متابعات
وهم حرية الرأى لدي اليساريين
قصة د. رفعت السعيد مع الأستاذ. جمال سلطان
بقلم: صفوت وصفي
أصيب اليسار في العالم بعامة، وفي العالم الثالث بخاصة، وفي العالم العربي
بوجه أخص بكارثة فكرية من جراء انهزام النظرية الماركسية يوم سقط ما كان
يعرف بالاتحاد السوفييتي، وتلاشت بعده منظومة (حلف وارسو) مما اضطربت
معه الفعاليات الفكرية التي كانت تتلقى الدعم والتوجيه من هناك.
وفي خضم هذا الواقع المأساوي للقوم غيروا توجهاتهم بزاوية 5180
ورأيناهم بالرغم من تمسكهم الظاهري بالنهج اليساري في مطبوعاتهم إلا أنهم
أصبحوا (ليبراليين) [*] وأصبحت الفلسفات الرأسمالية منهجهم في نهجها النفعي
والنسبي والميكيافيلي، مع القاسم المشترك للفكرين الشرقي والغربي وهو العداء
للإسلام والمسلمين.
وما زال أزلام اليسار الموتور في مصر في خضم عدائهم للإسلام ودعاته
بواسطة نشراتهم الصفراء في (روز اليوسف واليسار والأهالي) على سبيل المثال لا
الحصر يصبون جام حقدهم على دعاة الإسلام، ويعملون ليل نهار للإساءة لهم
بالحديث المتواصل ضد ما يسمونه بالإرهاب والتطرف والأصولية بأساليب ديدنها
الكذب والتزوير والاستعداء. وفي الآونة الأخيرة رفع المدعو (د. رفعت السعيد)
وهو أمين عام لحزب التجمع (وهو حزب يجمع بين أركانه أحلاس اليسار
الماركسي المنهار) رفع دعوى ضد الكاتب الإسلامي (جمال سلطان) تنظرها الآن
محكمة جنايات شمال القاهرة متهماً إياه بالسب والقذف في مقالات صحفية نقدية
وهي التي نشرها في صحيفة الشعب المصرية تحت عنوان: (محنة الماركسية في
مصر د. رفعت السعيد نموذجاً) كشف من خلالها تناقضات خطيرة في مواقف
وكتابات المذكور والعلاقات التي كانت تربطه والتيارات الماركسية في مصر مع
دوائر الاستخبارات السوفييتية، كما فضح منهج (رفعت السعيد) في البحث
التاريخي لتاريخ مصر الحديث، مما كان لها صداها لدى المتابعين، لكن الرجل
على غير عادته لم يرد على هذه الدراسة المثيرة وحاول تجاهلها.
وبعد أن أجرى الأستاذ (محمد عبد القدوس) حواراً معه نشرته (الشعب) دافع
فيه عن موقفه المثير من الأقباط وإلحاحه على أنهم مضطهدون مما اعتبره بعض
المراقبين ومنهم كتاب نصارى أنه تحريض منه على الفتنة الطائفية، ثم علق
الأستاذ جمال سلطان على الحوار بمقال ساخن تحت عنوان: (المتأقبطون واللعب
بالنار) اتهم فيه رفعت السعيد بأن خطابه التهييجي للأقباط تحريض سافر على الفتنة
وتعريض لأمن البلاد للخطر.
ورفض المذكور أن يعلق على المقال لكنه هدد برفع دعوى قضائية.. والتي
فوجئ الوسط الثقافي به ينفذ تهديده ضد الكاتب المعروف جمال سلطان، مما أثار
موجة سخط واسعة من الاستغراب والاستنكار لا سيما أن رفعت السعيد من أدعياء
حرية الرأي الذين يطالبون بفتح حرية الرأي للآخر مهما كان؛ لكنه حينما كُشفت
أوراقه، ووضحت خلفياته أثار الدنيا ولم يقعدها ببلاغه للقضاء ومطالبته فيه بحبس
الأستاذ (جمال سلطان) وإلزامه بدفع تعويض مدني قدره (مئة ألف جنيه مصري)
أي (ثلاثون ألف دولار أمريكي) !
ومن المنتظر أن تشهد أحداث المحاكمة مفاجآت مثيرة؛ حيث بات من المؤكد
أن عدداً من القيادات الشيوعية التاريخية وافقت على الإدلاء بشهاداتها في القضية
ضد (د. رفعت السعيد) فيما يبدو معها أنها تصفية حسابات حيث ينظر إليه في
الحركة الشيوعية المصرية أنه أحد أسباب التراجع الذي أصابها سياسياً، وستفتح
المحاكمة ملفات خطيرة منها قضية اليهودي الغامض (هنري كورييل) الذي لعب
دوراً خطيراً في الحركة الشيوعية المصرية ويعتبر الأب الروحي لـ (رفعت
السعيد) وشلته اليسارية، وكذلك من المنتظر دخول عدد من المفكرين الأقباط في
هذه المسألة؛ حيث سبق أن أعلنوا استياءهم من المذكور وعلاقاته مع أقباط المهجر
وتبنيه قضاياهم بطريقة مثيرة، وقد أبدى بعضهم بالفعل استعداده للإدلاء بشهادته
في القضية.
وما يجدر ذكره أن عدداً من المحامين الإسلاميين المعروفين قد أبدى استعداده
وتضامنه مع الأستاذ (جمال سلطان) أمثال (د. محمد سليم العوا، وعادل عيد، ... ود. عبد الحليم مندور) .
بدايات المواجهة:
يعرف المتابعون أن المواجهة الفعلية بين الأستاذ جمال سلطان ورفعت السعيد
لم تبدأ بالمقال آنف الذكر الذي كشف فيه الأستاذ جمال حقيقة (رفعت السعيد) ،
والذي حصل بعد المواجهة بين الرجلين في ندوة (التيارات الإسلامية والتعددية
السياسية) التي كانت إحدى فعاليات معرض الكتاب الدولي بالقاهرة الأخير والتي
كان (السعيد) يرأسها حين حصلت مناقشة بين الرجلين وتعرض معها (رفعت
السعيد) لحرج شديد عندما لفت الأستاذ جمال سلطان نظر المشاركين والحضور إلى
أن قضية الندوة ذاتها لا تعرف التعددية حينما استُبعد التيار الإسلامي وهو محور
الندوة من أن يكون له ممثلون فيها مما جعله في موقف لا يحسد عليه.
وإنما هناك دور مشرف للأستاذ جمال في العديد من دراساته الفكرية الإسلامية
التي كشف فيها حقيقة العلمانية ورموزها من قوميين ويساريين وحداثيين، وفضحهم
على رؤوس الأشهاد في أكثر مؤلفاته وفي دفاعه المستمر عن الصحوة الإسلامية،
وكشف ما يخطط ضدها من مكر الليل والنهار، وهذا بالطبع يؤرق العلمانيين
ويحبط مكرهم، ويوضح دعاياتهم المسمومة ضد الإسلام ودعاته ومفكريه.
وأخيراً:
فإننا نثق كل الثقة بأن اليسار ورموزه مهما فتحت لهم المجالات ليعرضوا
مناهجهم العقيمة وأفكارهم البالية، ومهما دغدغوا مشاعر الناس بالحدب على
أحوالهم وتبني آرائهم؛ فهم أبعد ما يكونون عن الهم العام للأمة؛ لأنهم لا يؤمنون
بنهجها الإيماني ولا بقيمها الإسلامية الأصيلة؛ وليست المسألة لديهم أكثر من
دعايات وخداع وتزوير، وضحك على الذقون. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى
فإن ما خطه (رفعت السعيد) في كتاباته عن الإسلام والإسلاميين ينطوي على كثير
من التزوير والشتم والإساءة للإسلام من خلال مناهجهم الماركسية التي يفترون فيها
الكذب على الله وعلى عباده المؤمنين، ويهاجم الإسلام بدعوى جديدة هي:
(مهاجمة الإسلام السياسي) وادعاء أنه وراء ذلك الإرهاب والتطرف؛ وهي شنشنة
نعرفها من أخزم.
ماذا يقول جمال سلطان؟
أصدر الأستاذ جمال سلطان بعد هذه الواقعة بياناً للرأي العام (أشار فيه) إلى
أنه كان ينتظر من المذكور حواراً فكرياً رفيعاً؛ إذ كان كثيراً ما يدعو لمواجهة
الرأي بالرأي، مع أنه يملك صحيفة ينشر فيها أسبوعياً ما يشاء؛ بخلاف
المطبوعات الأخرى التي يشرف عليها بصفته أميناً عاماً لحزب التجمع اليساري.
وأضاف الأستاذ جمال سلطان: لو كان لغيره العذر في أنه لا يجد المساحة
التي ينشر فيها تعقيبه ورأيه؛ فما عذره بالذات وانسحابه من ساحة الحوار الفكري
والسياسي، وتستره خلف الدعاوي القضائية لإرهاب الآخرين؟ وأنه بتصرفه هذا
أتاح له الفرصة لكي يبوح أمام القضاء بما كان يمسك عن البوح به عبر الصحف،
وأنه سيجدها فرصة مناسبة لكي يدين أمام القضاء أيضاً مسلسل العبث بوحدة
الأرض، واللعب على أوتار الفتنة الطائفية، وإشاعة منطق (السطحية الفكرية) في
الحوار السياسي والثقافي.
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
والله المستعان.