تأملات دعوية
عبد الله المسلم
لقد أحسن الله تبارك وتعالى كل شيء خلقه، وخلق هذا الكون وفق نظام
وسنن مطردة، واطراد السنن في الحياة المادية ومعرفة الإنسان بها أعانه على
الاستفادة كثيراً مما في هذا الكون من قوى مادية.
وكما أن الله تبارك وتعالى جعل سنناً مادية تعين الإنسان على فهم أوجه الحياة
المادية واستخراج قوانين ثابتة تشكل الأساس في فهم الظواهر المادية والانطلاق
منها، فقد أودع الله تبارك وتعالى الكون سنناً تحكم حياة الناس والمجتمعات.
إن ذكر قصص السابقين والأولين والأمر بالاعتبار والاتعاظ بها دليل واضح
على أن هناك سنناً تحكم حياة الناس ومجتمعاتهم، وأن الأمة إذا سلكت ما سلكه
الأولون آلت إلى ما آلوا إليه، فبعد أن ساق الله قصة بني النضير وما أصابهم
أعقبها بقوله: [فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ] [الحشر: 2] . وأمر الله الناس
بالسير في الأرض والاعتبار بما أصاب السابقين [أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا]
[محمد: 10] . والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وفي مقابل سير المعرضين والمكذبين يعرض تبارك وتعالى سير المؤمنين:
[فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ
الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ] [يونس: 98] .
وينكر القرآن على المؤمنين اعتقادهم أن بإمكانهم تحقيق النصر دون أن
يصيبهم ما أصاب السابقين من قبلهم: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَاًتِكُم مَّثَلُ
الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَاًسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] [البقرة: 214] .
ويرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى ذلك فيقول: (لقد كان من
قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن
دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه،
وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا
الله) .
إن كثرة هذه النصوص لتعطي دلالة على أهمية هذه الحقيقة الغائبة اليوم عن
كثير من المسلمين، وجدير بالدعاة إلى الله والذين يتخذون القرآن هدياً ومنهاجاً لهم
أن يعنوا بهذه السنن؛ ومن أوجه العناية بها ما يأتي:
1-السعي للتعرف عليها، واستنباطها. ومن أعظم المصادر في ذلك كتاب
الله عز وجل فيما حكاه عن الأولين والسابقين، وما قصه النبي -صلى الله عليه
وسلم- من قصص وأخبار السابقين. ومن المصادر المهمة دراسة التاريخ دراسة
واعية، وقد أمر الله في كتابه بذلك في غير ما موطن: [أفلم يسيروا في
الأرض] . [أوَلم يسيروا في الأرض] . [قل سيروا في الأرض] ويعقب ذلك بالأمر بالنظر والاعتبار.
2- إعادة تقويم الدراسات الاجتماعية والإنسانية على ضوئها.
3- إبراز هذه السنن أمام مجتمعات المسلمين، وتضمينها الخطاب الدعوي
الموجه لهم.
4- الانطلاق منها في رسم برامج التغيير والإصلاح، وأخذها بالاعتبار
والسير وفقها؛ فالله سبحانه وتعالى قد شاء أن يكون نصر هذا الدين قائماً على بذل
الجهد والسبب [فَإذَا لَقِيتُمُ الَذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الوَثَاقَ فَإمَّا مَناً بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ
مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ]
[محمد: 4] .