المسلمون والعالم
هل ينجح الصهاينة
في اختراق دول آسيا المسلمة؟ ! !
بقلم:محمد بن عبد الله السرحان
شهدت الآونة الأخيرة بعد مؤتمر مدريد بين الكيان الصهيوني ومنظمة
التحرير ودول المنطقة تحركات واسعة ونشاطاً محموماً من جانب الكيان الصهيوني
على صعيد انتزاع الاعتراف بوجوده وشرعية احتلاله للأراضي الإسلامية في
فلسطين، مع العمل على فتح باب العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع
أكبر عدد من دول العالم، كما تضمن هذا التحرك التأكيد على علاقاته واتصالاته
السابقة مع بعض الدول التي كانت قد اتسمت بالسرية والتكتم خلال الفترات
الماضية وتطويرها بحيث تأخذ الشكل العلني.
وقد ركز يهود بشكل ملحوظ على الدول الآسيوية المسلمة التي ظلت طوال
الفترة الماضية تنأى بنفسها عن السقوط في مستنقع الاعتراف بكيانهم أو الاتصال
بمسؤوليه، وذلك في محاولة من جانب الصهاينة لاختراق هذا التجمع الإسلامي
الكبير وإنفاذ الخطط والمؤامرات بين أبنائه.
واليوم، وبعد أن نجح الصهاينة في إسقاط (منظمة عرفات) وبعض الأنظمة
الأخرى في حبائلهم ... هل يمكن أن يكون ذلك مبرراً لتحقيق مايصبون إليه
ويتمكنون من ولوج بوابة آسيا المسلمة واختراق دولها؟
وهل يمكن أن يصبح ذلك الأمر مسوغاً مقبولاً من جانب هذه الدول الإسلامية
لفتح أبوابها أمام الاجتياح الصهيوني؟ !
هل انتهى الصراع الإسلامي الصهيوني؟ !
من المعروف أن الصراع الإسلامي/الصهيوني الذي يمتد بطول تاريخ الإسلام، والذي اتضح بجلاء منذ عام 1948م، والحروب التي دارت بين الطرفين خلال
هذه الفترة الزمنية قد أثرت على علاقة الكيان الصهيوني بالعديد من دول العالم
بشكل عام، وأغلقت في وجهه أبواب الدول الإسلامية بشكل خاص؛ حيث كان
ينظر إلى إقامة أي علاقات أو اتصالات من أي نوع وعلى أي مستوى من جانب
تلك الدول على أنها خيانة عظمى للقضية الإسلامية وذنب لايُغتفر، حتى قام
(السادات) بزيارته الشهيرة للقدس التي دفع حياته ثمناً لها بعد ذلك وما أعقبها من
توقيع اتفاق (كامب ديفيد) ، ثم تطبيع العلاقات المصرية / الصهونية، ومن هنا
أخذت الحجب والحواجز تتداعى حتى سقطت أخيراً بسقوط (المنظمة العرفاتية)
بُعيد المؤتمر المسمى بـ (مؤتمر مدريد) الذي باركته الدول العربية، وتوقيع
الاتفاقية التي يطلق عليها (غزة أريحا أولاً) وبذلك ظن الصهاينة حاولوا إيهام
الآخرين بأنه لم يعد هناك مبرر لأي من الدول العربية والإسلامية لمواصلة
مقاطعتها لهم بعد أن اعترف الطرف (الفلسطيني) بالأمر الواقع، ورضي بما منحوه
إياه من حكم ذاتي منقوص.
وقد يصدق هذا الظن أو تنطلي تلك الحيلة على الدول الإسلامية إذا ما كانت
قد لجأت إلى هذه المقاطعة من قبيل المجاملة للشعب الفلسطيني الذي اغتصبت
أرضه وشرد من بلاده، أما إذا كانت هذه الدول تنظر للقضية بالمنظور الإسلامي
الصحيح، وتعي الدور المناط بها في العمل على استرداد الأراضي الإسلامية
المحتلة حتى آخر شبر منها، وتخليص الأقصى (الأسير) فتلك قضية أخرى لايؤثر
فيها رضا عرفات وزمرته أو عدمه، بل ولارضا أحدٍ كائناً من كان، ومن هنا فلا
يمكن اعتبار الصلح الصهيوني / العرفاتي مبرراً بحال من الأحوال لأي دولة من
دول العالم الإسلامي للاعتراف للمعتدي الغاصب بما غصبه من أراضٍ إسلامية
وتشريد شعب مسلم وانتهاك حرماته ليل نهار، وتدنيس المقدسات الإسلامية.
آسيا المسلمة.. اهتمام خاص:
وعلى ضوء الخطة الصهيونية إياها بدأ يهود تحركهم باتجاه الدول المسلمة في
آسيا؛ نظراً لأهمية هذه الدول في تلك المنطقة من العالم وماتحوزه من إمكانات
اقتصادية وبشرية كبيرة؛ ولكونها من أعضاء (منظمة المؤتمر الإسلامي) فهذا في
حد ذاته يمثل نوعية خاصة في نظر الصهاينة، هذا بالإضافة إلى تراجع النفوذ
الصهيوني في آسيا بشكل عام إذا ماقارناه بنفوذهم في إفريقيا التي كانوا قد
اخترقوها منذ زمن بعيد، وأقاموا علاقات قوية مع العديد من دولها، ونجحوا في
التغلغل خلالها بأشكال شتى، وبسطوا نفوذهم الاقتصادي والأمني والعسكري فيها
بشكل كبير، بالإضافة لدول أوربا وأمريكا التي دانت لهم غالبيتها منذ عصور
طويلة مضت، بل والتي تعد منشأهم الحقيقي، ولم يبق الدور إلا على آسيا بدولها
الإسلامية العديدة، فلم يجد الصهاينة فرصة أنسب من هذا التوقيت لبدء تحركهم
الجديد في هذا الاتجاه، وقد حفزهم ذلك إلى أن وصلوا إلى إقامة علاقات مع
(146) دولة من دول العالم حتى الآن، (55) منها أقامت هذه العلاقات بعد انعقاد
(مؤتمر مدريد) و (20) دولة أخرى بعد التوقيع على اتفاقية (غزة أريحا) قبل
عامين.
آلية التحرك الصهيوني:
ولقد أثر عن الطريقة الصهيونية في مجال إقامة العلاقات مع الدول الأخرى
خاصة التي تمنعها ظروفها من إقامة علاقات مباشرة أو علنية أن يتم التمهيد بداية
باتصالات غير رسمية مع مسؤولين في هذه الدول، وتبادل عدد من الزيارات قد
تأخذ الطابع التعليمي أو الأكاديمي، أو من خلال مجالات التعاون الاقتصادي
والاستثماري، كما قد يحدث وجود لبعض الشركات الخاصة في البلد المعني، أو
تأسيس مايسمى بمجموعات الصداقة، أو فتح المجال لتبادل زيارات الوفود
السياسية، التي قد تأخذ شكلاً آخر أكثر تطوراً بإقامة اتصالات مباشرة بين
المسؤولين الحكوميين في البلدين، أو تبادل الرسائل بين قمة السلطة في الكيان
الصهيوني والبلد المستهدف، ثم يتبلور كل ذلك بعد حين إلى علاقات رسمية تنتهي
بالاعتراف والتمثيل الدبلوماسي الكامل وتبادل السفراء.
وتشير بعض المصادر الإسرائيلية إلى أن الكيان الصهيوني قد نجح في إقامة
علاقات واتصالات من هذا النوع وعلى مستويات مختلفة مع معظم الدول الآسيوية
فيما عدا باكستان.
خطوات على الطريق:
وسيراً على هذه الآلية فقد حقق الصهاينة خطوات مهمة مع عدد من دول آسيا
المسلمة يمكن حصر التالي منها:
دول آسيا الوسطى:
أَوْلى الصهاينة الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى اهتماماً مبكراً؛ وذلك
نظراً لأن هذه الجمهوريات منذ أن استقلت عن الاتحاد السوفيتي وإلى الآن لم
تتبلور توجهاتها الأيديولوجية بشكل واضح يمكن أن يحدد هويتها بشكل نهائي،
وعلى الرغم من أن بعض هذه الدول قد انضمت لعضوية (منظمة المؤتمر
الإسلامي) إلا أن عزلها مدة سبعين عاماً (فترة الاحتلال الشيوعي) عن الإسلام
والعالم الإسلامي قد قضى على الروح الإسلامية فيها إلا القليل مع مراعاة أن معظم
قادة وحكام هذه الدول حتى اليوم هم من بقايا الحكم الشيوعي السابق، وبيئة كتلك
أنسب ماتكون لبسط الصهاينة نفوذهم فيها؛ حيث لن تجد لذلك أي مقاومة تذكر
سواء على الصعيد السياسي أو الشعبي، ويبرهن ذلك نسبة النجاح الكبيرة
والسريعة التي حققها الصهاينة في محيط هذه الدول، وقد تأكد ذلك من خلال
الزيارة التي قام بها (إسحاق رابين) شخصياً لاثنتين من هذه الدول والترحيب الذي
لاقاه من المسؤولين فيهما، والمباحاثات (الإسرائيلية الكازاخية) في جمهورية
كازاخستان والاستفادة من الخبرات الكازاخية في المجال النووي، واستقبال طلاب
كازاخ للدراسة في (الكيان الصهيوني) ، كما أن هناك العديد من رجال الأعمال
الصهاينة قد توغلوا خلال هذه الدول الست مستعينين بخبرات رجال (الموساد) في
أنشطتهم الاقتصادية وتحركاتهم السياسية، ثم كان أن نجح الصهاينة في اقناع
جمهورية (قيرغيزستان) بفتح سفارة في القدس المحتلة.
إندونيسيا:
لما كانت أندونيسيا هي أكبر الدول الإسلامية من حيث الكثافة السكانية، ولها
اعتبار كبير في منطقة شرق آسيا، وهي عضو مهم في (منظمة المؤتمر الإسلامي)
فقد دفع ذلك الكيان الصهيوني للإقدام على طرق أبوابها التي فتحت بدورها لزيارة
رئيس الوزراء (رابين) الذي أجرى محادثات مع الرئيس (سوهارتو) وأعقب ذلك
تعميق العلاقات بين البلدين (على المستوى غير الرسمي حتى الآن) .
ماليزيا:
قام الأمير (عبد الله عبد الرحمن) شقيق ملك ماليزيا ومدير أكبر الشركات
الاستثمارية هناك بزيارة لتل أبيب في سابقة هي الأولى من نوعها، وعلى الرغم
من أن الزيارة قد أخذت مبررات تجارية إلا أنه قد التقى خلالها بكل من إسحاق
رابين ووزير الخارجية شامير، الأمر الذي اعتبره المراقبون خطوة واسعة على
طريق العلاقات بين البلدين، وقد تزامنت هذه الزيارة مع توقيت رسالة بعث بها
رابين إلى رئيس الوزراء الماليزي (مهاتير محمد) التي تُعد الرسالة الثالثة بين
رئيسي وزراء البلدين، كما أوردت بعض التقارير استعداد الحكومة الماليزية
استيراد تقنية إسرائيلية متقدمة بأسعار أرخص مما تعرضه الدول الأخرى! !
تركيا:
قامت رئيسة وزراء تركيا (تانسو تشللر) بزيارة للكيان الصهيوني والتقت
بالمسؤولين فيه وذلك بعد مباحاثات طويلة جرت بين الطرفين تتعلق بتصدير مياه
من تركيا للكيان الصهيوني، والعديد من التصريحات لمسؤولين صهاينة بضرورة
تعاون الطرفين في مجال مكافحة مايسمونه بخطر (الأصولية الإسلامية) ! !
الملاديف:
وهي من الدول الأعضاء في (منظمة المؤتمر الإسلامي) ومع ذلك فقد سمحت
لأول مرة لحاملي الجنسية الإسرائيلية بالدخول إلى أراضيها وزيارة المناطق
السياحة المطلة على المحيط الهندي فيها.
بنجلاديش:
قام عضوان في (البرلمان) البنجلاديشي بزيارة للكيان الصهيوني التقيا خلالها
بمسؤولين كبار في وزارة الخارجية وهي الزيارة الأولى لمسؤولين من بنجلاديش
وفاتحة لم تسبقها أي خطوات على هذا الطريق.
أوجه أخرى للاختراق:
هذا ويجدر أن نشير إلى أن محاولات الصهاينة لاختراق دول آسيا المسلمة
والسيطرة على المسلمين في هذا الجزء المهم من العالم لم تقتصر على محاولات
الدخول من الأبواب وإقامة العلاقات مع حكوماتها فحسب، بل أخذ أشكالاً مختلفة
عن ذلك في مواقع أخرى ليشمل: إذكاء الفتن بين المسلمين، ومحاولة حصار
العمل الإسلامي المتنامي، وإجهاض تحركات الإسلاميين في بعض الدول الآسيوية.
ففي (أفغانستان) التي غدت تعوم على بحيرة من دماء أبنائها؛ نتيجة لتأجج
الصراع على السلطة بين زعمائها، يسعى الصهاينة من خلال جهاز استخباراتهم
(الموساد) وعملائه إلى بث المزيد من الفتن وإطالة أمد التناحر بينهم؛ لإراقة أكبر
قدر ممكن من الدماء المسلمة، والتخلص من أكداس الأسلحة المتوفرة على أراضيها
وعدم التمكين لقيام حكومة إسلامية فيها قد تشكل خطراً يوماً ما على وجودهم، أو
نشر الفكر الجهادي بين المسلمين، وهو ماكشفه (الجنرال حميد جل) رئيس جهاز
المخابرات الباكستاني السابق في حديثه لإحدى المجلات العربية.
وفي (الفلبين) التي يشكل مسلموها (12%) من سكانها، ويتجمعون في
جزيرة واحدة من جزرها الثلاث، ويحملون السلاح في وجه حكومتها الصليبية
الحاقدة على الإسلام، لتخليص بلادهم من احتلالها وفرض هيمنتها عليها وهي
تشهد هذه الآونة تنامياً إسلامياً كبيراً ونشاطاً جهادياً، قام وزير (دفاع!) الكيان
الصهيوني مؤخراً بزيارة لـ (مانيلا) التقى خلالها مع كبار المسؤولين في الحكومة
الفلبينية، وتمخضت المباحاثات بين الجانبين على أن يتعاونا فيما بينهم لمواجهة
المجاهدين المسلمين الثائرين، والتصدي للمد الإسلامي هناك، وتزويد الحكومة
الصليبية بأسلحة ومعدات وخبرات عسكرية وأمنية لهذا الغرض.
قبل السقوط!
وأخيراً وقبل أن تسقط دول آسيا المسلمة وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى
السقطة الأولى والأخيرة في مستنقع العلاقات مع بني صهيون، والوقوع في
مخططات وحبائل أحفاد القردة والخنازير، نذكر هذه الدول بأن الصراع بين
المسلمين والصهاينة لم ينته بعد، ولم يتغير من مقوماته شيء، فلا زالت حتى هذه
اللحظة الأراضي الإسلامية في فلسطين المحتلة وغيرها تئن من وطأة بني صهيون، ولازال الأقصى (أولى القبلتين ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
أسيراً بأيديهم النجسة، ولا يزالون يسومون مسلمي فلسطين سوء العذاب.
وفضلاً عن ذلك فلنسمع لتحذير رب العالمين القائل في محكم كتابه [لتَجِدَنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..] [المائدة: 82] .
كما نذكر هذه الدول بأن يراجعوا آثار الصلح مع الصهاينة على تلك الدول
التي قطعت شوطاً في هذا المضمار ومادفعوه ثمناً لتطبيع العلاقات من انتشار
الجواسيس، ورجال الاستخبارات الصهاينة، ومافي ذلك من تعريض أمن وسلامة
هذه الدول وشعوبها للخطر، ونشر الأوبئة الفتاكة التي تصدر جراثيمها عمداً عبر
شحنات المنتجات الغذائية لهذه الدول في إطار مايطلق عليه التبادل التجاري، إلى
نشر المخدرات والعملات النقدية المزيفة والفساد الخلقي والأمراض الجنسية المهلكة
بين الشباب المسلم الذي يعول عليه بالعودة للأمة إلى سابق مجدها.
إن تلك الخطوات المتلاحقة للسقوط لدى بعض الدول الإسلامية لتحمل في
طياتها خطراً عظيماً وشراً مستطيراً على الإسلام والمسلمين، وقد بات من
الضروري أن تراجع هذه الدول موقفها قبل أن يصيبها الندم في وقت لاينفع فيه
الندم.