متابعات
صالح السالم
كتب الدكتور محمد الوهيبي عن النفاق في عددين من مجلة (البيان) هما
(81 - 82) فأجاد وأفاد، فجزاه الله خيراً.
ومشاركة في بيان منشأ النفاق وأصله، أقول:
لم يكن للنفاق ذكر في مكة قبل الهجرة، ولم ينزل فيه شيء فيما أعلم من
القرآن المكي؛ فقد كان المسلمون مستضعفين لا شوكة لهم فلم يوجد المسوّغ لأن
ينافقهم أهل مكة، بل يمكننا القول: إن النفاق لم يكن من أخلاق العرب، وإن الذي
وجد في مكة هو خلاف النفاق ممن كان يظهر الكفر مستكرها وهو في الباطن مؤمن، وحينما قربت وفاة أبي طالب طلب منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرّ
بكلمة التوحيد ليحاج له بها عند ربه، فلم يقلها ولو في الظاهر مجاملة لابن أخيه.
ولما حدثت الهجرة ودخل الإسلام في بيوت أهل المدينة بقي منهم أناس لم يرد
الله أن يطهر قلوبهم، فشرقوا بالإسلام ووجدوا بعد بدر أنه لا مناص من إعلان
الإسلام في الظاهر ليسلموا وليبقوا على مراكزهم في قومهم، وفي سيرة ابن هشام
قال: وانضاف إليهم [أي: اليهود] رجال من الأوس والخزرج ممن كان على
جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك بالإسلام واتخذوه جنة عن
القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود [1] .
فعلى هذا: كان نفاقهم مجاراة لإخوانهم من اليهود [وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ
الكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ... ] [آل
عمران: 72] أي: قال اليهود بعضهم لبعض: آمنوا أول النهار نفاقاً ومكراً
وتلبيساً على الضعفاء من الناس، فإذا كان آخر النهار فارجعوا إلى حقيقة أمركم من
الكفر والتهود، فتبعهم على ذلك ضعاف النفوس فنافقوا مثلهم، وتعلموا منهم التقلب
والتلون، وسلكوا مسلكهم وصاروا [وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خلَوْا إلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ] [البقرة: 14] .
فعلى هذا: فالنفاق من تعليم اليهود ومكائدهم، ومنشأه منهم؛ فهم الذين كانوا
قبل ذلك يظهرون متابعتهم لموسى وتمسكهم بالتوراة مع أنهم يبدلون كلام الله
ويغيرون الأحكام ويكتمون الحق ويحرفون الكلم عن مواضعه. فصلة المنافقين بهم
صلة قوية، صلة الحميم بحميمه والأخ بأخيه، صلة الدفاع والحماية والمشاركة في
السراء والضراء [أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإن قُوتِلْتُمْ
لَنَنصُرَنَّكُمْ ... ] [الحشر: 11] مع أنهم ليسوا من اليهود في ديانتهم ولا منهم في أصولهم، وإنما يجمعهم الهدف المشترك وهو الكيد للإسلام فيتوالون عليه [أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] [المجادلة: 14] .. وبعد ذلك انتشر النفاق في المدينة وما حولها من الأعراب، وجاءت التحذيرات منه، وتوالت فضائح المنافقين في القرآن الكريم.
وذكر الكاتب في آخر المقال بأن الرافضة صنف من المنافقين لا يزالون عبر
التاريخ يظهرون العداوة للأمة.
فأقول: نعم، هذا دليل من الواقع على نفاقهم، ودليل آخر هو: ما ذكره
شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث قال (رحمه الله) : فإن أساس النفاق الذي بني عليه
هو الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله عن المنافقين
أنهم: [يَقُولُونَ بَأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ..] [آل عمران: 167] ،
والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل
البيت الذين برأهم الله من ذلك [2] ، وقد ذكر في مواضع كثيرة من كتابه منهاج
السنة أن الرافضة أكذب الأمة؛ من ذلك قوله: وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية
والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف [3] ، وقوله: والمقصود هنا: أن
العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل
القبلة [4] .
فأصل النفاق من اليهود وأصل الرفض من اليهود؛ فمؤسس مذهب الرافضة
هو ابن سبأ [*] اليهودي المنافق الذي دخل في الإسلام ظاهراً وبقي على يهوديته في
الباطن، لذلك ذكر الشيخ مشابهة الرافضة لليهود من وجوه عديدة، فقال: قالت
اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في
ولد علي، وقالت اليهود: لا جهاد حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من
السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد
وينادي مناد من السماء اتبعوه.. واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم
وكذلك الرافضة ... [5] .
وذكر كثيراً من أوجه الشبه بينهم، بل إن أكثر الأمور التي خالفوا فيها أهل
السنة هي من تعاليم اليهود، ونحن نسمع أدعيتهم في المطاف وغيره يثنون على
الله بما أكرم به موسى أكثر من ثنائهم على الله بما أكرم به محمداً؛ وذلك لأن هذه
الأدعية أخذت من أدعية اليهود، ومع ذلك فهم يتشدقون بإعلان البراءة في موسم
الحج من أمريكا وإسرائيل كذباً وزوراً وتضليلاً للناس، وإلا فهم إخوانهم وتلاميذهم.
ومن هنا: يتضح أن الثلاث الأثافي اليهود والنفاق والرفض تحمل قِدراً واحداً
يغلي حقداً وعداوة وبغضاً وكيداً للإسلام والمسلمين، فهل يتنبه المسلمون لذلك؟ ! .
تتمة:
قد ذكر الكاتب أن النفاق الأصغر (العملي) قسيم النفاق الأكبر (الاعتقادي) .
لكنني أذكر بألا ننسى أن النفاق العملي إذا استحكم في الإنسان أدى به إلى النفاق في
القلب، فعلى هذا: فهو سبب من أسبابه وليس قسيمه فقط؛ يقول (جل وعلا) :
[فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ]
[التوبة: 77] .
فلنحذر جميعاً من النفاق والمنافقين حتى لا نقع في أحابيلهم.. والله من وراء
القصد.