مجله البيان (صفحة 2190)

آل البيت.. منزلتهم ـ خصائصهم

دراسات شرعية

آل البيت.. منزلتهم - خصائهم

بقلم: عبد الحكيم بن محمد بلال

أولاً: التعريف، والمراد بهم:

(الآل) في اللغة: من الأَوْل، وهو: الرجوع. وآلُ الرجل: أهل بيته،

وعياله؛ لأنه إليه مآلهم، وإليهم مآله [1] .

المراد بآل النبي [2] :

اختلف في آل بيت الرسول على قولين:

القول الأول: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم: بنو هاشم، وبنو

عبد المطلب، أو بنو هاشم خاصة، أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب؛ وهذا القول

هو اختيار الأكثرين. ولا شك أن بعضهم أخص بكونه من آل البيت من بعض،

فعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: أخص من غيرهم. [3]

ومن أدلة هذا القول:

أ- حديث (غدير خمّ) عن زيد بن أرقم أن النبي خطبهم، وفيه: أنه حث

على التمسك بكتاب الله ورغب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل

بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) ، فقال له: حصين:

ومَنْ أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته،

ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل

عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وفي

رواية: قيل مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، وايم الله، إن المرأة تكون مع

الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله

وعصبته الذين حرموا الصدقة من بعده) [4] .

ب- حديث عمر بن سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبي: [إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ

لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] [الأحزاب: 33] في بيت أم

سلمة، فدعى النبي فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله

بكساء، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم ... تطهيراً) [5] .

القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة:

ومن أدلة هذا القول:

أ- قوله (تعالى) : [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَاًتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ....] حتى

قوله: [وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] [الأحزاب: 30-33] فدخلن في آل البيت؛ لأن هذا الخطاب

كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه.

ب - ما جاء في روايات حديث الصلاة على النبي بعد التشهد: (اللهم صل

على محمد وآل محمد) ، قالوا: فإنه مفسر بمثل حديث أبي حميد: (اللهم صل على

محمد وعلى أزواجه وذريته) [6] ، فجعل مكان الآل: الأزواج، والذرية؛ مفسراً

له بذلك.

ج - أن الله (تعالى) جعل امرأة إبراهيم من آله، فقال: [رَحْمَتُ اللَّهِ

وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ..] [هود: 73] كما جعل امرأة لوط من أهله، فقال: [ ... إنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إلاَّ امْرَأَتَكَ ... ] [العنكبوت: 33] .

وقيل في معنى (الآل) أقوال أخرى لا تصح.

هل أزواج النبي من آله؟ :

يأتي إفراد هذه المسألة من أهميتها؛ فالرافضة ينكرون كون أزواج النبي من

آله، وحجة من ذهب إلى هذا من أهل العلم: حديث زيد، وحديث ابن سلمة.

ويمكن مناقشة الاستدلال بهما كما يلي:

أولاً: حديث زيد، إنما وقع فيه نفيه في الرواية الثانية على أن يكون المراد

بأهل بيته نساؤه فقط دون غيرهن، ولذا: قال في الرواية الأولى: (نساؤه من أهل

بيته) ، فأثبت كونهن من أهل بيته، ونفى كونهن أهل بيته دون غيرهن، ويحتمل

أيضاً: أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث بالآل الذين حرموا الصدقة

استقلالاً، وهم قرابته دون أزواجه، ولكن الاحتمال الأول أرجح؛ جمعاً بين

الروايتين، وجمعاً أيضاً بين القرآن والأحاديث المتقدمة [7] .

ثانياً: وأما استدلالهم بحديث عمر بن سلمة، فمناقشته من أوجه:

1- أن الحديث يحمل على أن النبي ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية،

وجعلهم أهل بيته، كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرَمِيّة، وعليه: فأهل الكساء

جُعلوا من أهل بيته بدعائه، أو بتأويل الآية على محاملها.

2- أن الحديث لا يقتضي حصر آل البيت في أولئك؛ لما جاء في الرواية

الأخرى: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق) [8] ، وهذا غايته أن قرابته

أحق بهذه التسمية، وليس فيه إخراج الأزواج من الآل.

3- أن قصر أهل البيت على المذكورين في الحديث (يقتضي أن تكون الآية

مبتورة عما قبلها وما بعدها) .

4- أن قوله لأم سلمة حين قالت: وأنا معهم يا رسول الله؟ : (أنت على

مكانك، وأنت إلى خير) [9] ليس فيه ما يفيد منعها من ذلك؛ لأن المراد أن ما

سألته من الحاصل، لأن الآية نزلت فيها، وفي ضرائرها، فليست هي بحاجة إلى

إلحاقها به [10] . وبعد هذه المناقشة يتبين أن القول الذي تجتمع به الأدلة هو:

شمول الآل للقرابة والأزواج، وهذا القول هو اختيار كثير من أهل العلم،

وصححه ابن تيمية [11] .

واليوم: فإن نسل البيت الطاهر لم ينقطع، كما دلت أحاديث خروج المهدي

على أنه من نسله، ولكن لا يثبت النسب لكل مدع، إذ لا بد من إثبات النسب،

فإن كان ذاك فلآل بيت رسول الله ما سيأتي ذكره من الخصائص والحقوق ...

والواجبات.

ثانياً: خصائصهم ومناقبهم:

1- خصائصهم:

أ- تحريم أكل الصدقة عليهم قال: (إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد) . [12]

ب- إعطاؤهم خُمُس خمس الغنيمة، وخمس الفيء: قال (تعالى) : ... [واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى

وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... ] [الأنفال: 41] ، وقال: [مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ

مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... ]

[الحشر: 7] ، فإذا حرموا نصيبهم هذا أعطوا من الصدقة.

ج- فضل النسب وطهارة الحسب:

قال: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة،

واصطفاني من بني هاشم) [13] .

2- مناقبهم العامة:

أ- تخصيصهم بالصلاة عليهم: وذلك كما في التشهد في الصلاة عليه وعلى

آله.

ب- وصية الرسول بهم: كما تقدم.

ولا يثبت لآل البيت والله أعلم غير ذلك من الخصائص العامة، فيجب الحذر

من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ودسائس المبتدعة.

3- المناقب والفضائل الخاصة ببعض آل البيت:

قد ثبت لكثير من أفراد آل البيت مناقب كثيرة، حفظتها السنة، ففضائل علي

أشهر من أن تذكر، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وخديجة خير النساء، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام [14] ، وفاطمة

سيدة نساء أهل الجنة، وحمزة سيد الشهداء يوم القيامة ... وهذا غيض من فيض.

ثالثاً: عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت:

تتلخص عقيدة أهل السنة في آل البيت في أنهم يحبون المؤمنين من آل البيت، ويرون أن المؤمن من آل البيت له حقان عليهم: إيمانه، وقرابته.

ويرون أنهم ما شرفوا إلا لقربهم من الرسول، وليس هو الذي شَرُف بهم،

ويتبرؤون من طريقة الروافض، ومن طريقة النواصب، ويحفظون فيهم وصية

الرسول، ولازم هذه المحبة: توليهم ونصرتهم، وهي من لوازم حفظ الوصية فيهم.

ويرون أنهم مراتب ومنازل، وأنهم وإن تميزوا فلا يعني أن لهم الفضل

المطلق على من فضلهم في العلم والإيمان، فالثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان،

أفضل من علي، وإن امتاز عنهم بخصوصيات؛ لأن هناك فرقاً بين الإطلاق

والتقييد [15] .

(وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه (رضي الله عنهن) ، والدعاء لهن،

ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين) [16] .

قال ابن كثير (رحمه الله) : (ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان

إليهم، واحترامهم، وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على

وجه الأرض، فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية

الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته

وذريته، رضي الله عنهم أجمعين) [17] .

ويبين الطحاوي أن البراءة من النفاق لا تكون إلا بسلامة المعتقد في آل البيت فيقول: (ومن أحسنَ القولَ في أصحاب رسول الله وأزواجه الطاهرات من كل

دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق) [18] .

ولقد كانت حياة سلف الأمة شاهدة على رعايتهم وصية رسول الله في أهل

بيته، والوقائع كثيرة، هاك شيئاً منها:

-قال أبو بكر (رضي الله عنه) : (ارقبوا محمداً في آل بيته) يخاطب الناس

بذلك ويوصيهم به، يقول: احفظوه فيهم؛ فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم [19] .

وقال (رضي الله عنه) : (والله، لَقرابة رسول الله أحب إليّ من أصل

قرابتي) [20] .

-وقال عمر للعباس (رضي الله عنهما) : (والله، لإسلامك يوم أسلمت كان

أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من

إسلام الخطاب) [21] .

هذه بعض الشواهد، وإلا فإن الأمر أكبر من هذا، كما شملت هذه الرعاية

أزواجَ النبي؛ فإن أهل السنة يعرفون لهن حقّهن، فإنهن أمهات المؤمنين بنص

القرآن، وأفضلهن: خديجة وعائشة (رضي الله عنهن أجمعين) .

وقد كان بقية آل البيت فضلاً عن سائر الصحابة يعرفون مكانتهن؛ فقد قيل

لابن عباس (رضي الله عنهما) بعد صلاة الصبح: ماتت فلانة لبعض أزواج النبي

فسجد، قيل له: أتسجد في هذه الساعة؟ فقال: أليس قال رسول الله (إذا رأيتم آية

فاسجدوا) ، فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي؟ [22] .

ولما كان صحابة رسول الله يحفظون لآل البيت قدرهم، فقد كان آل البيت

أيضاً يعرفون منزلة إخوانهم من الصحابة، ويقدرون صاحب الفضل منهم (رضي

الله عن الجميع) ويكفي الشاهد التالي: عن ابن عباس قال: (إني لواقف في قوم، فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع

مرفقه على منكبي فقال: رحمك الله، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛

لأني كثيراً ما كنت أسمع رسول الله يقول: كنتُ وأبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو

بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما،

فالتفتّ فإذا علي بن أبي طالب) [23] فهذا هو علي (رضي الله عنه) الذي يرفعه

الرافضة فوق منزلته، ويزعمون ظلم الصحابة له وسلبهم حقوقه، إنه (رضي الله

عنه) يرد عليهم بفعله وقوله. ومن أجمل ما في هذا الباب: رسالة للشوكاني سماها

(إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي) ، ذكر فيها إجماع أهل البيت

على تحريم سب الصحابة، من اثني عشر طريقاً، ثم سردها عن جماعة من

أكابرهم. ثم ذكر طائفة من أقوالهم، تبين معتقدهم في صحابة رسول الله،

والترضي عنهم، وتحريم سبهم، وأن السب إنما هو من فعل الروافض الضلاّل،

ومن تشبه بهم في فعلتهم هلك معهم، وذكر في آخر رسالته أن من لم يقنع بما ذكر

من الأدلة والإجماع فهو: إما جاهل، أو مكابر. وصدق (يرحمه الله) .

رابعاً: معتقد أهل البدع والضلال في آل البيت:

افترق الناس في آل البيت، فهلكوا، ونجا أهل السنة، وهذا بحكم علي

(رضي الله عنه) حيث قال: (يهلك فيّ رجلان: مفرط في حبي، ومفرط في

بغضي) [24] ، وأهل السنة وسط بين طرفين، وقد سلك أهل الزيغ في آل

البيت مسلكين: مفرط في الحب وهم الروافض والصوفية، ومفرط في البغض وهم

النواصب.

المسلك الأول: مسلك الرافضة والصوفية:

معتقد الرافضة في آل البيت:

غلا الرافضة في محبتهم كما غلت النصارى في المسيح [25] ، وقالوا: لا

ولاء إلا ببراء، أي: لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر (رضي

الله عنهما) [26] ، وأطلقوا (النّصْب) على من تولى الشيخين (رضي الله عنهما) ؛

بناءً على أن: (من أحبهما فقد أبغض عليًّا) ، و (من أبغضه فهو ناصبي) ، وهاتان

مقدمتان، أولاهما باطلة [27] . ورفعوهم فوق منزلتهم، وادعوا لهم ما لم يثبت،

بل ما لا تقبله العقول!

وقد تبرأ خيرة آل البيت من تلك المحبة ودعوا إلى الاعتدال فيها، قال علي

بن الحسين (رحمه الله تعالى) : (يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا

حبكم حتى صار علينا عاراً) [28] ، وعن الحسن بن الحسن أنه قال لرجل يغلو

فيهم: (ويحك! أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا،

ولو كان الله نافعاً أحداً بقرابة من رسول الله بغير طاعة، لنفع بذلك أباه وأمه،

قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون، ونحن نرضى منكم) [29] .

قولهم بإمامة الاثني عشر: [30]

الإمامة عندهم في المرتبة الرابعة من أصول الدين، بعد التوحيد والعدل

والنبوة، فزعموا فيها أن النبي نصّ على إمامتهم نصًّا جليًّا أو خفيًّا. ومن أصول

الرافضة في الإمامة:

أ - أن هؤلاء الأئمة معصومون كعصمة الأنبياء.

ب- أن كل ما يقولونه فقد تلقوه عن النبي.

ج- أن إجماع العترة (وهم الأئمة الاثني عشر) حُجة، وأن كل ما قاله أحدهم

فقد أجمعوا عليه كلهم! .

وبراءة آل البيت من لزوم طاعتهم على ما قرره الرافضة ثابتة: فعن علي بن

الحسين أنه قال: (من زعم منا أهل البيت أو غيره أن طاعته مفترضة على العباد

فقد كذب علينا، ونحن منهم براء، فاحذر ذلك إلا لرسول الله ولأولي الأمر من

بعده) [31] . وعن أبي جعفر محمد بن علي، قال: (يزعمون أني مهدي، وإني

إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون) [32] .

انحراف الرافضة في أئمتهم:

وقد بلغ مبلغاً عظيماً، ومن صوره:

أولاً: اختلافهم في تعيين الأئمة اختلافاً متبايناً، كلّ يدعي الحق دون حجة

ولا برهان.

ثانياً: مخالفتهم لأئمتهم، حيث فارقوا أهل السنة والجماعة.

ثالثاً: أن الرافضة لا يهتمون بتمييز المنقولات عن الأئمة، ولا خبرة لهم بالأسانيد ومعرفة الثقات.

رابعاً: كذب الرافضة على أئمتهم:

فلم يقفوا عند حدّ القصور في تمييز المنقولات، وقد عظم كذبهم، لا سيما

على جعفر الصادق، فإنه ما كُذب على أحد مثل ما كذب عليه، حتى نسبوا إليه:

كتاب الجَفْر، والبطاقة، والهَفْت، واختلاج الأعضاء، وجدول الهلال، وأحكام

الرعود والبروق ... وغيرها.

خامساً: اتباع الرافضة لشيوخهم لا لأئمتهم:

فقد مات الأئمة من سنين كثيرة، فأين مهديّهم؟ ! والذين يوجهون الرافضة،

ويطيعهم الرافضة، هم الشيوخ، أو كتب صنفها الشيوخ.

سادساً: سخافة قول الرافضة في أئمتهم:

وماذا حصّلوا من انتظارهم إمامهم المزعوم محمد بن الحسن العسكري إلا

العناء وسخرية العقلاء بهم؟ ! .

سابعاً: زعمهم اختصاص آل البيت بشيء من التشريع، لم يعلم به غيرهم:

ومن ذلك: زعمهم اختصاصهم بمصحف فاطمة، ويكفينا هنا رد علي نفسه

لما سئل: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما كان في كتاب الله؟ قال: (لا والذي

فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن ... ) ،

ولمسلم: (ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافة) [33] .

ثامناً: شرك الرافضة في أئمتهم:

حيث ينسبون إليهم أفعالاً لا تليق إلا بمقام الربوبية، وتأمل هذه القصة: عن

القاسم المطرّز، قال: دخلت على عبّاد الكوفة، وكان يمتحن الطلبة، فقال: من

حفر البحر؟ قلت: الله، قال: هو ذاك، ولكن من حفره؟ قلت: يذكُرُ الشيخ،

قال: حفره علي! ! فمن أجراه؟ قلت: الله، قال: هو كذاك، ولكن من أجراه؟ قلت: يفيدني الشيخ، قال: أجراه الحسين، وكان ضريراً، فرأيت سيفاً وحَجَفَة، فقلت: لمن هذا؟ قال: أعددته لأقاتل به مع المهدي، فلما فرغت من سماع ما

أردت، دخلت عليه، فقال: من حفر البحر؟ قلت: حفره معاوية (رضي الله عنه) ، وأجراه عمرو بن العاص، ثم وثبتُ وعَدَوْتُ فجعل يصيح: أدركوا الفاسق عدوّ

الله، فاقتلوه. [34]

حقيقة مذهب الرافضة:

والحقيقة التي ينبغي أن تُعلم: أن كل ما يدعيه الرافضة لآل البيت، لم يكن

مودة لآل البيت، ولا محبة فيهم! ، فإن القوم قوم بُهت، وأهل كيد وخداع، وإن

وراء الأكمة ما وراءها، ويشهد التاريخ أنهم كادوا للإسلام ويكيدون له؛ فهم قوم

منافقون باطنيون أقصد أهل زماننا من الرافضة،

قال الإمام الدارمي: (حدثنا الزهراني أبو الربيع قال: كان من هؤلاء

الجهمية رجل، وكان الذي يظهر من رأيه الترفض وانتحال حب علي بن أبي

طالب (رضي الله عنه) ، فقال رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه: قد علمت أنكم لا

ترجعون إلى دين الإسلام ولا تعتقدونه، فما الذي حملكم على الترفض وانتحال حب

علي؟ قال: إذن أصدقك أنا، إنْ أظهرنا رأينا الذي نعتقده رُمينا بالكفر والزندقة،

وقد وجدنا أقواماً ينتحلون حب علي ويظهرونه، ثم يقعون بمن شاؤوا، ويعتقدون

ما شاؤوا، ويقولون ما شاؤوا، فنُسبوا إلى التشيع، فلم نر لمذهبنا أمراً ألطف من

انتحال حب هذا الرجل ثم نقول ما شئنا، ونعتقد ما شئنا، ونقع بمن شئنا، فلأن

يقال لنا: رافضة أو شيعة، أحب إلينا من أن يقال زنادقة كفار، وما علي عندنا

أحسن من غيره ممن نقع بهم.

ثم قال: وصدق هذا الرجل فيما عبر عن نفسه ولم يراوغ. وقد استبان ذلك

من بعض كبرائهم وبصرائهم ... ولئن كان أهل الجهل في شك من أمرهم، إن أهل

العلم منهم لعلى يقين) [35] .

معتقد الصوفية في آل البيت:

والصوفية يرون أن آل البيت هم خواص الأمة؛ ومن هنا أتى غلوهم في

الأولياء. وينبغي أن يعلم أن لهم اصطلاحاً في الولاية يخالف اصطلاح أهل السنة، فأهل السنة يعرفون الولي بأنه: كل مؤمن تقي، ليس بنبي.

أما ولي الله عند الصوفية فهو: من اختاره الله وجذبه إليه، ولا يشترط

الصلاح ولا التقوى عندهم، بل هي وَهْب إلهي دون سبب ولا حكمة، وجعلوا

المجاذيب والمجانين والفسقة والظلمة أولياء، وقسموا الأولياء إلى مراتب: الغوث، والأبدال، والنجباء، ولكل منهم تصرف في الكون حسب مرتبته.

والمطلع على حقيقة مذهبي الرافضة والصوفية يجد الأصل واحداً، والغاية

واحدة، كما يجد الاشتراك في كثير من العقائد والشرائع [36] ، وخير مثال على

ذلك ما نحن بصدده، وهو:

1- الإمامة الشيعية والولاية الصوفية:

زعم الرافضة أن أئمتهم مختارون من الله، خُصوا بخصائص دون غيرهم،

ورفعوهم فوق مقامات الأنبياء، وهذا نفسه ما ادعاه الصوفية لأوليائهم، وكما جعل

الرافضة للأئمة مقامات بعد مقام الولاية كالنقباء، وهم وكلاء الإمام ... ، فقد جعل

الصوفية المقام الأعظم للقطب الغوث، ثم الأبدال السبعة، ثم النجباء السبعين ...

2- تقديس القبور وتعظيم المشاهد:

الشيعة أول من بنى المشاهد والمساجد على القبور في الإسلام، وكان ذلك منذ

بداية القرن الثالث الهجري، ولكن بعض خلفاء بني العباس شرعوا يهدمونها ...

ونسج الصوفية على المنوال نفسه؛ فجعلوا أهم مشاعرهم: تعظيم القبور

والأضرحة، والطواف والتبرك بها ...

ولعل من الأمثلة على شدة التقارب بين الفئتين: ما قام به الرافضة في بلد

إسلامي من بناء مسجد عظيم أنفقوا فيه بسخاء على مقام (السيدة زينب) ، وهو من

المقامات التي أنشأها الصوفية، بل صار مزاراً عظيماً للرافضة! ! ويكفي في بيان

التقارب: أن التشيع ما دخل إفريقيا في العصر الحديث إلا عن طريق الصوفية

التي كانت ضاربة أطنابها في إفريقيا ولا زالت، بل إن دولة العبيديين (الفاطميين)

كانت تسعى لنشر التشيع والرفض، وما أراد العبيديون أصلاً بإنشاء الأزهر إلا

ليكون معلماً للرفض، ومركزاً لنشر تلك العقيدة المزيفة، ولكن الله رد كيدهم، ولما

سقطت دولتهم على يد صلاح الدين، الذي أعاد الله به ضياء السنة، بقي دين

الرفض مختبئاً، واتخذ طريق التصوف أسلوباً وسبيلاً لمحاولة بقائه.

المسلك الثاني من مسالك أهل البدع في آل البيت:

سبهم وتكفيرهم، كما يفعلون مع بقية الصحابة (رضي الله عنهم) ، وهذا

مسلك المارقة الخوارج الحرورية.

والأدلة على تحريم سب الصحابة وآل البيت ظاهرة، وأقوال السلف في

حبس سابّهم وعقوبته متكاثرة، قال (تعالى) : [وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً]

[الحجرات: 12] ، وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتاباً، وقال (تعالى) : ... [وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ] [الهمزة: 1] ، وقال (تعالى) : [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ

وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُّبِيناً] [الأحزاب: 58] ، والله

(تعالى) قد رضي عن الصحابة رضاءً مطلقاً، فقال: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ

المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ]

[التوبة: 100] ، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن

التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً.

وقال رسول الله: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي

بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه) [37] . وقد

فصل ابن تيمية في الصارم المسلول حكم ساب الصحابة بعد أن نقل نقولاً كثيرةً

عن العلماء، وهناك جملة من أنواع سب الصحابة مما يعدّ ناقضاً من نواقض

الإيمان [38] ، وهي:

1- أن يسب الصحابة أو جمهورهم، سبًّا يقدح في دينهم وعدالتهم؛ كأن

يرميهم بالكفر، أو الفسق، أو الضلال.

2- أن يسب صحابيًّا تواتر فضله.

3- أن يقذف عائشة، أو غيرها من أمهات المؤمنين.

وواضح أن هذا السب قاسم مشترك بين الروافض والنواصب! ! .

ولماذا كان السب ناقضاً للإيمان ومكفراً؟

لأن في سب الصحابة (رضي الله عنهم) تكذيباً للقرآن الكريم، وإنكاراً لما

تضمنته آيات القرآن من تزكيتهم والثناء عليهم.

لأن سبهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله (تعالى) ، أو العبث في تلك النصوص

الكثيرة التي تقرر الثناء على الصحابة.

ولأن فيه تنقصّاً وأذى للرسول؛ فهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم.

ولأن سبهم طعن في الدين، وإبطال للشريعة، وهدم لأصله؛ لأنهم هم نقلة

الدين، فإذا طعن فيهم انعدم النقل المأمون للدين.

ونحن نبرأ إلى الله من فعل الخوارج الذين يناصبون الصحابة وآل البيت

العداء، وقتلوا عليًّا على يد ابن ملجم (عليه من الله ما يستحق) . كما نبرأ من

صنيع الروافض وافترائهم وبهتانهم.

وأخيراً: أما وقد ثبت هذا الفضل لآل البيت، فهل يا ترى يناله كل من كان

منتسباً لهذا النسب الشريف كائناً من كان؟ .

إن أصول الشريعة لتدل دلالة واضحة على أن النسب بحد ذاته لا يمكن أن

يكون كافياً لتحصيل تلك المزية والمنقبة وذلك الفضل، إذ لو كان كافياً لنفع أبا لهب

وأبا طالب، إذ لا بد أن ينضاف إليه الإيمان والعمل الصالح؛ فإن النسب وحده لا

يعني حصول العصمة، ولا سقوط التكاليف.. هذا أمر.

وأمر آخر وهو: أن القرب من النبي كما أنه تشريف، فهو تكليف أيضاً؛

فإن الله (تعالى) ضاعف الأجر لأزواج النبي وهنّ من آله وبيّن لهنّ مضاعفة

العقوبة، وهذا من خصائصهن (رضي الله عنهن) لعظم قدرهن؛ لأن قبح المعصية

تتبع زيادة فضل الآتي بها، قال (تعالى) : [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَاًتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ

مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (?) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ

لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً] ... [الأحزاب: 30، 31] ، فلما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا؛ صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع.

إذن: فالفضل الوارد لآل البيت إنما يستحقه المؤمنون منهم، المتبعون للسنة، وهم الذين ندين لله (تعالى) بحبهم، والاعتراف بفضلهم، وموالاتهم، ومعاداة من

عاداهم.

أما الواقع المشاهد لبعض المنتسبين لآل البيت، من الذين بدلوا وغيروا

وحرفوا، وصاروا دعاة للضلالة، ناصرين للبدعة، محيين للشرك الصراح،

موالين لأهل الكفر، أما هؤلاء فلا حب لهم ولا كرامة، فإنهم لا يعتبرون من آل

البيت، بل حقهم الكراهية والبغض والبراءة والعداوة، كما هو مقرر في باب الولاء

والبراء، فتسري عليهم أحكام الشريعة، كما تسري على غيرهم، في حين أن

الأمر في حقهم أشد وأقبح؛ فهم يسيئون إليه، ويؤذونه وآل بيته (رضي الله عنهم) ، لكن أفعالهم الشنيعة، وأعمالهم البشعة لا تغض من قدر آل البيت شيئاً، بل

قدرهم عند أهل السنة محفوظ، لا يزيله تحريف غالٍ، ولا انتحال مبطل، ولا

تأويل جاهل.

إن كثيراً من أولئك الدجاجلة الأفاكون استغلوا نسبتهم لآل البيت، وصدقوا

معتقد الرافضة وغلاة الصوفية في أئمتهم، فادّعوا العصمة لأنفسهم وصاروا دعاة

على أبواب جنهم، ينشرون البدع والضلال والكفر والشرك الأكبر! .

ألا فليعلم أولئك، والمغترون بهم، والسائرون في ركابهم، أنهم ليسوا على

شيء؛ فإن الله (تعالى) ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ولا سبب، إلا سبب

الإيمان والعمل الصالح، وإن النبي لا يغني عن أحد شيئاً، ولو كان أقرب قريب،

ولو كان نافعاً أحداً لنفع أباه، وقد قرر ذلك أعظم تقرير وأوضحه، ولكن القوم في

غيهم يعمهون. عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: لما أنزلت هذه الآية: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] [الشعراء: 214] دعى رسول الله قريشاً، فاجتمعوا،

فعمّ وخصّ، فقال: ( ... يابني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب

أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله

شيئاً ... ) . [39]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015