دراسات اقتصادية
د.محمد بن عبد الله الشباني
يمثل تعدد أنواع وأشكال الأدوات النقدية المستخدمة في سداد الالتزامات
المالية أهم المتغيرات في المجتمع المعاصر فيما يتعلق بموضوع التبادل النقدي،
بجانب اتساع نطاق الاتجار بالعملات الورقية، التي تمثل الأداة النقدية ذات الإلزام
النظامي في سداد الالتزامات الناشئة عن التبادل السلعي والخدمي في المجتمع.
إن دراسة ظاهرة استخدام الأدوات النقدية المتعددة في سداد الالتزامات الناشئة
عن ممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة (مثل: الشيكات، وبطاقات الائتمان
المختلفة) كأدوات تحل محل النقود المعدنية أو الورقية، يرجع إلى ما يكتنف هذه
الأساليب من تساؤلات عن مدى شرعية هذه الأدوات من ناحية، ومواطن الربا
التي يمكن أن توجد نتيجة لاستخدام هذه المستجدات من وسائل سداد الالتزامات من
خلال الوحدات المصرفية المختلفة من ناحية أخرى.
يرتبط فهم طبيعة هذه الأدوات ودورها في تحقيق أهم وظائف النقود بفهم
النظرية النقدية، التي تهتم بربط النقود بالمتغيرات الاقتصادية.
إن فهم النظرية النقدية يستدعي تحديد ماهية النقود، وتكوينها، وأشكالها،
وطبيعة العلاقات المرتبطة بتأديتها لوظائفها، وإبراز وجهة النظر الشرعية من
خلال فهم ودراسة النصوص من القرآن والسنة، مع تحديد النظرة الشرعية لمفهوم
النقد (بوصفه معياراً لتفسير التغيرات في أثمان السلع والخدمات) والأدوات
المعاصرة المستخدمة في تحقيق وظيفة النقد الخاصة بتيسير التبادل السلعي والخدمي ... ومواطن الحرمة عند استخدام هذه المستجدات من الأدوات.
وفي هذه المقالة سوف أحاول دراسة الجوانب الشرعية لهذه الأدوات ومواطن
الربا جميعاً، مع محاولة إلقاء الضوء بشكل مختصر على ماهية النقود من وجهة
النظر الإسلامية.
ماهية النقود:
تحاول الدراسات التاريخية للنظام النقدي الإجابة على السؤال التالي:
ماذا يُعنى بالنقود؟ وتأتي الإجابة على أنها: سلعة متميزة تمتاز من بين باقي
السلع للقضاء على المقايضة، ولها وظائف تقليدية وأشكال معينة، وترتبط بهيئات
اقتصادية محددة. [1]
لقد ترتب على النظرة المتعلقة بأن النقد ما هو إلا سلعة مختارة من بين السلع: حصر نطاق التحليل النقدي في الجانب العيني؛ فالظواهر الأساسية في الحياة
الاقتصادية يمكن دراستها من خلال الجانب العيني (سلع وخدمات) ، أما النقود فهي
مجرد غطاء خارجي للأشياء، يجب معرفة ما وراءه، فقيمة المنتجات لا تجد
مقياسها في الأسعار النقدية، وإنما في علاقات المبادلة بين السلع في الأسعار
النسبية بينها، وإن ما يتخذ مظهراً نقديّاً ما هو في الحقيقة إلا عملية توفيق بين
عناصر الإنتاج من: رأس مال، وعمل، ومعرفة فنية، وموارد طبيعية، وأجر
نقدي.
أما الادخار: فهو يمثل الجزء الحقيقي من السلع التي لم تستهلك خلال فترة
معينة، أما أهمية الاستثمار: فلا تعود إلى رأس المال النقدي، وإنما في تحوله إلى
رأس مال طبيعي، أي: إلى أجهزة وآلات ومبانٍ، فالقاعدة العامة إذن هي: أن
حقيقة الظواهر الاقتصادية ما هي إلا ظواهر عينية، وما النقود إلا أداة فنية ليس
لها من وظيفة سوى تسهيل عمليات المبادلة والتراكم الرأسمالي في اقتصاد مبادلة
الإنتاج.
إن هذا الاتجاه التحليلي لماهية النقود، لم يكن حدثاً عارضاً بقدر ما كان نتاج
مجموعة من الظروف التاريخية والفكرية المصاحبة للتغيرات التي حدثت في
الاقتصاديات الأوروبية خلال فترة تراجع الأمة الإسلامية، ودخولها في فترة
الاضمحلال والجمود والانفصام ما بين معطيات ومبادئ الشريعة الإسلامية والركود
الذي أصاب مختلف أوجه الحياة في الأمة الإسلامية، أما بالنسبة للاقتصاديات
الأوروبية، فقد تميزت بتعدد الاضطرابات النقدية والتجارب في تطوير العمل
المصرفي، مع تغير وتبدل الظروف التاريخية، التي أدت إلى تفسير الكثير من
العلاقات النقدية غير المتوازنة والمرتبطة بالإنتاج والأسعار، وفي مواجهة هذا
الاتجاه (الاتجاه العيني) برز اتجاه فكري مضاد له قائم على رفض تجريد الاقتصاد
العيني من كل خصيصة نقدية؛ حيث يرى أن للنقود دوراً وأهمية في تفسير
الظواهر العينية، مما أعطى للتحليل النقدي دوراً على حساب التحليل العيني.
يرتبط دور النقود في أداء مهامها بوصفها ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد متعددة
من حيث إنها تمثل وسائل الدفع التي يحتاج إليها الاقتصاد بتطور العلاقات
الاقتصادية (إنتاجاً وتوزيعاً) من مرحلة الإنتاج الذاتي القائم على إشباع الحاجات
الذاتية إلى مرحلة الإنتاج المتخصص المقترن بالحاجة إلى المبادلة، التي بدأت
بالمقايضة وما صاحبها من معوقات بسبب تعدد الأطراف وتعدد السلع، مما أدى
إلى اختيار سلعة معينة كقاعدة للمقارنة، وبها تقاس قيم السلع الأخرى، وما استتبع
ذلك من قبول هذه السلعة، باعتبار أن لها قيمة ذاتية تقبل من الجميع في عمليات
التبادل، مع إمكانية تخزينها وانتقالها من حيث الزمان والمكان.
لقد واجه الإنسان مشكلة اختيار السلعة القابلة لأن تكون وسيطاً للمبادلة،
ومقبولة من الجميع، وتكون مقياساً للسلع الأخرى.
خصائص النقود:
لقد توصل الإنسان من خلال تجاربه إلى ضرورة أن تتصف النقود
بخصائص معينة، حتى تقوم بوظائفها، وهذه الخصائص يمكن إجمالها في الأمور
التالية [2] :
1- أن تكون الوحدات التي تتكون منها السلعة كنقد مقبولة من الجميع، وهذا
القبول يعطيها خاصية الإلزام، وبعد تولي الدولة فرض القبول لوحدات النقد ساعد
ذلك الأمر على أن تصبح النقود الورقية التي يصدرها البنك المركزي ملزمة للجميع
ومبرئة للذمة، وبالتالي: ظهرت النظرية التي تقول: إن النقود ليست لها قيمة في
ذاتها، وإنما تستمد هذه القيمة من سلطة الإجبار، فالدولة هي التي توجِد النقود،
وهي التي تزيل عنها هذه القدرة.
2- أن تكون لها صفة الدوام والثبات، ففقدان النقد لهذه الصفة يضعفها من
القيام وظائفها المتمثلة في أنها مخزن للقيمة، ووسيلة لتسديد الديون، فعدم الثبات
يؤدي إلى الاضطراب في المعاملات.
3- توفر عنصر الندرة، فالندرة عنصر أساس لفرض الاحترام والتناسب مع
حجم المعاملات والمحافظة على القيمة، لقد كان اختيار الذهب والفضة في الماضي
مؤسسًاً على ما يتمتعان به من ندرة نسبية في الوجود الطبيعي، وبعد قيام الدولة
بالإلزام بقبول النقود الورقية، فقد استخدم لتحقيق هذه الخاصية فرض القيود على
الإصدار النقدي الورقي.
4- إمكانية الانقسام، أي: إمكانية تجزئتها إلى وحدات صغيرة نهائية أو لا
نهائية، وهذه القابلية تستلزم القدرة على تجزئة قيمتها، وبالتالي: تجزئة الوحدات
النقدية الموازية على أن يتبع هذا الانقسام التكافؤ أو المساواة بين قيمة مجموع
الأجزاء المقسمة ووحدة النقد الكلية، ولمواجهة الحاجة إلى انقسام الوحدات النقدية
تعمد الدولة في العصر الحديث إلى إصدار ما يسمى بالعملة المساعدة؛ سواء أكان
على أساس معدني أو أوراق نقدية مساعدة تقوم بدور وحدات التجزئة لوحدات النقد
الورقية، والغرض منها: تسهيل المعاملات ومواجهة اختلاف أحجام السلع.
وظائف النقود:
على ضوء ما سبق من مناقشة لماهية النقود والخصائص التي يجب أن تتوفر
في أي سلعة تتخذ نقداً: يتضح أن النقود ليست غاية في ذاتها، بقدر ما هي أداة
لتأدية وظائف معينة يمكن إجمالها في الأمور التالية [3] :
1- قياس قيم السلع والخدمات: فالنقود هي مقياس للقيمة ووحدة للمحاسبة،
فعدد الوحدات النقدية اللازمة للحصول على السلعة، التي تستبدل بها السلعة،
تعتبر ثمناً أو قيمة لهذه السلعة، وحيث إن النقود هي وحدة القياس المشتركة لقيم
جميع السلع، وبالتالي: يمكن المقارنة بين القيم النسبية لمختلف السلع عن طريق
تقدير عدد الوحدات النقدية اللازمة للحصول على كل سلعة.
2- أداة للدفع ووسيط للمبادلة: فالنقود تستخدم كأداة للمدفوعات؛ للحصول
على السلع والخدمات من خلال الشراء والبيع، وتقديم الخدمة، أوالحصول عليها، فعن طريق تقديم كمية من النقود، أو فتح حساب في البنك التجاري: يتم دفع
المعاملات المالية وإشغال الذمة وإبراؤها، فالنقود أداة لتسديد كافة الالتزامات.
3- النقود مخزن للقيمة: وهذه الوظيفة مرتبطة بخاصية الثبات والدوام،
فالنقود بما تمثله من قوة شرائية يمكن أن تكتنز في لحظة معينة، أي: يحتفظ بها
لتنفق في لحظة تالية، وهي بذلك تربط قيمة السلع بالزمن، والنقود بفكرة
المضاربة، والقيام بتحقيق الادخار وتراكم رؤوس الأموال.
وفي الماضي حينما كانت المعادن النفيسة (الذهب والفضة) يتم تداولها نقوداً، فيتمثل التخزين في الاحتفاظ بها، أما بعد أن حلت النقود الورقية محلها، فيتمثل
التخزين في الإيداع في البنوك، وينتج عن الاحتفاظ بها في البنوك: الحصول على
ثمن لهذا الإيداع يتمثل في الفائدة التي تمنح للمودعين.
طبيعة النظام النقدي:
من خلال الاستعراض السابق اتضحت لنا ماهية النقود من حيث خصائصها
ووظائفها، الأمر الذي سيساعدنا على معرفة طبيعة النظام النقدي، وبالتالي: تحديد
التكييف الفقهي كما نراه للنظام النقدي المعاصر، مع توضيح ومناقشة الأبعاد
الشرعية للأدوات المستجدة للدفع في النظام النقدي المعاصر، مع محاولة تحديد
مواطن الربا التي يمكن أن تنشأ من خلال استخدام هذه الأدوات.
النظام النقدي لأي مجتمع من المجتمعات ما هو إلا مجموعة من العلاقات
والتنظيمات التي تحكم الوضع النقدي ضمن فترة زمنية معينة ونطاق مكاني محدد،
وبالتالي: فلا بد من توفر ثلاث خصائص للنظام النقدي [4] ، وهي:
1) قيام النظام على عدد من العناصر، من أهمها: عنصر القاعدة النقدية،
التي يقصد بها المقياس الذي يتخذه المجتمع أساساً لحساب القيمة الاقتصادية،
والغاية منها: المحافظة على القيمة الاقتصادية للنقود (أي: قوتها الشرائية) في
النطاقين الداخلي والخارجي.
تقوم القاعدة النقدية على ظاهرة الندرة للموارد النقدية عندما كان النقد يأخذ
شكلاً ماديًّا متمثلاً في المعادن النفيسة، التي تتمتع بندرة طبيعية، ولكن الأمر
اختلف عندما استندت القاعدة النقدية على القيمة الورقية (قاعدة النقد الورقية) ،
وبالتالي: حل الجانب التنظيمي، الذي يتمثل في مجموعة الشروط والقواعد التي
تضعها السلطات النقدية في الدولة، للتعبير عن تصورها للقيمة النقدية وارتباطها
بالقيم الاقتصادية، وهي شروط تهدف غالباً إلى تحقيق الاستقرار النقدي، أي:
تحقيق التوافق بين حجم وسائل الدفع وقدرات الجهاز الإنتاجي، وبالتالي: فكفاءة
القاعدة النقدية تقاس بقدرتها على التحكم في عرض النقود القانونية، عن طريق
غطاء الإصدار والائتمان، عن طريق التحكم في الودائع وفي رقابة البنك المركزي
على البنوك التجارية، بجانب هذا العنصر الأساس هناك عناصر ثانوية في النظام
النقدي، ومن أهمها: وحدة النقد الرسمية المستخدمة في الحسابات النقدية، فلكل
اقتصاد قومي وحدة نقد رسمية تستخدم في الحسابات النقدية، مثل: الريال،
والجنيه، والدولار ... ترتكز عليها المدفوعات الداخلية الناتجة عن دفع الالتزامات
المالية (البيع، والشراء، والأجور، والأرباح ... إلخ) ، ويلزم لهذه الوحدة
الحسابية صفتان أساسيتان: الأولى: الصفة القانونية، أي: التمتع بقوة إبراء
مطلقة في الوفاء بالالتزامات يُجْبَر الدائن على قبولها وفاءً لدينه، ويعفى المدين من
دينه بمجرد السداد بها، ويقبلها الجميع في المعاملات. الثانية: الصفة الإلزامية
لسعرها، بحيث لا يسمح بتحويلها إلى أي نوع آخر من النقود، ولكن وظائف
وعلاقات النقود الأساسية طغت على دور وأهمية القاعدة النقدية، وهذا ما نشاهده
في أن العلاقة بين وحدات النقد الأساسية (الريال/ الدولار، مثلاً) وأدوات الدفع
الأخرى (نقود ائتمانية، أذون خزانة، أوراق مالية) مرتبطة بموضوع السيولة؛
فالنقود الأساسية بصفتها نقوداً قانونية ونهائية تمثل قيمة السيولة، أما أدوات الدفع
الأخرى: فهي تتمتع بدرجات متفاوتة من السيولة قد تتحول عاجلاً أو آجلاً إلى
نقود أساسية بحسب دورها في النشاط الاقتصادي.
2) النظام النقدي نظام اجتماعي لا يمكن فصله عن البيئة الاجتماعية
والاقتصادية التي يعمل فيها، فهي تعكس بالضرورة الاقتصاد الذي وجد لخدمتها،
فالنظام النقدي في الاقتصاد الرأسمالي الربوي يختلف عن النظام النقدي في اقتصاد
تقوم قيمه على الإسلام، فمثلاً: النظام النقدي الرأسمالي يقوم على الربا، فجميع
أشكال المعاملات في هذا النظام تدور حول تلك الفائدة الربوية، أما النظام النقدي
الإسلامي في حالة قيامه في مجتمع يلتزم بالنظام الاقتصادي الإسلامي: فلن يكون
للفائدة الدور المؤثر والفاعل، بل سيحل مفهوم الربح والخسارة محل مفهوم الفائدة
الربوية.
3) النظام النقدي نظام متغير حسب ما يحدث في النظام الاقتصادي
والاجتماعي الذي ينتمي إليه، فالنظام النقدي يمثل الشكل الخاص لتداول النقود في
اقتصاد المبادلة، فمثلاً: التغيرات التي حدثت في النظام الاقتصادي الرأسمالي
أثرت في تطور النظام النقدي؛ حيث مر هذا النظام من مرحلة قاعدة الذهب إلى
مرحلة قاعدة النقد الورقية، ومرحلة الليبرالية النقدية إلى مرحلة التدخل النقدي،
وهذا التغير كان نتيجة لطبيعة التوافق بين البيئة الاقتصادية والظواهر النقدية؛
بقصد المحافظة على الأهداف الرئيسة للنظام الرأسمالي.
النظام النقدي والنقود الورقية:
يقتضي فهم النظام النقدي المعاصر معرفة العلاقة ودراستها بين خاصية النظام
النقدي (القاعدة النقدية) والنقود الورقية والائتمانية، وهذا يقتضي إلقاء الضوء على
تطور هذه العلاقة في كلّ من النظامين الإنجليزي والفرنسي؛ باعتبار أن هذين
النظامين يمثلان القوتين الرئيستين في النظام الرأسمالي؛ حيث كان لهما الريادة في
ابتكار النظم النقدية وتطويرها في القرن التاسع عشر، ومنهما انتقلت هذه النظم إلى
بقية اقتصاديات العالم.
لقد اعتبر النظامان وحدات النقد الذهبية نقوداً قانونية ونهائية، أي: إنها تمثل
نقود القاعدة النقدية، فوحدة النقد أصبحت تساوي وزناً معيناً من الذهب، وهذا
يعني: أن كمية معينة من هذا المعدن النفيس تعتبر مقياساً للقيم الاقتصادية في
المجتمع، ووحدة الحساب لهذه القيم، وقد أدى التطور الاقتصادي واتساع نطاق
التبادل إلى ظهور أدوات دفع أخرى، بعضها يتمتع بخاصية قوة الإبراء دون
الخاصية النهائية، أي: القدرة على التحول إلى نقود أخرى (النقود الورقية) ، وبعضها الآخر لا يتمتع بالقبول الإجباري ولا بالخاصية النهائية (النقود الائتمانية) ،
وإنما تستخدم في المعاملات على أساس القبول الاختياري وثقة الأفراد في
المؤسسات التي تصدرها، ومن المعروف أن النقود الورقية نمت وتطورت من
خلال تطور النظام النقدي الفرنسي، كما أن النقود الائتمانية نمت وتطورت من
خلال تطور النظام النقدي الإنجليزي.
ومن خلال التجربة التاريخية للفترة من سنة 1797م حتى سنة 1818م
توصل النظامان إلى جعل وحدة النقد تساوي وزناً معيناً من الذهب أو الفضة،
وقصر حق الإصدار للنقود الورقية (المصرفية) على بنك فرنسا وبنك إنجلترا،
وأصبح لهاتين المؤسستين الخيار بالنسبة لغطاء الإصدار، إما بضمان احتياطي
معدني (ذهب أو فضة) أو تغطية الإصدار بالائتمان الذي تمنحه، وبالتالي: تصبح
النقود الورقية أداة ائتمان ووسيلة للإقراض والتمويل لقطاعات التجارة والمعاملات،
فعندما يكون غطاء الإصدار متمثلاً في الائتمان: يتم اتباع أسلوب الخصم وإعادة
الخصم باستخدام الأوراق التجارية، وبصفة خاصة (السند الإذني) و (الكمبيالات) ،
وبالتالي: فإن إصدار النقود الورقية من خلال الضمان يتم تغطيته بالكمبيالات
المخصومة، بحيث يكون غطاءً لها بدون حاجة إلى زيادة الرصيد المعدني،
والنتيجة: أنه يمكن أن يتجاوز حجم النقود المصدرة حجم غطاء الإصدار المعدني،
وتحت نظام الإصدار الورقي بضمان الائتمان: فإن جملة النقود الورقية المعروضة
في التداول كانت مغطاة جزئيّاً بالنقود المعدنية، أما الجزء الآخر فيكون مغطّى
فعليّاً بالائتمان، كما أن النظام الإنجليزي اتبع طريقة فتح الاعتماد وأداتها النقود
الائتمانية (الشيكات) .
على ضوء ما سبق من إيضاح لفكرة تطور النظام النقدي وتحديد طبيعته
وماهيته، يتضح لنا: أن النظام النقدي المعاصر مؤسس على النقود الورقية، التي
تتمتع بصفتي القانونية والنهائية؛ لتساعدها وتكملها في تحقيق وظائفها وحجمها:
النقود الائتمانية، وهما معاً يكونان الرصيد النقدي، أي: مجموع أوراق الدفع
المتاحة لاقتصاد معين في فترة زمنية معينة.
وبهذا برزت قاعدة النقد الورقية، حيث انفصلت القيمة الاقتصادية للنقود عن
أي قيمة اقتصادية لأي سلعة مادية معينة وبصفة خاصة: الذهب فقيمة النقود في
قوتها الشرائية، أي: في قدرتها على التحول إلى سلع وخدمات، وبذلك تصبح
النقود أداة الدفع في اللحظة الحالية وتمثيل للثروة في اللحظة المستقبلية.
إن قاعدة النقد الورقية لا تتجسد في مظهر مادي معين، وإنما هي تتمثل في
مجموعة الشروط والقيود التنظيمية التي تضعها الدولة لإصدار النقود الورقية
القانونية، وهذه القاعدة أدت إلى ظهور أدوات دفع متعددة ومتنوعة، وخاصة بعد
ثورة الاتصالات، التي ساعدت على ظهور وسائل جديدة، يتم بموجبها سداد
الالتزامات بدون استخدام النقود الورقية، مثل: (بطاقات الصرف) ، و (بطاقات
الائتمان) ، و (الشيكات) ؛ مما يستدعي دراسة هذه الأدوات من الناحية الشرعية،
وتحديد مناط الربا فيها.
... ... ... ... ... ... وللحديث صلة