منتدى القراء
بقلم:عبد الله بن محمد السويلم
إن من أخطر ما يصاب به العقل البشري لوثة الهوى وعدم التجرد، فَتُحكّمَ
العاطفة وتهب العاصفة حتى تختل الموازين وتنعدم الرؤية، ولقد حذر ربنا الكريم
المنان من الهوى، وبين خطره الذي قد يصل إلى حد العبودية [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إلَهَهُ هَوَاهُ] [الجاثية: 23] ، وقد أثر عن أحد السلف أنه قال: (والله الذي لا إله
غيره، ما تحت أديم السماء أخطر من هوى متبع) ، وقال أبو الدرداء (رضي الله
عنه) : (إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعلمه وعمله، فإن كان عمله تبعاً لهواه
فيومه يوم سوء، وإن كان عمله تبعاً لعلمه فيومه يوم صالح) ، وكثيراً ما تظهر
الأهواء عند هبوب رياح الفتن فيأخذ العقل إجازة، وتُبعد مقاييس الشرع إلا من
رحم ربك، ولذا: سمى علماء السلف هؤلاء الذين يندفعون وراء العواطف بدون
مقياس من نقل أو عقل: أهل الأهواء.
ولخطورة الهوى على العقل البشري والعلم الشرعي جاءت النصوص من
الوحيين ببيان ذلك؛ قال الله (تعالى) : [فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ
أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ
الظَّالِمِينَ] [القصص: 50] .
ومن الملحوظ اقتران الضلال باتباع الهوى: [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ] [الجاثية: 23] ، وفي الآية السابقة: [وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ] ، ولذا: فمن أعظم مطالب المؤمنين الهداية إلى
صراط الذين أنعم الله عليهم، والنجاة من طريق المغضوب عليهم المتبعين لأهوائهم
والضالين عن الحق.
سئل أحد الحكماء عن الهوى، فقال: هوانٌ سُرقت نونه. فأخذ ذلك شاعر
فصاغه بقوله:
نون الهَوَانِ من الهوى مَسْرُوقة ... فإذا هَوَيْتَ فقد لقيت هَوَانا
ويقول سهل بن عبد الله التستري: (هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك) .
وقال وهب: (إذا شككت في أمرين ولم تدر خيرهما، فانظر أبعدهما من
هواك فأته) .
ما أحوج المسلم الداعية في هذا الزمن إلى التجرد من الهوى، والاحتكام إلى
ميزان الكتاب والسنة؛ ففيهما الهدى والنور، والفلاح والسعادة، وأن يتسلح بسلاح
الإيمان والعلم، مبتعداً عن الهوى والتعصب، متمثلاً بهذه الأبيات لابن القيم (رحمه
الله تعالى) :
وتَعَرّ مِنْ ثَوْبَينِ مَنْ يَلْبَسْهُما ... يَلقَ الرّدَى بِمذَلّة وهَوانِ
ثَوبٌ مِنَ الجهلِ المرَكّبِ فَوْقَهُ ... ثَوبُ التّعَصبِ بئستْ الثَوبَانِ
وتَحلّ بِالإنْصَافِ أفخرَ حُلّةٍ ... زِينَت بها الأعْطَافُ والكَتِفَانِ