مجله البيان (صفحة 2322)

قراءة في كتاب

الخروج إلى اتفاق

فوائد من كتاب (فن التفاوض)

عرض:نجوى الدمياطي

يشيع الاعتقاد بأن التفاوض وأساليبه من مهمات «الدبلوماسيين» ... و «السياسيين» لا غير.. ورغم أهمية هذه الإمكانات والأدوات التفاوضية لهؤلاء إلا أن كلاّ منا لا يخلو من التعرض لمواقف من هذا القبيل يستخدم فيها مهاراته

التفاوضية المكتسبة من معارفه وخبراته أيّاً كانت للخروج إلى اتفاقٍ ما، قد يكون

لهدفٍ مادي أو لهدف قِيَمي، فقد يكون التفاوض لعقد صفقة صغيرة أو كبيرة، أو

لإصلاح ذات بين المسلمين؛ من إصلاح بين أخوين، أو محاولة رأب صدع أسرة

على وشك الانهيار، أو للتآلف والتنسيق بين جناحين أو أكثر للعمل الدعوي أو

الخيري.

وفي كل هذه المواقف وغيرها نشعر بحاجتنا إلى قواعد وأسس تنظم معارفنا

وخبراتنا الحياتية؛ للخروج إلى اتفاق يحقق أقرب المتاح وأقصى ما يمكن من

المصلحة الشرعية.

ولعلنا نلاحظ أن هناك أسلوباً تفاوضيّاً رفيعاً في سيرة المصطفى وصحابته،

كما يتجلى ذلك في مفاوضات صلح الحديبية مع مشركي مكة، والاتفاق مع يهود

المدينة عند القدوم إليها، وعند غزوة الخندق، ومن قبل: في عرضه نفسه على

القبائل وما أثمر ذلك من اتفاق، كبيعة العقبة.. وكمفاوضة عمر بن الخطاب

(رضى الله عنه) لعياش بن أبي ربيعة في خبر الهجرة ... إلى غير ذلك من مواقف

كثيرة تسترعي انتباه المتابع، وتدعو أهل الهمة إلى تتبعها، واستخلاص العِبَر منها، ونظمها في قواعد وأسس واضحة.

ومنذ غياب ريادة المسلمين رأينا أن الغرب أخذ بناصية هذا الفن، فأصّل له

أصولاً، وقعّد له قواعد، ثم أصبحت هذه القواعد سلوكاً منظماً لدى من يعنيهم أمر

الاهتمام بهذا الفن، فرأينا كيف يخرجون في مفاوضاتهم بمعظم ما يريدون إن لم

يزيدوا عليه، مقابل الآخرين المهزومين عن دينهم وحضارتهم الذين يخرجون في

ذلة ومهانة صفر اليدين.

ومن منطلق أن (الحكمة ضالة المؤمن) فقد يكون من المفيد عرض بعض

الخلاصات من هذا الكتاب الذي هو بعنوان: (فن التفاوض) للكاتب: «ويليام

أوري» ، ترجمة: د. «نيفين غراب» .

وهو محاولة للتعريف بالعوامل النفسية والاجتماعية التي تساعدنا على إقناع

الآخرين، وتجيبنا: كيف يمكن تحويل مواجهة الآخرين لنا إلى تعاون معنا؟ ،

وكيف نستطيع تغيير مواقفهم من الصراع ... إلى السعي لإيجاد الحلول والوصول

إلى التوافق ما أمكن؟ ..

ونعرض لأهم فوائد هذا الكتاب فيما يلي:

عوائق التفاوض والاتفاق:

يمكن إجمال هذه العوائق فيما يلي:

1 - رد فعلنا: فالعائق الأول ينبع من داخلنا ويظهر في ردود الفعل التي

نأتيها أثناء التفاوض.

2 - مشاعر الآخرين: كالعداوة، والخوف، وعدم الثقة فيمن يفاوضون.

3 - موقف الآخرين: حيث لا يرى بعضهم التفاوض إلا لوناً من الاستسلام

للآخر، ومن ثم: لا يقبلونه أبداً.

4 - عدم رضا الآخرين: فقد يرفض بعضهم حلولاً مناسبة لمجرد أنها تأتيهم

من جهة لا يرضونها.

5 - قوة الآخرين: فقد يغتر الآخرون بقوتهم، فلا يرون سبباً يدعوهم

للتفاوض.

سياسة الاختراق:

يمكن اجتياز عوائق التفاوض والاتفاق عبر سياسة الاختراق كما يلي:

1 -لا تنفعل.. اذهب إلى الشرفة:

أي: لا تجعل الانفعال والغضب يستبد بك، وإذا شعرت بشيء من ذلك،

ففرغ انفعالك بالتحول إلى حالة أخرى، فالسيطرة على ردود فعلنا تجاه الآخر تدعو

إلى التفكير في مصالحنا من الاتفاق، والتركيز في الحصول على ما نريد.

وإيضاح ذلك: أن قوة الآخرين الحقيقية تنبع من خلال قدرتهم على إثارة

انفعالنا.. ولذلك فإن الخطوة الأولى في إنجاح التفاوض هي أن نملك القدرة الدائمة

على الخروج من دائرة الفعل ورد الفعل، وذلك بالامتناع عن الانفعال..

ففي مواجهة هجوم الآخرين يلزم ما يلي:

لا ترد الهجوم.. واعلم أن رد الهجوم لا يخدم مصالحك بل يسيء إلى

علاقاتك، فإنك إذا انتصرت في بداية التفاوض، فإن النتيجة النهائية للتفاوض هي

الفشل.

لا تستسلم: ذلك أن الإذعان والرضوخ الدائم للإنسان الغاضب يشجعه على

تكرار هذه المواقف في المستقبل.

لا تقطع علاقتك بالآخر: فقطع العلاقات تصرف متسرع، وكثيراً ما نندم

عليه، لأن ثمنه يكون باهظاً.

ولكي تختار بين الانفعال وعدمه:

افصل بين العاطفة والعقل.. فإذا واجهت موقفاً تفاوضيّاً صعباً، فلا تتسرع

في أخذ قرار، وحاول أن تُطل من علٍ على ساحة التفاوض لتقويم ما يحدث بهدوء.

اعرف نقاط ضعفك.. فمعرفتك «أزرارك الساخنة» يمكنك من السيطرة

عليها إذا ضغط عليها الآخر.

توقف ولا تقل شيئاً.. فالصمت يعطيك وقتاً للتفكير، وإلا فيمكنك الحصول

على هذا الوقت من خلال إعادة ما قاله الآخر مع طلبك منه أن يصحح لك أي خطأ.

2 - لا تجادل.. اخطُ إلى جانبهم:

لكي نتغلب على مخاوف الآخرين وشكوكهم، لا بد أن نحرص على الإصغاء

إليهم، وتفهم ما يريدون، والثناء على قدراتهم، والاتفاق معهم كلما كان ذلك ممكناً.

وذلك حينما يشعر الطرف الآخر بعدم الثقة فيمن يفاوضه، وحين يغضب،

أو يثور.. ولكي نعيد إليه توازنه النفسي والعقلي لا بد أن نقف إلى جانبه عبر:

الإصغاء إلى ما يقول.. وهذا يتطلب الصبر والسيطرة على النفس وعدم

مقاطعته وإن أخطأ.. وسؤاله بعد كل فقرة من الحوار إن كان لديه شيء يضيفه،

ثم تلخيص كلامه مع طلب التصحيح منه.

الاعتراف بصحة منطقه.. وهذا لا يعني بالضرورة الاتفاق معه فيما يقول،

وإنما يعني قبول رأيه كأحد وجهات النظر القابلة للدراسة، وتقدير خلفيات هذا

الرأي.

الاتفاق معه قدر الإمكان.. وذلك بالموافقة على النقاط التي توافق عليها

بالفعل، والبحث عن الفرص التي نستطيع فيها أن نقول للآخر «نعم» ، مع

إعطائه التقدير اللازم والتعبير عن رأينا دون استفزاز، والتأكيد الدائم على أن

تمسكنا برأينا لا يعني إلغاء الرأي الآخر.

3 - لا ترفض.. أعد الصياغة:

الرفض لا يؤدي إلا إلى تشدد الآخر، ومن ثم: وجب علينا النظر فيما يقوله

الآخرون، ثم إعادة صياغته من خلال بعض الأسئلة التي قد تؤدي إلى حل المشكلة، وذلك أن نقطة التحول في الاختراق التفاوضي تكمن في النجاح في توجيه الآخر

بعيداً عن موقفه الأصلي، وفي اتجاه تحديد المصالح، والوصول من خلال كلامه

إلى حلول عادلة.

ويمكن النجاح في ذلك من خلال:

طرح أسئلة تساعد في حل المشكلة.. مثل أن نسأل الآخر: لماذا تريد ذلك؟ ، لماذا تعتبر غيره حلاً غير مقبول؟ .. لماذا لا توافق على حل آخر مثل ( ... ) ؟ ماذا لو فكرنا معاً في صياغة جديدة للحل؟ .

طلب النصيحة من الطرف الآخر.. مثل أن نسأله: ماذا تفعل لو كنت

مكاني؟ ماذا تقترح عليّ من حلول أخرى؟ .. إلى غير ذلك من الأسئلة المفتوحة،

والتي تبدأ بـ كيف؟ .. لماذا؟ .. لماذا لا؟ ... ماذا؟ .. مع تجنب الأسئلة التي

تبدأ بـ هل؟ ... أليس؟ ... هل من الممكن؟ ... وغيرها من الأسئلة التي تتيح

للآخر فرصة الإجابة بـ (لا) .

استخدام قوة الصمت.. فالصمت بعد السؤال يتيح للآخر فرصة التصارع

الفكري معه والوصول إلى الإجابة، ولذلك: فإن من واجبنا بعد كل سؤال منا

للآخر أن نقاوم إغراء الكلام.. ثم نحاول في السؤال نفسه من زاوية أخرى.

4 - لا تضغط.. ابنِ لهم جسراً ذهبيّاً:

والمقصود هنا: تهيئة وتزيين تراجع الآخر وعبوره إلى مصالحنا ووجهة

نظرنا من خلال عرضٍ برّاق له، وذلك من خلال إشراكه في الوصول إلى الحلول، وتسهيل عبوره للهوة بين مصالحه ومصالحنا، مع حفظ ماء وجهه، وإظهار ما

توصلنا إليه من اتفاق كما لو كان نصراً له علينا.

فقد يرفض الطرف الآخر فكرتنا لأنه يحس أنها ليست فكرته.. أو يرى أننا

أغفلنا بعض مصالحه.. أولخوفه من الإحراج أمام أتباعه إذا قبلها.. أو لشعوره

بالحيرة أمامها.

ولكي تساعد الآخر على تخطي هذه المعوقات:

أشركه في الحل.. من خلال جعل أفكاره أساساً للحل المقترح، وطلب

الرأي منه فيما نقترحه، وإتاحة الفرصة له للاختيار بين بدائل نطرحها عليه.

تعرف على اهتماماته.. وحاول تحقيق مصالحه، واسأل نفسك: هل كنت

أقبل هذا العرض لو كنت في موقفه؟ .. ولماذا لا؟ .. ثم حاول إجراء بعض

المبادلات معه تكون قليلة التكلفة كثيرة الفائدة.

حافظ على ماء وجهه.. فإذا تراجع الآخر عن موقفه، فاحرص على أن تجد

له الطريقة المناسبة التي يستطيع بها تقديم الاتفاق لاتباعه كما لو كان نصراً لهم.

لا تتعجل إتمام الاتفاق.. فإذا تحير الآخر فيما تعرضه، فأوضح له ما تريد

خطوة خطوة، ولا تطلب منه القبول حتى نهاية الاتفاق.

5 - لا تصعِّد الموقف.. استخدم قوتك للتعليم:

وذلك من خلال توضيح واقع التفاوض، ومحاولة تعريف الآخر ثمن عدم

الاتفاق، واستعراض أفضل بدائلنا عند فشل التفاوض، والتأكيد على أن هدفنا ليس

هزيمة الآخر، وإنما تحقيق مصالح الطرفين.

فقد يغتر الآخرون بقوتهم، فيرفضون محاولاتك للتفاوض، فلا تُصعد الموقف

بالتهديد، وإنما استخدم قوتك لتعلمهم أن السبيل الوحيد لانتصارهم هو أن تنتصروا

معاً.. وأن تفاوضك معهم من أجل الوصول إلى أفضل الطرق لخدمة مصالح

الطرفين، ويمكنك ذلك عبر ما يلي:

أسئلة اختبار الواقع.. والتي يمكن للآخرين من خلالها التفكير في نتائج عدم

الاتفاق، مثل: ماذا تعتقد سيحدث إذا لم نصل إلى اتفاق؟ .. ماذا ستفعل أنت؟ ..

وماذا سأفعل أنا؟ .. ولكن مع مراعاة عدم التهديد؛ لأن التهديد يستفز الآخرين

ويدفعهم للرفض بشدة.

تحديد طريق الحل بوضوح.. وبيان الفرق بين نتائج عدم الاتفاق وقبول

عبور الهوة بين مصالحكما فوق جسرك الذهبي.. مع إشعارهم دائماً بأنه ما زال

أمامهم مخرج.. ثم التراجع من ناحيتك وتركهم للاختيار الحر.

توطيد العلاقة مع الآخر.. والتصرف بلباقة وكرم، ومقاومة الإغراء

الغريزي في التباهي بالانتصار على الآخر.

وبكلمة موجزة:

إن عقد عقدةٍ ما يحتاج إلى طرفين، بينما حل موقف معقد لا يحتاج إلا

لطرف واحد قادر على التغلب على عوائق التفاوض والاتفاق، مثل: ردود فعله،

ومشاعر الآخرين العدوانية، وشكوكهم، وعدم رضاهم، وغرورهم بقوتهم.. وذلك

من خلال استخدام سياسة التفاوض الاختراقية وإتقان (فن التفاوض) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015