المسلمون والعالم
(2)
نظرات في مواقف المنظمة الدولية
والمتنفذين فيها تجاه الأمة الإسلامية
بقلم:عبد العزيز كامل
إذا أراد المرء أن يبحث لحضارة الغرب (بشقيها الرأسمالي والشيوعي) عن
مرآة تعكس مواقفها وحساباتها الجماعية في منطقتنا العربية والإسلامية، فلن يجد
مرآة أصدق وصفاً، ولا أصفى شفاً وكشفاً من (الأمم المتحدة (؛ فإنها كانت ولا
تزال المعبّر عن مواقف وحسابات الدول الكبرى فيما يتعلق بقضايا الأمة الإسلامية، وسواء أكانت العلاقة بين تلك الدول الكبرى هي علاقة التحالف والانسجام، كما
كان الأمر بعد خروجها منتصرة في الحرب العالمية الثانية، أو كانت علاقة تنافس
وصدام؛ كما حدث طوال حقبة الحرب الباردة؛ فإن لمواقفها جميعاً أوصافاً متشابهة
وقواسم مشتركة تجمعها العداوات القديمة والحديثة ضد دول وشعوب العالم الإسلامي، فالأمم المتحدة ممثلة في قادتها الخمس الكبار، لاينتظر ولايتوقع منها غير ذلك،
فروسيا والصين (الشيوعيتان) وانجلترا وفرنسا (الاستعماريتان) وأمريكا الطامحة
في ميراث الجميع.. ماذا ينتظر منهم حيال قضايا وهموم وآمال العالم الإسلامي،
الذي تناوبوا جميعاً عبر عقود طويلة خلت على استغلال ثرواته واحتلال أراضيه،
وإذا كان الواقع هو أفصح الأدلة في إظهار الحقائق، فإن واقع الإجماع الأُممي
بقيادة تلك الدول على إضعاف العالم الإسلامي يبدو الحقيقة الأبرز مثولاً والأكثر
بروزاً في واقعنا المعاصر. وإلا، فبالله كيف نفسر بقاء العالم الإسلامي المكون من
أكثر من ثمانين دولة (جُلها أعضاء في الأمم المتحدة (محروماً تحت مظلتها من أي
وزن أو ثقل عالمي مؤثر: سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً.. أو حتى إعلامياً..!
هذا العالم الذي يضم أكثر من ربع سكان الأرض، ويتحكم في أغنى وأهم وأخطر
مناطق الدنيا، والذي يشغل مساحات واسعة تزيد على أربعين مليون كيلو متر مربع، ممثلاً بذلك أكثر من ربع اليابسة..، هذا العالم المؤهل للسيطرة على أهم مراكز
النشاط والاتصال بين القارات الثلاث المهمة: آسيا وأوروبا وإفريقيا؛ لإشرافه
على طرق الملاحة المهمة فيها. هذا العالم الإسلامي المتمتع بشتى المناخات
والبيئات، والحاوي في جوفه من كنوز الأرض ما يصل إلى ثلاثة أرباع احتياطي
النفط في العالم، وأكثر من ثلث احتياطي الغاز الطبيعي.. إضافة إلى ثرائه وتراثه
البشري الضخم المتعدد الإمكانات والكفاءات.. إن هذا العالم الإسلامي اليوم على
اتساعه من أقصاه إلى أقصاه؛ ليست فيه دولة واحدة متقدمة بالمعنى الحديث للتقدم
ولم يُمكّنْ من أن تكون فيه دولة واحدة كبرى، أو تكون فيه دولة واحدة ضمن دول
النادي النووي المتملك لسلاح الردع الأول في هذا العصر، وليست فيه دولة واحدة
تستطيع الاعتماد على نفسها؛ بفعل الحصار التقني في تصنيع السلاح التقليدي،
بل ويا للأسف فإن هذه الدول الثمانين (من ضمن 180 دولة عضواً في الأمم
المتحدة) لا تمثل مجتمعة في عالم اليوم وهي تزيد بسكانها على المليار نسمة القوة
الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو.. حتى الخامسة بل كلها في عداد ما يسمى (العالم
الثالث) أو (العالم النامي) وهو اصطلاح مهذب يقصد به أصلاً: (العالم المتخلف) !
الذي نصطلح الآن على تسميته: الأمم غير المتحدة..
إننا نرى كذلك حصاراً اقتصادياً رهيباً على العالم الإسلامي، لايقل ضراوة
عن الحصار السياسي أو العسكري، يدل عليه أبلغ دلالة أنه ليست في هذا (العالم
الثمانيني) دولة واحدة تدخل في عداد الدول الصناعية السبع، أو التسع، أو العشر، تلك التي تنتج صناعات ثقيلة أو تتميز في ابتكار وإنتاج الصناعات الإلكترونية
الخفيفة! بل إن أكثر دول العالم الإسلامي تعتمد على غيرها في توفير ما تحتاجه
من دقيق الخبز، أو تستجدي المعونات من غيرها بعد أن تدفعها أقساطاً من
استقلالها وكرامة شعوبها.
فإن قال قائل: هذا الواقع الذي تتحدث عنه صحيح، ولكن مسؤوليته لا تقع
على دول التآمر الخارجي فحسب، بل على التخاذل والتخلف الداخلي في جلّ بلاد
المسلمين كذلك، قلنا: نعم، ولكن ... من الذي أنشأ وطور وحافظ على تلك
الأوضاع الداخلية الشائنة والضامنة لمصالح قوى الاستعباد الكبرى؟ ، من الذي
زرع الوهن وغرس التبعية وجند الأتباع وبث الفرقة عبر سنين من الاستعمار
العسكري المباشر، وسنين أخرى من الانتداب ثم الوصاية ثم الحماية ... ثم أخيراً
(الشرعية (الدولية والأمم المتحدة؟ ! صحيح، ما أصدق قول الله [َإنَّ الكَافِرِينَ
كَانُوا لَكُمْ عَدُواً مُّبِيناً] [النساء: 101] .
وقفات مع مسائل مهمة:
وبعيداً عما يمكن أن يعد إجمالاً أو تعميماً، تعالوا نتأمل عدداً من المسائل
المهمة ذات العلاقة بأمة الإسلام، وطريقة تعاطي الدول الكبرى ممثلة في الأمم
المتحدة معها، مثل: موقفها من مسألة الاستعمار، والتسلح، وكذا مواقفها أثناء
وبعد الأزمات الرئيسة التي تعرضت لها بعض الشعوب الإسلامية خلال الأعوام
الخمسين الماضية.
أولاً: موقف الأمم المتحدة من المسألة الاستعمارية:
لم تتطرق مواد ميثاق الأمم المتحدة إلى الحديث عن الاستعمار، إلا في تسع
عشرة مادة من إجمالي مواد الميثاق البالغة (111) مادة، بالرغم من أن الحركة
الاستعمارية كانت لاتزال طاغية في وقت صدور هذا الميثاق.
مما يدل دلالة واضحة على أن تلك المنظمة الدولية لم تتخذ موقفا جاداً تجاه
المسألة الاستعمارية منذ البداية.
والواقع يدل على أن دور (عصبة الأمم) لم يختلف عن دور وريثتها (هيئة
الأمم) في موقفيهما من الاستعمار (على الأقل في الفترة التي سبقت احتدام الحرب
الباردة) فعصبة الأمم كانت قد ابتدعت نظام (الانتداب) لمعالجة: الأوضاع القانونية
للمستعمرات التي كانت خاضعة للدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى (خاصة
تركيا وما كان يتبعها من بلاد الإسلام) ، ثم أدخلت الأمم المتحدة بعض التعديلات
على نظام الانتداب وأسمته نظام (الوصاية) ، وقررت أن يسري هذا النظام على
المستعمرات التي كانت خاضعة للدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية. ورجح
ميثاقها كفة المصالح الاستعمارية على كفة الشعوب المستعمرة، وتمثل ذلك عملياً
في تمكين القوى الاستعمارية من استغلال الفرصة كاملة في تثبيت أقدامها وضمان
مصالحها في المناطق المستعمرة تحت زعم تهيئة الشعوب وإعدادها لتكون قادرة
على حكم نفسها بنفسها، وكانت هذه فرصة ذهبية للدول الاستعمارية، استغلتها
أبشع الاستغلال؛ حيث أثبت الواقع بعد ذلك أن تلك الدول لم تغادر تلك المناطق إلا
بعساكرها تاركة الشعوب المستعمرة في حالة من التبعية الذليلة، أو الفوضى
المستمرة التي تسمح بالتدخل كلما لاحت فرصة، وساعد على هذا الموقف أن
بريطانيا (زعيمة الاستعمار القديم (كانت لاتزال قوية، بل كانت شريكة للولايات
المتحدة وروسيا في تحقيق انتصار الحلفاء الذي تُوّج بإنشاء الأمم المتحدة، وقد أدت
عوامل كثيرة بعد ذلك ليس منها (ميثاق المنظمة) إلى تحول في شكل الاستعمار
ومضمونه، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية عزمت على وراثة وتحديث
الاستعمار القديم الذي كانت تقوم عليه دول عدة، منها: انجلترا وفرنسا وأسبانيا
والبرتغال وبلجيكا وجنوب أفريقيا، ونجحت أمريكا في إلهاب المشاعر ضد
الاستعمار القديم، وعمل الاتحاد السوفييتي (سابقا) في المجال نفسه، وسار على
الضرب ذاته كجزء من استراتيجية لإضعاف المعسكر الأوروبي الغربي وتفتيته
وحرمانه من عمقه الاستراتيجي والاقتصادي، وكذلك أراد أن يخطب ود الشعوب
المستعمرة؛ على أمل أن تصبح جسراً لبناء النفوذ خارج منطقة (حلف وارسو (،
ثم ألقت كلا القوتين: الاتحاد السوفييتي (السابق) وأمريكا بثقلهما في الأمم المتحدة
لتشجيع حركة التحرر من الاستعمار القديم؛ لتقتسم القوتان بعد ذلك العالم كله
وتقسمه إلى معسكرين متقابلين: المعسكر الشيوعي الشرقي، والمعسكر الرأسمالي
الغربي، ثم ها هو الزمان يدور دورته ويسقط أحد المعسكرين الحديثين، وتنفرد
الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم: بقيادة الأمم المتحدة والأمم غير المتحدة.
ثانياً: موقف الأمم المتحدة من مسألة التسلح:
اهتمت الفقرات التي تناولت الحديث عن نزع السلاح في ميثاق الأمم المتحدة
بالكلام عن تنظيم التسلح بين الدول الكبرى ... كان هذا أمراً طبيعياً؛ لأن للدول
المبرمة للميثاق أوثق الصلات بالسلاح وبقوة السلاح وجاء في المادة الحادية عشر
للميثاق: إن للجمعية العامة أن تنظر في التعاون لحفظ السلم والأمن الدوليين فيما
يتعلق بنزع السلاح وتنظيم التسليح. وبعد التوقيع بالأحرف الأولى على هذا
الميثاق، وبعد أقل من شهرين على إبرامه قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلقاء
قنبلتين ذريتين: إحداهما على مدينة هيروشيما اليابانية في 6أغسطس1945م،
والثانية على مدينة (نجازاكي) في 9أغسطس 1945م، ويبدو أن الولايات المتحدة
أرادت بذلك أن تطبق عمليا ما فهمته من دعوى الأمم المتحدة إلى نشر السلم والأمن
الدوليين! وبعد عام أي في سنة 1946م شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة
تابعة لها أطلقت عليها (لجنة الطاقة النووية) تدعو إلى ضمان استخدام الطاقة
النووية في الأغراض السلمية، ولكن: بعد دخول بقية الدول الكبرى النادي النووي
لم تطبق دعوة الأمم المتحدة بحزم إلا على الدول غير الكبرى وبخاصة الدول
الإسلامية، بل إن العديد من الدول غير الكبرى سمح لها بتملك السلاح النووي؛
لأنها غير إسلامية مثل الهند وجنوب إفريقيا ... وإسرائيل!
إنك إذا أردت أن تبحث عن سبب للسماح (لعباد البقر) بتملك السلاح النووي
في الوقت الذي لايسمح فيه بذلك أبداً لجارتها المسلمة (باكستان) ، أو أردت أن
تبحث عن سبب للسماح لدولة واحدة غير إسلامية في القارة شبه الإسلامية (إفريقيا) ، إذا أردت البحث عن ذلك فلن تجد إلا سببا واحداً هو: الإصرار الدولي تحت
مظلة الأمم المتحدة على إبقاء المسلمين بمجموعهم رهن الإذلال النووي في قارات
العالم، مرة من عبّاد البقر، ومرات من النصارى، ومرة أخيرة من اليهود.
والويل ثم الويل لمن أقدم أو أعلن أو نوى السعي إلى تملك هذا السلاح من
القادة المسلمين، أو حتى المتسمين منهم بأسماء المسلمين.. إن الأمم المتحدة
ستكون له بالمرصاد. ولنعط لمحة موجزة عن أقرب التهديدات النووية إلينا: إنه
التهديد اليهودي الذي نما وترعرع تحت سمع وبصر (الشرعية الدولية (! وقد بدأت
إسرائيل وفرنسا في زمن متقارب (في أوائل الخمسينات) مساعيهما نحو برنامج
للتسلح النووي، هذه بالتجسس وسرقة الأسرار، وتلك بالتقنية ورصد الأموال.
وكان شمعون بيريز (صقر السلام) ! في طليعة المؤيدين لهذا المشروع،
وكان فريق الفيزيائيين والعسكريين، يعملون فيه تحت إشرافه، وبلغ التعاون بين
فرنسا وإسرائيل ذروته قبل حرب السويس عام 1956م بأسابيع معدودة، ولما
حدثت الحرب واحتل اليهود أجزاء من سيناء، أرادت الأمم المتحدة التدخل بإرسال
قوات تشرف على الانسحاب بعد وقف القتال، فاشترط (بن جوريون (رئيس
وزراء إسرائيل في ذلك الوقت أن يسمح لإسرائيل ببناء مفاعل نووي في أراضيها، وبالفعل استمر التعاون بين فرنسا وإسرائيل بعلم الولايات المتحدة، ومن ثم
بإقرار ضمني من الأمم المتحدة، ثم جاءت الثمرة: مفاعل نووي إسرائيلي في
(ديمونة) بمنطقة النقب، هو كالتوأم للمفاعل النووي الفرنسي، بل إن فرنسا
أظهرت امتنانها لإسرائيل أكثر حتى قال (جيمومولييه) رئيس فرنسا في ذلك الوقت
أثناء مقابلة مع شمعون بيريز وجولدا مائير: (إنني مدين لكم بالقنبلة.. إنني مدين
لكم بالقنبلة) ثم انتقل بعد ذلك التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن (بن
جوريون) طلب منها أن تمد مظلتها النووية فوق إسرائيل، ولم يأت عام 73 الذي
حدثت فيه حرب أكتوبر إلا والمفاعل النووي الإسرائيلي قد أنتج أكثر من عشرين
قنبلة نووية، ومن المعروف أن هذه الحرب لم تنته إلا بعد أن هددت (جولدا مائير)
باستخدام القنابل النووية، موجهة الإنذار إلى العرب وأمريكا إذا لم تسارع بإقامة
جسر جوي لإمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي تحتاج إليها لخوض حرب شاملة
طويلة المدى، وعندها فقط أوقفت الحرب واكتشف العرب أنهم يحاربون أمريكا لا
إسرائيل وحدها كما قال السادات ولم ينتصف عقد الثمانينات إلا وقد تمكن اليهود من
صنع مئات الرؤس الحربية النيترونية القادرة على إهلاك أكبر الأعداد من البشر
في مقابل أقل دمار في الممتلكات.
وفي سبتمبر 1988م، أطلقت إسرائيل أول قمر صناعي لها إلى المدار
الجوي، فخطت بذلك ختطوة واسعة نحو استخدام الصواريخ العابرة للقارات مما
شجعها على تهديد باكستان علناً إذا أصرّت على المضي في السعي لإنتاج (القنبلة
الإسلامية) كما سماها الغرب. وفي عام 1992، وعندما استخدم صدام حسين
صواريخ (سكود) ضد إسرائيل في مظاهرة دعائية نصبت إسرائيل على الفور
منصات صواريخ متحركة مزودة بأسلحة نووية ومصوبة نحو العراق ظناً من
إسرائيل بأن صواريخ صدام قد تكون مزودة بأسلحة كيمائية سامة وأعطى شامير
أوامره حسب ماذكر (سيمور هرش) في كتابه (الخيار شمشون) باستخدام السلاح
النووي إذا دعت الضرورة. ولما انتهت الحرب ووضعت أوزارها في مدريد لم
ينس شامير أن يصطحب في جعبته ورقة التهديد النووي ضد العرب ... وإلا ...
إن اليهود لايزالون يواصلون أبحاثهم المكثفة لإنتاج أجيال جديدة من القنابل
النووية التي تعمل بأشعة الليزر، والتي تمثل قفزة نوعية أخرى في مجال الإرهاب
الرسمي على مستوى الدول.
هل لاتزال الأمم المتحدة ووسيطها النشيط (أوكيس) بجولاته المكوكية إلى
بغداد لا تعرف شيئاً عن ترسانة اليهود النووية والكيميائية التي لم تشر إليها في
جمعيتها أو مجلسها أو محكمتها ولو بقرار شجب أو إدانة أو حتى مشاعر
قلق؟ ! ...... وللحديث بقية.