متابعات
مؤتمر القاهرة الاقتصادي
حلقة من حلقات السقوط
د. محمد بن عبد الله الشباني
عُقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي في ظل ظروف الاستكانة للتبجح الإسرائيلي،
والتنصل من مواجهة حقيقة الأهداف اليهودية في المنطقة، والجري خلف سراب
الانتعاش الاقتصادي المأمول بعد حلول السلام وقبول اليهود بالتعايش مع الدول
العربية ضمن منظومة دول إقليم (الشرق الأوسط) ، التي يكون لدولة اليهود الهيمنة
المطلقة في التحكم في شؤونها.
إن مؤتمر القاهرة الاقتصادي ما هو إلا حلقة من حلقات دمج الجسد اليهودي
في قلب العالم العربي والإسلامي، بمنحه القدرة على الهيمنة على السوق من خلال
استغلال خيرات العالم العربي، وتحويل الشعوب العربية إلى شعوب تخدم اليهود
ولا حيلة لها إلا قبول ما يمليه اليهود من سياسات تخدم مصالحهم.
إن المتمعن والفاحص لنوعية الهيئات والمنظمات التي شاركت في أعمال
المؤتمر والموضوعات التي تم طرحها يدرك الأهداف الحقيقية للمؤتمر، باستجابة
المؤسسات والمنظمات الإقليمية لما تطلبه المؤسسات المالية الدولية، فمن المنظمات
المالية الإقليمية: (صندوق النقد العربي) ، و (صندوق الإنماء الاقتصادي
والاجتماعي) ، و (المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين) ، و (المصرف
العربي للتنمية الاقتصادية) ، و (الصندوق الكويتي للتنمية) .. وهي منظمات إقليمية
لم تمارس دورها الحقيقي في التنمية، فلو مارست الدور الفاعل ضمن إطار
استقلالية القرار عن المنظمات المالية الدولية لما كان واقع الأمة التنموي كما هو
مشاهد في الوقت الحاضر.
إن الوثيقة الرئيسة التي تم إعدادها من قِبَل (المنتدى الاقتصادي العالمي)
ركزت على خمسين ندوة ضمن إطار ما أطلق عليه: بناء المستقبل وإيجاد مناخ
استثماري مواتٍ، وتدور محاور هذه الندوات كما أعلن عنها حول كيفية جذب
رؤوس الأموال، والإصلاح القانوني، وعلاقة هذا الإصلاح باقتصاديات المنطقة،
والعمل على تحرير التجارة.
والهدف الذي ترمي إليه حلقات النقاش والمشروعات المطروحة تدور في فلك
التمكين لرأس المال اليهودي، المتمثل في المؤسسات البنكية، من التحكم في
التوجهات الاقتصادية لمختلف بلدان المنطقة على أساس المنطلقات التي تم بحثها في
مؤتمري (عمان) و (الدار البيضاء) ، اللذين قصد فيهما التمكين لدولة اليهود في
فلسطين من خلال الاندماج في المنطقة وتحقيق التطبيع الاقتصادي، وإعطاء
الفرصة للمال اليهودي لإحكام قبضته على الموارد الاقتصادية المتاحة في المنطقة
لخدمة أهداف وأغراض اليهودية العالمية.
إن من أهداف هذا المؤتمر: جعل هذه المنطقة التي تزخر بالخيرات حيث
يتوفر فيها احتياطي للطاقة تحت سيطرة الهيمنة الرأسمالية اليهودية، التي أحكمت
قبضتها على اقتصاديات العالم من خلال تحقيق الهيمنة الاقتصادية.
وقد تحقق ذلك من خلال التحكم في الاقتصاد العالمي بناء على ثلاثة محاور،
هي:
1- النظام النقدي العالمي، من خلال هيمنة الدولار الأمريكي على وسائل
الدفع العالمية، حيث يمثل وسيلة الدفع العالمية المقبولة التي حلت محل الذهب
لتغطية إصدارات معظم عملات الدول، وبخاصة دول (العالم الثالث) ، وتتحكم في
هذا النظام المؤسسات المالية العالمية المملوكة في معظمها لليهود، ويقوم هذا النظام
على التمكين للربا من التحكم في حركة الأموال، من خلال ما يعرف بميكانيكية
التغيرات الفعلية والمفتعلة لنسب الفائدة على حركة تداول الأموال، فالربا هو لحمة
النظام النقدي، وتقوم المؤسسات المالية الدولية مثل: (البنك الدولي) و (صندوق
النقد الدولي) ، بوضع السياسات النقدية والمالية التي تخدم همينة رؤوس الأموال
على اقتصاديات دول العالم الثالث والكتلة الشرقية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية
في شرق أوروبا بزعامة (الاتحاد السوفييتي) ، ولهذا: نجد العمل الدؤوب من
المؤسسات المالية الدولية على تبني جميع دول العالم لمفهوم الخصخصة، وتوجيه
سياسات جميع الدول للعمل على إزالة العوائق التي تحد من تحكم الرأسمالية العالمية
في اقتصاديات الدول الفقيرة، بالعمل على إغراق تلك الدول في الديون العالمية.
2- التحكم في حركة رءوس الأموال، من خلال أسواق المال العالمية،
التي تتركز في (أمريكا) بالدرجة الأولى، و (أوروبا) بالدرجة الثانية، و (اليابان)
بالدرجة الثالثة، وهذه الحركة لرؤوس الأموال تتم السيطرة عليها من خلال
السياسات النقدية التي تضعها المؤسسات المالية الأمريكية، التي تتحكم بدورها في
المؤسسات المالية الأوروبية واليابانية، من خلال تملكها لمعظم أسهم تلك المؤسسات، ومن أجل ذلك: نجد الدعوة التي تتبناها المؤسسات المالية الدولية بالسماح
لرؤوس الأموال بتملك أسهم الشركات والسندات التي تصدرها الحكومات المحلية،
وذلك بهدف تحقيق الهيمنة الاقتصادية على اقتصاديات تلك الدول.
3- التحكم في التجارة العالمية، من خلال إزالة القيود على حركة التجارة،
وتكوين الشركات التابعة؛ ولهذا: نجد أن مؤتمر الإيواء الذي عقد في (إستانبول)
قد ركز على تغيير السياسات التجارية وحق الاقتراض من رؤوس الأموال الأجنبية
من قِبَل الحكومات المحلية للدول النامية، مع تعديل التشريعات لتمكين رؤوس
الأموال من حرية الحركة والتملك.
إن منطقة (الشرق الأوسط) التي تمثل الحلقة الأخيرة التي تسعى اليهودية
العالمية في تحقيق هيمنة رأس المال اليهودي عليها ويتم ذلك من خلال المؤسسات
المالية الأمريكية والأوروبية لما لهذه المنطقة من تأثير على اقتصاديات العالم،
بسبب موقعها الجغرافي وما تملكه من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها البترول،
حيث تمتلك منطقة (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) أكثر من نصف احتياطي العالم
من الطاقة.. إن هذه المنطقة على مفترق طرق.
ومقاومة الهجمة اليهودية والعمل على الحد من تأثيرها أمر يوجبه الدين،
حيث إن هذه الهجمة الاقتصادية اليهودية تحمل في ثناياها تعطيل شرع الله، من
خلال فرض الربا وجعله لحمة اقتصاديات المنطقة، ومنع أي محاولة للخروج على
المنهج الربوي، ومن خلال إغراق المنطقة في اقتصاديات الاستهلاك التي تؤدي
إلى إضعاف البنية الاجتماعية والعقائدية، بإشاعة فلسفة المتعة واللذة هدفاً وغاية
للحياة.
إن مقاومة هذه الهجمة لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الأفراد، بتبنيهم ما يمكن
أن يطلق عليه المقاومة السلبية، وتتمثل هذه المقاومة في عدم التعامل مع الشركات
والبضائع الإسرائيلية والغربية المناصرة لليهود، والتوجه إلى استهلاك السلع البديلة
من المنتجات المحلية أو من منتجات الدول الأقل مساندة لليهود، وتحقيق ذلك لا يتم
إلا بقيام العلماء بتوجيه الناس إلى حرمة التعامل مع اليهود والنصارى وأن من
يتعامل معهم أو يستثمر أموالهم في بلادهم أو يضعها في بنوكهم يتعتبر محارباً لله
ولرسوله صلى الله عليه وسلم.