الورقة الأخيرة
أحمد العامر
تعاني أكثر بلاد العالم الإسلامي من الحكومات الفاشلة التي أذاقت شعوبها سوء
العذاب بسياساتها الخرقاء وسقوطها في فلك الاتجاهات الحزبية المشبوهة،
وإندونيسيا بلد مسلم كبير.. واحد من تلك البلدان.. إذ لم تجد طعم الحكم الصالح
الرشيد منذ خرجت من أتون الاستعمار الهولندي الذي صنع كعادة المستعمرين أذناباً
له يمثلونه ويعملون وفق نهجه.. فقد عاشت إندونيسيا محنتها منذ (أحمد سوكارنو)
الذي ابتدع فلسفة (البانجاسيلا) [*] التي جمعت نتفاً من الأديان السماوية والمذاهب
الوضعية وألزم الجميع بالولاء لها وهمش الإسلاميين وناصب الإسلام العداء وفتح
المجال للنصارى ليعملوا على قدم وساق حتى خططوا في برامجهم لتنصير
(إندونيسيا) بكاملها عام 2000، وسقط سوكارنو نتيجية سياساته وغطرسته وذهب
لمزبلة التاريخ.
وحكم الجنرال سوهارتو البلد من بعده لمدة 32 عاماً بالحديد والنار بعد انقلاب
عسكري؛ ومع ما اتسم به حكمه من هدوء، ثم انتعاش اقتصادي نسبي حتى عُدّت
إندونيسيا من النمور الآسيوية؛ إلا أنه أُسقط أيضاً؛ فلماذا أسقط الرئيس بعد تلك
الفترة الطويلة لا سيما بعد فبركة ترشيحه بالأكثرية؟ والمتابعون للأحداث يرجعون
ذلك لعدة أسباب، منها:
1- الدكتاتورية التي حكم بها سوهارتو البلاد وهمّش بها المعارضة حتى لم
يعد لها أي تأثير ضد انحرافات حكوماته.
2- الخلل الاقتصادي الذي عاشته البلاد، ثم الانهيار فيما بعد مما انعكس
سلباً على معيشة المواطنين بينما المقربون يعيشون في بحبوحة من العيش.
3- الانتفاضة الشعبية بل الفوضى التي ضربت أطنابها في البلاد مما أدى
إلى مهاجمة المتاجر والمعارض، وانتشار التخريب الذي انفلت معه زمام الأمن
بشكل فوضوي تم على أثره احتلال البرلمان من قِبَلِ الطلاب والمعارضين.
4- مطالبة حلفائه المقربين ولا سيما أمريكا باستقالته حفاظاً على وحدة البلاد
وإبقاءً على تاريخه بل حفظاً على ماء وجهه.
5- إصراره على البقاء بدعوى أن استقالته لن تحل الأوضاع، ومع تأييد
الجيش له إلا أنه لم يبق طويلاً بعدما ساءت الأحوال واضطر الأجانب لإجلاء
رعاياهم، مما جعل الاستقالة أمراً لا مفر منه، ومع ذلك وبعد تنازله الذي لم يسمّه
استقالة وإنما سماه (تنحياً) ولعله كان يفكر بالعودة بعدما تهدأ الأوضاع لكن إجراءات
نقل السلطة تمت لنائبه يوسف حبيبي، وجرت محاولة فاشلة للانقلاب ولكنها
أجهضت في حينه، ولم يحصل التفاؤل بخلفه؛ لكونه أحد تلاميذ مدرسة سوهارتو؛ وبالفعل ما زالت المظاهرات تطالب بتنحية البديل.
والسؤال هنا: إلى متى ستظل شعوب العالم الإسلامي رهينة قيادات مفروضة؟ فيوسف حبيبي كان شريكاً لسوهارتو ومسؤولاً عن قسط كبير من سياساته ولكنه
الآن اكتشف تلك الأخطاء فجأة فراح يحاول الظهور بدعوى الإصلاح بالدعوة
للتقشف وإبعاد الأقارب؛ والأمر ما زال غير واضح والأيام حبلى بكل عجبيب،
لكن مثل ذلك الدكتاتور (سوهارتو) الذي أخضع شعبه لحياة المذلة عاش فيها جل
شعبه عيشة الكفاف، بل عاش كثير منهم تحت حزام الفقر؛ هل يُترك ليتمتع
بالأموال التي نهبها والخراب الذي خلفه؟ أم يحاكم ويطالب بما نهبه قضائياً ليكون
ذلك عبرة له وردعاً لأمثاله والعجيب أن ثروة سوهارتو تبلغ أربعين مليار دولار
وهي قيمة ديون إندونيسيا نفسها ولعل الأيام القادمة ستفصح عن نوايا الرئيس
الجديد تجاه شعبه.
نسأل الله أن يلطف بهذا البلد المسلم، وأن يعينه على اجتياز محنته، وأن
يلهم مسؤوليه طريق السداد وسلوك النهج الأمثل بما يليق بأكبر بلاد المسلمين عدداً
وحتى لا تكون حقل تجارب بائرة لزعماء بائرين.