منتدى القراء
علي حسن آل محمد
تمر الأمه بأزمة ثقافية لا ينكرها إلا مكابر؛ ولعل هذه الأزمة ليست وليدة هذا
العصر وإنما هي نتاج قرون اجتمعت فيه الأزمات وتتالت على الأمة حتى آل
أمرها إلى ما آل إليه من تخلف؛ حتى صارت كل فئات المجتمع الإسلامي
المعاصر تدرك هذا الحال تقريباً، وصار مآلهم التخبط في غالبهم للبحث عن مخرج، وفي هذا المجال حدّث عما ظهر من صور الانحراف من تبعية وغيرها ولا حرج.
وهذه الحالة هي التي وقع فيها من يدّعون أنهم (مثقفو النخبة) فبدل أن ترتقي
أمتهم بهم انحطوا بها؛ فقد أدرك هؤلاء ورأوا بأم أعينهم مدى التقدم الذي حققه
الغرب، وعلموا أنهم بحاجة لأن يرتقوا بأمتهم وكيف يتسنى لمن لم يرتقِ بنفسه أن
يستدل على طريق الرقي الحضاري لأمته؟ !
(إن مجالات الثقافة تسعى دائماً من خلال أطر الثبات والتغير والتقليد
والتجديد والانفتاح والانغلاق لتحقيق التوازن الذاتي كي تتمكن من القيام بوظائفها
والمحافظة على زخمها) [1] (لذلك فإن انحباس أي مجال أو نسق من مجالات
الثقافة أو تعرضه للعطب يجعله يجدد ذاته من داخل الثقافة أو خارجها بأي شكل
يتناسب أو لا يتناسب مع المزاج العام للثقافة.
وإليك مثالاً يوضح ما سبق ويبينه: (الأمريكان لا يجدون أنفسهم محتاجين
إلى الثقافة الخارجية لأي شعب سواهم في مجالات الفنون وأفكار الإنتاج؛ لأن
بلادهم لا تعاني من أزمة في هذه القضايا؛ لكنهم في مجالات العقائد حيث العدمية
والحاجة الماسة إلى صلابة اليقين نجد انتشاراً واسعاً للمذاهب والعقائد الدينية التي
لا تعدو أن تكون ضروباً من الخرافة والشعوذة في كثير منها، وهذا على العكس
تماماً من حالنا؛ فالمسلم لا يجد نفسه بحاجة إلى البحث عما يشفي ويشبع حاجاته
الروحية أو يحقق صلابة اليقين لديه) [2] .
والملاحظ أن هذا النفر من بني قومنا قد فهموا المسألة خطأً؛ فبدل أن يقدموا
للأمة صور التقدم الحضاري ويبقوا على معتقدهم نجدهم يحاولون زحزحة الأمة عن
عنصر ثبات لها لا تحتاج لتجديده وتغييره وهو الدين، وتركوا ما نحن في حاجة
إليه، ألا وهو التطور التقني والمعلوماتي المذهل الذي وصل إليه الغرب.
فدعوتنا إلى تلك العقول التي لم تحسن الاستفادة من غيرها أن تجعل لعبثها
حداً، وأن ينبذوا ما هم عليه من إصرار على رفع الحراب في وجه الكتاب، وأن
يحترموا للأمة عقيدتها؛ فإن أرادوا التجديد والتغيير ففي غير عقيدة الأمة، وعندها
يجدون مستمعاً مطيعاً؛ وليعلموا أن الله ناصرٌ دينه، والعاقبه للمتقين ولو كره
المجرمون.