خاطرة أدبية
خالد أبو الفتوح
الأصل في الأدب أنه تعبير جميل ومميّز عن مجموعة من الانفعالات العاطفية
أو الفكرية، يصعب على صاحبها كتمها حين نضجها، فيقوم بإخراجها في صورة
إبداعية، متقولبة بأحد الأشكال الأدبية المختلفة (شعر قصة مقال مسرحية....)
حاملة خلفية الكاتب الثقافية، وملامح شخصيته الأخلاقية، وسماته النفسية، وحالته
المزاجية الآنيّة.
ولكن.. ماذا إذا قرر كاتب أن (يمتهن) الأدب؟ ! .
إنه يبحث حينها عن أصول (الصنعة) ، ويتكلف الالتزام بها؛ ليستر بها
جفاف انفعالاته التي قد يستدعيها فتتأبى عليه وتستعصي.. ثم مع الدربة والمكابدة
يتمرس كاتبنا على اصطناع المعايشة والانفعال، ويصبح (محترفاً) يستطيع تفصيل
أي فكرة على حسب الطلب! ، فتخرج حينئذ قطع أدبية (استرتش) على قدر
المطلوب تماماً، كما تُنتَج أيضاً قطع (فري سايز) تصلح لجميع المقاسات،
وترضي جميع الأذواق، فالمهم: إرضاء (الزبون) .
إن معظم من عاشوا تجربة الكتابة الأدبية يدركون أن ولادة تعبير عن فكرة أو
إحساس تمر بمراحل ومعاناة ولادة كائن حي، حيث يتم الحمل بالتلاقح مع حدث أو
فكرة أخرى، يعقبها سعادة ونشوة بالموجود الجديد، الذي ينمو ويكبر، يتحرك في
باطن صاحبه الذي تظهر عليه علامات الحمل، وقد تؤدي به إلى حالة من القلق
والاضطراب يصعب فهمها على من ابتلوا بالعقم.. ويخشى الحامل على حمله،
ويتعهده، حتى يتم نضجه، فيطلب الخروج والانفصال عن صاحبه، ولا يتحمل
الأديب بقاءه في باطنه ولو أبقاه ربما يموت أو يولد مشوّهاً، فيحدث مخاض الولادة، وهي أصعب وألذ اللحظات، يستعذب الأديب فيها الألم.. إلى أن تخرج سالمة
إحدى بنات أفكاره.. فيطوف بها سعيداً، يلبسها أجمل ثوب، يعرِّفها إلى كل من
يلقاه.. وقد تموت فيحزن عليها أشد الحزن، وقد تنمو وتكبر وتنتشر في الآفاق،
فيفرح أيما فرح، وينظر إلى بنات أفكاره فيراها (عرائس من نور) ..
ثم يموت الكاتب وتبقى بناته بإذن الله تتزاوج، وتتكاثر، وتلد، وتنتشر في
الثنايا.. وقد تنفعه بعد موته إذا كانت نبتاً صالحاً.