الورقة الأخيرة
د. محمد بن ظافر الشهري
هناك من يقف مشدوهاً أمام ممارسات الأمم المتحدة التي تبدو متناقضة لأول
وهلة، فهي تارة تضرب على يد المجرمين بيد من حديد، وقد تعمد في سبيل هذا
الهدف النبيل إلى حصار الشعوب المغلوبة على أمرها، وذلك لأمور، منها: أن
موت بعض الشعوب رحمة، وأن النظام المجرم سيسقط لا محالة إذا مات الشعب
عن بكرة أبيه، وقبل هذا وذاك: يعد هذا العمل الإنساني مبرراً بقاعدة الشر يعم
والخير يخص..!
وتارة أخرى تبدو الأمم المتحدة مطية للمجرمين وسوطاً في أيديهم، فهؤلاء
الصرب يأسرون جنود بطرس، ويسرقون منهم المدفعية والمدرعات! ! ،
ويقتحمون سراييفو في زي الجنود الفرنسيين المسروق بالطبع! ! ، وينهبون
قوافل الإغاثة التي كانت الأمم المتحدة تنوي إيصالها إلى المسلمين.. إلى غير ذلك
من الأعمال التي وصفها المسؤولون في الأمم المتحدة بأنها استفزازية.. وقد تحلت
الأمم المتحدة حيال ذلك كله بضبط نفس لم يعهد له مثيل إلا في مواقفها المشرفة في
فلسطين والشيشان وطاجكستان وكشمير والفلبين و..
إن ما يوهم التناقض في مواقف الأمم المتحدة هو الذي حدا بكثير من البسطاء
إلى اتهام هذه الهيئة بأنها غير ذات مبدأ.. وقد يشط بعضهم فيستشهد بما قيل
للحجاج بن يوسف حين فر من وجه غزالة الخارجية:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر؟!
والحق الذي لا ريب: فيه أن هذه الهيئة ذات مبدأ ثابت منذ تأسيسها، وما
هذه المفارقات في المواقف من جرأة الأسد وقوته إلى جبن الأرنب وضعفه إلا دلائل
على اطراد منهجها ورسوخه.
وإذ كان الدور الذي تمثله الأمم المتحدة على مسرح البوسنة قد وصل إلى حد
الابتذال والإسفاف، فذلك لأنها عرفت حال النظارة وأمنت من قدرتهم على النقد.
ويبدو أن النظارة لن يغيروا ما بأنفسهم قريباً.. ولكن الآمال تتزايد في أن تهتز
خشبة المسرح ذاتها لتجهض هذه المسرحية المسخ.. نسأل الله أن يحقق عاجلاً هذه
الآمال.. إنه سميع مجيب..