دراسات دعوية
التخطيط في خدمة الدعوة إلى دين الله
بقلم: خالد صقير الصقير
لا يخفى على كل داعية نذر نفسه لتحمل هذه الأمانة العظيمة مدى الحاجة إلى
دعوة راشدة تنهض بهذه الأمة، وتستند إلى قواعد صلبة من كتاب الله، وسنة
رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهدي السلف الصالح.
ولا ريب أن من أهم السمات المطلوبة في الداعية إلى الله هي البصيرة
بمفهومها الواسع، والتي تشمل غير العلم بموضوع الدعوة معاني أخرى كثيرة من
أهمها: وجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه
للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، والتنبؤ بما قد
يعترضه من عوائق ومشكلات، وهذا الوعي والإدراك لمثل هذه الأمور هو ما
نسميه بلغة الإدارة: (التخطيط) .
ماهية التخطيط:
لا شك أن كل داعية إنما يهدف من وراء دعوته إلى تحقيق جملة من
الأهداف؛ إذن: فما هي أهدافه؟ ولديه العديد من الوسائل التي ينوي القيام بها:
فما هي أفضل هذه الوسائل لتحقيق أهدافه؟
ويطمح لأن تتحقق أهدافه ومقاصده: فكيف تتحقق هذه الأهداف بالشكل
المطلوب؟
ويرد في ذهنه العديد من العوائق والصعوبات عند رسم برامجه: فما السبيل
لتلافي هذه المعوقات وتوقعها مسبقاً؟
إن هذه الخواطر والتساؤلات تبرز مسيس الحاجة إلى التخطيط في برامجنا
الدعوية؛ لأن ضعف جانب التخطيط أحياناً وانعدامه في أحيان أخرى أسهم في
إضاعة الكثير من جهود الدعاة وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية وأضحى الكثير من
البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط أو لتكون أرقاماً تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة.
وإذا تأملت في آثارها فلا تكاد تجد لها أثراً في الواقع أو أنها قد حققت الحد
الأدنى من أهدافها، وبتتبع معظم السلبيات في الجهود الدعوية نجد أن الكثير منها
يمكن إرجاعه إلى ضعف أو انعدام التخطيط.
وهذا لا يعني إغفال العوامل الأخرى كسلامة المنهج وإخلاص النوايا لدى
العاملين، وغيرها، ولكن هذه الجوانب قد تكون معلومة لدى معظم الدعاة وليست
بخافية كما هو حال التخطيط الذي لا زال قليلاً أو شبه معدوم في واقع كثير من
الدعاة أو الجهات العاملة في حقل الدعوة؛ ولا زالت الارتجالية والعشوائية
والفوضى المالية والإدارية أحياناً هي السمة البارزة في كثير من الأعمال الدعوية.
إيجابيات التخطيط:
ويمكن أن نبرز أهم ما يمكن أن يسهم به التخطيط للنهوض بالأعمال الدعوية
والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن الله تعالى ثم بجهود الدعاة الصادقين
المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات هي:
1- أن التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية،
كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك، ولا زال هذا الأمر
وهو وضوح الهدف غائباً عن كثير من العاملين في الدعوة؛ فهو لا شك يدرك
الهدف العام وهو تبليغ دين الله ولكنه قد يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج مما
يُوجِد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج.
2- يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية
بحسب قدراته وإمكاناته والمتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له؛
وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج؛ فأحياناً قد يختار الداعية أساليب
للدعوة لا تؤدي إلى نجاح البرنامج: إما لعدم مناسبتها لأهداف البرنامج، أو لطبيعة
البرنامج وأهدافه، أو لعدم مناسبتها لإمكانات من يتولى تنفيذ البرنامج وقدراته
الدعوية، أو أنها غير ملائمة لبيئة الدعوة أو نوع المدعوين وطبيعتهم، وقد
(يجتهد) الداعية أحياناً في اختيار وسيلة غير منضبطة بضوابطها الشرعية.
3- يجعل من السهل التوقع لمعوقات البرنامج الدعوي التي قد يفاجأ بها
الداعية أثناء أو قبل تنفيذ البرنامج، ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات
التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله بإذن الله أكثر أماناً وأقل عرضة
للمفاجآت التي قد تُذهب جهوده أو تضعف ثمارها إضافة إلى أنه يعالج الخطأ في
الوقت المناسب وقبل أن يتراكم فيمنع الرؤية وتصعب معالجته.
4- يسهم التخطيط في ترتيب الأوليات لدى العاملين والقائمين على البرنامج
الدعوي مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند
الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك.
5- يُحدث التخطيط كثيراً من الانسجام والتناسق بين أعمال الداعية، مما
يمنع الازدواجية والتضارب في أعماله وبرامجه؛ فلا تضيع بفعل ذلك كثير من
الجهود والأوقات التي يمكن استغلالها لتنفيذ برامج أخرى.
6- يعمل التخطيط على توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي
توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه مما يساعد على استثمار
هذه الجهود والنفقات لإقامة برامج دعوية أخرى.
ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو
من آثار ضعف التخطيط.
7- يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها؛
وهذا يجعل الداعية قادراً على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة
لتنفيذها، وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج ومنع التضارب مع أنشطة أخرى.
8- يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية وفي البعد عن
الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية؛ مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.
9- يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة
الدعوية بأشكال مختلفة سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو
التخصص في البرامج الدعوية، أو غير ذلك. كما يفيد في منع التكرار في البرامج
ويحول دون إضاعة الجهود أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها أكثر.
10- يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ
فيها الخطط الدعوية، وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ
ليتم تلافيها في الخطط القادمة؛ وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط في أنه يساعد في
عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب، وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة
دعوية ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها وأبرز سلبياتها وإيجابياتها.
11- يجعل من السهل على الداعية أن يحصر حاجاته من البرامج والأنشطة
والخطط اللازمة لتوجيه مسار الدعوة بالشكل الصحيح.
12- يسهم في معرفة مواضع الضعف في القوى البشرية ومن ثَمّ في تحديد
البرامج التدريبية اللازمة للارتقاء بالكفايات الدعوية من كافة الجوانب العلمية
والإدارية والقيادية.
13- يساعد التخطيط القائمين على الأعمال الدعوية في وضع معايير وأسس
لمتابعة أداء الدعاة والعاملين في البرامج، ومدى تحقيقهم لأهداف البرنامج.
14- يفيد التخطيط في تحديد مهام العاملين في البرنامج الدعوي أو الخطة
الدعوية عموماً، وطريقة أدائهم؛ مما يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة
المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
15- يزيد التخطيط من فاعلية وإنتاجية المديرين للبرامج أو الخطط الدعوية؛ فما دام أن التخطيط يساعد في وضع الأهداف بشكل واضح ومحدد فإنه كذلك
يساعد القائمين عليه في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحكمها الأهداف الموضوعة
للخطة الدعوية.
16- يساعد التخطيط في استغلال الفرص الدعوية حيث يفيد في الإعداد
المبكر وحسن التوقيت للبرامج وجمع المعلومات الخاصة بالبرامج وخصوصاً
مواعيد إقامتها، وتحديد ذلك مسبقاً والإعداد الجيد له.
17- يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملاً؛ ويلاحظ
أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية حيث تركز على شرائح معينة
من المجتمع أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها؛ بينما
التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في طروحاتها
وبرامجها.
18- يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية بإذن الله فكثيراً ما تتوقف
الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت كانقطاع الدعم، أو سوء التنفيذ،
أو سوء التوقيت، ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة.