خواطر في الدعوة
محمد العبدة
عندما نتحدث عن التجديد فإنما نأمل من المسلم أن يصوغ شخصيته لتكون
عندها القابلية للتجديد، فلا تخضع لمألوفات وعادات غير صحيحة، ولا تجمد عند
فكر معين لا تتجاوزه وقد تبين خطؤه أو أنه قيل في ظروف غير موجودة الآن. قد
يكون المسلم معجباً بأعلام التجديد في العصور الإسلامية المتعاقبة ويدعو إلى
التجديد في كل عصر، ولكنه لا ينتبه لنفسه أنه - وهو يمارس الدعوة - قد جمد
على أسلوب معين وأفكار طُرحت قبل سنوات كان قد قرأها في بدايات عهده
بالدعوة ولا يستطيع التحول عنها؛ فالنفس البشرية تميل للمحافظة على ما ألفت،
وكثير من الناس لا يتعبون أنفسهم بالتفكير المستمر والنمط الذي عرفوه أسهل عليهم، ولا ينتشل نفسه من هذه (السهولة) إلا مَن أُوتي عزماً أكيداً للتطلع إلى الأفضل ...
دائماً، وملاحظة التغيرات المستجدة، والظروف الطارئة، فهو في تجديد مستمر
بين كل فينة وأخرى.
إن بعض الناس قد يحيطون مؤسسة ما - وخاصة إذا عُمرت طويلاً - بهالة
من التقديس، وعندئذ فإن انتقادها أو التدخل في شؤونها يعتبر ضرباً من التطاول
على الحرمات والانتهاك للمقدسات! ، وفي مثل هذه الأحوال فإن صبّ تيار جديد
قوي لدفع التيار الأول يكون من الصعوبة بمكان، مع أن هذا يعطي الدعوة حيوية
وقوة، ولو عمر المؤسسون الأوائل لغيَّروا كثيراً من اجتهاداتهم لأنهم سيعاصرون
أحداثاً لم تكن في أوائل الدعوة، ولا يعارض التجديد في مثل هذه الظروف إلا غبي
مشغوف بعبادة الأشخاص، أو انتهازي يريد بقاء الوضع على ما كان ليستفيد هو
شخصياً من هذا البقاء، وقد تكون لهم مصلحة\ أكيدة في قيام بعض العادات
وترسيخها؛ لأنهم يستمدون من هذه العادات قوتهم وسلطتهم ولذلك كان من حظ
البشرية أن ينبغ فيهم بين الفينة والأخرى من يحملهم على التفكير حملاً.
إن تيار الحياة متدفق متجدد والذي لا يلاحظ التغيرات سيعيش بعيداً عن
عصره، بعيداً عن واقعه، يتقوقع على نفسه مردداً ما سمعه من عشرات السنين،
فالذين قرأوا ما كُتب عن جمال الدين الأفغاني قبل ثلاثين سنة ولم يقرأوا ما كُتب
عنه بعدئذ وما تكشّفت عنه الحقائق، هؤلاء يتعجبون عندما يذكره أحد بنقد أو تقويم، فهو - بنظرهم - مصلح الشرق وملهمه، والذين تردد على أسماعهم اسم محمد
علي جناح - كمؤسس لباكستان - كانوا يضعونه في مصاف العظماء الكبار، ثم
تبين أن الرجل غربى النزعة مدخول العقيدة، وهذا ما يفسر قيام باكستان كأرض
مستقلة للمسلمين ولكن لم تقم باكستان كدولة تحكم بالإسلام.
إن التحدي الذي يواجه المسلمين في هذا العصر ويحتاج إلى التجديد في
طرائق الفكر والعمل هو: كيف ننفذ منهج أهل السنة ونستفيد من منتجات هذا
العصر دون التنازل عن الفكرة والمبدأ؟ .
والمطلوب هو التنفيذ العملي، وليس الكلام في الكتب والمجلات عن (الأصالة
والمعاصرة) أو (كيف نجمع بين ثقافتنا وتقنية الغرب..) .
فهل يشعر المسلمون بخطر التسويف والجمود في حين أن القافلة تسير؟ !