مجله البيان (صفحة 2834)

إسرائيل الكبرى.. هل انتهى الحلم (2)

المسلمون والعالم

حِلم العرب.. وأحلام اليهود

(2من2)

إسرائيل الكبرى.. من يسابق من؟

عبد العزيز كامل

هناك اتفاق بين الساسة المتنفذين في الدولة العبرية على أن العمل لاستكمال

(مشروع إسرائيل الكبرى) هدف كبير واعد، ولكنه بعيد آجل، ولا بد من الوصول

إليه عبر مراحل في الزمان والمكان.

غير أن هناك مفهومين سائدين ومختلفين في الوسيلة التي يمكن من خلالها

الوصول إلى تنفيذ هذا المشروع، وأحد هذين المفهومين يتبناه الصقور وتمثلهم

(كتلة الليكود) التي تضم بعض الأحزاب اليمينية والدينية، والآخر يتبناه (الحمائم)

ويمثلهم (حزب العمل) الذي يضم يساريين وليبراليين. وبأدنى قدر من الفهم

يستطيع المراقب لسياسات الاتجاهين أن يدرك أنهما يتبادلان الأدوار على حسب ما

تقتضيه المرحلة في كل ظرف. لكن الحزبين في النهاية يعملان لأهداف مشتركة

وإن اختلفت الوسائل.

أما المفهوم الأول: وهو الذي تتبناه كتلة الليكود في عملها لصالح ذلك

المشروع، فيعتمد على المفهوم (الهرتزلي) في ذلك؛ حيث قال هرتزل للمستشار ...

الألماني (هوهنكر) حين سأله عن الأرض التي يريد: (سنطلب ما نحتاجه، وتزداد

المساحة المطلوبة مع ازدياد السكان) [1] وهذا يعني أن باب التوسع مفتوح ... ...

دائماً ... وقد سار (بن جوريون) أول رئيس لدولة اليهود على الخط نفسه، وعبر عن ذلك بقوله: (حدودنا حيث يصل جنودنا) [2] .

فالقوة وسياسة الأمر الواقع هي السبيل الأوحد للوصول إلى الهدف.. في

نظر بن جوريون! وقد كان هذا الرجل يشخص ببصره نحو (إسرائيل الكبرى) ..

في مبدأ إنشاء الدولة على أرض محدودة عام 1948م يقول: (إن الصهيونية حققت

هدفها في الرابع عشر من مايو 1948م ببناء دولة يهودية أكبر مما كان متفقاً عليه

في مشروعات التقسيم وبفضل قوات (الهاجاناه) . وليست هذه نهاية كفاحنا، بل إننا

اليوم قد بدأنا، وعلينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل

إلى الفرات) ! [3]

وسار على الدرب نفسه (ليفي إشكول) فخاض حرب عام 1967م لقضم أكبر

قطعة من أرض (إسرائيل الكبرى) وقد بدأ يكثف حديثه علناً عن هذا المشروع منذ

شهر أكتوبر عام 1967م، ويشاركه فيه دايان وآلون وكبار الحاخامين وزعماء

الأحزاب.

والمرأة التي كانت تفخر بأن يقال لها: (أنت أقوى رجل في إسرائيل) (جولدا

مائير) كانت تؤمن بالأسلوب نفسه فيما يتعلق بالعمل لصالح (إسرائيل الكبرى) وقد

قالت في خطاب لها: (إن إسرائيل يجب أن تكون دولة وقوة عظمى في الشرق

الأوسط، لها حق التصرف كما تريد) [4] وجاء بعدها مناحم بيجن فكان صريحاً

فصيحاً في التعبير عن النوايا اليهودية تجاه أرض إسرائيل (الكاملة) . يقول بيجن

في كتابه (الثورة) : (منذ أيام التوراة، وأرض إسرائيل تعتبر أرض الأمم لأنبياء

إسرائيل، وقد سُميت هذه الأرض فيما بعد (فلسطين) ، وكانت تشمل دوماً ضفتي

نهر الأردن ولبنان الجنوبي وجنوبي غرب سورية.. إن تقسيم الوطن عملية غير

مشروعة، وإن تواقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها،

وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها إلى الأبد) [5] وقد أشار

محمد كامل وزير الخارجية المصري الأسبق في كتابه: (السلام الضائع في كامب

ديفيد) إلى أن برنامج حزب (حيروت) ضمن كتلة الليكود، بزعامة بيجن كان يقوم

على أساس السعي لإقامة إسرائيل الكبرى [6] .

أما شامير، زعيم الليكود بعد بيجن، فكان أصرح وأفصح الزعماء في

الإعلان عن قيمة مشروع (إسرائيل الكبرى) في الفكر والوجدان اليهودي.

قال ذات مرة وهو يخاطب أحد الصحفيين: (إن (إسرائيل الكبرى) هي

عقيدتي وحلمي شخصياً، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة، ولا الصعود إلى

أرض الميعاد) [7] . وقد فاز في الانتخابات الإسرائيلية لمنصب رئاسة الوزراء

بسبب برنامجه الهادف إلى السعي من أجل إسرائيل الكبرى.

وجاء اليهودي الليكودي الجَلْد (نتنياهو) ليمثل مرحلة ساخنة على طريق

السعي اليهودي المسعور نحو (إسرائيل الكبرى) . لقد ولد نتنياهو ونشأ في بيئة

تغلب عليها أفكار حزب (حيروت) العقل الأيدولوجي لتكتل ليكود، ولذا فمن البدهي

أن يكون تأييده لمبادئ الحزب جزءاً من طبيعته ونشأته وتفكيره، وتلك المبادئ

يأتي على رأسها حقهم المزعوم في (إسرائيل الكبرى) .

وقد انتخب نتنياهو عام 1996م تأييداً لبرنامجه الانتخابي القائم على عدم

التنازل عن شبر من أرض إسرائيل المستعادة، وهو بالطبع يطمع في ترشيح نفسه

لرئاسة ثانية في انتخابات عام 2000م، وهو أيضاً لن يستطيع أن يقدم نفسه

للناخبين مرة ثانية إلا وهو في موقع المحافظ على وعوده الانتخابية للمرة الأولى

ومنها عدم التنازل عن الأرض والسيادة، لا في جنوب لبنان ولا في الضفة ولا

القطاع ولا في الجولان، والتحالف القائم الآن بين الأحزاب اليمينية اختار له اسم

هو: (أرض إسرائيل) .

المفهوم الثاني: ويرتكز على فهم خاص لدى بعض ساسة اليهود، مؤداه أن

الشعب اليهودي لن يستطيع أن يسيطر على ما حوله من الشعوب إلا بالدهاء

والحيلة والقوة بأشكالها المختلفة، بحيث تعوض هذه القوة الكيفية، الضعف الكمي

عندهم، وفي هذا يقول بن جوريون مخاطباً الشعب اليهودي: (لقد ذكر أنبياؤنا منذ

أكثر من ثلاثة آلاف سنة أنكم أقل الشعوب جميعاً، ولذلك يجب على شعب إسرائيل

أن يكون شعب قدرات وتفوق، بحيث يستطيع أن يقف أمام شعوب أكبر منه) [8] . ...

وحزب العمل كان ولا يزال يتبنى هذا المفهوم، ولعل من أبرز المتحمسين

لهذا المسلك، حمامة السلام المفترسة (شمعون بيريز) تلك الشخصية الأفعى، التي

تصدت دائماً لمشروعات امتصاص دماء الشعوب المحيطة وابتزازها. إما

بالترغيب، عن طريق مشروعات السلام الوهمي، أو بالترهيب عن طريق

الترسانة النووية التي يُعد مهندسها وأبوها الروحي.

ما مفهوم شمعون بيريز لمشروع إسرائيل الكبرى؟

لقد كان شمعون بيريز ينادي دائماً بـ (إسرائيل العظمى) أولاً، قبل إسرائيل

الكبرى، بمعنى أن تستكمل الدولة اليهودية أسباب القوة لتصبح قوة عظمى، ثم

تستكمل بعد ذلك المساحة لتكون أرضاً كبرى.

وهو يسير على محورين للتوصل إلى تلك الغاية، أولهما: السعي لزيادة قوة

الدولة اليهودية دون أدنى خضوع لعقبات أو عراقيل تفرضها الأوضاع أو الأعراف

الدولية، والثاني: العمل على توهين وإضعاف قوة البلاد العربية المجاورة بكل

وسيلة ممكنة، واستغلال أسباب قوتها ومصادر مواردها لغير صالح شعوبها.

وقد برهن عملياً على هذين المسلكين، فهو في نظر اليهود (بطل) القوة

النووية الإسرائيلية وراعي مسيرتها منذ البداية حتى النهاية. وهو من جهة أخرى

عرّاب عمليات السلام مع العرب في مرحلة ما بعد كامب ديفيد، وهو واسطة

الوصول للمأمول عبر (القنوات السرية) في أوسلو الأولى والثانية ووادي عربة.

وعندما أعلن عن خططه لعمليات السلام في عام 1991م برز حرصه كأي

زعيم صهيوني على قضية أمن اليهود وتحصينهم ضد الأخطار العسكرية وكذلك

الأخطار الاقتصادية التي ليست بأقل في نظره من الأخطار العسكرية.

أما الأخطار العسكرية فقد كفاهم إياها بمنجزاته النووية، وأما الأخطار

الاقتصادية، فقد اختار لمواجهتها طروحاته شرق الأوسطية؛ حيث دعا إلى

مشروع يهدف إلى جعل الدولة العبرية جزءاً من نسيج المنطقة المحيطة بها، بحيث

تتمدد في جسدها سرطانياً لتقتلها ببطء وترث تركتها بأمان!

اعتبر (شمعون بيريز) أن مشروع (الشرق أوسطية) يمكن أن يقوم على تكامل

الطاقات: المياه التركية والسورية والعراقية ... الأيدي العاملة المصرية

والفلسطينية ... الأسواق والثروة النفطية الخليجية مع الخبرة والذكاء و (الألمعية)

الإسرائيلية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد..!

لماذا الشرق الأوسط؟ ! وهل الشرق الأوسط إلا تسمية أخرى حداثية لـ

(أرض الميعاد) وما حولها؟

لقد اعتبر بيريز أن أنهار المنطقة الرئيسية: (النيل، والفرات، والأردن،

ودجلة) بحاجة إلى مشروع (إقليمي) لتنظيمها وتحقيق الاستفادة منها، وكذلك

الثروات الأخرى بما فيها (السياحة) ، سواء كانت سياحة دينية أو مدنية.

ولا شك أن إسرائيل الطامعة في الإشراف على تلك المشروعات الشمعونية

الإقليمية كانت تتطلع إلى عقد معاهدات صلح مع كل جيرانها العرب تتمكن خلالها

من تحقيق مآربها في أن تصبح جزءاً من نسيج المنطقة، أو بالأحرى تصبح

المنطقة جزءاً من نسيجها وساحة لتحقيق أهدافها، وفي مقابل هذا ... أو لتحقيق

هذا؛ لا ضير على إسرائيل على حد تعبير بيريز أن تترك للعرب (بعض)

الأراضي مقابل سلام قد يعده البعض تنازلاً عن الحق التاريخي والديني في أرض

إسرائيل، وهو من وجهة نظره قيام بواجب تاريخي تجاه مصلحة إسرائيل!

فما هو هذا الواجب؟ يقول: (إنها بذلك تكون قد أدت واجبها تاريخياً بحماية

طابعها الخاص من الإفساد والتشويه) ويقصد طبعاً الوضع الناجم عن وجود

الفلسطينيين بين الإسرائيليين ضمن كيان واحد؟ وبعد أن يتم (تطهير) الجسم

الإسرائيلي من العناصر غير الإسرائيلية وتضع إسرائيل يدها على المواقع المهمة

في الضفة الغربية المنزوعة السلاح، وتعقد الصلح مع الجيران، بعدها تدخل في

علاقات أعمق مع الدول المحيطة، وعندما تحقق إسرائيل هذا المشروع المتعدد

والمتداخل الحلقات؛ فإنها تكون قد وضعت رجلها حقاً في رأي شمعون بيريز على

طريق (إسرائيل الكبرى) .

ويتساءل بيريز: (ماذا ينفع إسرائيل في هذه المرحلة لو ضمت الأراضي

الواسعة وخسرت بالمقابل يهوديتها وخصائصها؟ وماذا يضيرها لو أنها تخلت عن

مساحات صغيرة من الأرض (وهي تحت سلطانها الفعلي) لقاء تحولها من كيان

محاصر ومعزول إلى قوة إقليمية عملاقة؟)

ويخلص بيريز إلى تلخيص رؤية حزب العمل فيما يتعلق بـ (العمل) لصالح

إسرائيل الكبرى فيقول: (إن إسرائيل تواجه خياراً حاداً بين أن تكون (إسرائيل

الكبرى) اعتماداً على عدد العرب الذين تحكمهم، أو تكون (إسرائيل الكبرى)

اعتماداً على حجم واتساع السوق الواقعة تحت تصرفها) .

ويهاجم بيريز مفهوم حزب الليكود القائم على اعتبار ضم الأراضي هدفاً في

حد ذاته، فيقول: (إسرائيل الكبرى بمفهوم ليكود ستضم الفلسطينيين والعرب،

فيمثلون جسمها، وتظل حبلى بالمشاكل والاضطرابات، وتبقى عرضة للمجابهات

المسلحة مع الجيران والتوتر في علاقاتها الاقتصادية المتقلبة، والانخفاض في عدد

المهاجرين إليها) .

إنه بهذا الكلام لا يتخلى عن (إسرائيل الكبرى) كهدف، ولكنه ينتقد أسلوباً

ومفهوماً مغايراً في تحقيق هذا الهدف، إنه لا يريد حكم الفلسطينيين والعرب،

ولكنه يريد التحكم فيهم والسيطرة عليهم. عبر (الشرق أوسطية) التي ستوضع كما

قال تحت إمرة إسرائيل ورهن تصرفها باعتبارها الكيان الأكثر تطوراً..

فطريق حزب العمل إلى (إسرائيل الكبرى) يمر عبر الدبلوماسية واللياقة التي

تستند إلى التهديد الدائم بالرعب النووي الرابض في صحراء النقب! ولهذا كان

بيريز في آخر فترات توليه المسؤولية وزيراً للخارجية في وزارة رابين الهالك؛

كان لا يكف عن استشراف إمكانات تحقيق حلمه لحكم العرب عن طريق تقمص

شخصية (التاجر اليهودي الجشع) بدلاً من (اليهودي الإرهابي الدموي) .

فكان يتنقل بين العواصم العربية داعياً للسلام، من الرباط إلى مسقط!

إن الفارق بين المفهومين في نهاية المطاف أعني مفهوم حزب الليكود وحزب

العمل هو بين زعامة أكولة عجولة نهمة، تريد أن تأكل العرب بيديها وأسنانها

وأرجلها أيضاً، وبين زعامة تتعالى في أناقة أَنِفَةٍ فلا تحب أن تأكل العرب إلا

بالشوكة والسكين!

إن هناك إذن سباقاً محموماً بين اليهود واليهود، للوصول إلى غرض مشترك

مقصود، بالحرب لا بأس، فحزب العمل مستعد لخوضها إذا كان ذلك ما تقتضيه

المرحلة، وبالسلام أيضاً لا بأس، فحزب الليكود مستعد للاشتراك فيها إذا كان في

السلام خدمة للمرحلة. ونحن لا ننسى أن رئيس الأركان في حرب عام 1967م

كان هو (رمز السلام) في نظر العرب إسحاق رابين، بينما تم التوقيع على اتفاقية

كامب ديفيد (للسلام) في عهد الليكودي المخضرم مناحيم بيجن، وجاء من الليكود

أيضاً (شامير) راوي الأساطير في مباحثات مدريد (للسلام) !

نعم ... السلام، فالسلام في مفهوم اليهود هو مرحلة الإعداد لمزيد من

الحروب. وإذا كان لا بد من سلام حقيقي فهو لليهود؛ فحسب قول مناحيم بيجن:

(لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولأرض إسرائيل حتى ولا للعرب، ما دمنا لم

نحرر وطننا بأجمعه بعد، حتى لو وقّعنا معاهدات صلح) [9] .

وتأمل أيها القارئ في تلك التوصية التي صدرت منذ أكثر من أربعة عقود

عن أحد مؤتمرات اليهود تحت عنوان: (الحاخام (جوهاشيم برنز) يشرح وثائق

المخطط الأخير) .. جاء فيها: (التخطيط المتفق عليه سهل في مظهره وفي تنفيذه،

ولا يعرض من يعملون لتحقيقه إلى أي نوع من الخطر، وكل ما في الأمر يتلخص

في كتمان القصد من الدعوة لهذا المخطط حتى لا يكتشفه أحد، ولقد أطلق على هذا

المخطط اسم: (مخطط السلام) . والعمل على تحقيقه لا يتطلب منا سوى الإلحاح

والمثابرة على الدعوة للمحافظة على السلام، والقصد منه ذو شقين:

أحدهما: الحصول على الوقت اللازم لنا ولحلفائنا لكي نتمكن من تسليح

جيوشنا وتقوية أجهزتنا الحربية؛ لأننا في هذا الوقت لم نستكمل العدة لخوض

حرب عالمية ثالثة تكفل لنا النصر.

وأما الشق الأخر: فهو سباق التسلح السائد الآن لدى الدول المعادية لنا

ولحلفائنا، وإرغام الدول على تدمير أسلحتها الذرية وتخفيض جيوشها، وقتل

الروح العسكرية في الأوساط الشعبية، ودفع الجماهير إلى غير الجندية وتنفيرهم

منها، بينما سنثابر نحن وحلفاؤنا على التسلح إلى أبعد مدى مستطاع.

ولكي نتوصل إلى تحقيق هذه الأهداف، عليكم العمل دون هوادة على دعوة

الناس إلى مناصرة السلام، وتسفيه كل منهاج أو رأي يدعو إلى التسلح، والهجوم

على كل من يناصر الجندية، وإثارة الإنكار على كل مشروع دفاعي، وتحريض

الناس على الامتناع عن الإسهام في الأغراض العسكرية، والتنديد بما ينفق في

أمور الحرب.

أيها الإخوة ... ربما استغرب أحدكم انقلابنا المفاجئ وسأل عن الأسباب التي

دفعتنا إلى أن نكون دعاة سلم بعد أن كنا دعاة حروب وثورات، واعلموا إذن أن

الأسباب التي حملتنا في الماضي على إشعال نار الثورة الفرنسية ثم الثورة الروسية، ولافتعال الحربين العالميتين، هي نفسها تدفعنا اليوم إلى الدعوة إلى السلام لأول

مرة في التاريخ، وما هذه الأسباب بخافية عليكم، فهي ما تعرفونه من أهدافنا

الخاصة التي يتطلب تحقيقها تجريد خصومنا من أسلحتهم ريثما نتمكن من التسلح

والتأهب لجولاتنا القادمة.

وعندما نتيقن من نجاح مخططاتنا هذه؛ ستكون ساعة الصفر قد أزفت،

فتزحف جيوشنا إلى الميادين المعينة لها، وتقضي سريعاً على مقاومة أعدائنا التي

ستكون حتماً هزيلة، ونزيل الدول المنهارة عن طريقنا، ثم نعلن للعالم انتصارنا،

ونفرض سيادتنا تحت ظل دولتنا الموحدة وعلمها ذي النجمة المقدسة) [10] .

ولقد تهافت العرب على هذا السلام المبيت بليل، تهافت الفراش على النور

المنبعث من النار، وهرولت وفودهم في دهاليز وسراديب المفاوضات السرية

والعلنية، لتقامر بمستقبل الأمة، وتجعله رهينة اتفاقات (رسمية) (دولية) ملزمة،

لا تُلزم جيلنا فحسب، بل تُلزم وتُخضع أجيالاً قادمة..

عجباً لشأن ذلك المفاوض العربي (العلماني) وهو يسارع الخطا في طريق

الظلمات.. ما أغفله وما أجهله وما أعرض قفاه وهو يطاوع اليهود ناقضي العهد

وناكثي الوعود، ألم يسمع لقول الله عنهم [أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ

أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ] [البقرة: 100] .

فإلى متى هذا الحِلْم الطويل يا بني إسماعيل، على ذاك الحُلم الكبير لبني

إسرائيل..؟ ! وهل سنظل في الحلم حالمين حتى نكون رعايا في (إسرائيل

الكبرى) ؟ !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015