مجله البيان (صفحة 2797)

قواعد العلاقات الدولية بين المسلمين وغير المسلمين

دراسات في الشريعة والعقيدة

قواعد العلاقات الدولية

بين المسلمين وغير المسلمين

عثمان جمعة ضميرية

بعث الله تعالى رسوله محمداً لله برسالة خاتمة تهدف إلى ردِّ البشرية كلها إلى

الله تعالى والخضوع لدينه؛ ليكون ذلك سبيلاً إلى تحريرها حرية حقيقية كاملة،

عندما تتحرر من كل عبودية لغير الله تعالى. فانقسم الناس عندئذ قسمين: منهم من

فتح قلبه وعقله للهداية والنور، فآمن بالرسول لله وصدّق بما جاء به من عند الله

تعالى، ومنهم من أغلق قلبه وعقله وجعل على بصره غشاوة، فكفر وكذّب؛ فكانوا

بذلك فريقين اثنين: [فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ] [الأعراف: 30] .

[ذَلِكَ بِأَنَّ الَذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ وَأَنَّ الَذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ]

[محمد: 3] .

وعندما كتب الله تعالى النصر لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأظهر دينه

على الدين كلِّه [1] ، وضرب الإسلام بِجِرانه [2] ، أصبح للمسلمين دولة تضم

جميع المؤمنين بالله تعالى الموحِّدين له، ترفرف عليها راية التوحيد، وتقيم الحقّ

والعدل بين الناس، وتدعو إلى الإنصاف والقسط. لم يكن من أهدافها العلوّ في

الأرض ولا مجرد بسط السيطرة والنفوذ، ولا إكراه الناس على الدين، فتركتهم

وما يختارون، عندما يخضعون لسلطان الإسلام وسيادة أحكامه، بعد أن أزاحت

العقبات من طريق الدعوة الإسلامية، وخلّت بينها وبين الناس ليختاروا عندما يكون

لهم الاختيار عن طواعية وإرادة.

وأقام الإسلام قواعد العلاقات الدولية بين الناس على افتراض أنهم إمّا مؤمنون، وإما معاهَدون، وإما لا عهد لهم [3] . وفي هذا يقول عبد الله بن عباس رضي

الله عنهما: (كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى الله عليه وسلم-

والمؤمنين، كانوا: مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا

يقاتلهم ولا يقاتلونه) [4] ، وفي هذا يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: (فاستقرّ أمر

الكفار معه -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول سورة (براءة) على ثلاثة أقسام:

محاربين له، وأهلِ عهد، وأهل ذمة. ثمّ آلت حالُ أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محاربين له، وأهل ذمة. والمحاربون له خائفون منه،

فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمنٌ به، ومُسالمٌ له آمن، وخائف

محارب) [5] .

أ - أما المسلمون المؤمنون: فهم المعترفون بما جاء به النبي -صلى الله

عليه وسلم-، والمصدقون بكل ما أخبر به؛ وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم،

وحدد سماتهم فقال: [الّم) (?) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (?) الَّذِينَ

يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (?) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ

إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (?) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ

هُمُ المُفْلِحُونَ] [البقرة: 1-5] .

وقال سبحانه وتعالى: [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ

آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا

غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ] [البقرة: 285] .

وقال تعالى: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ

عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (?) الَذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا

رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (?) أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ

كَرِيمٌ] [الأنفال: 2-4] .

وهذا الإيمان يترتب عليه كما سبق عصمة الدم والمال والعرض، ويجعل

المؤمنين سواسية في الحقوق والواجبات، فقد قال رسول الله: (من صلّى صلاتنا،

واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا) [6] .

وينبغي أن يُلاحظ هنا أن الإسلام يُعتبر في آنٍ واحد عقيدةً وجنسية،

فالمسلمون أينما كانوا إخوة في العقيدة والجنسية، غير أن أحكام الإسلام الدنيوية لا

نفاذ لها في غير دار الإسلام، ولهذا اختلفت أحكام الدارين: دار الإسلام، ودار

الحرب، من هذه الناحية كما هو موضّح في أبواب متعددة من كتب الفقه كالنكاح

والطلاق والوصية والإرث والسّيَر [7] ، وأما الأحكام الدينية من حيث أجزيتها

الأخروية فالمسلم خاضع لها حيثما حل، ومسؤول عنها أمام من لا تخفى عليه

خافية [8] .

وبما أن الإسلام لا يعترف بفكرة الجنسيات أو غيرها من أسباب التمييز بين

الناس [9] ، فإن جميع المسلمين يُعْتبرون متساوين في نظر الشريعة؛ إذ تجري

عليهم أحكامها، مهما كان جنسهم أو لونهم أو عنصرهم، وأينما كانت إقامتهم؛

فالعصبية الدينية هي التابعية الأصلية التي تعطي صفة المواطنة الكاملة في دار

الإسلام.

الانتماء الديني:

فإذا أقام المسلم في دار الإسلام وجب عليه اتباع أحكام الشرع الإسلامي في

جميع الأمور، فيلتزم بما توجبه من التزامات، ويتمتع بما تعطيه من حقوق،

حسب شروطها الشرعية من دون تقييد ولا تخصيص. وفي هذه الحالة يرادف

قانونُ المسلم الشخصي القانونَ الإقليمي أو المحلي لدار الإسلام. فعليه: إذا عقد

المسلم في دار الإسلام عقداً مع مسلم آخر أو ذميّ أو مستأمن، فتطبق عليه الأحكام

الشرعية وحدها.

هذا مع الإشارة إلى أنه توجد أحكام خاصة تتعلق بإسقاط المسلم من حق

المنعة الشرعية أو العصمة بسبب الردة عن الإسلام، أو بسبب البغي والعصيان،

أو بسبب ارتكاب جريمة تحل دم صاحبها [10] .

فالمسلمون في دار الإسلام أمة واحدة، تربط بينهم العقيدة والإيمان مهما

اختلفت أقطارهم وتناءت بلادهم وتنوعت لغاتهم وأجناسهم، فهم إخوة في الإيمان لا

تفرقهم الأوطان ولا العصبيات ولا المذاهب؛ لأن القاعدة التي ينطلق منها الإسلام

في بناء المجتمع وإقامة الدولة الإسلامية، وفي تمتع المسلم بالجنسية أو التابعية

الإسلامية هي علاقة العقيدة مع علاقة القيادة الإسلامية، أي: الإيمان وسكنى دار

الإسلام أو الانتقال إليها [11] ، وليست علاقة الأرض، ولا علاقة الدم، ولا علاقة

الجنس، ولا علاقة التاريخ أو اللغة أو الاقتصاد، وليست هي مجرد القرابة أو

الوطنية أو القومية، وليست هي المصالح الاقتصادية.. ولذلك يقول الإمام

السرخسي: (إن المسلم من أهل دار الإسلام حيثما يكون) [12] .

ولهذا فإن المسلم من أيّ بلدٍ إسلامي ليس أجنبياً في أي بلدٍ آخر؛ لأن مدلول

الأجنبي في الدولة الإسلامية أمسى مرادفاً لغير المسلم، أما المسلم فهو مواطن له

جميع حقوق المواطنين، وتصان هذه الحقوق كلها بغاية الصيانة في نفسه وأهله

وماله وعرضه، وعليه كذلك جميع الواجبات المفروضة على المواطن أينما وجد،

من التعاون والتعاضد والتكافل والنصرة، لقوله: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ

على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم) [13] .

ولذلك قال الإمام محمد بن الحسن: (وإذا دخل المشركون دار الإسلام فأخذوا

الذراري والنساء والأموال، ثمّ علم بهم جماعة المسلمين، ولهم عليهم قدرة،

فالواجب عليهم أن يتبعوهم ما داموا في دار الإسلام، لا يسعهم إلا ذلك؛ لأنهم إنما

يتمكنون من المقام في دار الإسلام بالتناصر. وفي ترك التناصر ظهورُ العدو عليهم، فلا يحلّ لهم ذلك. فإن دخلوا بهم دار الحرب نُظِرَ: فإن كان الذي في أيديهم

ذراري المسلمين، فالواجب عليهم أن يتبعوهم إذا كان غالب رأيهم أنهم يقوَوْن على

استنقاذ الذراري من أيديهم إذا أدركوهم ما لم يدخلوا حصونهم، فأما إذا دخلوا

حصونهم، فإن أتاهم المسلمون حتى يقاتلوهم لاستنقاذ الذراري فذلك فضلٌ أخذوا به، وإن تركوهم رَجَوْتُ أن يكونوا في سعة من ذلك) [14] .

وقد تواردت النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية تدعو إلى

وحدة الأمة المسلمة أو دار الإسلام، وتنهى عن التفرق والتنازع، فقال الله تعالى:

[وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ] [المؤمنون: 52] .

وقال سبحانه وتعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا]

[آل عمران: 103] .

وقال: [وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ

لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] [آل عمران: 105] .

وقال رسول الله: (مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كَمَثَل الجسد

الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمّى والسّهر) [15] .

وقال: (من أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يريد أن يشقّ عصاكم

ويفرِّق جماعتكم فاقتلوه) [16] .

وقرّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأصل العظيم في أول ميثاق لدولة

الإسلام في المدينة بعد الهجرة، وجعله واقعاً عمليّاً (بين المؤمنين ومَنْ تبعهم فلحق

بهم وجاهد معهم ... أنهم أمة واحدة دون الناس، وأن المؤمنين المتقين أيديهم على

كلِّ من بغى منهم، وأن ذمة المؤمنين واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين

بعضهم موالي بعض دون الناس) [17] .

ولا أحد يجادل، بعد الوقوف على هذه النصوص الصريحة وأمثالها، في أن

المسلمين يجب أن يكونوا دائماً أمة واحدة تتمثل كذلك في دولة واحدة ما استطاعوا

إلى ذلك سبيلاً بل إن كيانهم وبقاءهم متوقف على هذه الوحدة.

ويترتب أيضاً على هذه الوحدة لدار الإسلام: أنه لا يجوز أن يكون بين

بعض المسلمين تحالف يقصي الآخرين ويجعلهم في مرتبة أقلّ، وكفى بعقد الإسلام

حلفاً، فقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأقرّ ما تمّ من أحلاف في الجاهلية

مما كان راجعاً إلى التعاون على البر والتقوى وأصبح في خدمة مبادئ الدعوة

الإسلامية ودعم كيانها، ونهى عن كل حلف يكون مفرِّقاً لوحدة المسلمين ومبنياً على

عصبيات بغيضة، فقال: (لا حلف في الإسلام، وأيّما حلف كان في الجاهلية لم

يزده الإسلام إلا شِدّة) [18] .

وبذلك يحدد الإسلام أصول العلاقات بين المسلمين جماعاتٍ وأفراداً، فتقوم

هذه العلاقات على عقد الإسلام الذي يجعل المسلم ملتزماً بأحكام الله تعالى وأوامره

ونواهيه في كافة معاملاته، وينبثق عن هذا عصمة الدم والنفس والمال والعرض،

والمساواة بين المسلمين والتضامن فيما بينهم، والنيابة المتبادلة التي تنشئ الترابط

بينهم [19] .

والمسلمون هم المواطنون الأصليون في هذه الدولة الإسلامية، وهم الذين

يستمتعون بكافة الحقوق السياسية أو العامة والخاصة فيها [20] .

ب - أما المسالمون الآمنون، فهم الأجانب غير المسلمين الذين يقيمون في

دار الإسلام أو الدولة الإسلامية إقامة دائمة أو مؤقتة، على أساس عقد الذمة أو عقد

الأمان ويدخل فيهم أهل الموادعة وهم من أهل الحرب والكفر؛ وقد ذكر هذا الإمام

محمد في شرح السّير [21] . وأفردت لهم الشريعة الإسلامية معاملة خاصة لا يمكن

إدراك مستواها الأخلاقي السّامي إلا عند موازنتها بمعاملة الأجانب في مختلف النظم

التي سبقت دعوة الإسلام التي بعث الله تعالى بها نبيه محمداً -صلى الله عليه

وسلم-، أو النظم التي عاصرتها، أو تلك التي جاءت تالية لها [22] .

وغير المسلمين هؤلاء أصناف متنوعة من حيث علاقتهم بالمسلمين، ولذلك

يقول ابن قيم الجوزية: (الكفار: إما أهل حرب، وإما أهل عهد. وأهل العهد

ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان. وقد عقد الفقهاء لكل صنف

باباً، فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة.

ولفظ (الذمة والعهد) يتناول هؤلاء كلهم في الأصل. وكذلك لفظ (الصلح) ؛

فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد ... وهكذا لفظ (الصلح) عامّ في كل صلح،

وهو يتناول صلح المسلمين بعضهم مع بعض، وصلحهم مع الكفار. ولكن صار

(أهل الذمة) في اصطلاح كثير من الفقهاء عبارة عمن يؤدي الجزية. وهؤلاء لهم

ذمة مؤبدة، قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله؛ إذ هم

مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، بخلاف (أهل الهدنة) فإنهم

صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما

تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكفّ عن محاربة المسلمين. وهؤلاء يسمّوْن

(أهل العقد) و (أهل الصلح) و (أهل الذمة) .

وأما المستأمَن: فهو الذي يقدُم بلاد المسلمين من غير استيطان لها؛ وهؤلاء

أربعة أقسام: رُسُلٌ، وتجار، ومستجيرون حتى يُعرض عليهم الإسلام والقرآن،

فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالِبو حاجة من زيارة أو

غيرها. وحكم هؤلاء ألا يهجّروا ولا يُقَتّلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض

على المستجير منهم: الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق

بمأمنه أُلحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه. فإذا وصل مأمنه عاد حربياً كما

كان) [23] .

ج - أما الحربيون أو المحاربون، فهم القسم الثاني من الكفار والمشركين

الذين سبقت الإشارة إليهم بأنهم الخائفون المحاربون للنبي [24] ، وهم أهل إحدى

المنزلتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس رضي الله

عنهما: (كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين؛ كانوا: مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا

يقاتلونه) [25] .

وقد ألمحنا آنفاً إلى هذا الصنف الأخير من أهل العهد في الفقرة السابقة.

أما الحربيون فهم الأعداء من سكان دار الحرب أو بلاد الكفر الذين لا يدينون

بالإسلام، ويحاربون المسلمين، أو ينتسبون إلى قوم محاربين لهم حقيقة وواقعاً أو

حكماً وتوقعاً. وبعبارة أخرى: هم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة،

ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. وهم أصناف: الكفار الذين يقاتلون

المسلمين بالفعل ويكيدون لهم، والكفتار الذين أعلنوا الحرب على الإسلام وأهله،

بأن ضيّقوا على المسلمين وحاصروهم اقتصادياً أو فتنوهم عن دينهم أو ظاهروا

أعداء الإسلام على المسلمين، والكفار الذين ليس لهم عهد مع المسلمين ولم يحاربوا

المسلمين ولم يظاهروا عليهم، فهؤلاء كلهم يسمون في الاصطلاح الفقهي: أهل

الحرب أو الحربيين. ولا يشترط أن تكون الحرب قائمة فعلاً، وإن كانوا من

الناحية التاريخية الواقعية قد ناصبوا الدولة المسلمة العداء والخصام والحرب [26] .

والحربيون غير معصومين؛ فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، ما لم يكن

بينهم وبين دار الإسلام عهد أو هدنة؛ لأن العصمة في الشريعة الإسلامية لا تكون

إلا بأحد شيئين: بالإيمان، أو الأمان. وليس للحربيين إذا لم يكن لهم عهد أو أمان

أن يدخلوا دار الإسلام ولا أن يقيموا فيها، فإذا دخلها أحدهم فهو مباح الدم والمال،

ويجوز قتله ومصادرة ماله، كما يجوز أسره والعفو عنه [27] . ولذلك قال ابن

المرتضى: (ودار الحرب دار إباحة، يملك كلّ فيها ما ثبتت يده عليه، ولا

قصاص فيها ولا أرش؛ إذ دماؤهم هدر، ويملك بعضهم بعضاً ومالَه بالقهر؛ إذ

رقابهم معرضة للاسترقاق وأموالهم للأخذ) [28] .

ومما سبق نخلص إلى أنه أصبح يقيم على أرض الدولة الإسلامية مسلمون

وغير مسلمين من الذميين والمستأمنين؛ والذمي يختلف عن المستأمَن، فالأول من

أهل دار الإسلام ويلتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات [29] . وأما

المستأمن فهو ليس من أهل دار الإسلام، ولم يلتزم شيئاً من أحكام الإسلام، وإنما

دخل دار الإسلام ليقضي حاجة له ثم يرجع إلى داره أو دولته. ولكل منهم أحكام

فقهية تخصه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015