الورقة الأخيرة
بقلم: د. محمد بن ظافر الشهري
في بلد من بلاد المسلمين التي تحتضن ألواناً شتى من البدع، التقيت بأحد
أئمة المساجد ودار بيننا حوار قصير، انتهى بإقرار الرجل بأن ما يفعله أدبار
المكتوبات، إنما هو من البدع المحدثة، ووعد بالعمل على التخلص من تلكم البدعة
بالطريقة المناسبة.
وتمضي الأيام، وأعود للصلاة خلف ذلك الإمام، فإذا به يمارس البدعة ذاتها
التي تحاورنا بشأنها، ويبرر عكوفه عليها: بأن الناس لم يوافقوا على تركها! ! ؛
لقد كان يريد أن يقول بوضوح: دعني آكل (لقمة عيشي) .
لقد كان ذلك البلد فقيراً، ولكن المشكلة لا تخص بلداً بعينه، فالمرض منتشر
بين المسلمين، ولكن حجم (اللقمة) قد يختلف، كما أن الأعراض تختلف من بلد
إلى آخر، فتارة تتمثل في تمرير البدع، وتارة تكون غير ذلك..، وربما خفيت
الأعراض أحياناً.
إن مصيبتنا اليوم لم تقف عند حد (حب الدنيا وكراهية الموت) ، بل وصلت
بنا إلى حد (حب الترف وكراهية الشظف) ، وبذل كل شيء في سبيل هذا الحب
(العذري) الذي قلما يلام عليه العشاق.
وهكذا فلم تعد الضرورات الدنيوية -بل ولا الحاجيات- هي مناط الرخصة
في ارتكاب بعض المحظورات؛ ولكن نوافل التحسينيات اليوم تعد كافية عند فئام
من الناس لتبرير الذنوب.. وربما الموبقات.
كم هو مؤلم أن تفقد حدود الله هيبتها في القلوب إلى الحد الذي توضع فيه
الشريعة الغراء في كفة وتوضع الخميلة والخميصة في الكفة الأخرى، والأدهى
والأمرّ أن ترجح كفة العرض الدنيوي عند كثير من الناس.
لقد رجعت إلى القرآن العظيم فكان جلاءً لما أصابني من حزن، فحمدت الله
(تعالى) وطفقت أتلو قوله (عز وجل) : [مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ]
[الشورى: 20] .