منتدى القراء
بقلم: سليمان بن محمد الهذال
إن الداعية إلى الله وطالب العلم مهما كان يمتلك من قوة وجلد فلا بد له من
حصانة تقيه مصاعب الدنيا وشهواتها وفتنها؛ فهذا النبي-صلى الله عليه وسلم- وقد
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يخاطبه ربه بضرورة النصب بعد الفراغ. قال
تعالى: [فَإذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ] [الشرح: 7] .
بل (لما عد نعمه السالفة ووعوده الآنفة حثه على الشكر والاجتهاد في العبادة
والنصب فيها. وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع، ويحرص على أن
يتخلى وقتاً من أوقاتها فيها. فإذا فرغ من عبادة ذَنَبَها بأخرى) [1] وهذا هو السر
في صبره-صلى الله عليه وسلم- وحلمه على قومه حينما بلغ به من الأذى ما بلغ؛
فما يكون منه-صلى الله عليه وسلم- إلا أن يقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا
يعلمون) [2] .
وهل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وكان-صلى الله عليه وسلم- لا يغفل عن عبادة الله دائماً؛ فكان-صلى الله
عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه
من بعده [3] . وهذا بخلاف العاملين لهذا الدين اليوم؛ إذ تجد الواحد منهم يتعذر
بضيق الوقت وكثرة المشاغل وتعب الجسد، فيدخل الشيطان عليه من هذا الباب.
وكان مما أنزل الله على نبيه-صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى [يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ *
قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً]
[المزمل: 1-4] .
وقال تعالى: [وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً] [الإنسان: 26] .
كما أن الله عز وجل أمر عباده أن يختموا الأعمال الصالحة بالاستغفار؛ فكان-
صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثاً. وقال
تعالى: [وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ] [آل عمران: 17] فأمرهم الله سبحانه وتعالى
أن يقوموا الليل ويستغفروا بالأسحار. وقيل إن آخر سورة نزلت على الرسول:
[إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّاباً] [النصر: 1- 3] فأمر الله نبيه-صلى الله عليه
وسلم- أن يختم عمله بالتسبيح والاستغفار وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
يقول: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة) [4] .
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (فما تركتها بعدُ، ولا ليلة
صفين) [5] . فهكذا كان حال صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وسلف
الأمة أن لا يدعوا نصيبهم من العبادة مهما كان عندهم من المشاغل؛ فهذا علي بن
أبي طالب رضي الله عنه لم يدع وصية رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في أشد
الليالي عليه شغلاً. وهكذا الحال مع شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فيقول ابن القيم عنه:
(حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة: صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى
قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ، وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغدّ الغداء
سقطت قوتي أو كلاماً قريباً من هذا) [6] . ويقول ابن القيم: (وقد شاهدت من قوة
شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وكتابه أمراً عجيباً. فكان يكتب في اليوم
من التصانيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في
الحرب أمراً عظيماً [7] . فهكذا كان حال سلف الأمة فما إن تقرأ لعَلم من أعلام هذه
الأمة إلا ويقال عنه: كان صاحب عبادة؛ وهذا هو السر في صبرهم أمام المحن
وقول الحق.
ختاماً:
حريّ بنا أن ننهج هذا النهج، وأن يكون لنا نظر وتأمل في حياة الأنبياء
والسلف الصالح حتى نكون من أولياء الله الذين قال الله فيهم: [أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ
لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] [يونس: 62] .
وهذا ما أقول؛ فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان. وصلى الله على نبينا محمد.