المسلمون والعالم
الإعلام الغربي وتشويه حقائق الصراع
د.باسم خفاجي
مقدمة:
لا جدال في أن من يملك الإعلام في هذا الزمان يملك زمام الشعوب؛ ففي
عالم تحوّل إلى قرية صغيرة تطورت فيه وسائل الإعلام والاتصالات، وغزت فيه
عالمنا الإسلامي الأفكار والقيم الواردة من كل أنحاء العالم ... وأصبح من المهم بل
من الضروري البحث في أثر هذا الإعلام على حسم الصراعات والخلافات الفكرية
وغير ذلك، في هذه القرية العالمية. وقد أدى تطور وسائل الإعلام وتضخم الآلة
الإعلامية الغربية إلى ظهور خطرها على الهويات الدينية والعرقية لكثير من شعوب
العالم؛ ففي عالم تزيد عدد اللغات فيه عن 6000 لغة، وتتنوع وتتباين فيه القيم
الحضارية والدينية، يمثل الإعلام الغربي أكثر من 90% من حركة الإعلام المتدفق
بين أرجاء العالم [1] . ولا شك أن لهذا آثاراً سلبية على محاولات الحفاظ على
الهوية الدينية، والوقاية من الأمراض الأخلاقية الغربية التي تتسرب إلى الشعوب
من خلال تدفق المعلومات.
والإعلام الغربي يؤثر أيضاً بصورة فعالة على كثير من القيادات السياسية في
العالم، مما دعا الأمين العام السابق للأمم المتحدة للقول بأن (وكالة الأنباء
التلفزيونية - هي العضو رقم (?) في مجلس الأمن) . ولكن المعلوم أن هذا الإعلام
لا يعبِّر عن المعاناة الحقيقية للبشر. إن المتتبع للإعلام الغربي وطرق صياغته
وأساليب إيصاله إلى المواطن يرى الكثير من التجاوزات في المصداقية والحيدة.
وكثرت في الآونة الأخيرة الدلائل على المحاولات المتعمدة لإعادة صياغة المواقف
السياسية وتفسيرها وتشويهها بما يخدم أهداف الغرب ومن يدور في فلكه.
ومن هنا تأتي أهمية تتبع الآثار التي تنتج عن تشويه الإعلام الغربي لحقائق
الصراع في كثير من بقاع العالم. والحديث في هذا المجال لا بد أن يتطرق إلى
المنطلقات الشرعية في فهم حقائق الصراع العالمي، والحديث عمن يملك الإعلام
الغربي، والآثار المنظورة والمحسوسة للإعلام على الرأي العام للشعوب. كما أنه
من الضروري التطرق إلى بعض أمثلة تشويه الحقائق وتغييرها من قبل الإعلام
الغربي، والبحث عن المستفيد من وراء ذلك، وأخيراً ما هو دور الإعلام الإسلامي
في مقاومة هذا التشويه لحقائق الصراعات القائمة في العالم؟
تحذير قر آني:
لقد فضح القرآن الكريم لنا أساليب وسائل الإعلام الكافرة عبر التاريخ في
حرب الإسلام وأهله، التي تنوعت صورها ووسائلها وجمع بينها جميعاً رابط الكيد
والعداء للإسلام، والكذب والخداع وتشويه الحقائق. ولنتأمل قول الله - تعالى:
[وَقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ] [فصلت: 26]
وكذلك قوله: [وَمِنَ الَذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَاًتُوكَ
يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ] [المائدة: 41] ، وكذلك قوله - جل شأنه:
[يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ]
[آل عمران: 71] .
كما أن الاستهزاء بالإسلام والمسلمين، والسخرية منهم، وإشاعة الأخبار
السيئة عنهم ليس بالأمر المستغرب أو الجديد في ساحة الصراع بين حزب الرحمن
وحزب الشيطان منذ بدايات هذا الصراع. وقد أصبحت وسائل الإعلام الغربية من
أهم وسائل إدارة هذا الصراع وتأجيج ناره في العقود الأخيرة. وقد حذر الله -
تبارك وتعالى - الأمة المجاهدة من هذه الوسائل الشيطانية في أكثر من موضع في
الكتاب العزيز. ومن ذلك: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا
يَاًلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ]
[آل عمران: 118] ، [زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَذِينَ آمَنُوا]
[البقرة: 212] ، [وَإذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ]
[النساء: 83] .
هل تثق الشعوب الغربية في إعلامها؟
في دراسة أعدها كل من (أندرو كوت) و (روبرت توث) حول ثقة المواطن
الأمريكي في مصداقية الإعلام الغربي، ونُشرت في دورية (الصحافة والسياسة)
الصادرة عن جامعة هارفارد، وجد أن المجتمع الأمريكي قد انخفضت ثقته بالإعلام
الغربي بصورة واضحة في السنوات الأخيرة، ودلت الدراسة على أن الغالبية من
الشعب الأمريكي التي كانت تثق في مصداقية وسائل الإعلام الغربية قد تحولت إلى
أقلية خلال عشر السنوات الماضية. فبينما اعتقد 33% من الشعب الأمريكي في
عام 1985م أن الإعلام بصورة عامة يفتقد المصداقية، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى
44% في عام 1992م، وبلغت في نهاية عام 1997م حوالي 53%، كما أظهرت
الدراسة نفسها أن أكثر من 60% من الشعب الأمريكي يعتقد أن الإعلام يركز على
الجوانب السلبية أكثر من اللازم [2] . كما بينت الدراسة أن أهم أسباب عدم
المصداقية يرجع إلى (عدم الحيدة) من جانب الإعلام الغربي عند طرح القضايا
وتحليلها. وعدم الحيدة يرجع إلى عدد من الأسباب التي من أهمها وأبرزها: ملكية
اليهود لوسائل الإعلام وتأثيرهم المباشر على هذا الإعلام بشكل لافت للنظر.
من يملك الإعلام الغربي؟
تجمع معظم الإحصاءات أن المواطن الأمريكي يتابع ما يحدث في بلده وفي
باقي أنحاء العالم من خلال نشرات الأخبار التلفزيونية التي تشكل أهم مصدر
إخباري لنسبة 85% من الشعب الأمريكي. وهناك أربع شبكات تلفزيونية تشكل
في مجموعها أكثر من 95% من الأخبار المحلية والعالمية التي تجمع وتصور
وتبث للمواطن الأمريكي. وهذه الشبكات هي: سي. إن. إن (CNN) وتملكها
شركة تايم - وارنر التي يرأسها جيرالد ليفين (يهودي) ، وشبكة إي. بي. سي
(صلى الله عليه وسلمرضي الله عنهC) وتملكها شركة والت ديزني التي يرأسها مايكل إيزنار (يهودي) ، وشبكة
سي. بي. إس. (Cرضي الله عنهS) وتملكها شركة وستنجهاوس ويرأس الشبكة إيريك وابر
(يهودي) ، وشبكة إن. بي. سي. (Nرضي الله عنهC) وتملكها جنرال إليكتريك ويرأس قطاع
الأخبار فيها أندرو لاك (يهودي) . ومن المفاجئ بلا شك أن نجد أن كل هذه
الشبكات تدار حالياً من قبل اليهود. وهذا يعني أن 100% من القرار الخاص
بالأخبار تبث من أكبر أربع شبكات تلفزيونية أمريكية تتحكم في 95% من الأخبار
في أمريكا، ولها تأثير بالغ؛ لأنها تشكل مصدراً رئيساً للأخبار التي يتلقاها 85%
من الشعب الأمريكي هي لليهود. فهل يعقل أن تكون هذه مصادفة!
أما الصحافة اليومية فقد نجح اليهود في السيطرة عليها بل وامتلاك أكبر ثلاث
مؤسسات صحفية أمريكية مؤثرة. وهذه الصحف هي: (نيويورك تايمز) التي
تعتبر الصحيفة الموجهة لنبض المجتمع الأمريكي والمعبرة عن ثقافته، ويتولى
رئاستها ويشغل منصب الناشر لها في الوقت الحالي أرثر أوكس سالزبرج (يهودي) . وإضافة إلى الصحيفة اليومية الهامة، فإن مؤسسة نيويورك تايمز تمتلك أيضاً 36
صحيفة يومية أخرى و12 مجلة هامة، و3 شركات لطباعة الكتب، وتتولى
نيويورك تايمز تزويد ما يزيد عن 500 صحيفة يومية بالأخبار. والصحيفة الثانية
هي (واشنطن بوست) وهي الجريدة السياسية الأولى في أمريكا، ويقرؤها معظم
صانعي القرار ابتداءً من البيت الأبيض، وحتى ممثلي الولايات في الكونجرس
الأمريكي. وقد اشترى إيجين ماير (يهودي) هذه الصحيفة عام 1933 ولا تزال
مملوكة لعائلته، وتملك الحصة الكبرى فيها إحدى حفيدات إيجين وهي كاثرين ماير
(يهودية) . أما صحيفة (وول ستريت جورنال) وهي صحيفة المال والتجارة، والتي
يقرؤها السياسيون ورؤساء الشركات والمستثمرون وأصحاب الأموال في أمريكا
وكثير من بقاع العالم، وتعتبر أكثر الصحف الأمريكية انتشاراً؛ حيث يطبع منها
ما يزيد على 2. 1 مليون نسخة يومياً فهي مملوكة لشركة داو جونز التي يرأسها
بيتر كان (يهودي) . وتصدر المؤسسة 24 صحيفة يومية وأسبوعية أخرى. أما
المجلات الأسبوعية فنجد أن أهمها على الساحة السياسية مملوك تماماً لليهود. وهذه
المجلات هي: مجلة التايم (4.1 مليون نسخة أسبوعياً) وتملكها تايم وارنر التي
يرأسها جيرالد ليفين (يهودي) ، ومجلة نيوزويك (2.3 مليون نسخة) وهي مملوكة
للواشنطن بوست التي ترأسها كاثرين ماير (يهودية) وأخيراً مجلة يو إس نيوز (2.3 مليون نسخة) ويملك أغلب أسهمها ويرأسها مارتينمر زوكرمان (يهودي) . ...
أما من ناحية دور النشر فيوجد في أمريكا مئات دور النشر في المجالات
الثقافية والعلمية المختلفة؛ ولكننا نجد عند البحث عن أكبر هذه الدور أنها مملوكة
وتدار أيضاً من قِبَلِ اليهود؛ فمؤسسة تايم بوكس مملوكة لشركة تايم - وارنر التي
ذكرنا سابقاً أن رئيسها هو جيرالد ليفين (يهودي) ، ومؤسسة راندم هاوس يملكها
نيوهاوس صامويل (يهودي) . ومؤسسة سايمون أند شوستر مملوكة لشركة
بارامونت التي يرأسها مارتين دايفز (يهودي) . وأخيراً شركة وسترن التي يرأسها
ريشارد برنستاين (يهودي) . ولذلك فليس من المستغرب أن نشاهد هذا التواطؤ
الإعلامي على تشويه حقائق الصراع في كل مناطق العالم الإسلامي، وطرحها
بصورة تخدم التوجهات الغربية واليهودية.
تشويه الواقع: لماذا؟
في كتاب بعنوان: (الإعلام الأمريكي والشرق الأوسط: الصورة والانطباع)
يذكر مؤلف الكتاب سببين للتشويه المتكرر في الإعلام الغربي لصورة الإسلام
والمسلمين: السبب الأول في نظر الكاتب: هو أن طبيعة الشرق الأوسط والإسلام
غير مفهومة بشكل صحيح لمن ينقلونها إلى الإعلام الغربي من مراسلين ومحررين
غربيين. والسبب الثاني: هو أن هذه الوسائل الإعلامية تنقل رسالتها من خلال
منطلقات علمانية غربية؛ وهذه ليست بالضرورة أفضل وسيلة لنقل المعلومات عن
العالم الإسلامي. ورغم أن الكاتب قد يكون مصيباً في ذكر هاتين النقطتين كسببين
لتفسير هذا التشويه، إلا أن هذه الأسباب ليست هي الأسباب الأكثر أهمية. كما أن
هذه الأسباب تنطبق أيضاً على إسرائيل مثلاً؛ ومع ذلك فلا نجد أي تشويه متعمد
أو غير ذلك فيما يتعلق بمواقفها. ومن خلال دراسة سابقة حول الهيمنة الصهيونية
على الإعلام الغربي [3] لوحظ أن السيطرة الصهيونية على معظم وسائل الإعلام
الغربي هي السبب الرئيس في هذا التشويه المتعمد والمتكرر لكثير من حقائق
الصراعات في العالم بالشكل الذي يخدم مصالح هذه الفئة - ويغلب على كافة
المصالح الأخرى - ومن بينها المصالح الأمريكية ذاتها.
كما أن هناك أسباباً أخرى ساهمت بصورة أساسية في تكوين الانطباع السلبي
العام عن الإسلام والمسلمين في القارة الأمريكية مما سهل بلا شك تقبّل ما يقدمه
الإعلام من صور سيئة عن المسلمين؛ ومن ذلك أن كثيراً من المستعمرين الأوائل
للقارة الأمريكية القادمين من أوروبا كانوا يعقدون الكثير من الشبه بين واقعهم من
ناحية فرارهم من الاضطهاد الكنسي في أوروبا، وبين تاريخ بني إسرائيل وفرارهم
بدينهم. وفي بداية هذا القرن، رأى الأمريكيون أن اليهود في فلسطين يقومون
بنفس العمل الذي قام به أجدادهم عندما قدموا إلى أمريكا. ولذلك فكما رأى الأجداد
الأوائل أن هذه البلاد غير مأهولة إلا بالرعاع من الهنود الحمر الذين كان لهم أحد
خيارين: إما التنصر وخدمة الرجل الأبيض، أو القتل، فإن الحكومة الأمريكية قد
تعاملت مع بداية إسرائيل وعلاقتها بالفلسطينيين بنفس المنطق والتصور. وأخيراً
فإن المبشرين من القارة الأمريكية قد انطلقوا في القرن الماضي في حملات متوالية
لتنصير المسلمين في الشرق الأوسط وفي فلسطين خاصة، وفوجئ هؤلاء
المنصرون بصعوبة تنصير المسلمين بل حتى بصعوبة تحويل نصارى العرب إلى
البروتستانتية. وأدى ذلك إلى كتابة عدد من الكتب عن تجاربهم السلبية.
وامتلأت تلك الكتب بالأوصاف السيئة عن جمود العرب وتخلفهم، وعدم
قبولهم للهداية التي جاؤوا بها [4] . وكان لهذه الأسباب مجتمعة أثر كبير في
قناعات كثير من القائمين على أوجه التأثير الإعلامي في القارة الأمريكية، ولذلك لا
يستغرب انصياعهم واستجابتهم للتشويه المتعمد من قبل اليهود الذين سعوا منذ نشأة
الإعلام الغربي لتوجيهه ضد الإسلام والمسلمين.
وسائل التشويه
إخفاء الحقائق:
المتتبع للإعلام الغربي يلحظ عدم الحيدة بشكل واضح عندما يتعرض الأمر
لاهتمامات إسرائيل؛ فلا يتم الإعلان عن الجرائم التي ترتكب يومياً في فلسطين
على يد المتطرفين اليهود، بينما تبرز العمليات الاستشهادية وتستغل أبشع استغلال. وهناك تصوير الغزو لجنوب لبنان على أنه عمل تحريري ودفاعي، بينما يمثل
الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال الروسي بأنه تطرف وأصولية. وعلى صعيد آخر
نلاحظ في الفترة الأخيرة الحملة التي يتبناها الإعلام الفرنسي ويتبعه في ذلك
العلمانيون والتنويريون في مصر للاحتفال بمرور 200 عام على الحملة الفرنسية
على مصر، وإبراز الحملة كنقلة حضارية للشعب المصري، وتعمد إخفاء أنها
كانت استعماراً واحتلالاً انتُهكت فيه حرمة المقدسات الدينية، وعُبِثَ فيه بالأزهر
الشريف، وقُتِلَ آلاف المسلمين من أبناء مصر دفاعاً عن دينهم ووطنهم.
ويذكر الكاتب الأمريكي (بالتز) أن الإعلام الأمريكي قد ضلل الشعب
الأمريكي وقيادته بشكل واضح خلال الفترة التي سبقت انهيار إمبراطورية الشاه في
إيران [5] . ومن ذلك أن معارضة حكم الشاه كانت تصور دائماً على أنها مقاومة
من أقلية دينية متطرفة. ولم تجرؤ وسائل الإعلام الغربية على وصفه بالدكتاتورية
حتى نهاية حكمه، وكان معارضوه يوصفون دائماً بعدم التنظيم، وكان المراسلون
يكررون دائماً صعوبة الانقلاب على الشاه، وأنه أمر غير محتمل.
كما يبدو واضحاً للمتابع حرص الإعلام على إخفاء بعض الوقائع التاريخية
التي لا تخدم اهتمامات الإعلام الغربي الحالية. فرغم كثرة استشهاد وسائل الإعلام
الغربية في المناسبات القومية وغيرها بأقوال مؤسسي الولايات المتحدة، وتقديمها
للشعب الأمريكي على أنها من الحِكَمِ والمآثر للأجداد الذين قامت على أكتافهم
الحضارة والتفوق الأمريكي، إلا أننا نجد تعتيماً تاماً لمواقف هؤلاء الزعماء من
الوجود اليهودي في القارة. وقد قرأت مؤخراً أحد خطابات الرئيس الأمريكي
السابق (بنجامين فرانكلين) في عام 1779م محذراً أول مجلس تأسيسي للولايات
المتحدة من خطر اليهود قائلاً: (لا تظنوا أن أمريكا قد نجت من الأخطار لمجرد
أنها نالت استقلالها، فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم وهو تكاثر اليهود في بلادنا.. إن هؤلاء اليهود هم أبالسة وخفافيش ليل.. اطردوا هذه الفئة الفاجرة من بلادنا
قبل فوات الأوان.. أيها السادة: ثقوا أنكم إذا لم تتخذوا هذا القرار فوراً، فإن
الأجيال القادمة ستلاحقكم بلعناتها وهي تئن تحت أقدام اليهود) .
الكذب المتعمد:
يروي دافيد بن جوريون - وهو الرئيس الإسرائيلي الأسبق - في مذكراته أنه
اتفق مع جمال عبد الناصر خلال الحملة على الإخوان المسلمين أن تقوم الإذاعة
الإسرائيلية بالدفاع عن الإخوان والهجوم على عبد الناصر للإيحاء بوجود صلة بين
الإخوان واليهود، ولإعطاء الفرصة لعبد الناصر باتهام الإخوان بالعمالة لليهود
والتعاون معهم. وقد ذكر هذه الواقعة أيضاً رئيس الوزراء الأردني السابق سعد
جمعة في كتابه: (أبناء الأفاعي) نقلاً عن مايلز كوبلاند صاحب كتاب: (لعبة
الأمم) . كما تعمد هذا الإعلام اليهودي نقل قصص الفساد الإداري في الدولة
العثمانية في بداية القرن للتعجيل بسقوطها، وإبراز حوادث الانحلال والاستبداد من
خلال الحملة الشعواء التي شنها الإعلام الغربي على الخليفة العثماني السلطان عبد
الحميد، ووصفه بلقب (السلطان الأحمر) عقب رفضه بيع فلسطين للوفد الصهيوني
الذي أراد انتزاع ذلك الاعتراف منه. وتلا ذلك إبراز الخلافة العثمانية بصورة
(الرجل المريض) وإثارة التيارات القومية التركية للانقضاض على الخلافة
وتقويض أركانها.
ولعل أحد شواهد أثر هذا الكذب الإعلامي هو ما نقلته صحيفة الصنداي تايمز
في أحد أعداد عام 1981م عن الصحفية الأمريكية اليهودية: (سارة ايهرمان) أن
مؤسسة الضغط اليهودية إيباك قد تمكنت باستخدام الوسائل الإعلامية من تغيير
الرأي العام الأمريكي خلال 48 ساعة فقط عقب قصف إسرائيل للمفاعل النووي
العراقي. وتدعي الصحيفة بكل فخر نجاح الضغط الإعلامي في تحويل الرأي العام
الأمريكي من الموقف الغاضب جداً ضد إسرائيل إلى تقبل وجهة النظر اليهودية،
بل والقناعة بأن ضرب المفاعل كان عملاً شجاعاً من أجل سلام العالم [6] .
وقد استخدمت وسائل إعلامية أخرى مؤثرة لنقل الكذب والحقد على الإسلام
والعرب في العالم الغربي؛ ومن ذلك استخدام الأفلام السينمائية التي تؤثر على
قناعات عامة الشعوب الغربية. فمثلاً تظهر جولدا مائير في صورة المرأة الرحيمة
في أحد الأفلام الغربية التي تصور قصة حياتها، فعندما تسألها طفلة أمريكية:
(متى يتحقق السلام بينكم وبين العرب؟) ترد الممثلة التي تؤدي دورها في إنسانية
ورحمة: (عندما يفوق حب العرب لأولادهم على بغضهم لليهود سيتحقق السلام
بيننا) [7] . وفي المقابل يظهر العربي المسلم في معظم الأفلام الأمريكية الحديثة
بصورة الغوغائي الدموي الحاقد على الغرب، والذي لا يعرف للإنسانية أو الرحمة
معنى. وقد تنبه الكثير من المؤسسات الصحفية المحايدة منذ زمن طويل إلى
السيطرة الرهيبة لليهود على صناعة الأفلام الغربية، فذكرت مجلة نصرانية تسمى: (الأخبار المسيحية الحرة) في عام 1938م تحذيراً لهذه الظاهرة قائلة: (إن
صناعة السينما في أمريكا يهودية بأكملها، ويتحكم اليهود فيها دون منازعة،
ويطردون كل من لا ينتمي إليها، وجميع العاملين فيها هم إما من اليهود، أو من
صنائعهم، ولقد أصبحت هوليوود بسببهم (سدوم) العصر الحديث، حيث تنحر
الفضيلة، وتنشر الرذيلة، وتسترخص الأعراض ... أوقفوا هذه الصناعة المجرمة؛ لأنها أضحت أعظم سلاح يمتلكه اليهود لنشر دعايتهم المضللة المفسدة) . وكتب
كثير من الكتاب المعاصرين عن سيطرة اليهود على صناعة السينما والتلفزيون
وأثر ذلك على صورة العرب في أذهان الشعب الأمريكي؛ ومن ذلك كتاب صدر
في العام الماضي لكاتب اسمه جولدبرج بعنوان (قوة اليهود) ، أفرد فيه فصلاً كاملاً
للحديث عن تغلغل اليهود في صناعة السينما الأمريكية. كما كتب (روبرت شارج)
في بحث له عن تأثير الإعلام الغربي على صورة الشخصية العربية في نفوس
الأطفال الأمريكيين. وركز في دراسته على بعض البرامج الأمريكية المشهورة
التي تنتجها مؤسسة (والت ديزني) التي يمتلكها اليهود. ومن ذلك قصة علاء الدين
الذي يظهر فيها كشخصية عربية تتحول تدريجياً إلى النمط الغربي، وتحظى بحب
كل من يتعامل معها في مقابل شخصية عربية أخرى هي (جعفر) تمثل جانب الشر
وتبقى محتفظة بالمظهر العربي، وكذلك بكراهية كل من يتعامل معها. ويركز
الباحث على الأثر النفسي لمثل هذا الفيلم على قناعات الأطفال في المجتمع
الأمريكي تجاه الشرق الأوسط؛ خاصة أن الفيلم تجاوزت مبيعاته 10 ملايين نسخة.
السخرية والتهكم:
نشرت إحدى الصحف البريطانية الشعبية مؤخراً رسماً كاريكاتوريا على
الصفحة الأولى يبرز صورة الشيخ عمر عبد الرحمن بجوار صورة الطفلة
البريطانية التي قتلت في حادث الأقصر مؤخراً، وقد كتب تحت الكاريكاتور تعليق
حاد وهو: (من أجل هذا الشيطان قتلت هذه البريئة) ويروي الأستاذ زياد أبو غنيمة
في كتابه: (السيطرة الصهيونية) على وسائل الإعلام العالمية) أنه رأى إعلاناً في
إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية عام 1975م عن أحد أنواع المنظفات الذي يبدأ
بصوت المعلن قائلاً: (إن هذا الصابون ينظف أي شيء.. حتى العربي) ثم يظهر
شخص في زي عربي متسخ وتحاول إحدى الفتيات تنظيفه بالمنظف الجديد وينتهي
الإعلان بقول الفتاة: (لقد بذلنا كل ما في وسعنا) ويظهر المعلن مرة أخرى ليقول:
إن تقارير المختبرات أثبتت أن عدم نظافة العربي لا يرجع إلى عدم وجود
المنظفات، ولكن (لأن العربي لا يمكن أن يصبح نظيفاً أبداً) [8] . وفي إعلان آخر
عن وسيلة لحماية النساء من المعتدين تسير فتاة باطمئنان ثم يفاجئها رجل يرتدي
الزي العربي ليهجم عليها بخنجر في يديه، فتستخدم الفتاة مادة مخدرة ترشها في
وجهه ليسقط مغشياً عليه، ولا تنسى الفتاة قبل أن تمضي أن تبصق على العربي.
تعميق الإحساس بالكراهية:
لقد أجاد الإعلام الغربي في تعميق إحساس الكراهية لدى الشعوب الغربية تجاه
الإسلام والمسلمين على مدى العشرين سنة الماضية، وكان لأحداثٍ مثل
المظاهرات التي أعقبت صدور كتاب: (آيات شيطانية) وعمت أنحاء أوروبا أثر
كبير في استغلال صور انفعال المسلمين لما في هذا الكتاب من إهانة للنبي -صلى
الله عليه وسلم- وزوجاته والصحابة لتصوير المسلمين أنهم جهلاء ولا يتمتعون
بروح السماحة والنقاش الحر، وهي أمور يعتبرها الغربي من المسلّمات والبدهيات
خاصة في المجتمعات الغربية التي غُيِّبَ فيها الدين بصورة تامة عن الحياة اليومية
للشعوب، وشاهد المتفرجون على شاشات التلفزيون الفرنسي صورة المظاهرة التي
قام بها 500 شاب مسلم في باريس مطالبين بالاقتصاص من كاتب ذلك الكتاب،
وأعيدت المشاهد الانفعالية لهذه المظاهرة مرات عديدة خلال الأيام التالية، وعبرت
عن ذلك جريدة النيويورك تايمز في عدد 5 مارس 1989م قائلة: (لقد ظهر هؤلاء
المتظاهرون فجأة في المجتمع كطابور خامس للتطرف الإسلامي في فرنسا التي
كانت تحتفل بمرور القرن الثاني على ثورتها ضد الدين) وخرجت إحدى اليمينيات
في ذلك الوقت لتقول: (إن الإسلام دين قائم على عدم التسامح) .
وذكر (روبرت فيسك) في مقال له صدر في جريدة الإندبندنت البريطانية في
يوم 3/12/1997م حول الإعلام الغربي وتعامله مع قضايا المسلمين أن هناك تعمداً
مستمراً للإساءة للدين الإسلامي بكل الطرق الإعلامية الممكنة من قِبَلِ الصحافة
والإعلام الغربي. وذكر في مقاله مثالين على ذلك وهما: وصف مجلة (باري
ماتش) الفرنسية لحادثة الأقصر بأنها من فعل (مجانين الله) ، وكذلك غلاف مجلة
التايم الأمريكية عقب تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك، والذي خرج بعنوان
(الإرهاب الإسلامي) . وفي المقابل فعندما قام الصرب بكل أنواع التنكيل والتعذيب
للمسلمين في البوسنة والهرسك، كان ذلك ينقل في الإعلام الفرنسي على أنه صراع
عرقي وليس ديني. ولم يحدث أن أشير إلى جرائم الصرب على أنها جرائم
(لنصارى أوروبا) ، ولكنها صورت في معظم وسائل الإعلام الغربية على أنها
صراعات من أجل الهيمنة على الأرض أو الحدود الجغرافية. وتلقفت كثير من
وسائل الإعلام العربية هذا الموقف نفسه وبدأت في إعادة بثه في وسائل الإعلام
العربية.
التعتيم والمحاصرة:
رغم أن الدراسات الإحصائية قد أثبتت أن أكثر من 50% من حملة شهادات
الدكتوراه في المجالات الهندسية في القارة الأمريكية هم من أبناء العالم الإسلامي،
وكثير من العلماء البارزين في شتى فروع العلوم الطبيعية والتقنية في الجامعات
الأمريكية هم من المسلمين، إلا أن الإعلام الغربي يصر على تصوير هذه
النجاحات على أنها نجاحات فردية، بينما تبرز نجاحات اليهود المماثلة على أنها
تفوّق عرقي وأنها تؤكد تميّز وذكاء الشعب اليهودي بأكمله. وقد صدر مؤخراً في
أمريكا كتاب بعنوان: (بين اليهود والسود) يعقد سلسلة من المقارنات بين السود
واليهود في أمريكا، ويؤكد صاحب الكتاب في أكثر من موضع أنه رغم أن كل من
اليهود والسود في أمريكا يمثلان أقلية عرقية، إلا أن هناك فرقاً شاسعاً بين تأثير
كل منهما على الحضارة الغربية. ويتفنن الكاتب في ذكر مناقب الأقلية اليهودية
والذكاء الفطري لها، والإنجازات العلمية والحضارية لأبنائها، بينما يهوِّن من
الناحية الأخرى من شأن السود ويلتمس لهم الأعذار، ويقدم بطريقة ماهرة وماكرة
صورة سلبية وقاتمة لهذه الأقلية. وحيث إن الإسلام هو الدين الأسرع انتشاراً بين
طوائف السود في القارة الأمريكية، فلا يخفى على القارئ الربط الذي سيعقده
الأمريكي العادي عند قراءة مثل هذا الكتاب.
نماذج تاريخية: الصراع العربي الإسرائيلي في مجلة التايم:
في دراسة متخحصة عن القضية الفلسطينية والإعلام الأمريكي، قام (ر. س. زهارنة) بدراسة إعلامية تعقّب فيها كيف تعاملت أشهر المجلات الأمريكية
والعالمية - مجلة التايم - مع القضية الفلسطينية منذ بداية الكيان اليهودي في
فلسطين (1948م) . ولاحظ الباحث أن التايم قد بدأت منذ عام 1946 1949م في
تغيير كلمة (الفسلطينيون) إلى كلمات أخرى من مثل (سكان فلسطين) و (عرب
فلسطين) وذلك لإخفاء الهوية الحقيقية للسكان الأصليين في المنطقة. ثم تغيرت هذه
المصطلحات خلال الفترة من 1950م إلى نهاية الستينيات إلى: (العرب غير
الأردنيين) و (العرب الإسرائيليين) و (الأردنيين) ، وصاحَبَ ذلك تطور آخر وهو
التركيز على خصوصية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لدرجة أن مجلة التايم قامت
بنقل الموضوعات الخاصة بقضية إسرائيل من صفحات القضايا الدولية في المجلة
إلى الصفحات المحلية. واستمر هذا التغيير منذ ذلك الحين. أما من ناحية اللقاءات
الصحفية فقد كان أغلبها يتم مع مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين مما جعل الطرح
الصحفي دائماً متحيزاً للجانب الإسرائيلي من النزاع، وكان لتصوير الفلسطينيين
أنهم من العرب أثر إعلامي قوي في أمريكا بين مختلف فئات الشعب الأمريكي
لاستغلال الكراهية المترسخة نحو العرب من جراء سنوات من الإعلام السلبي،
إضافة إلى تصوير إسرائيل كياناً صغيراً في مقابل عدو ضخم هم العرب، بدلاً من
التركيز على المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
كما قامت التايم بعدد من التحقيقات الإنسانية مع العائلات اليهودية المهاجرة
إلى أرض الميعاد، وركزت هذه التحقيقات على جوانب التضحية والمعاناة والمشقة. ومثال ذلك تحقيق أجري في عدد 7/2/1949م مع عائلة يهودية مهاجرة. كما
استخدمت المقارنات الإعلامية لإضفاء البريق على اليهودي والضعف والمهانة على
العربي. ففي عدد 26/4/1948م كان عنوان أحد المقالات: (اليهود يحتفلون
بأسبوع من النصر، والعرب قد أصابهم الضعف والضياع) ، وفي عدد 17/5/
1948م: (اليهود ينتظرون انتهاء الانتداب البريطاني في ثقة تامة، والعرب
الفلسطينيون في انهيار نفسي تام) . عقب ذلك وخلال الفترة من 1950م - 1967م
انتقل تركيز مجلة التايم إلى الحديث عن شؤون إسرائيل، وإبرازها قوة دولية
مؤثرة، بينما كثر الحديث عن ضعف أبناء فلسطين وتشردهم في البلاد العربية
والغربية وعدم وجود قيادة لهم، وكانت صور الملاجئ تؤكد هذا الانطباع في نفس
القارئ، كما استمرت المجلة في امتهان الشخصية العربية وتصويرها بشكل مخز
ومقزز، فمثلاً كان الملك عبد الله ملك الأردن يوصف بأنه (الرجل الصغير) ذو
(الابتسامة البلهاء) و (الغارق في مغامرات الصراعات العربية) [9] .
أما في الفترة من 1967م - 1987م فقد اختلفت الصورة تدريجاً، فمع إنشاء
منظمة التحرير عند بداية العمليات الفدائية، بدأ التركيز على صورة الفلسطيني
الإرهابي، وانتقلت الصورة الماثلة في أعين الغربيين عن الفلسطيني الذي كان
ينظر إليه على أنه مشرد لا حول له ولا قوة، إلى الإرهابي خاطف الطائرات
وقاتل الأطفال والنساء بلا رحمة ولا شفقة. وانتقلت مجلة التايم مرة أخرى إلى
نوع جديد من التصوير السلبي للفلسطينيين لتصفهم بأنهم (متوحشون) ، (إرهابيون
بلا رحمة) و (غير منطقيين) [10] . ولذلك كان هناك نوع من التأييد عند احتلال
إسرائيل لجنوب لبنان فيما صُوِّر أنه محاولة للقضاء على الإرهاب الفلسطيني الذي
يهدد العالم بأسره، ولكن تبع ذلك مذابح صبرا وشاتيلا فعادت مرة أخرى صورة
الفلسطيني المشرد المغلوب على أمره تحتل عناوين التايم وكأنما كان ذلك
لامتصاص غضبة العرب والمسلمين تجاه تلك المذابح الرهيبة.
أما في الفترة التي بدأت منذ عام 1988م فقد ظهر تغير في النظرة تجاه
القضية الفلسطينية وذلك عقب الانتفاضة التي قدمت الشعب الفلسطيني للعالم كشعب
أعزل يقاتل بالحجر وحشية الجندي اليهودي المدجج بالسلاح. وهنا بدأ الإعلام
الغربي في إعادة رسم وتقديم منظمة التحرير كشريك مقبول للسلام، وبدأت عمليات
تجميل صورة قيادات المنظمة التي كانت حتى عهد قريب توصف بأنها منظمة
إرهابية، ويرجع كثير من الباحثين هذا التغيير في السياسة الإعلامية التي تحركها
اهتمامات اللوبي اليهودي في أمريكا إلى الحاجة التي ظهرت لاستبدال قيادة الشعب
الفلسطيني واللحاق بها قبل أن تقع في أيدي الإسلاميين الذين ظهرت مصداقيتهم
للشعب خلال أحداث الانتفاضة، وفجأة تتحول مجلة التايم إلى دور المدافع عن
ياسر عرفات عندما رفض جورج شولتز وزير الخارجية آنذاك منحه تأشيرة دخول
أمريكا لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة.
وتعقِّب التايم على ذلك في عدد 5/12/1988م قائلة: (جهد فردي لمنع رئيس
المنظمة من التحدث أمام الأمم المتحدة) . وصُوِّر عرفات عقب ذلك أنه (النجم
الصاعد الذي يتحدى صلف الحكومة الأمريكية) [11] والملاحظ هنا أن المنظمة لم
يتم الاعتراف بها من قبل الإعلام الأمريكي كممثل للشعب الفلسطيني عندما نالت
المنظمة الاعتراف الدولي في عام 1974م، ولكن تم ذلك بعد أكثر من 19 عاماً؛
إذ تطابقت سياسة المنظمة مع سياسة قادة إسرائيل عام 1993م. ولأول مرة تبدأ
مجلة التايم في إظهار الجانب الإنساني في شخصية عرفات بوصفه (محباً للأطفال)
و (الرجل المسن) في عدد 13/9/1993م، كما اختفى الحديث عن العداء، وبدأ
ذكر عبارات الحوار والنقاش و (الخروج من دوامة الصدامات التاريخية) و (البناء
المشترك لأرض الميعاد) و (الحياة جنباً إلى جنب) .
دور الإعلام الإسلامي:
لا شك أن الإعلام الغربي قد نجح طوال القرون الماضية في صياغة عقول
وتصورات الكثير من الغربيين بل والشرقيين أيضاً حول قضايا وصراعات العالم.
ونحن في حاجة ماسة إلى الأخذ بزمام المبادرة في توعية الأمة بمثل هذه المكائد.
ولا بد من إدراك حقيقة أن الوقاية خير من العلاج، وأن وجود الجهاز الإعلامي
الإسلامي القادر على التعامل مع هذه المكائد وصدها يجب أن يكون في دائرة اهتمام
المخلصين من الأمة، ولا بد للإعلام الإسلامي أن يتمتع بالجرأة والمصداقية والعزم
الصادق في التصدي لمحاولات تغييب وتحريف هذا الدين، ولا بد من مشاركة
المهتمين من غير المسلمين في هذه القضية ودفع عجلتها إلى الإمام. لقد عقد في
العام الماضي المؤتمر الدولي الأول حول الجوانب الأخلاقية والقانونية والمجتمعية
للمعلومات الرقمية في مونت كارلو. وركز عدد من المندوبين في هذا المؤتمر على
أهمية الحفاظ على حيدة المعلومات والمصداقية في نقلها وتوزيعها. وعبر المدير
العام لمنظمة اليونسكو عن قضية هامة وهي ضرورة تحقيق ديمقراطية المعلومات.
وأكد على أهمية تأمين المعلومات والاتصالات للجميع؛ لأن مجتمع المعلومات ليس
جمعية سرية أو نادياً خاصاً وإنما هو أمر يهم كافة المجتمعات والثقافات. وأنهى
حديثه بالتأكيد على أن أخلاقية المعلومات تتحقق بديمقراطية المعلومات [12] ،
ولذلك ينبغي لنا أن نبذل قصارى الجهد في إيقاف محاولات التشويه المتعمدة لديننا
وواقعنا وقيمنا الحضارية المستمدة من الدين الإسلامي، والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لا يعلمون.