مجله البيان (صفحة 2836)

في دائرة الضوء

الغرب والقنبلة النووية الإسلامية

د. باسم خفاجي - إسلام المرابط

(إن التسلح النووي لـ (إسلام أباد) هو سلاح الدمار الشامل الأول من نوعه

في العالم الإسلامي.. إن الدين والمجموعة الحاكمة التي تعتبر الأشد تطرفاً، والتي

تمثل أكبر تهديد غير متوقع للعالم الغربي من ناحية العقلية والتصرفات، قد

وضعت يدها على وسيلة تأثير مهمة للغاية) .

[جابور زورد صحيفة مجرية]

(إذا استخدمنا القوة العسكرية.. فلا بأس بذلك.. لأننا أمريكا! نحن أمة لا

يستغني عنها العالم.. هاماتنا عالية.. ونتطلع إلى المستقبل)

[مادلين أولبرايت]

هكذا كتب العالم عن القنبلة الباكستانية، وهكذا عبرت أولبرايت عن سبب

اهتمام الغرب بنزع السلاح النووي من العالم، وإبقائه في يد أمريكا. هكذا قدم

الإعلام الغربي ووزيرة الخارجية الأمريكية المسوغ القانوني للعبة المعايير

المزدوجة. هكذا قدمت أولبرايت الصلف الأمريكي في أقسى وأشد الصور نفاقاً.

ولقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن العالم قد يشهد تحولاً حاداً في موازين القوى

العسكرية، وخاصة فيما يتعلق بميزان التسلح النووي. فقد كان للتفجيرات النووية

التي أجرتها كل من باكستان والهند خلال الفترة الماضية أثر كبير على النظرة

العالمية للتفوق النووي للغرب، ومدى إمكانية منافسة دول العالم الثالث في هذا

الشأن.

ويبدو أن دراسات الخبراء والأكاديميين فضلاً عن توقعات وتحليلات

الإعلاميين، كثيراً ما تصطدم بتسارع الأحداث وانفجارها على أرض الواقع،

وعند رصد تاريخ الشعوب والأمم، وبعد قراءة ما (سقط عمداً) ، يتضح لنا أن

(للعقائد الدينية) و (النزعات العرقية) (والدوافع المصلحية) النصيب الأكبر في

توجيه سياسات الدول، وتشكيل ثقافات الشعوب وقناعاتها مهما استترت تلك

السياسات والثقافات خلف الشعارات البراقة، أو تقنعت بالمدنية وتقبل (الآخر) ، بل

حتى إن ذهبت أبعد من ذلك فارتدت لباس النصح والتهاون والتكامل!

تاريخ الصراع:

تتسم المنطقة الواقعة في أدنى الوسط الآسيوي التي تتقاسمها الصين والهند

وباكستان بالتوتر والأجواء المشحونة، وليس ذلك مستغرباً؛ فقد نشبت بين الهند

والصين حرب في عام 1962م، كما دخلت الهند في ثلاث حروب مع باكستان كان

أولها عام 1948م عقب استقلال البلدين عن بريطانيا، وثانيهما في عام 1965م،

وثالثهما عام 1971م وهي الحرب التي أسفرت عن نشأة بنجلادش بدلاً عما كان

يُعرف بباكستان الشرقية، وقد لعبت مشكلة احتلال الهند لكشمير دوراً رئيساً في

الصراع بين الهند وباكستان.

هذه الأجواء المشحونة كانت أسباباً رئيسة في سعي الدول الثلاث لزيادة

وتطوير ترسانتها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. أما الصين فإضافة إلى

اهتمامها بزيادة ممتلكاتها من الأسلحة التقليدية وتطويرها للأسلحة المتقدمة

كالصواريخ ذات الكفاءة العالية، امتلكت السلاح النووي في وقت مبكر، وحصلت

على مقعدٍ دائم في مجلس الأمن الدولي.

باكستان والقنبلة الإسلامية:

في وسط منطقة متوترة توجد بها قوى عسكرية ونووية وسكانية كبيرة، لم

يكن أمام باكستان خيار غير تطوير ترسانتها من الأسلحة التقليدية، ومحاولة امتلاك

القوة النووية لتوفيرمناخ من (الردع النووي) في المنطقة، خاصة مع العداء

الواضح بينها وبين الهند. استقلت باكستان عن بريطانيا عام 1947م، ولم يكن

لديها جيش معتبر أو صناعة عسكرية قوية، مما حدا بها إضافة إلى العديد من

الظروف الأخرى إلى التركيز على بناء قدراتها العسكرية وتطويرها، وكان لاعتماد

باكستان الكبير على ذاتها في هذا المجال الأثر الواضح في الخبرة والتقدم العسكري

الذي ظهرت به في العقود الأخيرة.

وفي باكستان خمسة عشر مجمعاً للصناعات الحربية أنشأتها باكستان بعيداً عن

المناطق الحدودية تحسباً للطوارئ. وفي مجال الصواريخ أيضاً أعلنت باكستان

وقبل شهر تقريباً من التجارب النووية الهندية الأخيرة عن نجاح تجربة صاروخ

(غوري) الذي يصل مداه إلى 1500كم تقريباً ويمكنه أن يحمل رأساً حربياً بزنة

700 كجم. وأخيراً وبعد سنوات من التوقعات والشك والترقب حول قدرات

باكستان النووية، ردت باكستان بعد سبعة عشر يوماً على التجارب النووية الهندية

في مايو الماضي بتفجيرات نووية مماثلة.

ولعل مما يجدر ذكره في هذا المقام أن اختيار أسماء بعض الصواريخ الهندية

والباكستانية له دلالاته التاريخية؛ فالصاروخ الباكستاني الجديد غوري المشار إليه

سابقاً هو نسبة إلى السلطان شهاب الدين الغوري الذي هزم الراج برثيفي (سمي به

صاروخ هندي) ، وأقام دولته الإسلامية شمال بلاد الهند في القرن الثاني عشر

الميلادي. وإذا وضعنا في اعتبارنا كذلك الحروب الثلاث التي قامت بين الهند

وباكستان من قبل، فإن كل هذه الأمور تجعل الجانب الديني أمراً لا يمكن تهميشه

أو التغاضي عنه في الصراع كما يحاول البعض أن يفعل.

أمريكا والغرب وردود الفعل:

تركزت ردود الفعل الأمريكية والأوروبية الرسمية في مجموعة من المواقف

التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1- معارضة زيادة أعضاء النادي النووي:

لقد أعلنت أمريكا أنها ستعارض اشتراك أي من الهند أو باكستان في النادي

النووي بحجة أنه قد قُرّرَ عام 1964م مَنْ هي الدول النووية، ولذلك فلا يمكن

تغيير ذلك الآن! ومن الغريب أن أمريكا تعلن أن قوة أية دولة ومكانتها في التاريخ

لا تتحدد بمدى امتلاكها للسلاح النووي، وقد وجه هذا الخطاب مؤخراً إلى كل من

باكستان والهند، ولكن أمريكا في المقابل تعلن بكل قوة أنها سوف تقف ضد رغبة

أي دولة من هذه الدول في الانضمام إلى النادي النووي، فإذا كان هذا النادي لا

يمثل أي تميز أو يرمز إلى أية قوة تاريخية، فلماذا تستميت أمريكا في تحجيم من

يتأهل للمشاركة فيه؟ !

لقد أعلن أكثر من مسؤول أمريكي أن أمريكا سوف تطالب كلاً من الهند

والباكستان بالتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في الوقت الذي

يرفض فيه الكونجرس الأمريكي التصديق على المعاهدة نفسها حتى الآن.

2- منع تكرار مثال باكستان والهند:

أعلن نائب وزير الخارجية الأمريكي في لقائه بالصحفيين في صباح يوم 28

مايو 1998م، أن الإدارة الأمريكية منزعجة للغاية من تفجيرات الهند وباكستان؛

لأنهما سيقدمان نموذجاً سيئاً على حد تعبيره لباقي الدول التي تفكر في اقتناء السلاح

النووي [1] . إن من مصلحة الغرب وأمريكا خاصة ألا توجد أية أخطار نووية في

القرن القادم. ورغم ذلك فلم تعلن أمريكا التي تمتلك آلاف الرؤوس النووية نيتها في

التخلص النهائي منها، ولكنها تكتفي بمطالبة العالم بعدم اقتنائها!

3- التركيز على آثار التسلح النووي الباكستاني:

رغم أن الهند هي التي بدأت التفجيرات، إلا أن التحليلات السياسية لهذا

الحدث قد تناولت الباكستان بشكل أكبر بكثير من تناولها للتفجير الهندي. وقد أكد

ذلك نائب وزير الخارجية الأمريكي في لقائه بالصحفيين الأمريكيين يوم 28 مايو

1998م عندما سئل عن سبب التحامل على باكستان رغم أنها لم تكن هي التي بدأت

هذه الأزمة، رد قائلاً ومتجاهلاً للموضوع: (ليس من المفيد الآن أن نبحث من هو

صاحب الخطيئة الأولى، وسنسمع من الكثير من الهند وخارجها تكهنات عديدة

حول هذا الموضوع) .

4- الخداع الإعلامي:

برز الخداع الإعلامي الغربي بصورة مزعجة وغير عادلة تجاه الباكستان

والعالم الإسلامي بشكل عام؛ ولعل أبرز دليل على ذلك هو اللقطات المتكررة التي

أعادت بثها القناة الأخبارية الأمريكية قبل التفجيرات الباكستانية لرئيس وزراء

الباكستان وهو في زيارة لمحطة راديو باكستان، وقد ظهر رئيس الوزراء وهو

يتفقد الأجهزة والمعدات الخاصة بالبث الإذاعي. وبدلاً من أن يذاع الخبر الخاص

بزيارة محطة الإذاعة، فقد قامت القناة بوضع صور تلك الزيارة كخلفية لخبرها

حول استعدادات باكستان للتفجير النووي، فيما ظهر للمشاهد وكأن نواز شريف في

زيارة لمقر العمليات الخاصة بهذا التفجير. وساهم ذلك بلا شك في الإحساس

بالرعب من الخطر الإسلامي القادم، مما دعا أحد المسؤولين في وكالة المخابرات

المركزية الأمريكية إلى اتهام القناة التلفزيونية بالتحايل؛ لأنه قد ظن شخصياً أن

صور الزيارة هي لمركز التفجير وليس لمحطة إذاعية.

لقد أخفى الإعلام الغربي كذلك حقيقة أن أمريكا قد زودت الهند بأكثر من

600 رطل من البلوتونيوم الذي ادعت الهند في البداية أنه سيُستخدم للأغراض

السلمية. لقد قامت كندا ببناء المفاعل النووي الهندي الذي بدأ في العمل في عام

1960م. وقامت أمريكا بتزويد المفاعل بأكثر من 21 طناً من الماء الثقيل اللازم

لتشغيل المفاعل. ولم يذكر الإعلام الغربي أياً من هذه الحقائق ضمن منظومة

متكاملة من التعتيم الإعلامي حول هذا الأمر.

تخوف الغرب من القنبلة الإسلامية:

ذكرت إحدى الصحف المجرية المحافظة (نابي ماجيار ورزاج) في صفحتها

الأولى تعليقاً على خطر القنبلة النووية الإسلامية أن (الحقيقة أن مساحة إسرائيل

صغيرة للغاية، والتركز السكاني فيها كبير جداً لدرجة أن سلاحاً نووياً واحداً

يهاجمها من أي ناحية يمكن أن يؤدي إلى تغييرات ضخمة في خريطة الشرق

الأوسط) [2] . أما عن الخطر الذي يمثله هذا التفجير على العالم الغربي، فقد

ذكرت الجريدة ما نصه: (إن التسلح النووي لإسلام أباد هو سلاح الدمار الشامل

الأول من نوعه في يد العالم الإسلامي.. إن الدين والمجموعة الحاكمة التي تعتبر

الأشد تطرفاً والتي تمثل أكبر تهديد غير متوقع للعالم الغربي من ناحية العقلية

والتصرفات، قد وضعت يدها على وسيلة تأثير مهمة للغاية) .

أما جريدة (دير ستاندرد) النمساوية المستقلة، فقد كتبت في مقال بعنوان:

(القنبلة الإسلامية) يوم 29مايو 1998م أن العالم لم يشارك أمريكا في توقيع

العقوبات الاقتصادية على الهند، أما اليوم فإن باكستان سوف ينظر لها بشكل آخر؛

لأن قنبلتها (إسلامية) .

أما الصحف الإسرائيلية فقد تصدرت الحملة ضد القنبلة الإسلامية. وظهرت

الصحف المعارضة هناك في حملة شديدة على سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي

التي ربطت بين تفجيرات الهند، وبين إسرائيل مما سيقدم الغطاء الشرعي للدول

العربية والإسلامية المحيطة بإسرائيل للحصول على السلام النووي أيضاً. ولذلك

خرجت صحيفة معاريف لتعلق على تفجير الباكستان قائلة: (إن علاقة باكستان

وإيران تضاعف من قلقنا بشأن (القنبلة الإسلامية الأولى) . وإذا كان هناك من

أسباب مقنعة للتعجيل بعملية السلام، فلا شك أن هذا السبب هو أكثرها جاذبية) .

لقد سئل السناتور أكرم زكي، رئيس الوفد البرلماني الباكستاني الذي زار

أمريكا مؤخراً لشرح وجهة نظر الباكستان في التجارب النووية الأخيرة عن (القنبلة

الإسلامية) فعلق قائلاً (إن القنابل لا دين لها، ولم يتعود العالم أن ينسب للقنابل إلى

أي دين حتى الآن، فلماذا تسمى قنبلة باكستان (إسلامية) . لقد لمس أكرم زكي

بانتقادٍ لطيفٍ هذه الازدواجية العجيبة في الإعلام الغربي فيما يتعلق بالإسلام والعالم

الإسلامي. فلماذا لا يتحدث العالم الآن عن (القنبلة الهندوسية) ، ولماذا لا نتحدث

عن (القنبلة اليهودية) ، ولماذا لا نسمع عن آلاف (القنابل النصرانية) ، والتي يكفيها

فخراً بل وضاعة أن واحدة منها قد ألقيت على مدينة يابانية فأبادتها. إنه التاريخ

الذي يحاول الغرب أن يعيد كتابته. وإذا كان الغرب يخشى من القنابل ذات الأديان، فلماذا لا نراه يتقدم الجميع في القضاء على هذا الخطر الذي يتهدد البشرية بدلاً

من الإبقاء المستميت على التقدم في هذا المجال، ومنع العالم من اقتناء الأدوات

نفسها التي بدأت تنتسب إلى الأديان مؤخراً.

وفي لقاء على الهواء مباشرة مع أحد أساتذة جامعة ويسكنسون، وهو الدكتور

ميلهولين، ورداً على سؤال حول الخطر النووي الذي يتهدد أمريكا، ذكر الدكتور

ميلهولين أنه (في حال امتلاك إيران أو العراق للسلاح النووي، فسوف يستخدمونه

ضد المدن الأمريكية! وأنا أعتقد أن هذه الدول ستكون مستعدة لاستخدام الجماعات

الإرهابية إذا لزم الأمر لتحقيق ذلك) [3] .

لقد أعلن السيناتور الأمريكي دانيال موينهان أن (العالم على وشك الدخول في

حرب نووية بسبب التفجيرات النووية في باكستان والهند) . وذكر السيناتور الذي

كان سفيراً سابقاً لأمريكا في الهند (نحن الآن نواجه قنبلة نووية إسلامية ... وهذه

القنبلة يمكن أن توضع الآن على رأس صاروخ يمكن أن يعني فناء إسرائيل. إن

كل ما كنا نتخوف منه من قبل حول السلاح النووي قد أصبح واقعاً أخيراً) [4] .

أما هانتجتون صاحب كتاب (صراع الحضارات) فقد أعلن مؤخراً أن صراع

الحضارات قد بدأ يتحول إلى صراع نووي. وأعلن كذلك أن الصراع بين الهند

وباكستان ليس صراعاً سياسياً، وإنما هو صراع بين الهندوسية والإسلام.

حقائق أظهرتها الأزمة الأخيرة:

* المعايير المزدوجة:

لقد كانت أمريكا وراء كل المحاولات التي جرت في السنوات الأخيرة لتقليل

أو منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ومع ذلك تبقى أمريكا صاحبة أكبر ترسانة من

الأسلحة النووية. وهي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت الأسلحة النووية

لضرب المدنيين في أكبر كارثة نووية عرفها العالم حتى اليوم، فضلا عن

الازدواجية في التعامل.

فبينما تعلن في الأيام الأخيرة عن المقاطعات الاقتصادية المتتالية على باكستان

والهند مثلاً لمحاولاتهما الحصول على السلاح النووي، نجد أن (إسرائيل) تحصل

بصفة مستمرة وحتى الآن على كافة أنواع المساعدة التقنية والعلمية في برنامجها

النووي.

لقد تسابقت الصحف الغربية في الأيام الأخيرة على تناول الخطر القادم فيما

إذا امتلكت أية دولة عربية أو شرق أوسطية السلاح النووي، وخطورة ذلك على

أمن العالم، ولكننا لم نسمع أحداً يتحدث عن خطورة امتلاك إسرائيل لعشرات

الرؤوس النووية التي تهدد العالم الإسلامي بأكمله!

فهل يلام العرب أو المسلمون إذا أرادوا أن يدفعوا عن أنفسهم بمثل السلاح

الذي يمتلكه عدوهم؟

لقد كتبت جريدة (جانج) الباكستانية في افتتاحيتها يوم 13 مايو: (إن أمريكا

مهتمة فقط بمنع السلاح النووي عن العالم الإسلامي، لأنها لا تستطيع قبول فكرة

وجود دولة إسلامية تقتني التقنية النووية. ولذلك فإن الدول الإسلامية هي التي

تتعرض فقط للمقاطعات الاقتصادية الحادة) [5] .

إن هذه الازدواجية تعني للعالم أن الواقع والأفضل (أن تفعل كما تفعل أمريكا.. لا كما تقول) . إن أمريكا قد أجرت أكثر من ألف تفجير نووي خلال السنوات

الماضية، وتمتلك ما يزيد عن 000ر10 رأس نووي. فكيف يمكن لها أن تطالب

العالم بإيقاف التجارب النووية فقط لأن أمريكا لم تعد تشعر بحاجة لإجراء المزيد

منها؟ !

* لفت أنظار العالم:

أبرزت الأحداث النووية الأخيرة في شبه القارة الهندية كثيراً من القضايا التي

لم تكن معروفة بشكل واضح على الساحة الدولية، ومن ذلك أن أمريكا قد تسلمت

مبلغ 600 مليون دولار من باكستان لتزويدها بـ 40 طائرة مقاتلة من طراز 16،

ورغم أن المبلغ قد تسلمته الإدارة الأمريكية بالكامل، فهي ترفض حالياً تسليم

الطائرات، أو إعادة المال، كما أظهرت الأحداث مدى التعاون الوثيق بين الهند

وإسرائيل في مجالات التسلح النووي.

وفي مقال نشرته جريدة (الأخبار) الباكستانية التي تمثل خط الوسط، كتب

عادل نجم الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة بوسطن بأمريكا قائلاً:

(إن العالم قد بدأ أخيراً يهتم بنا، ويعاملنا باحترام؛ وإذا لم يكن هناك من فائدة من

التفجير النووي إلا ذلك لكفى) .

* تعاون باكستان مع القوى العالمية:

تعاونت باكستان مع الصين وفرنسا وروسيا وعقدت اتفاقات دفاع مع إيران

والصين، وتثير العديد من التقارير إلى أن الصين قد ساعدت باكستان في بعض

الجوانب في برنامجها النووي، وتحاول باكستان بذلك تكوين جبهة تقف بجوارها

في مواجهة الهند، حيث تساور باكستان الشكوك في تطلع الهند إلى فرض هيمنتها

على المنطقة والوصول إلى ثروات الجمهوريات المستقلة عن روسيا؛ فضلاً عن

تطلع الهند لإنهاء قضية كشمير بالكيفية التي تريد، إلا أن موقع الباكستان يفسد

على الهند كل ذلك. والقيادات الباكستانية المتعاقبة تدرك خطورة التهديدات الهندية

، مما حدا بعلي بوتو رئيس وزراء باكستان قبل أكثر من عشرين عاماً أن يصرح

بأن بلاده مستعدة لأكل الحشائش إذا اقتضى الأمر في سبيل نجاح برنامجها النووي.

* التعاون الهندي الإسرائيلي:

أشار العديد من التقارير والدراسات إلى ضلوع (إسرائيل) بوضوح في تطوير

البرنامج النووي الهندي، ولا تخفى الزيارات المتبادلة بينهما على أعلى المستويات

. وتجدر الإشارة إلى حديث الحاخام اليهودي الهالك مائير كاهانا في عام 1987م

حول (ضربة استباقية) تخطط لها الهند وإسرائيل ضد مفاعل كاهوتا الباكستاني.

لقد كانت (إسرائيل) من الدول القليلة في العالم، والتي لم تعترض على

التفجيرات النووية في الهند. وذكرت صحيفة هآرتز أن وزير الخارجية الإسرائيلي

قد رفض طلباً من أمريكا بأن تقوم (إسرائيل) بشجب ما فعلته الهند والمشاركة في

المقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي [6] . ولقد زار المسؤول

الهندي عن البرنامج النووي إسرائيل أكثر من مرة عامي 1996م، 1997م، وفي

مقال نشر في صحيفة واشنطن تايمز، ذكر الدكتور براهما شيلني وهو باحث في

شؤون الأمن القومي في معهد الدراسات السياسية في نيودلهي أنه قد قام بزيارة

إسرائيل عقب تفجيرات الهند مباشرة، والتقى هناك بالمسؤولين الصحفيين

الإسرائيليين، وأعرب لهم أن التعاون بين إسرائيل والهند وثيق وخاصة في

مجالات التقنية العسكرية.

* حمى المقاطعة وعدم جدواها:

ذكر نائب وزير الخارجية الأمريكي في لقاء صحفي مؤخراً أن أمريكا ستسعى

إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية كوسيلة فعالة لمنع الدول الأخرى من التفكير في

إجراء التجارب النووية. فما كان من أحد الصحفيين الأمريكيين إلا أن سأله:

(كيف تعتقد أن ذلك سيكون فعلاً، وقد أعلنت كل من الباكستان والهند أنهما كانتا

على إدراك تام بأن أمريكا سوف توقع عليهما هذه المقاطعات، ومع ذلك لم يمنعهما

هذا من إجراء التجارب؟) وتجاهل نائب الوزير الرد على ذلك السؤال المحرج.

ويبقى الأمر واضحاً، وهو أن الشرطي الأمريكي قد فقد هيبته أمام المجتمع الدولي)

فإذا كانت دولة فقيرة وضعيفة اقتصادياً كالباكستان تتجاهل هذه المقاطعة في سبيل

تعزيز أمنها القومي، فإن كثيراً من دول العالم في وضع أفضل من الباكستان

لتحدي مثل هذه القرارات الاقتصادية التي بدأت تفقد جدواها.

لقد استخدمت أمريكا المقاطعات الاقتصادية أكثر من 120 مرة خلال الثمانين

عاماً الماضية، إلا أن أكثر من نصف هذه الحالات قد حدث خلال إدارة الرئيس

كلينتون! إن المقاطعة الأمريكية تشمل حالياً أكثر من 70 دولة من دول العالم،

وتمس حياة أكثر من 67% من البشر على وجه الأرض. فهل هناك جدوى ملموسة

لمثل هذه المقاطعات التي أوشكت أن تشمل العالم كله؟ لقد ذكر توماس أومستاد في

مقاله الأخير: (إدمان المقاطعة) أن المقاطعات الاقتصادية قد سببت خسائر ضخمة

للصناعات الأمريكية وكلفت الاقتصاد الأمريكي ما يزيد عن 15 19 مليار دولار

في عام 1995 وحده؛ إضافة إلى خسارة أكثر من 260 ألف وظيفة عمل.

* تبعية مؤسسات الاقتصاد العالمي للغرب:

أظهرت الأزمات الأخيرة في آسيا مدى تلاعب أمريكا بالمؤسسات الاقتصادية

العالمية، واستخدامها كوسائل ضغط تحقيق المآرب الأمريكية والمصالح الخاصة

للولايات المتحدة. وقد أعلن مايك ماكري المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض أن

أمريكا ستمارس ضغوطها على كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمنعهما

من إقراض كل من باكستان والهند أية أموال في الفترة القادمة. وذكر للصحفيين:

(لقد رأيتم في حالة البنك الدولي مع الهند، فقد كان لدينا تأثير كبير على قرارات

البنك الدولي، أما في حالة باكستان فما علينا إلا أن ننتظر) [7] .

* إخفاق الشرطي الأمريكي:

لقد أثبتت الأزمة الأخيرة إخفاق أمريكا في القيام بدور فعال كشرطي للعالم؛

فقد أظهرت الأزمة إخفاق الإدارة الأمريكية مرة أخرى في التأثير على باكستان

ومنعها من الرد على الهند بإجراء تفجيرات نووية أيضاً. وقد علق على ذلك

المتحدث الرسمي للبيت الأبيض قائلاً: إن الأحداث الأخيرة قد وضحت أن

(أمريكارغم ثرائها وقوتها لا تستطيع أن تتحكم في الأحداث في المناطق المختلفة

للعالم) . كما كان لإخفاق الإدارة الأمريكية في الحصول على التأييد الدولي اللازم

لفرض المقاطعات الاقتصادية أثر كبير على بروز هذا الإخفاق على ساحة المجتمع

الدولي.

لقد كتب الدبلوماسي الهندي م. ن. باخ في افتتاحية جريدة (الرواد) الهندية

التي تعبر عن خط الوسط يوم 3 يونيو 1998م قائلاً: (الهند لا تخشى من اليابان

وأوروبا؛ فإن سياساتهم تجاه قضايا الدفاع معتدلة وغير عدوانية، وروسيا هي

صديقتنا، أما أمريكا فهي لا تعدو أن تكون سمكة أخرى في حوض الأسماك! ..

لقد أثبتت الأحداث لنا المرة تلو الأخرى أن أمريكا لا ترغب في رؤية الهند قوية)

وإذا أصر كلينتون على أن يعزل الهند؛ فنحن قادرون بقوة على القيام بثورة

صناعية وتقنية ضد ذلك) [8] .

لقد عجزت المخابرات الأمريكية عن اكتشاف استعدادات باكستان لتجربة

الصاروخ بعيد المدى (غوري) ، التي أجريت في بداية إبريل 1998م، كما

عجزت المخابرات عن ملاحظة استعدادات الهند للتفجيرات النووية التي فاجأت

الحكومة الأمريكية، ووضعت المخابرات الأمريكية في موقف حرج للغاية. وقد

انتشرت النكات اللاذعة على وكالة المخابرات المركزية في كافة البرامج الفكاهية

في القنوات التلفزيونية الأمريكية في الفترة الأخيرة، مما يساهم في إضعاف الهيبة

الأمريكية في العالم.

* التغيرات في موازين القوى الدولية:

كتبت جريدة (نيزافيز مايا جازيت) الروسية المعروفة بتوجهاتها المعتدلة في

افتتاحية عددها الصادر في 30 مايو 1998م: (إن تصرفات الباكستان الأخيرة قد

أظهرت مدى ضعف تأثير أمريكا على أحداث جنوب آسيا. وعلى النقيض من ذلك

، فقد ظهرت الصين قوة مؤثرة. إن الباكستان تعتبر الصين صديقة، وربما

الصديقة الوحيدة بين دول عالم اليوم) [9] .

أما ورنر آدم من صحيفة (فرانكفورتر) اليمينية في ألمانيا، فقد صدّر افتتاحية

عدد 1 يونيو 1998م، بمقال بعنوان: (العجز الأمريكي) ، وفيه ذكر أن أمريكا قد

عجزت عن الحصول على الدعم الكافي من روسيا لممارسة الضغط على الهند

والباكستان، وأن عجز أمريكا يعني بالضرورة عجز الأمم المتحدة عن القيام بأي

دور فاعل في هذه الأزمات) [10] .

أمريكا ومصالحها الخاصة:

إن تمسك أمريكا بالماضي في محاولة ضمان السيطرة على انتشار الأسلحة

النووية قد يخدم المصالح الأمريكية بصورة مؤقتة، ولكن العالم يكتشف في كل يوم

أن أمريكا تسعى لخدمة مصالحها على حساب المجتمع الدولي؛ وسيأتي قريباً اليوم

الذي تصبح هذه الحقيقة جلية بدرجة كافية لوقوف العالم ضد كل من يسعى لتقديم

مصلحة دولة بعينها مهما عظمت على مصالح كافة ساكني الأرض. لقد أظهرت

الأحداث الأخيرة أن دولاً كفرنسا، والصين، قد تحدثت علانية عن عدم موافقتها

على اللحاق بالركب الأمريكي، وتلبية رغباته الملحة. وسوف يظهر ذلك بصورة

أكثر وضوحاً مع الأزمات القادمة.

ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا لا تعير العالم أي اهتمام عندما يختص الأمر

بمصالحها الخاصة. فرغم أن كل أصابع الاتهام الدولية قد أشارت إلى الصين بتهمة

معاونة باكستان في برنامجها النووي، فإن ذلك لم يمنع كلينتون من أن يطلب من

الكونجرس في تلك الفترة نفسها معاملة الصين على أنها (دولة ذات تفضيل خاص)

من قبل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالتعاملات التجارية، في الوقت الذي تهدد فيه

الإدارة الأمريكية بتوقيع أشد العقوبات الاقتصادية على باكستان! وقد علقت على

ذلك الوكالة الفرنسية للأنباء بأن ذلك يمثل صورة من صور النفاق الأمريكي

الممجوج.

وفي جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس يوم 3 يونيو 1998م

، تحدث كارل إندرفارث، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب آسيا،

معبراً عن أهمية المصالح الأمريكية قائلاً: (لن نسمح للهند أو باكستان بالمطالبة

بالدخول في النادي النووي.. وسنبذل قصارى جهدنا في ظل القانون لتقليل الأثر

السلبي لقرارات المقاطعة على الشركات الأمريكية المتعاملة مع الهند وباكستان)

[11] .

استقراء المستقبل:

إن كثيراً من دول العالم تسعى لاستثمار فكرة القنبلة النووية الإسلامية

لمصالحها الخاصة. وقد تبدو العبارة لأول وهلة براقة وممتعة في أن يكون

للمسلمين (قنبلتهم النووية) . ولكن العالم الإسلامي لا بد أن يحذر من المحاولات

المتكررة لأعداء الإسلام لزرع الخوف في العالم من الإسلام والمسلمين، وتصوير

اقتنائهم لمثل هذا السلاح، بأنه انتحار للعالم. لقد كتب هيرنامي كاركار في أحد

مقالات جريدة (الرواد) الهندية حول هذه الفكرة قائلاً: (إن الهند دولة علمانية

ديمقراطية تؤمن بالعصرنة والمساواة بين الجنسين، وهذه الأمور هي ضد التطرف

الإسلامي. إن الهند تعتبر الآن العقبة الأولى أمام المد الإسلامي، وإذا نجحوا في

القضاء عليها، فإن باقي دول العالم ستتعرض للخطر نفسه بما فيها الولايات

المتحدة.. إنهم سيستخدمون الإرهاب.. وهذا سوف يؤثر بالتأكيد على مستوى

الرفاهية التي تحياها أمريكا في الوقت الحالي.. ولعل ذلك يشعر أمريكا بأهمية

وجود الهند القوية القادرة على الدفاع عن نفسها، وسوف يكون ذلك في مصلحة

الغرب، وقد يرى أن من مصلحته أن يدعم التسلح النووي الهندي بدلاً من الوقوف

في مواجهته) ! .

وأخيراً فلم تكن تلك اللمحات السريعة عن الأسلحة النووية ومشكلة الهند

وباكستان قصداً لذاتها، ولكنها صورة من صور الأوضاع العالمية والإقليمية التي

يكون اسم السلام طرفاً فيها؛ فكلما هدأت العواصف قليلاً، ومالت الشعوب المسلمة

بخاصة إلى تصديق أو هكذا أريد لها أن العالم يشهد مرحلة جديدة من (الحضارة)

و (المدنية) تحكمها قائمة طويلة من القواعد و (المسلّمات) أمثال: (حقوق الإنسان)

(حقوق الشعوب في تقرير المصير) (عدم التدخل في الشؤون الداخلية) (المصالح

المشتركة) (السلام العادل والشامل) (الأمن والسلام العالمي) (المجتمع والأسرة

الدولية) (منع انتشار الأسلحة النووية) وغير ذلك من الشعارات، كلما حسبت

الشعوب أن تلك الأمور قد أصبحت أبجديات يجب الانطلاق منها، ووسائل لا

يصح العمل إلا من خلالها، وغايات وأهدافاً يتحتم الانتهاء إليها، وكلما مالت إلى

تصديق ذلك، تجددت الأحداث ووقع (ما لم يكن في الحسبان!) ، وإذا الأسئلة

تمثل أمام تلك الشعوب من جديد: أهكذا وبسرعة تُنسى الأبجديات، وتُعطل

الوسائل، وتُهمش الغايات والأهداف؟ ولا زال البعض يركض وراء القوم أو

يتظاهر بذلك في دعواه لمحاولة إعادة الحقوق إلى أصحابها وتطبيق (القرارات

الدولية) .

فعندما تمس القضايا (العالمية) و (الإقليمية) و (الداخلية) من يحملون اسم

الإسلام أو رسمه من قريب أو بعيد فعندئذٍ تتجلى (ازدواجية المعايير) وتسفر

الصليبية عن وجهها الفاضح في عداء الإسلام، وإذا تلك القائمة الطويلة من

الشعارات تُنَحّى جانباً وتخرج قائمة جديدة من التجاهل وغض الطرف، والحث

على الاستعجال في الإجهاز على الضحية قبل أن تلتقط أنفاسها أو يُسمع صياحها،

فإن حدث (لسوء الطالع!) وسمع المعترضون والمتسائلون فلا تزال هناك مهلة

لشغلهم بمزيد من التنديد والوعيد بمعاقبة الفاعل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015