تأملات دعوية
بقلم: عبد الله المسلم
حين تطرح قضية من قضايا هموم المسلمين في أحد المجالس، ويتبادل
الناس الحوار والحديث حولها يتحدث الناس عن قضايا كبار، كالتآمر العالمي على
الدعوة، وتجفيف المنابع، ومواجهة الصحوة، وأن هذه المسائل تحتاج إلى حلول
جذرية ربما تضيق عنها جهود أمم ودول، فضلاً عن فئات محدودة من الدعاة،
وتربط كل قضية عملية تطرح أمام الناس بهذه القضايا الكبار.
وتبدو نتيجة النقاش أن هذه القضايا أكبر من جهد الأفراد وطاقتهم، ويقف
الأمر عند هذا الحد، وحين تبحث عن جهود هؤلاء ودعوتهم فإنك لا ترى شيئاً
يذكر؛ فالطالب في جامعته، والمعلم في مدرسته، والموظف والعامل في قطاعه
ليس لهم أثر في محيطهم، بل لا يرون ذلك ضمن دائرة اهتمامهم.
وهي القضية التي تحدث عنها أحد التربويين من خلال (دائرة الاهتمام)
و (دائرة التأثير) [1] .
وبغض النظر عن كون هذا المنطق من التفكير وسيلة لتسويغ القعود والكسل، أو أنه نتاج اجتهاد واقتناع شخصي فالنتيجة العملية لذلك واحدة.
ودون الدعوة لتسطيح الاهتمام وقصر التفكير على المحيط الشخصي المحدود، فإنه ينبغي أن يُرَبّى الناس على الاهتمام بالميادين العملية التي يجيدون التأثير فيها، بغض النظر عنها، وعن مدى ضآلة حجمها بالنسبة لقضايا الأمة الكبار.
ينبغي أن يكون هَمّ الإنسان أن يعمل، وأن يؤدي جهده في نطاقه ومحيطه،
منطلقاً من قوله تبارك وتعالى: [فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ] [التغابن: 16] وقوله:
[لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا] [البقرة: 286] وهي قاعدة شرعية عظيمة.
ويدل على هذا المعنى أيضاً قوله: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون) .
وتأمل قوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن
لم يستطع فبقلبه) .
وأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يعيشون هَمّ العمل، ويُعْنَوْنَ
بدرجة كبيرة به، دون أن يحلِّقوا في الخيال والتنظير، أو الإفراط في النظر
للمشكلات وتضخيمها: [وَمَا أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ] [الأحقاف: 9] [إنْ عَلَيْكَ إلاَّ
البَلاغُ] [الشورى: 48] ، ثم يسلمون أمرهم لخالقهم تبارك وتعالى يحكم بينهم
وبين قومهم بما يشاء.
وحين يحقق المسلم هذا المعنى، ويقوم بهذه المهمة في محيطه، ينطلق بعد
ذلك في التفكير فيما وراء هذا، والبحث عن وسائل تعينه على توسيع دائرة تأثيره.
فلنحقق التوازن في هذا الميدان بين علو الاهتمامات، والنظرة البعيدة العميقة، وبين الميادين العملية.