محمد العبدة
كلما أقرأ أو أسمع أنه في عام 1992م ستكون السوق الأوربية المشتركة
مفتوحة الحدود، مشرعة الأبواب لمواطنيها في التنقل والتجارة، ودون أية قيود
وأنهم يستعدون لهذه النقلة، كلما أسمع ذلك يملكني الحزن والأسى، كيف يجتمع
هؤلاء الناس ويتعاونون على ما بينهم من اختلاف في اللغة، وعلى ما بينهم من
إحن قديمة، وعلى ما بينهم من تعصب إقليمي عرقي، وكيف لا يجتمع المسلمون
والدعاة منهم بشكل أخص وبين أيديهم كل العوامل التي تحتم الاتحاد والتعاون
والتناصر.
لا شك أن الذي يدفع بالغربيين إلى اتخاذ هذه الخطوات التعاونية هو نظرتهم
للعواقب والتفكر بالنتائج التي تتمخض عن هذا التعاون وأنه يحقق لهم مصالح كثيرة، فهي سياسة دنيوية تقوم على استخدام العقل وتبعد العواطف والغرائز جانبًا، ولا
شك أن الذي يمنع المسلمين من التعاون والتفاهم هو ضعف النظر في العواقب وعدم
الانتباه لما يحيط بالمسلمين من أخطار، وما يتربص بهم من شرور، وتحكيم
العواطف والنظرة الضيقة، والنظر للمصالح الآنيّة والفردية، وليس الذي ينقصهم
غيرة دينية أو نقص في الحماسة لنصرة الإسلام، وإنما هو التخلف الحضاري الذي
جعلهم لا يفكرون تفكيرًا هادئًا متزنًا مستبصرًا، بل لا يستحثهم هذا الضعف الذي
ابتلوا به فأصبحوا طعمة لكل طامع ونهبة لكل ناهب، لا يستحثهم على الاتحاد أو
التعاون على الأقل.
إن بعض الغربيين يستغربون جدًا أن تتكلم الشعوب العربية لغة واحدة، ويفهم
كل منهم عن الآخر ومع ذلك يكون بينهم هذا التفرق والتناحر، وكأن كل قطر قارة
منعزلة، وكثيرًا ما يسألون: هل يستطيع المصري التفاهم مع المغربي أو العراقي
مع اليمني، لأنهم لا يتصورون أن كل هذه الأقاليم التي تتكلم بلغة واحدة تكاد لا
تتفق على شيء إلا على التفرق والتناحر.
أتقام تكتلات كبيرة لأعداء الإسلام، ونحن نمارس هواية التشرذم والتفرق
ونكثر من عدد اللافتات والعناوين.
أيقيم أعداء الإسلام دولاً طويلة عريضة على أفكار وكتب من اختراع بشر بل
هي من حثالة أفكار البشر، وكتاب الله بين أيدينا، وتفسيره بين ظهرانينا، وهو
حبل الله المتين، وهو العروة الوثقى لا انفصام لها، ويبقى المسلمون على حالهم
المزرية هذه؟ !
ألا يحق لنا أن نطمع بمطلب متواضع من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية
وهو التفكر بما يدور حولهم، وكيف يتكالب أعداء الإسلام تكالبًا شديدًا، ولا ينفكون
لحظة واحدة عن التخطيط والتدبير، وتقليب الأمور، حتى يتسنى لهم دوام
السيطرة والهيمنة على الأمم المغلوبة على أمرها.
إن رؤية الحقيقة خير من التمادي في المراوغة والقول بأن كل شيء يسير
على أحسن ما يكون، والتبصر في العيوب وإبرازها في شجاعة، ومعالجتها وإن
كان الدواء مؤلمًا، أفضل من الإمعان في التغافل، والبقاء في دائرة التراشق بالتهم
والتهم المضادة.