الورقة الأخيرة
خالد أبو الفتوح
هل تسمعني سيد مشتاق؟ .... . سيد مشتاق! .. يبدو أن الخط قد انقطع مع
السيد مشتاق.. معنا على الخط الآخر السيد محظوظ ... (وبعد الحديث مع السيد
محظوظ يتم العثور على السيد مشتاق، فيستكمل حديثه الذي كان سوء الخطوط
الهاتفية قد قطعه عليه، ويظن الرجل (المحنّك) أنه أمام فرصة ثمينة للتعبير عن
رأيه بصراحة من خلال منبر إعلامي (حر) ، ولكنه يفاجأ بالصوت نفسه يقاطعه
عند أهم نقطة يود توضيحها: (سيد مشتاق.. وقت البرنامج لا يسمح.. نحن
مضطرون إلى التحوّل الآن إلى ضيفنا في الاستوديو دكتور نبهان ... ) .
هذا أحد المقاطع المتكررة بصورة ملفتة للنظر من القسم العربي بإحدى
إذاعات (واق الواق!) الغربية وطيوفها المسماة بالمحطات الفضائية، بل بعض
الإذاعات العربية! وكلها تدعي تبنيها مبدأ الإعلام الحر؛ ولكن الحقيقة أنها تسهم
بشكل فعّال في تكوين الرأي العام، بممارسة توجيه إعلامي مركّز ولكنه مغلّف
بتعدد الآراء، بل تسهم في التأثير على صناعة القرار، وذلك من خلال:
1- اختيار الشخصيات التي يتم التحاور معها بصورة تجعل الحوار في دائرة
معينة، ويرسم لكل منهم دوره (المتشدد أو المعتدل أو اللين) الذي يؤديه في هذه
الدائرة واعياً بذلك أو غير واعٍ.
2- انتقاء الموضوعات المثارة بدقة، مع عرض بعض الحقائق، بحيث تخدم
التوجه الذي تريده الإذاعة دون أن تفقد مصداقيتها لدى المستمع.
3- وضع إطار محكم للموضوع الذي يتم نقاشه بما يخدم الهدف من البرنامج، ولا يُسمح بالخروج على ذلك الإطار.
4- دفع الحوار أو التقارير في مسار محدد يسيطر عليه المذيع أو مخرج
البرنامج.
5- منع أي محاور من تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة أو عرض وجهة
نظر غير مرغوبة، وذلك من خلال: المقاطعة عند نقطة التجاوز وتحويل الحوار
إلى شخص آخر.. وتغيير مجرى الحديث إلى موضوع آخر بطرح سؤال يشتت
انتباه المتحدث وتركيزه.. والعودة بكلام المتحدث إلى نقطة معينة مع التذكير بأن
هذا هو محور الحديث الذي لا ينبغي الخروج عنه.. وكثيراً ما تظهر (كرامات)
الخطوط الهاتفية التي تنقطع فجأة أو تشوش في لحظة حاسمة، كما تضيف
المحطات الفضائية إلى هذه (الكرامات) الإعلانات التي تتدخل في اللحظة المناسبة! .
6- إذا كان الأستاذ (مشتاق) مسؤولاً فإنه يُعمَد إلى توجيه أسئلة إليه تعمل
على إحراجه أو استفزازه أو تأليبه على جهة بعينها.
إلى بعض المصابين بداء التلقي من الغرب والثقة العمياء فيه نسوق إحدى
الشهادات من مؤرخ بلجيكي الأصل والجنسية أخذ على عاتقه نشر الحقائق التي
تفضح الزيف الذي دأب الغرب على ترويجه، يقول (سيجفريد فيربيكا) في لقاء مع
جريدة البيان الإماراتية (27/7/1997م) : (الحقيقة هي أن غالبية وسائل الإعلام
الأوروبية تقع تحت سيطرة (لوبي صهيوني اقتصادي سياسي قوي) ذي نفوذ لا
أستطيع إنكاره، وهذا اللوبي له مصالح تختلف مع الحقائق؛ لذلك فسرعان ما تتهم
مختلف وسائل الإعلام التي ذكرتها الباحثين والدارسين والمؤرخين الحياديين لحقائق
التاريخ بالكذب، وتصل لوصفهم بالتطرف والإرهاب في حالة إعلانهم لتفاصيل
وشواهد تثبت وجهة نظر مخالفة لهم أو تظهر حقائق تكشف أكاذيبهم ... لذا فإن
الإعلام الغربي يتهم ويهاجم أهل الفكر والتاريخ من بني جنسه عندما يحيدون عن
الخطوط المرسومة لسياسة بلاده الداخلية والخارجية.
وأضاف (سيجفريد فيربيكا) : لا تستغرب إذا قلت لك بأن إعلام غرب
أوروبا بصفة خاصة موجه من قبل حكوماته، وللأسف الشديد: إن الاعتقاد السائد
في كثير من دول العالم بأن منطقتنا ديمقراطية وبها حريات في التعبير عن الرأي
هي الأخرى أكذوبة كبرى) .
أيها السادة.. ألا ترون معي أننا سئمنا من استغفالنا بهذه الطريقة المكشوفة
وأن العبقرية الإعلامية الصهيونية في حاجة إلى طريقة جديدة تخادعنا بها؟ !