خواطر في الدعوة
محمد العبدة
إذا لم يكن صاحب الفكر إداريّاً، أو صاحب الإدارة مفكراً، فالحل الواقعي
المناسب أن يقع التعاون والمشاركة، فهذا هو الأجدى والأجدر لمن رُزق الإخلاص
والصواب، والبشر متفاوتون في الطاقات والإمكانات، وقلما يتيسر اجتماع مواهب
كثيرة في شخص واحد، وإذا كان أهل الإدارة في واجهة العمل، فإن من وراء ذلك
أهل العلم والتخطيط، كما أن الغدد الداخلية في الجسم هي التي تمده بالطاقة وتنسق
أعماله الظاهرية، ولذلك تلجأ المؤسسات بل والدول للجمع بين هذين الصنفين.
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) في الأمور العامة والكبيرة: أن (دين
الإسلام: أن يكون السيف تابعاً للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان
السيف تابعاً لذلك: كان أمر الإسلام قائماً..) [1] ، وقد استنبط هذا من قوله
(تعالى) : [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَاًسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ] [الحديد: 25] ، ويقصد
بالسيف أهل الإدارة والتنفيذ.
ولا مانع أن نستعير هذه القاعدة لتكون في المؤسسات العلمية أو الدعوية،
حتى لا ينفرد الإداري الذي ليس له باع في العلم أو القضايا الفكرية بقرار لمؤسسة
علمية أو دعوية، وما لم يتم اللقاء والمشاركة بين هذين الصنفين فستبقى أمورنا
عرجاء شوهاء، وسيأتي أناس يرتجلون ويتخبطون في الإدارة.
إن ابتعاد أهل الفكر والعلم عن القرار والحل والعقد هو الذي جعل بعض
الناس يعتادون على عدم المشاركة، وربما يعتبر هذا نقصاً في شخصيته، وربما
يكون جاهلاً فلا يحب أن يطلع على جهله أحد، وقد يعتبر بعضهم وجود أهل الفكر
والعلم من باب الزينة، فلا بأس بوجودهم ليقال أن عندنا أناساً من أهل العلم،
ولكن ليس لهم يد في القرار.
لقد ابتعد المسلمون عن هذا الذي يذكره ابن تيمية، ونسوا مع طول الزمن
أهمية العلم والعلماء، بينما نجد أن المؤسسات الكبرى والدول في الغرب تعتمد
اعتماداً كبيراً على النخبة المثقفة، وعلى المتخصصين من أهل الفكر في دراسة
واتخاذ القرار، وعلى التخطيط بعيد المدى لسياساتهم وكافة القضايا الاجتماعية
والاقتصادية، هؤلاء المفكرين لا يسمع بهم أحد لأنهم ليسوا في الواجهة، ولكن
بحوثهم ودراساتهم هي التي تساعد على اتخاذ القرارات.