مجله البيان (صفحة 2732)

تعقيب على محاورة د. محمد الشبانى

متابعات

تعقيب

على محاورة الأخ د. محمد عبد الله الشباني

بقلم: أ. د. يوسف القرضاوي

وصلنا تعقيب فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي على مقال: (وقفات متأنية

مع آراء فضيلة د. القرضاوي حول العلاقة مع أهل الكتاب) للدكتور محمد الشباني، وقد أسعدنا تواصل فضيلته مع المجلة، ويسرنا أن ننشر تعقيبه بتمامه، وإن كنا

نختلف معه في مسائل ذكرناها تعليقاً، ومع ذلك نرحب بكل نقد بناء جاد. وفّق الله

الجميع لما يحبه ويرضاه.

أطلعني بعض الإخوة الأفاضل على عدد من مجلة (البيان) التي تصدر في

لندن (العدد 112 أبريل مايو 1997م) وفيها حوار أو مناقشة لبعض ما لخصه أحد

الإخوة بمجلة (المجتمع) الكويتية من تعقيب لي على محاضرة الأستاذ الدكتور رجاء

جارودي، حينما دعي إلى جامعة قطر بالدوحة. وكان كاتب المقال هو الدكتور

محمد عبد الله الشباني، تحت عنوان: وقفات متأنية مع آراء فضيلة د. القرضاوي

في العلاقة مع أهل الكتاب.

وأنا شاكر للأخ الدكتور د. الشباني حسن أدبه في تناول الموضوع، وأقدِّر

له غيرته واجتهاده، وإن كنت أخالفه فيما انتهى إليه من آراء تخص موقفي.

التوحيد والأخلاق:

أولاً: أخذ عليّ الأخ الشباني قولي: إن رسالة الإسلام رسالة أخلاقية في

الدرجة الأولى، وكأنه فهم من هذه الجملة أني أعتبر (التوحيد) في الدرجة الثانية أو

الثالثة، وطفق يذكر الأدلة على أهمية التوحيد، كأني أنكر ذلك أو أجهله.

والحق أني أعتبر (التوحيد) كما يعتبره كل مسلم أساس الدين، بل أساس

الديانات السماوية كلها، ولكني أيضاً اعتبره من جملة الأخلاق؛ لأنه من (العدل)

الذي يعطي كل ذي حق حقه، ولا حق لأحد أن يعبد غير الله تعالى الرب الخالق

المعلم للإنسان. ولا غرو أَنِ اعتبر القرآن الشرك من (الظلم) بل هو ظلم عظيم،

كما جاء في القرآن على لسان لقمان؛ إذ قال لابنه وهو يعظه: -صلى الله عليه

وسلم-[يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] [لقمان: 13] .

وقد صحح الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- للصحابة فهمهم للآية

الكريمة من سورة الأنعام: [الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ

وَهُم مُّهْتَدُونَ] [الأنعام: 82] حين قالوا: وأينا لم يظلم نفسه يا رسول الله؟ فقال:

ليس كما فهمتم، إنه الشرك. ألم تقرؤوا قول العبد الصالح: [إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ

عَظِيمٌ] [1] .

ونجد القرآن الكريم يعتبر الإيمان والشعائر العبادية وعمل الصالحات، وفعل

الخيرات والجهاد في سبيل الله ونحوها من جملة الأخلاق المحمودة، ويصف أهلها

من المؤمنين والأبرار والمتقين بصفات أخلاقية مثل (الصدق) وهو فضيلة أخلاقية

بلا ريب.

يقول تعالى: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا

بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] [الحجرات: 15] .

وقال عز وجل: [لَيْسَ البِرَّ أََن تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ

البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ

ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقََابِ وَأََقَامَ الصَّلاةَ

وآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البََاًسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ

البَاًسِ أُوْلَئِكَ الَذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] [البقرة: 177] .

ومن هنا أثنى الله على أولي العزم من الرسل فوصفم بصفات أخلاقية، كما

قال عن نوح: [إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً] [الإسراء: 3] .

وقال عن إبراهيم الخليل: [وَإبْرَاهِيمَ الَذِي وَفَّى] [النجم: 37] .

وخاطب خاتم رسله محمداً بقوله: [وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ] [القلم: 4] .

ولا غرو أن قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [2] .

ولقد ذكر الإمام ابن القيم في (مدارج السالكين) ما نقله الكتاني عمن قبله أنهم

قالوا: التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في

التصوف [3]

وعلق على ذلك ابن القيم بقوله: (بل الدين كله هو الخلق، فمن زاد عليك في

الخلق، فقد زاد عليك في الدين) [4] .

وقد عرّف بعضهم التصوف فقال: هو الصدق مع الحق، والخُلُقُ مع الخَلْق.

ولا يخفى أن الصدق خلق أيضاً، فقد أصبح التصوف كله خلقاً. بل هذا هو

الدين كله: أن تكون مع الله بالصدق، ومع الناس بحسن الخُلُق.

أو أن تكون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مع الله بالتقوى، ومع الناس

بالإحسان، كما يشير إليه قوله تعالى: [إنَّ اللَّهَ مَعَ الَذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون] [النحل: 128] .

وفي ضوء هذه المفاهيم الإسلامية الصحيحة يجب أن يُفهم معنى قولي: إن

الإسلام رسالة أخلاقية في الدرجة الأولى، فأنا أُدخِل في هذا المفهوم: العقائد

والعبادات وعمل الصالحات والدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيله. وقديماً قال

علماؤنا: لا مشاحّة في الاصطلاح.

معركتنا مع اليهود:

ثانياً: علق الأخ الشباني على قولي: إن معركتنا مع اليهود ليست من أجل

العقيدة، بل من أجل الأرض التي اغتصبوها، والحرمات التي انتهكوها، والدماء

التي سفكوها. وقال: إنها تحتمل معنى صحيحاً لا غبار عليه، وهو أن صراعنا

مع اليهود في هذه المرحلة من أجل أرض فلسطين. وإذا كان هذا المعنى الصحيح

محتملاً، فلماذا نفترض المعنى الآخر؟

والذي جعلني أقول هذا القول: أن اليهود يشيعون في أنحاء العالم أنهم جنس

مضطهد مجني عليه، مظلوم من الناس كافة، وأن اضطهاده إنما هو من أجل

عقيدته وعنصره، أي لأنهم يهود، ولأنهم ساميون. ولذا نراهم يتاجرون بمعاداة

السامية.

ونحن نريد أن نقول لهم: إننا لم نحاربكم من أجل عقيدتكم اليهودية، ولا

عنصريتكم السامية [5] ، فنحن المسلمين نعتبركم أهل كتاب، حتى إن القرآن أباح

مؤاكلتكم ومصاهرتكم، ونحن العربَ ساميون مثلكم، فأنتم أبناء عمومتنا. وبذلك

نبطل الدعوى التي يتشدقون بها ويستدرّون بها عطف الأمم كافة عليهم.

على أني إذا قلت: إن المعركة من أجل الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،

فهذا لا ينفي الطابع الديني عن المعركة؛ لأنها معركة (في سبيل الله) يقيناً، معركة

دفاع عن الحق والأرض والعرض والشرف والدين، وكل المقدسات. وكل معركة

يخوضها المسلم دفاعاً عن أرضه وحرماته هي معركة دينية؛ لأنها في سبيل الله لا

في سبيل الطاغوت، وقد قال تعالى: [الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ

كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ] [النساء: 76] .

فكيف إذا كانت الأرض التي يدافع عنها المسلم تتميز بأنها أولى القبلتين،

وبها ثالث المسجدين المعظمين، وهي أرض الإسراء والمعراج، وأرض النبوات

والبركات، وأرض الرباط والجهاد؟ أجل، إنها معركة تحرير القدس وإنقاذ

الأقصى؟ !

ولا يُتصور من مثلي أن ينفي الطابع الديني عن المعركة بيننا وبين اليهود،

وأنا أنادي في كتبي وفي محاضراتي وفي فتاواي وخطبي منذ سنين طويلة بفرضية

الجهاد من أجل فلسطين، وضرورة (إسلامية) المعركة، وأننا لم نُهزم إلا أننا

دخلناها عرباً ولم ندخلها مسلمين.

ويمكن أن يراجع من يشاء كتبي: درس النكبة الثانية، الحلول المستوردة،

أولويات الحركة الإسلامية وغيرها، وكذلك فتاويّ حول الصلح مع إسرائيل، وعن

زيارة القدس والصلاة في الأقصى في ظل الاحتلال، والمشاركة في انتخابات

الكنيست، وردودي على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وغيرها، ليعرف منه

حقيقة موقفي من إسلامية المعركة مع الصهيونية الباغية المغتصبة.

هل هناك أصول مشتركة بيننا وبين أهل الكتاب؟

ثالثاً: أثار الأخ الشباني زوبعة حول ما نقل عني أني قلت معقباً على موقف

جارودي ما معناه: لا مانع من وقوف أتباع الديانات السماوية في خندق واحد، أي

في مواجهة الإلحاد والإباحية، وقد يختلفون في بعض الأمور، ولكن بينهم من

الأصول المشتركة ما يجمعهم ضد الذين ينادون بوحدانية الدولار، ووحدانية السوق، ويعتبرون أنه (لا إله إلا المادة) .

أنكر الأخ الكاتب هذا القول، وزعم أنه يناقض أصول الإسلام وحقائق

التوحيد.. وقال: ليس بيننا وبين اليهود والنصارى أي أصول مشتركة، فهم

مشركون كفرة، وقد حكم الله عليهم بالكفر.. إلخ

ولو كان ما قاله الكاتب صحيحاً، لم يكن هناك معنى ولا مبرر لأن يميزهم

الإسلام عن غيرهم من سائر الكفار، ويعتبرهم (أهل كتاب) وأهل دين سماوي

ويناديهم: [يَا أَهْلَ الكِتَابِ] [آل عمران: 64] وأن يقول القرآن فيهم: [وَطَعَامُ

الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ

مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ... ] [المائدة: 5] فأباح مؤاكلتهم ومصاهرتهم،

والمصاهرة أحد الرابطين الأساسين بين البشر [وَهُوَ الَذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً

فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً] [الفرقان: 54] .

فكيف أجاز للمسلم أن تكون شريكة حياته، وربة بيته، وأم أولاده من أهل

الكتاب؟ ومن لوازم ذلك: أن يكون أبو زوجته الكتابية وأمها جدين لأولاده،

وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهؤلاء جميعاً وأولادهم حقوق الأرحام

وذوي القربى؟

ولا ريب أنهم كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-،

ولكنهم غير (المشركين) أو (الذين أشركوا) [6] فهم صنف آخر يذكر معطوفاً عليهم

في القرآن، والعطف يقتضي المغايرة، كما في قوله تعالى: [مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا

مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ] [البقرة: 105]

وقوله: [لَمْ يَكُنِ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حََتَّى تَاًتِيَهُمُ البَيِّنَةُ] [البينة: 1] ، [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ

فِيهَا] [البينة: 6] ، [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى

وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ] [الحج: 17] .

فدلّت هذه الآيات الكريمة على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى غير

المشركين الذين ذكرهم القرآن، ويقصد بهم عباد الأوثان، كما كان عليه مشركو

العرب.

ولو لم يكن هناك أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب ما أجاز

للمسلمين أن يصاهروهم، ولحرم ذلك عليهم كما حرم مصاهرة المشركين، حيث

قال: [وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ

أَعْجَبَتْكُمْ] [البقرة: 221] .

والواقع أنه توجد أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب في الجملة [7] ،

منها: الإيمان بالله، والإيمان بوجوب التعبد له، والإيمان بالنبوة والوحي،

والإيمان بالآخرة، والإيمان بالقيم الأخلاقية. ومن ثم يمكن أن يقف هؤلاء مع

المسلمين في خندق واحد، لمقاومة النزعات الإلحادية، ودعوات الانحلال والإباحية، والوقوف في وجه المظالم والاعتداءات البشرية.

وهذا ما جعل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والفاتيكان يقفون في صف واحد

في مؤتمر السكان الذي انعقد بالقاهرة في صيف سنة 1994م ضد دعاة الإجهاض

والإباحية الجنسية.

وهو ما جعل الكثيرين يرحبون بالحوار الإسلامي المسيحي [8] ، كما فعل

ذلك وفد رابطة العالم الإسلامي برئاسة أمينها العام الشيخ محمد علي الحركان،

وعدد من الأساتذة الكبار، حيث ذهبوا إلى الفاتيكان، وحاوروا كبار أساقفته،

ووصلوا إلى نتائج مهمة سجلوها في كتاب نشرته الرابطة.

وكذلك قام حوار في ليبيا شارك فيه عدد من الشيوخ والمفكرين المسلمين،

وقُدِّمت فيه بحوث من كلا الطرفين في أربعة موضوعات محددة، وانتهوا إلى

توصيات مشتركة، أعتقد أنها نافعة.

ولو كان أهل الكتاب كالمشركين الأقحاح سواء بسواء كما يقول الأخ المعقب

لما حزن المسلمون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة حين

انتصر الفرس وهم مجوس يعبدون النار ويقولون بإلهين اثنين على الروم، وهم

نصارى أهل كتاب، على عكس ما كان عليه المشركون من أهل مكة، الذين

فرحوا بانتصار الفرس على الروم، معتبرين أن الروم أهل كتاب، فهم أقرب إلى

المسلمين من المجوس.

وقد نزل في ذلك قرآن يتلى يبشر المسلمين بأن هذه الغلبة للفرس لن تدوم،

وأن اتجاه الريح سيتغير لصالح الروم في بضع سنين، وقال تعالى: [الّم) (?)

غُلِبَتِ الرُّومُ (?) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (?) فِي بِضْعِ سِنِينَ

لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ] 4 [بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ

وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ] [الروم: 1 - 5] .

إن القرآن الكريم أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأن نركز

على القواسم المشتركة بيننا وبينهم، لا على نقاط التمايز والاختلاف، يقول تعالى: [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا

بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ]

[العنكبوت: 46] .

وما أحوج الدعاة اليوم إلى هذا الأدب القرآني في عصر تقارب فيه العالم

حتى أصبح قرية كبرى كما قال بعض الأدباء، وأنا أقول: إنه أصبح قرية صغرى، نتيجة ثورة الاتصالات، ورسالة الدعاة اليوم يجب أن تركز على تبليغ دعوة

الإسلام إلى العالم بلغاته المختلفة عبر الإذاعات الموجهة، والأقمار الصناعية،

والرسائل المكتوبة، وترجمة معاني القرآن إلى الألسنة المختلفة، وهذا هو الجهاد

الأول اليوم، وهذا كله قد أخفق فيه المسلمون إخفاقاً بيناً، ولكنهم نجحوا في

استفزاز الآخرين وإيغار صدورهم، وتخويفهم من ظهور الإسلام، الذي لن يعاملهم

إلا بسل السيف على رقاب الجميع، وإعلان الحرب على البشرية كلها [9] .

أسأل الله أن يرزقنا فقه الدعوة، وفقه الفتوى، حتى نفرق بين الثوابت

والمتغيرات، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال وغيرها،

فالدعوة وأساليبها أوْلى بالتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015