مجله البيان (صفحة 2679)

المسلمون والعالم

لتر الماء.. لتر النفط أيهما أغلى؟

(1من2)

‍خالد محمد مسعود القحطاني

قد لا تكون مسألة المياه في المنطقة العربية، وحساسيتها، وخطورتها على

كافة الأصعدة، موضع خلاف بين المهتمِّين والباحثين للقضية.

فإذا أدركنا حجم المشكلة ليس على المستوى العربي فحسب بل على المستوى

العالمي لأمكننا الخروج بتصور واضح لهذه القضية وأبعادها المثيرة في الحاضر

والمستقبل.

إن العالم اليوم يواجه أزمةً حقيقية فيما يتعلق بالمياه الصالحة للشّرب؛ فقد

جاء في البيان الختامي الصادر عن مؤتمر دبلن [1] أن كمية المياه الموجودة في

الطبيعة عند بداية هذا القرن تبلغ 9000 كيلو متراً مربعاً عندما كان سكان الأرض

ألف مليون نسمة فقط؛ والآن عدد سكان الأرض تجاوز 5000 مليون نسمة

يتنافسون على الكمية نفسها [*] . وورد في إحصائيات أخرى نُشرت عام 1991م

أن 800 مليون نسمة من البشر يعانون من فاقة مائية رهيبة تتخطى في حجمها

مشاكل الكرة الأرضية برمتها، بل إنّ المخابرات الأمريكية أحصت عشر مناطق

حول العالم على الأقل مرشحة لقيام أزمات سياسية سببها المياه.

أين يقع العالم العربي من هذه الأزمة؟ !

لعل أبرز ما يميز المطر السنويّ المصدر الوحيد للمياه النقية في الوطن

العربي هو أن قلب الوطن العربي الذي يشغل الجزء الأكبر من مساحته ويضم

الصحراء الكبرى الأفريقية، والصحراء العربية وامتدادها الشمالي في بادية الشام:

يكاد يخلو من المطر؛ ذلك أن مجموع المطر السنوي في هذه الجهات لا يتعدى

عشرة سنتيمترات؛ ومن المدن التي تمثل هذا النظام على سبيل المثال: الرياض

في (السعودية) ، وأسوان في (مصر) ، وعين صلاح في (الصحراء الجزائرية) .

على أنه يطوّق هذا القلب الجاف نطاقان مطيران في الشمال والجنوب، ولكن

ذلك يتأثر بحول الله وقدرته بالموقع والتضاريس وامتداد خطوط الساحل بالنسبة

لاتجاه الرياح [2] .

ونخلص من ذلك إلى أن قلب العالم العربي برمته يواجه أزمة حقيقية في توفر

المصادر الطبيعية للمياه، مما يجعله من أشد مناطق العالم تأثراً بذلك، وإذا أضفنا

إليه بعض العوامل الأخرى التي أهمها على الإطلاق: الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن النمو السكاني المتزايد، وانخفاض كفاءة استخدام المياه: كل ذلك يجعل

العالم العربي يعيش أزمة حقيقية، ويقف في مصاف المناطق الأولى عالمياً

المرشحة للانفجار في أية لحظة في حرب مائية غير مأمونة العواقب، والله وحده

المستعان.

المصادر المائية العربية وأهميتها المطلقة:

تواجهنا حقيقة وهي أن 85% من الموارد المائية العربية على الأنهار تأتي

من دول غير عربية (وإن كانت إسلامية) ؛ فمن تركيا ينبع نهرا دجلة والفرات،

في حين أن أثيوبيا تستطيع التحكم بنهر النيل، وكلا الدولتين على علاقات ممتازة

مع دولة العدو (إسرائيل) التي نشأت بينها وبين تركيا أفكار ومباحثات لمشاريع

مائية ضخمة إذا ما تمت فستكون قاصمة الظهر لكل من العراق وسوريا اللتين

تعتمدان على نهري دجلة والفرات ليس في توفير الماء الصالح للشرب فقط بل

وتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لهما. وحتى تتضح الرؤية تماماً لنستعرض على

عجالة أهم المصادر المائية العربية وما تشكله من أهمية استراتيجية بعيدة المدى:

1- نهر النيل: من أطول أنهار العالم؛ إذ يبلغ طوله من منبع (كجيرا) عند

درجة الخط الرابعة، جنوب خط الاستواء إلى مصب رشيد عند البحر المتوسط

6700 كلم، ومساحة حوضه (000ر900ر2 كلم مربع) وهو ثالث أحواض

الأنهار الكبرى اتساعاً بعد الأمازون والكونغو. والبلاد التي يضمها حوض النيل:

تنجانيقا (وبها الشطر الجنوبي من بحيرة فكتوريا) كينيا (وبها الأطراف الشرقية

لبحيرة فكتوريا) أوغندا (وبها أشهر منابع النيل (نيل فكتوريا [السودان أثيوبيا

مصر رواندا زائير بوروندي.

ويبلغ متوسط الإيراد السنوي لنهر النيل 84 مليار متر مكعب (بعد الفواقد

الطبيعية) وهو ما يشكل 99% من مصادر المياه العذبة في مصر والسودان.

وتكمن أهمية نهر النيل لمصر في حقائق ثلاث رئيسة] 3 [:

أ- أن أمن مصر يعتمد على ذلك النهر سواء أكان للشرب أو الزراعة أو

المواصلات وغيرها من الأعمال الاقتصادية.

ب- أن كميات المياه الحالية قد تكفي حاجة البلاد الآن، ولكنها لا تكفي في

المستقبل القريب؛ نظراً للتوسع البشري والعمراني والاقتصادي المتوقع] 4 [.

ج- أن مصراً بالنسبة لنهر النيل تعتبر دولة مصب فقط، وتشارك معها

ثماني دول في حوض ذلك النهر.

2- نهر الفرات: أطول أنهار غرب آسيا؛ إذ يبلغ طوله 2330 كلم، منها

455 كلم في تركيا، 675 كلم في سوريا، وحوالي 1200 كلم في العراق، وينبع

من هضبة آرضروم في تركيا، ويبلغ معدل التصريف السنوي لهذا النهر عند

دخوله سوريا 26 مليار متر مكعب، وتبلغ مساحة حوضه 444 ألف كيلو متراً

مربعاً 28% في تركيا، 17% في سوريا، 40% في العراق، ويحمل معه

رواسب ترابية تقدر بحوالي مليون متر مكعب تتدفق إلى حوضه الأدنى وتسبب

مشاكل فنية كثيرة للمنشآت القائمة على الحوض، ومياه نهر الفرات عذبة ويتراوح

معدل الملوحة فيها ما بين: 300 600 جزء من المليون.

3- نهر الأردن: ينبع من مرتفعات سوريا ولبنان ويحتوي على 1287

مليون متر مكعب من الماء، ويعتبر نهر اليرموك الرافد الرئيسي لنهر الأردن وهو

أي الأخير الفاصل الطبيعي بين سوريا والأردن، ويفصل فلسطين أيضاً عن

الأردن. إذن: فإن ثلاث دول تستفيد من نهر الأردن وهي: الأردن، وسوريا،

وفلسطين (ممثلة في المحتلين الغاصبين) .

4- الخليج العربي: مشكلة المياه في الخليج العربي مختلفة عن بقية العالم

العربي؛ فهي ليست مشكلة صراع مع عدو خارجي، ولكنه صراع مع الظروف

الطبيعية: التصحر، الجفاف ... وقد حاولت بعض دول الخليج التعاون مع دول

غير خليجية عبر مشاريع تجري دراستها لمد خطوط مياه من إيران وتركيا وهي

بشكل عام مشاريع عالية التكلفة؛ ولعل أقرب مثال للحاجة إلى مصادر المياه في

الخليج يتمثل في البحرين حيث يصل حجم الاستهلاك الفعلي إلى 190 مليون متر

مكعب؛ وهناك قانون يقضي بتخفيض ذلك الاستهلاك إلى 100 مليون متر مكعب

فقط، كما أن الحاجة إلى التوازن في المحافظة على مصادر المياه تؤكد ضرورة

تخفيض الاستهلاك إلى 90 مليون متر مكعب سنوياً خاصة وأن البحرين تعتمد على

المياه الجوفية بنسبة 90% ولا تحصل من محطات التحلية إلا على 10% فقط،

ومن ثم فإن هناك عدداً من الخطط لقلب الوضع وتغطية 90% من احتياجات البلاد

من إنتاج محطات التحلية والاعتماد على المياه الجوفية بنسبة 10% فقط] 5 [.

5- المغرب: على الجانب الآخر فإن المغرب يعاني من نقص المياه؛ وبرز

ذلك في حالة الجفاف التي حدثت عام 1976م؛ ولذلك تبنت الحكومة سياسة بناء

سد كل عام لتخزين مياه الأمطار، فأصبح لديها 30 سداً كبيراً إضافة إلى عشرات

السدود الصغيرة التي تستهدف دعم الجهود لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء

والمنتجات الزراعية في مواجهة نقص معدل سقوط الأمطار، ولكن مع الزيادة

السكانية في المغرب عام 2000 إلى 31 مليون نسمة تتزايد التوقعات باحتمال

حدوث ضغط شديد على مصادر المياه بكل الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على

ذلك] 6 [.

هذه نظرة سريعة لأهم المصادر العربية المائية؛ ويتضح بإمعان النظر إليها

أنها في مجملها تحمل عناصر الانفجار السريع في أي لحظة، وأن المنطقة مقبلة

على مستقبل مخيف لا يعلم خطورته وآثاره السلبية على المنطقة والعالم برمته إلا

الله وحده.

إن اليوم الذي سوف يصبح فيه لتر الماء أغلى من لتر النفط قادم وليس ببعيد.

عود على بدء:

سبق أن تعرضنا لمؤتمر دبلن المنعقد عام 1412هـ، وأوردنا عنه بعض

الإحصاءات، ونستكمل هنا شيئاً منها مما له علاقة بموضوعنا؛ حيث جاء فيه أن

ثلث سكان العالم محرومون كلياً من مياه الشرب والغسيل، وأن 80% من

الأمراض في العالم، و33% من الوفيات في العالم الثالث مصدرها المياه الملوثة،

وأن المدن تنتج يومياً مليوني طن من مخلفات أمعاء الإنسان وحدها لا يعالج منه

سوى 2% فقط.. إذن فالمشكلة ليست في نقص الموارد المائية فقط؛ بل في

التلوث في مياه الشرب وحرمان شريحة واسعة من سكان كوكبنا الأرضي من مياه

الشرب النقية الصالحة للاستخدام البشري.

مصادر المياه في منطقتنا:

وبالنظر إلى مشكلة المياه في المنطقة العربية نلاحظ أنها من حيث النشأة

تنقسم إلى قسمين] 7 [:

أ- النشأة على أرض الواقع: لم تكن مشكلة المياه ونقص الموارد المائية

غائبة عن صناع القرار في المنطقة العربية، وبالذات في عقد الثمانينات؛ إذ شعر

الجميع أن هناك أخطاراً حقيقية تهدد وصول مياه ثلاثة أنهار عربية قادمة من بلاد

غير عربية لها علاقات مشبوهة مع (إسرائيل) ، والمعروفة بالضلع الثالث في

الصراع العربي الإسرائيلي.

ففي حوض النيل تردد أن هناك خبراء يهود يجرون أبحاثاً في إثيوبيا

وأوغندا لإقامة مشروعات للري على النيل؛ وهو ما يؤثر سلبياً على مصر أكبر

وأهم المستفيدين من هذا النهر. وقد تحدث الرئيس أنور السادات محذراً أثيوبيا عام

1977م؛ إذا ما أقدمت على أي إجراءات من شأنها التأثير على إيراد مصر من

المياه وبأنه سيستخدم ضدها القوة العسكرية] 8 [.

وأما تركيا فقد قطعت تدفق نهر الفرات إلى سوريا والعراق في شهر يناير

1990م لملء خزان سد أتاتورك العملاق رافضة بذلك كلاً من من طلبي دمشق

وبغداد بتقليص قطع المياه إلى (أسبوعين بدلاً من شهر) وسدّ أتاتورك هذا أكبر سد

في مشروع يتضمن إنشاء 22 سداً وبدأ في إنتاج الطاقة عام 1991م.

وهو ما أدى إلى إعادة النظر في العلاقات التركية العربية وإلى اتصال مباشر

بين بغداد ودمشق.

ب - النشأة على المستوى الأكاديمي: منذ منتصف العقد الماضي ومراكز

الأبحاث الغربية القريبة من صنع القرار في العواصم الكبرى تعمل في صمت

وكتمان وفي تخطيط تام مع مراكز البحوث اليهودية أو مع حلقات البحوث المشتركة

على دراسة وتحليل واستشراف مستقبل أحواض الأنهار ومنابع المياه العربية، وقد

أضحت الفائدة الكبرى راجعة إلى (اليهود) بالمقام الأول؛ وهذا ما حدا باليهود إلى

تنمية وتطوير هذه الدراسات؛ والبحوثُ حول هذه شديدةُ الحساسية.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد عكفت مراكز بحوث المياه والمراكز

الاستراتيجية والسياسات فيها على دراسة حوض النيل والفرات والأردن بشكل

يجعل مشكلة المياه أحد الأخطار التي تستهدف دول الشرق الأوسط، وجعلت من

الحل النهائي لها جلوس أطراف الصراع العربي اليهودي معاً لتقرير مصير

المنطقة] 9 [.

أسباب المشكلة المائية:

لخصت (الأسكوا) ] 10 [أسباب المشكلة من الناحية الفنية وهي باختصار:

1- انخفاض كفاءة استخدام المياه: دلت الدراسات التي أجرتها الأسكوا أن

كفاءة استخدام المياه في الري في بعض دول غرب آسيا لا تتجاوز في أفضل

حالاتها 50%.

فإذا علمنا أن 80 90% من كمية المياه المتوفرة تذهب لأغراض الزراعة،

فإننا ندرك مدى الهدر في هذا القطاع الذي يصل في بعض الدول إلى 40%.

2- تدهور نوعية المياه: ويرجع ذلك إلى سوء استعمال الموارد المائية،

فعدم ملاءمة استخدام أساليب الري ووسائله، والتسميد، والوقاية، وانعدام شبكة

الصرف الصحي، وطرح النفايات السائلة والصلبة في الأنهار والوديان، وطغيان

المياه المالحة، والإفراط في الضخ ... كل ذلك يؤدي إلى تدهور نوعية المياه ومن

ثَمّ المساهمة في العجز المائي.

3- عدم وجود سياسات وتشريعات مائية واضحة فيما بين الدول المشتركة:

وهذا يتضح في أحواض الأنهار الكبرى (النيل الأردن اليرموك دجلة الفرات) .

4- عدم إيلاء التدريب أهمية خاصة في الأوجه المختلفة في قطاع المياه: إن

التدريب من الأسس التي يرقى بها هذا القطاع في تحسين قاعدة المعلومات، ويوفر

إمكانية استخدام تقنيات جديدة ترفع من شأن تنمية الموارد المائية واستكشافها

وحفظها] 11 [.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015