسسات الفكرية الإسلامية التي تعد على أصابع اليد الواحدة، وتفتقر إلى
القدرات المالية والبشرية التي تسمح بالمنافسة الحقيقية في مجال الأفكار والرؤى،
ولذلك لا بد للإسلاميين من السعي الجاد نحو تكوين العديد من المراكز الفكرية
القادرة على مواجهة سيل البحوث والدراسات المعادية للإسلام والتي تعج بها ساحة
السياسة الخارجية الأمريكية، وعندها فقط يمكننا أن نحاول إعادة التوازن إلى
الرؤى الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط، والله غالب على أمره ولو كره المشركون.
أثر المراكز الفكرية:
تتأثر القيادات السياسية في العالم بما يقدم لها من دراسات وأبحاث سياسية
وفكرية، ومن المفيد دراسة العلاقة بين القيادات السياسية وبين الجهات التي تتولى
تقديم النصح لها لمعرفة كيف يصنع القرار السياسي في دولة ما [1] ، وقد انتشرت
مراكز الأبحاث الفكرية والسياسية في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ بداية
السبعينات من القرن الميلادي الحالي، وظهر تأثير هذه المراكز في صناعة القرار
الخاص بالسياسة الخارجية الأمريكية بشكل واضح وملموس في السنوات الأخيرة.
ويبلغ عدد المؤسسات الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية حسب آخر
الإحصاءات ما يزيد على 1200 مركز ومؤسسة، وأغلب المراكز الفكرية في
أمريكا هي مؤسسات غير ربحية تضم مجموعة متخصصة من الأكاديميين
والسياسيين الذين يشتركون في الاهتمام بمجموعة من المواقف والقضايا السياسية
العامة، ويعملون بشكل منظم من أجل التعريف بهذه القضايا، وزيادة الوعي
بجوانبها المتعددة، وفيما عدا ذلك القاسم المشترك، فإن الكثير من الأكاديميين قد
وجدوا صعوبة في وضع تعريف محدد للمراكز الفكرية في أمريكا، بل إن بعض
الباحثين يرى عدم إمكانية وجود تعريف واحد يجمع ويشرح دور وأهداف كل هذه
المؤسسات.
ويقسم الباحثون المراكز الفكرية في أمريكا إلى ثلاثة أنواع: جامعات بلا
طلاب (أي مؤسسات تقدم الأبحاث الأكاديمية المتخصصة في القضايا السياسية)
ونشأت هذه النوعية في بدايات هذا القرن ومنها (مجلس العلاقات الخارجية) الذي
تطور ليصبح أبرز المراكز الرسمية المتخصصة في العلاقات الخارجية وتصدر
عنه دورية مشهورة هي (شؤون خارجية) وهو يهتم بدراسة المشكلات التي تقابل
المجتمع الأمريكي داخلياًً وخارجياًً وتقديم الحلول لها، ومؤسسات استشارية (وهي
المراكز التي تقدم حلولاً علمية وخطوات تنفيذية واستثمارات متخصصة للتعامل مع
المشكلات السياسية التي تعرض للإدارة الأمريكية) ، ونشأت بعد الحرب العالمية
الثانية. مراكز ضغط سياسية (وهي المراكز الفكرية التي تستخدم الدراسات
والبحوث والوسائل الأخرى كطرق ضغط مباشر على الإدارة الأمريكية للتأثير على
صناعة القرار السياسي فيها) . وحدثت هذه المراكز في السنوات الأخيرة. ويجمع
أكثر الباحثين على أن السنوات الأخيرة قد شهدت تنامياً كبيراً في النوع الثالث من
المراكز الفكرية التي تعمل كمؤسسات ضغط سياسية في مقابل تناقص عدد المراكز
الفكرية المتخصصة في البحث العلمي والأكاديمي.
وقد أبدت هذه المؤسسات الجديدة رغبة واضحة في ممارسة الضغط السياسي
للوصول إلى تغيير توجهات السياسة الأمريكية بما يخدم أهداف هذه المؤسسات.
ولعل من أبرز هذه المؤسسات الفكرية التي دعمت هذه الاتجاه الجديد هي مؤسسة
التراث Heritage Foundation التي ارتبطت بالتيار المحافظ في عهد الرئيس
الأمريكي ريجان [2] .
كما ظهر في الوقت نفسه مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، Center
for Strategic and International Studies الذي ضم بين أعضائه نخبة
من الشخصيات السياسية البارزة من بينها زبيجنيو بريجنسكي، وهنري كيسنجر،
وهارولد براون، ولعل من أبرز المراكز الفكرية من هذا النوع الثالث (مؤسسات
الضغط السياسي الفكرية) الخاصة بالشرق الأوسط: معهد واشنطن لسياسات الشرق
الأدنى، Washington Inslitule For Near صلى الله عليه وسلمast Policy الذي أنشئ في
عام 1985م ليتبنى الدفاع عن المصالح السياسية الإسرائيلية ودفع قضايا واهتمامات
إسرائيل في الإدارة الأمريكية، كما ظهر في السنوات الأخيرة أيضاً (المعهد
اليهودي لشؤون الأمن القومي) Jewish Institute for National Security
صلى الله عليه وسلمffairs الذي يعمل كغطاء للدعاية لإسرائيل في المجالات العسكرية والاستشارات
الأمنية.
العلاقة بين المراكز الفكرية والإدارات الأمريكية:
يذكر بريجنسكي في مذكراته أن أغلب مناصب الشؤون الخارجية في الإدارة
الأمريكية في عهد كارتر كانت من نصيب خبراء المراكز الفكرية، فمن بين
الشخصيات المعروفة في مركز (الثلاثي الجانبي الفكري) Trilateral
Commissioners التي تولت مناصب سياسية هامة في عصر كارتر كان هناك
سيروس فانس وزير الخارجية، وأندرو يانج سفير الولايات المتحدة في الأمم
المتحدة، وزيبيجنيو بريجنسكي مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي. كما عمل ما
يزيد عن 55 خبيراً من مجلس العلاقات الخارجية Council on Forergn
صلى الله عليه وسلمffairs في إدارة كارتر، وكان من بينهم فيليب حبيب مساعد وزير الخارجية،
وستانزفيلد تيرنر مدير وكالة المخابرات المركزية.
أما في عهد ريجان فقد عمل أكثر من 200 خبير من خبراء المراكز الفكرية
الأمريكية في الإدارات المختلفة للحكومة الأمريكية، كان من بينهم أكثر من 55
خبيراً من معهد هوفر Hoover Institute و 36 من مؤسسة التراث، و34 من
المعهد الأمريكي للاستثمار صلى الله عليه وسلمmcrican صلى الله عليه وسلمnterprise Institute و32 من لجنة
الأخطار الحالية Comnritiee On the Prescnt عز وجلanger و 18 من مركز
الدراسات الدولية والاستراتيجية Center for Strategic and
International Studies [3] .
أما في عهد كلينتون فقد استمرت الاستفادة من خبراء المراكز الفكرية في عدد
من الوزارات والمناصب العليا في الإدارة الأمريكية، ولكن اختلف هذا المعهد عن
سابقيه بظهور الذراع الفكري الإسرائيلي في واشنطن، وهو معهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى، Washington Institute for Near صلى الله عليه وسلمast Policy
كقوة مؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية، وقامت إدارة كلينتون باختيار مدير
المعهد السابق مارتن إنديك ليشغل منصب مدير شؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن
القومي، ولكي يتولى تمثيل وجهة النظر الأمريكية في مباحثات السلام، وصياغة
سياسات الشرق الأوسط.
تمويل المؤسسات الفكرية:
تتميز المؤسسات الفكرية الأمريكية بميزانياتها الضخمة مقارنة بالمراكز
الفكرية في باقي أنحاء العالم. ويذكر أحد السياسيين الأمريكيين السابقين أن إجمالي
الميزانية السنوية لأكبر عشر مراكز فكرية في أمريكا تتجاوز 500 مليون دولار.
ويتم تمويل معظم هذه المؤسسات من الهبات والمنح التي تقدم للمراكز سواء من
أفراد أو مؤسسات خيرية أو الحكومة الأمريكية التي تتعاقد مع المراكز الفكرية للقيام
بأبحاث معينة مقابل مبالغ مالية محددة.
أثر المراكز الفكرية على السياسة الخارجية:
ينقل الأستاذ أحمد منصور في كتابه: (أضواء على السياسة الأمريكية في
الشرق الأوسط) رأي الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق
نيكسون في أثر المراكز الفكرية على السياسة الخارجية الأمريكية فيقول: تلعب
هذه المراكز دوراً هاماً في الانتخابات الرئاسية فضلاً عن انتخابات مجلس الشيوخ
والنواب، إلا أن دورها في الانتخابات الرئاسية أخطر، ولا يستطيع رئيس
أمريكي الآن أو مستقبلاً الوصول إلى مقعد الرئاسة دون مساعدة هذه المراكز التي
كان لها دور بارز وملحوظ في وصول الرئيس كلينتون إلى السلطة رغم تفوق
الرئيس السابق بوش عليه من ناحية الخبرة والتاريخ السياسي [4] .
وتتعدد الوسائل التي تستخدمها المراكز الفكرية في التأثير على مجريات
السياسة الخارجية الأمريكية، وتختلف هذه الوسائل من مركز فكري لآخر، كما
أنها تتغير تبعاً لطبيعة القضية المطروحة، وملاءمة أسلوب بعينه للتعامل معها،
وكذلك نوعية المخاطب والرغبة المطلوبة في التأثير. وفيما يلي سرد لنماذج من
أبرز الوسائل التي تتبعها المؤسسات الفكرية للتأثير على صناعة قرارات السياسة
الخارجية الأمريكية:
مساعدة المرشحين في الانتخابات:
تقوم كثير من المراكز الفكرية بتقديم أفكارها إلى المرشحين للمقاعد النيابية
وكذلك لمناصب الإدارة الحكومية في محاولات مبكرة لاجتذاب مساندة المرشحين في
حال فوزهم في الانتخابات أو الترشيحات للمناصب الحكومية.
ولاستخدام هذه الوسيلة الفعالة فإن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
Washington Institute for Near صلى الله عليه وسلمast Policy، يقوم كل أربع سنوات
بإعداد ورشة عمل يشارك فيها عدد كبير من السياسيين والأكاديميين لوضع مشروع
(التصور العام لسياسة الحكومة المقبلة تجاه الشرق الأوسط) . وتعد هذه الدراسة
بشكل عملي ومنظم، وتقدم إلى الإدارة الجديدة للبيت الأبيض مرفقة بتزكيات
الشخصيات السياسية الكبرى في أمريكا مما يعطي هذه الدراسة قيمة سياسية كبيرة.
وتمثل هذه الدراسة في حقيقتها ورقة ضغط مباشرة على الإدارة الجديدة لاتباع
سياسة محددة تجاه الشرق الأوسط تصب في الغالب في كل ما من شأنه خدمة
المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وقد قدمت أحدث دراسة من هذا النوع في بداية
1957م، بعنوان: (العمل لبناء السلام والأمن في الشرق الأوسط: التصور
الأمريكي) ، وأرفقت بتزكيات وثناء أكثر من 40 شخصية سياسية من أعضاء
ورشة العمل. وتركز الدراسة على ثلاثة محاور رئيسة هي: الخليج العربي،
والعلاقات العربية الإسرائيلية، واتفاقات التعاون الثنائي مع الشركاء في المنطقة.
نشر الدراسات والأبحاث:
تهتم معظم المراكز الفكرية الأمريكية بنشر أبحاث دورية مختصرة حول أهم
القضايا المطروحة على قائمة اهتمام كل مركز، وإتاحة هذه الدراسات وإيصالها
إلى صناع القرار السياسي في أمريكا. ويؤكد الباحث الأمريكي هوارد ويراردا في
كتابه حول السياسة الخارجية [5] هذه النقطة قائلاً: (تتحرك الحكومة الأمريكية
عن طريق الرسائل والخطابات المكتبية، وإذا كان المسؤول في أي من وزارة
الخارجية أو الدفاع أو المخابرات المركزية أو مجلس الأمن القومي مطلعاً على
دراستك أو بحثك، وهذه الدراسة مفتوحة أمامه وهو يعد خطاباً لمديره أو حتى
للرئيس الأمريكي، فإن لديك فرصة ضخمة للتأثير عليه وهو يكتب هذا الخطاب
بأن يقبس بعض أفكارك أو تحليلاتك. وفي المقابل إذا لم تكن دراستك على مكتبه،
أو الأسوأ من ذلك إذا كنت لا تعرف هذا الشخص ولا تراسله بدراساتك وأبحاثك،
فلا توجد أي فرصة للتأثير عليه، إنها معادلة بسيطة وواضحة) .
والمتابع للمؤسسات الفكرية في أمريكا يجد عشرات الدراسات والأبحاث التي
تصدر كل شهر، وترسل مجاناً إلى مكاتب الساسة وصناع القرار من أجل تحقيق
هذا الهدف السابق، وهو الوصول إلى احتمالية التأثير على القرار الصادر عن هذا
السياسي. ويروي أحد المقربين من الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان أن الرئيس قام
بإعطاء نسخة من دراسة أعدتها مؤسسة التراث حول (خطة إقامة حكومة محافظة)
إلى كل عضو من أعضاء إدارته، وطلب منهم قراءتها [6] ، ويرى أحد الباحثين
لتلك الفترة أن 60% من هذا التقرير قد تم تنفيذه خلال فترتي رئاسة الرئيس
ريجان [7] .
ويقوم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، Washington Institute
for Near صلى الله عليه وسلمast Policy بإصدار عدد من الدراسات الدورية التي تتراوح بين
50 100 صفحة، حول القضايا الهامة المتعلقة بالشرق الأوسط، وترسل هذه
الدراسات إلى أعضاء الكونجرس، وكذلك إلى الإدارات والوزارات المهتمة بهذه
القضايا. كما يقوم المركز بإصدار أكثر من 40 شريطاً سمعياً كل عام تتضمن
تسجيل المحاضرات والندوات التي يعقدها المعهد.
دعوة إلى صانعي القرار
إلى المؤتمرات والملتقيات:
تركز بعض المراكز الفكرية على هذه الطريقة كوسيلة أساسية في التأثير على
مجرى السياسة الخارجية الأمريكية، فقد قامت مؤسسة التراث في عام 1993م
وحده بعقد 125 محاضرة ولقاء حضرها أكثر من عشرة آلاف شخص، إضافة إلى
نقل كثير من هذه المحاضرات على الهواء مباشرة في إحدى القنوات التلفزيونية
المتخصصة في البث الإخباري (C-Span) [8] .
أما معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، Washington Institute for
Near صلى الله عليه وسلمast Policy فإنه يعقد سنوياً ما يزيد على أربعين لقاء ومحاضرة، أي
بمعدل يقارب محاضرة أو لقاء أسبوعياً. ويركز المعهد في هذه اللقاءات على دعوة
المسؤولين في الإدارة الأمريكية، والسفراء الأجانب، وممثلي المؤسسات الصحفية، والأكاديميين، بهدف تشكيل قناعات متقاربة حول الشرق الأوسط، ويقوم المعهد
بدعوة شخصيات عالمية بارزة للحديث في هذه اللقاءات، ويجمع بينها جميعاً قاسم
واحد مشترك وهو الاهتمام بمصالح إسرائيل بصورة مباشرة. أو غير مباشرة،
ومن أبرز من دعي للحديث في هذه اللقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي، ورئيس
تركيا، إضافة إلى مسؤولي البيت الأبيض، والخارجية الأمريكية.
وإضافة إلى ذلك يعقد المعهد مؤتمرين كبيرين كل عام، يعقد الأول منهما في
الربيع من كل عام ويخصص لدراسة التحديات التي تواجه السياسة الخارجية
الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وكان من أبرز المتحدثين في هذه المؤتمرات نائب
الرئيس الأمريكي آل جور، ووزير الخارجية السابق وارن كريستوفر. أما لقاء
الخريف فيعقد في أحد المنتجعات، ويدعى له القيادات السياسية الأمريكية والأجنبية
في حوارات غير رسمية ومحادثات خاصة تهدف إلى تقوية الارتباط بسياسة المعهد
وتوجيهاته.
تزويد وسائل الإعلام بخبراء في قضايا الساعة:
تدعو كثير من المراكز الفكرية الباحثين فيها إلى الكتابة في الصحف
والمجلات والدوريات السياسية والعامة، وتقوم هذه المراكز بإرسال البحوث
المختصرة، وأوراق العمل إلى الصحف الكبرى لعرضها للنشر في هذه الصحف
مما يكسب المراكز الفكرية شعبية لدى عامة الناس.
ويقوم معهد هوفر Hoover Institute المعروف بعلاقاته القوية مع الرئيس
السابق ريجان باستغلال هذه الوسيلة بشكل مكثف للغاية. ويروي جلين كامبل أن
معهد هوفر كان يسعى دائماً إلى إرسال مقال واحد على الأقل من كتابات الباحثين
بالمعهد يومياً طوال العام إلى الصحف والمجلات الأمريكية، وغالباً ما يتم نشر هذا
المقال في عشرات الصحف اليومية، ونشر في أحد الأعوام السابقة أكثر من 350
مقالاً من المعهد، ويعلق على ذلك قائلاً: (إن وسائل الإعلام تتعطش للأفكار
الجديدة، ونحن نساهم في سد هذا الاحتياج) [9] .
أما مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية والاستراتيجية Center for
Strategic and International Studies، فله السبق في هذا المجال دون
منازع. فقد أجرى الباحثون في المعهد في عامين أكثر من 1200 حوار تلفزيوني،
و1000 لقاء إذاعي، و2500 خبر بالصحف، وكتبوا ما يزيد على 2500 مقال
للصحف والمجلات الأمريكية [10] .
وبالطريقة نفسها يقوم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى Washington
Institute for Near صلى الله عليه وسلمast Policy بنشر مقالات في الصحف والمجلات
الأمريكية بصورة دورية، فقد نشرت صحيفة الرول ستريت جورنال اليومية
مؤخراً أحد المقالات لإحدى الباحثات في المعهد وهي إمي ماركوس حول الصراع
بين عرفات وحسين حول القدس [11] ، وكالمتوقع فقد ركزت الباحثة على
الجوانب السلبية في هذه العلاقة، مع التأكيد على أن قضية القدس محلية داخلية
خاصة بدولة إسرائيل.
فتح قنوات الاتصال مع الإدارة الأمريكية:
يتم فتح قنوات الاتصال مع المؤسسات السياسية الأمريكية عن طريق إقامة
دورات تدريبية للسياسيين في مجالات السياسة الدولية والعلاقات الدولية، وعن
طريق تعيين موظفين سابقين في الإدارات الأمريكية في هذه المراكز، وكذلك تقديم
استشارات عاجلة ومختصرة للمسؤولين السياسيين حول القضايا التي تطرأ على
الساحة، وأخيراً دعوة العاملين في الإدارات الحكومية إلى زيارات دورية إلى هذه
المراكز للتعرف على القائمين عليها.
ونجد مثلاً أن المعهد الأمريكي للاستثمار قد قدم فرصة عمل وبحث متميزة
للرئيس فورد بعد أن ترك الرئاسة، وكذلك لديك تشيني وزير الدفاع السابق. أما
مركز الدراسات الاستراتيجة والدولية فقد قدم فرص عمل متميزة لكل من
بريجنسكي وهنري كيسنجر. وقدم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
Washington Institute for Near صلى الله عليه وسلمast Policy، عضوية مجلس الأمناء
لكل من جورج شولتز، وإليكسندر هيج، ووارن كريستوفر، وكلهم من وزراء
الخارجية الأمريكية السابقين. وكما يشرح جورج شولتز، فإن وجود السياسيين
السابقين في مناصب أي مركز فكري يفتح أمام هذا المركز فرصاً متعددة
للتأثير [12] .
أما المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي Jawish Institute for
National Secuirty صلى الله عليه وسلمffairs، المعروف بعلاقته القوية بالمؤسسة العسكرية
الأمريكية، وارتباطه المباشر أيضاً باللوبي الصهيوني، فيقوم بتنطيم رحلات
لمجموعات من الضباط الأمريكيين لزيارة إسرائيل لتوطيد العلاقات مع الجيش
الإسرائيلي، كما يقوم بإعداد زيارات لطلاب الكليات العسكرية للتدريب الصيفي في
وحدات الجيش الإسرائيلي [13] .
التطوع للعمل والإدلاء بالشهادات في لجان العمل السياسي:
تهتم كثير من المؤسسات الفكرية الأمريكية بتقديم الباحثين فيها كخبراء في
الموضوعات المطروحة على الساحة، وتسعى إلى أن توجه لهم الدعوات للإدلاء
بآرائهم في القضايا المختلفة على لجان العمل وجلسات الاستماع والبحث في كل من
مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي. ويكفي أنه في عام واحد فقط قام أكثر من
176 باحثاً من 21 مركزاً فكرياً بالإدلاء بشهاداتهم أو تقديم رؤيتهم رسمياً إلى لجان
الكونجرس الأمريكية [14] .
وقد قام خبراء من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى Washington
Institute for Near صلى الله عليه وسلمast Policy، بالإدلاء بشهاداتهم في العديد من القضايا
المتعلقة بالشرق الأوسط في السنوات الأخيرة بصفة خبراء وأكاديميين، فقام المدير
العام للمعهد روبرت ستالوف بالإدلاء برأيه أمام لجنة العلاقات الدولية بدعوة من
مجلس النواب الأمريكي في إبريل 1997م حول (السياسة الأمريكية تجاه مصر) ،
ولا شك أن الخلفية الشخصية له بصفته يهودياً، والصفة الرسمية له كرئيس للذراع
الفكري الإسرائيلي في واشنطن قد لعبا دوراً هاماً في الرأي الذي قدمه أثناء شهادته. وكانت الشهادة مليئة بالهجوم على مصر وموقفها من التطبيع السياسي مع إسرائيل، وأهمية المد الإسلامي في مصر، وضرورة التعاون الأمني على أعلى مستوى في
ذلك، وطالب أن تتوقف مصر عن أية تهديدات لإسرائيل!
تأثير المراكز الفكرية على الرأي العام:
للمراكز الفكرية الأمريكية آثار مباشرة على الإعلام الغربي، ومن ثَمّ على
الرأي العام الأمريكي، وقد رصد أكثر من باحث أكاديمي كيف أن المراكز الفكرية
تنجح في كثير من الأحيان في تغيير الرأي العام الأمريكي تجاه قضية معينة عن
طريق مجموعة خطوات إعلامية مدروسة بعناية لتحقيق هدف محدد، وهو تغيير
قناعات ومواقف الرأي العام لتبني وجهة نظر المركز الفكري والجهات التي تموله.
ويذكر تشارلز وليام ماينز، محرر دورية (السياسة الخارجية) Foreign
Policy كيف يتم تغيير الرأي العام الأمريكي بطريقة منظمة تبدو عفوية، فيقول:
تبدأ العملية بمقال في أحد الدوريات السياسية المتخصصة يكتبه باحث أكاديمي
متميز ومعروف، ويُقدّم هذا الباحث في المجلة أو الدورية على أنه (خبير أو عالم)
مما يوحي بالتوازن والاعتدال في الطرح، ولا يذكر عادة أن هذا الباحث موظف
يعمل براتب في أحد المراكز الفكرية معروفة التوجه!
يلي ذلك تولي عدد من المطبوعات الأخرى الموالية لنفس الاتجاه الثناء على
المقال الذي نشر في الدورية، وإبراز الأفكار الهامة في هذا المقال، والتأكيد عليها
مرة أخرى، ثم يُعقد بعد ذلك عادة مؤتمر عام، يدعى إليه متحدثون يمثلون نفس
وجهة النظر، ويتم اختيارهم بعناية للتعبير عن نفس الفكرة، وحشد الآراء حولها،
ويدعى إلى مثل هذه المؤتمرات مجموعة من الصحفيين المختارين بعناية لإبراز
هذا الحدث في المجلات والصحف التي يمثلونها، مما يضفي هالة جديدة من
الاهتمام حول المؤتمر وموضوعه، والأفكار التي يراد نشرها، وبالطبع يكون
مفهوماً للجميع بشكل لا يقبل الشك، أن الجوائز الصحفية، والدعوات للحديث في
المحافل العامة، ووسائل الإعلام، والجوائز التقديرية، كل ذلك سيكون من نصيب
أولئك أولئك فقط الذين يدافعون عن الفكرة ويدعون إليها في كل مكان. وهكذا وبهذه
المهارة المنظمة، تصبح الفكرة داخلة ضمن التيار العام للأفكار المقبولة للرأي العام
الأمريكي، وبذلك تؤثر بطريق غير مباشر على القناعات السياسية للإدارة
الأمريكية [15] .
ومن المفارقات التي تلفت النظر أن نجد أن بعض المؤسسات الفكرية تدعم
برامج وثائقية وتلفزيونية؛ لأنها تخدم وجهة نظرها، وتعبر عنها؛ ومثال واضح
على ذلك هو ستيف إيمرسون صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير (جهاد في أمريكا) . وقد سبب هذا البرنامج ضجة ضخمة في الولايات المتحدة ومعظم أنحاء العالم
الغربي لهجومه الشديد غير المستند على أي أدلة مادية على الإسلام والمسلمين في
أمريكا، واتهامهم بأنهم أكبر الأخطار الداخلية في القارة، وأنهم يهددون الأمن
الداخلي للولايات المتحدة. وذكر ستيف إيمرسون لجريدة واشنطن بوست أنه تلقى
مبلغ 000ر325 دولار أمريكي من مؤسسة برادلي رضي الله عنهradley Foundation
لإتمام هذا البرنامج، ويبقى أن نعرف أن دانيال بايبس، مدير معهد الدراسات
الخارجية في فيلادلفيا Foreign Policy Research Institute، كان هو
المسؤول عن توزيع وإنفاق هذه المنحة على البرنامج كما ذكر ذلك روبرت كابلان
في مقدمة كتابه (العربي) الذي دعم أيضاً من نفس المؤسسة، وتولى أيضاً دانيال
بايبس متابعة إنفاق المنحة المخصصة لذلك الكتاب [16] .
المراكز الفكرية العربية والإسلامية في أمريكا:
رغم أن الساحة الفكرية الأمريكية تزخر بالمراكز الفكرية التي تمثل كافة
التوجهات الفكرية، إلا أن التواجد الإسلامي في هذا المجال لا يزال محدوداً للغاية؛
وقد يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب من بينهما قلة الموارد المالية التي تخصصها
المؤسسات الإسلامية للأنشطة الفكرية بوجه عام، وكذلك قلة القدرات الفكرية
المتميزة القادرة على الخطاب الفكري القوي باللغة الإنجليزية، إضافة إلى الإحساس
السائد لدى الجالية الإسلامية في أمريكا بعدم جدوى مثل هذه الجهود الفكرية خاصة
مع الأجواء العدائية للإسلام والمسلمين التي يبثها الإعلام الغربي بصورة يومية،
وتلقى نوعاً من الاستجابة من الرأي العام، وصناع القرار.
وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في تأخر الاهتمام بمثل هذه المشروعات،
وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت تزايد الاهتمام الإسلامي في أمريكا بالنزول
إلى الساحة الفكرية، والسعي إلى التأثير على صناعة القرار السياسي الأمريكي،
ورغم ذلك تبقى المؤسسات القكرية الإسلامية والعربية في أمريكا قليلة للغاية، وفيما
يلي أهم هذه المراكز الفكرية الإسلامية في القارة:
مؤسسة: الأمريكيون المسلمون:
صلى الله عليه وسلمmerican Muslim Foundation
وهي مؤسسة غير ربحية في واشنطن العاصمة، وتهتم بالسعي إلى زيادة
الوعي والفهم للثقافة والقيم والتاريخ الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية،
ويرأس المؤسسة الأستاذ عبد الرحمن العمودي المدير التنفيذي السابق لمجلس:
الأمريكيون المسلمون صلى الله عليه وسلمmerican Muslim Council، والمؤسسة لا تزال في
بداية نشأتها، ولم تقدم حتى الآن أنشطة لمعرفة أثرها على الساحة الفكرية.
المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث (يسر) :
United صلى الله عليه وسلمssociation for Studies and Research (Uصلى الله عليه وسلمSR)
وهي مؤسسة فكرية بحثية تتخصص في دراسة أسباب الصراع في الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا، والتغيرات السياسية التي تؤثر على مستقبل السكان
الأصليين للمنطقة، وعلاقة المنطقة بدول العالم المتقدم، ويرأس المؤسسة الدكتور
أحمد يوسف، الذي عرف بالعديد من الكتابات المتميزة في كثير من صحف
ومجلات العالم الإسلامي، ومركز المؤسسة يقع في إحدى ضواحي العاصمة
الأمريكية واشنطن، ويعمل في المركز عدد من الباحثين المتفرغين، وللمركز
أرشيف متميز في قضايا الصحوة الإسلامية.
وينشر المركز دراسات دورية حول قضايا الشرق الأوسط وخصوصاً ما
يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، ويعقد كذلك لقاءاً شهرياً يدعى إليه سياسيون
وأكاديميون بارزون، كما تصدر عن المركز دورية متخصصة في قضايا العالم
الإسلامي وعلاقته بالغرب بعنوان: (شؤون الشرق الأوسط) ويعتبر المركز من
أنشط المراكز الفكرية الإسلامية في أمريكا، وإن كان تأثيره لا يزال ضعيفاً لقلة
الإمكانات المادية مقارنة بالمراكز الفكرية الأخرى في العاصمة.
مركز دراسات الإسلام والعالم
World & Islam Studies صلى الله عليه وسلمnterprise (Wise)
وهو مؤسسة فكرية أنشئت عام 1990م في ولاية فلوريدا، والمركز عرف
بإقامة الندوات ونشر الدراسات، وإصدار دورية متميزة تسمى: (قراءات سياسية)
وتوقفت عن الصدور في نهاية 1995م. وقد تقلص نشاط المركز للغاية بعد أن
اتهمته الصحف الأمريكية وتبعتها الإدارة الأمريكية بعلاقته بتنظيم الجهاد الفلسطيني، وخاصة بعد تولي رمضان عبد الله شلح الذي كان أحد المحررين في الدورية
مسؤولية تنظيم الجهاد بعد اغتيال فتحي الشقاقي، وقد أدى ذلك إلى مهاجمة
المخابرات الأمريكية للمركز وإيقاف العاملين فيه رهن التحقيق.