تأملات
في مسيرة الحركة الإسلامية في اليمن
بقلم:عبد الله أحمد ناصر
الحلقة الأولى
وصلنا هذا المقال من الأخ الكاتب، وهو نقد موضوعي فيما نحسب فضلاً
عن أنه من أساليب النقد الذاتي للحركة الإسلامية الذي نحرص عليه، وفي الوقت
نفسه: نرحب بأي تعقيب موضوعي يلتزم بأدب الحوار ممن يهمه الأمر.. والله
نسأل للجميع التوفيق والسداد..
- البيان -
بين آونة وأخرى يدعو قادة الحركة الإسلامية في اليمن إلى دراسة تجربتهم،
والتأمل فيها، واستلهام ما فيها من جوانب مضيئة ومشرقة، واستجابة لتلك
الدعوات المتكررة: أسلط في هذه المقالة الضوء على مسيرة الحركة الإسلامية في
اليمن منذ قيام الوحدة اليمنية إلى اليوم، وسأكتفي ابتداءً بالتأمل في مسيرة الإخوة
المنضوين تحت لواء التجمع اليمني للإصلاح، نظراً لكونهم الأكثر عدداً وقدرة
والأقدم تنظيماً في الساحة اليمنية المعاصرة على أمل أن تتبعها مقالة أخرى عن
مسيرة الإخوة الذين لم ينضووا تحته، على أنى لا أعتبر اليقظة الرافضية في اليمن
والمدعومة من إيران وأنصارها، والتحرك الصوفي النشط والمدعوم من بعض
رجال المال والأعمال في الداخل والخارج جزءاً من الحركة الإسلامية في اليمن،
نظراً للانحراف الكبير والبعد الشديد لأصول الرافضة ومبادئ الصوفية ومجانبتهما
لما كان عليه سلف هذه الأمة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، بل أعتقد أن
الرافضة والصوفية خطران من الأخطار المحدقة باليمن، وأن الواجب على كل
غيور محاربتهما بقدر المستطاع.
وأعتقد أن حركة عريقة التاريخ، واسعة الانتشار، متعددة الإنجازات،
يصعب دراستها وتقويمها من شخص واحد، وخلال مدة قصيرة، وفي مقالة
صحفية، بل يتطلب ذلك توافر جهود عديدة ونظرات كثيرة يكمّلُ ويسدد بعضها
بعضاً، ولكني خشيت أن لا يتحقق مثل ذلك، فرأيت أن أطرح ما لدي مستعيناً بالله
(تعالى) ، فما لا يدرك كله لا يترك جله.
وليس لي ابتداءً من هدف إلى إبراز الجوانب الإيجابية في مسيرة الحركة
الإسلامية في اليمن إلا دعوة العاملين في الساحة الإسلامية إلى الاستفادة منها
واستثمارها، كما أنه ليس لي من هدف من إبراز سلبياتها إلا دعوة الأحبة
المقصودين بالأمر أن يعملوا على تجاوزها وتلافيها، على أن ما سيتم طرحه من
آراء سواء أكانت حول الإيجابيات أم السلبيات مما لاعلاقة له بالثوابت الإسلامية:
صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب، وليس من هدفي
وعلام الغيوب ذكر العيوب للتشفي والتجريح والانتقاص لحبيب من الأحباب أيّاً كان
وضعه، وأيّاً كان انتماؤه، وكل ما في الأمر: الاقتناع بأن خير وسيلة لتصحيح
مسيرة العمل الإسلامي هى: النقد من الداخل، والنقد البناء لا الهدام، لأن أي فئة
إسلامية مهما كان فضلها، ومهما علت رتبتها لاتسلم من النقص والخطأ، وليست
الإشكالية في الوقوع في الخطأ، ولكن في الاستمرار عليه؛ قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون [1] ومتى تصورت
أي فئة إسلامية نفسها فوق مستوى الخطأ والنقد فذاك الخطل كله، بل هو دليل
العجب والكبر، وعلامة اغترار النفس وخيلائها وشعورها بالكمال ولاكمال، (نسأل
الله (تعالى) لأنفسنا ولإخواننا العافية والسلامة) ومتى وصل الحال بمجموعة تعمل
للإسلام إلى ذلك، فعليها وعلى دعوتها السلام.
وسأعتمد في الطرح على المصارحة ووضوح الفكرة والعبارة، ولن أحرص
على التنميق والمجاملة لعلمي المسبق بسعة صدور إخواني وإحسانهم للظن فيما
أحسب وحملهم للكلام على سلامة القصد وحب الخير.
أولاً: من إيجابيات الحركة الإسلامية في اليمن
منذ قيام الوحدة إلى اليوم:
الإيجابيات (ولله الحمد والمنة) كثيرة وكبيرة، يطول المقام باستعراضها
وتفصيلها، ولا ينكرها إلا جاحد، ولا يماري فيها إلا معاند، ولذا: سأكتفي بذكر
أبرزها، ومن ذلك:
* الانتشار الأفقي الكبير للعمل الإسلامي داخل الشعب اليمني سواء أكان ذلك
في المدن والأرياف من جهة، أوبين سائر طبقات المجتمع اليمني المختلفة مهنية
وقبلية من جهة أخرى، ويبرز هذا الانتشار للمنضوين تحت لواء التجمع اليمني
للإصلاح فيما كان يعرف سابقاً باليمن الشمالي، وفي بعض مديريات محافظتي
(أبين) و (شبوة) فيما كان يعرف باليمن الجنوبي.
* الانتشار الرأسي المتين داخل المؤسسات الرسمية للدولة، مما أدى إلى
الوصول إلى بعض مواقع المسؤولية ومراكز اتخاذ القرار، ومحاولة إفادة العمل
الإسلامي من خلالها تأييداً أو حماية سواء أكان ذلك من خلال مجلس الرئاسة سابقاً، أو على مستوى الوزراء ونوابهم، أو محافظي المحافظات، أو مدراء العموم
والنواحي ... وغير ذلك.
* حماية شباب الصحوة وإلجام غضبهم وكبح جماحهم من الدخول في صراع
مسلح مع أعداء الصحوة الإسلامية من علمانيين بشتى فئاتهم ورافضة وصوفية
وباطنية ومن يسير في ركابهم من أصحاب المصالح والشهوات مع توفر السلاح في
الشارع اليمني ووجود استفزاز شديد وتهييج قوي وبخاصة في بداية الوحدة اليمنية
سواء أكان ذلك على لسان كبار المسؤولين، أو عبر كثير من العلمانيين وعلماء
السوء في وسائل الإعلام المختلفة من: تلفاز، وإذاعة، وصحافة، ومنابر الجمعة، والمنتديات الثقافية والاجتماعية المختلفة.
* إنكار بعض المنكرات الضخمة مع إعطائها بعداً عقدياً، وبخاصة في بداية
الوحدة، كالدستور العلماني الذي قامت على أساسه الوحدة بين الرئيس اليمني وقادة
الحزب الاشتراكي، ومقاطعة الاستفتاء حوله، والمنافحة من أجل إغلاق مصنع
الخمر حتى تم تدميره على أيدي بعض الغيورين أثناء دخول جيش الحكومة مدينة
عدن، وتغلبه على فلول الاشتراكيين والصوفيين ومن سار في ركابهم داخلها.
* حماية وتنمية كثير من مكتسبات الصحوة الإسلامية ومنابرها كالمعاهد
العلمية، ومناهج التربية الإسلامية في التعليم العام، وجمعيات النفع العام والخدمات
الاجتماعية، ومنابر الجمعة، وحرية الدعوة في المساجد والصحف والمجلات
الإسلامية من محاولات السطو عليها أو تحويرها من قبل العلمانيين والرافضة
والصوفية.
* العمل على الوقوف في وجه التغريب والعلمنة في اليمن، ومحاولة
التخفيف من آثار الحملة التي يقوم بها سدنة العلمانية والتغريب في البلاد، سواء
من داخل الحكومة ومراكز التخطيط والتوجيه والإعلام، أو من خلال الأحزاب
السياسية والنقابات المهنية والمؤسسات الصحفية والشبابية والفنية، أو من خلال
مواقعهم داخل جامعتي صنعاء وعدن وكليات التربية ومعاهد المعلمين، أو في
المراكز التنفيذية داخل المحافظات اليمنية المختلفة.
* سبق التيارات العلمانية في الطرح والنزول إلى الشارع اليمني بشرائحه
الاجتماعية والمهنية المختلفة، وبالتالي: حجبها عن احتواء كثير من عامة الناس،
وكسب ولائهم العام للإسلام، وحمايتهم من الوقوف في وجه الإسلام ودعاته، بل
إن الحركة من خلال ذلك السبق في النزول والكسب لكثير من الجماهير:
استطاعت أن تكوّن رأياً عامّاً إسلاميّاً في الشارع اليمني يناصر الإسلام ويحب
دعوته، ويظهر الولاء لشريعته، وينكر الإلحاد والعلمانية بشتى صورها، وقد
ظهر ذلك في التنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، وضرورة الرجوع إلى أحكامها،
ومحاربة كفريات الدستور الذي قامت على أساسه الوحدة اليمنية.
كما أنها من خلال ذلك النزول وذلك الكسب: استطاعت أن تقوي الشعور
بالذاتية الإسلامية والانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس لدى كثير من أفراد الشعب
اليمني، بعد أن حجب بعضهم عن ذلك الجهلُ الشديد بأحكام الدين والتشاغل بالحياة
الدنيا وزخرفها، أو التأثر بأفكار منحرفة قادته من هنا أو هناك.
كما أنها استطاعت من خلال ذلك أن تزرع الأمل في قلوب كثير من أفراد
الشعب اليمني بغد مشرق للإسلام لما يحمل من مبادئ العدل والخير ومحاربة
الباطل والفساد بشتى صوره المختلفة.
* الوقوف في وجه بعض الحملات التنصيرية في اليمن، ولفت أنظار
الشارع اليمني إليها، وإلهاب حماسهم ضدها، مثل: سب الذات الإلهية، وتمزيق
المصحف وإلقائه في أماكن لا تليق، وتنصر شواذ من اليمنيين، وإيصال ذلك إلى
أبواب القضاء واستصدار أحكام فيها، مثل: إغلاق بعض المستشفيات، وطرد
البعثات التنصيرية المتواجدة فيها (لم ينفذ الحكم إلى الآن، ويبدو أنه لن ينفذ) .
* التمكن من توظيف كثير من العامة في بعض الأعمال الدعوية وأعمال النفع
العام، مما خفف بعض العبء على الدعاة من جهة، واستغل بعض طاقات هؤلاء
من جهة أخرى، بالإضافة إلى التمكن من تربية كثير من الشباب على الجرأة في
الحديث وتعويدهم على المواجهة والخطابة.
* محاولة التخفيف من معاناة عامة الشعب من الأوضاع الاقتصادية المتردية
عن طريق ما تقدمه الجمعيات الخيرية التابعة للحركة من مساعدة للفقراء والشباب
على الزواج، وكفالة للأيتام والأرامل، وإقامة لمشاريع المياه، وإفطار الصائمين،
وذبح الأضاحي ... ونحو ذلك، بالإضافة إلى محاولة تخفيف اندفاع الشريك الأقوى
داخل الائتلاف الحكومي في تنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي، وقيامهم من داخل
الائتلاف بمعارضة رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية ورفع أسعار المشتقات
النفطية والكهرباء فوق نسبة 100%، ومطالبتهم بتغيير أعمدة الفساد الإداري
والاقتصادي داخل الحكومة من أجل الوصول إلى إصلاح إداري واقتصادي حقيقي.
* الجهد الكبير المبذول من بعض الدعاة الذين نحسبهم، والله حسيبهم:
صادقين مخلصين مع قلة في ذات أيديهم، وضعف في الإمكانات المتوافرة لهم.
وبذلك كله أنجزت الحركة الإسلامية في اليمن انجازات متميزة متعددة
المجالات، وأصبح حضورها في الشارع اليمني حضوراً فاعلاً، رفع الصوت
الإسلامي الصادق، بعيداً عن المزايدة والتهريج والشعارات التي اعتادها الناس من
الأحزاب العلمانية بمختلف فصائلها، مما جعل كثيراً من العامة والخاصة يلتفون
حول راية الحركة وينصرونها.
ثانياً: من سلبيات الحركة الإسلامية في اليمن
منذ قيام الوحدة إلى اليوم:
إذا كان ما سبق جزءاً مهماً من الإيجابيات التي تحسب للحركة الإسلامية في
اليمن، وهي محل إعجاب وتقدير كل مسلم مخلص مطلع على جهود الإخوة هناك،
إلا أن أي عمل أيّاً كان لابد من وجود بعض السلبيات والعثرات فيه، التي تكون
نتيجة الانشغال بالعمل، وبالتالي: ضعف التخطيط والمتابعة، أو نتيجة وجود
بعض الأخطاء والتوجهات المعينة داخله، وسأحاول الاستطراد فيها قليلاً على
خلاف ما فعلت في الإيجابيات لأهميتها، وحاجة أصحاب الشأن إلى التعرف عليها
لتلافيها، ولعل من أبرز ذلك ما يلي:
* عدم الوضوح في تبني الحركة لمنهج أهل السنة والجماعة:
من الأمور المحمودة في الحركة الإسلامية في اليمن تميزها بنخبة جليلة من
العلماء والأفاضل الذين جمع بعضهم بين الاطلاع الشرعي الجيد، والإدراك العميق
لمقتضيات العصر وضروراته، ولكن بسبب ملابسات اجتماعية معينة، واتساع
الحركة، وكثرة أنصارها، وتنامي اهتماماتها: ضعف اهتمامها بطرح منهج أهل
السنة والجماعة والدعوة إليه، واكتفت برفع شعارات مجملة الكتاب والسنة، ونحن
وإن كنا نقدر هذا الطرح ونعتبره صالحاً للولوج في أوساط الشيعة الزيدية في
الخمسينات والستينات نظراً لقوة شوكتهم في ذلك الوقت، إلا أن الاستمرار عليه
واتخاذه منهجاً وسياسة للحركة إلى هذا الوقت وبالأخص منذ قيام الوحدة إلى الآن
أمر أحسب أنه خاطئ ومرفوض، لأمور من أهمها:
1- سلبياته العديدة، ومنها: عدم تصور كثير من شباب الصحوة لأبعاد
وأصول منهج أهل السنة وإدراكهم له، حتى عند كثير من أولئك الذين ينحدرون
من مناطق سنية، ومايدركه بعض الشباب منه ناتج عن الفطرة التي نشؤوا عليها،
لكن بدون العلم بأن هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، مما سهل على كثير من
أصحاب البدع كالأشاعرة إيهام أولئك الشباب أن ماهم عليه هو معتقد أهل السنة
والجماعة.
2- أن المبتدعة من رافضة وصوفية في كثير من مناطق اليمن المختلفة قد
شمروا عن سواعدهم لتدريس بعض الشباب المنتسبين إليهم انحرافاتهم وبدعهم
بالتفصيل، بل إن بعضهم جارٍ في بناء بعض المراكز العلمية التي تحتوي على
سكن داخلي من أجل تدريس مجموعة من الشباب المحسوبين عليهم، كما أن
آخرين ساعون على قدم وساق لتجديد الأربطة وإحياء المزارات التي يقع فيها من
الفساد والشرك والباطل ما الله به عليم، بينما لاحظت وقد أكون مخطئاً ندرة
تدريس منهج أهل السنة والجماعة لشباب الحركة من خلال كتب أئمة السلف المتفق
على جلالتهم ومن تابعهم في القديم والحديث، ولا أقل من أن تقوم الحركة بتبني
تدريس كتابات أئمة الدعوة الإصلاحية في اليمن في الجوانب العقدية كابن الوزير،
والحسن الجلال، وحسين النعمي، والصنعاني، والشوكاني ... ونحوهم، وتعتبر
نفسها امتداداً لمدرستهم.
3- أن عدم الوضوح في طرح منهج أهل السنة والجماعة أفسح المجال
لبعض الوافدين إلى اليمن والمحسوبين على الحركة الإسلامية في بلدانهم والذين
تتلمذوا على أيدي بعض قيادات التيار العقلاني المعاصر، أو الذين تلقوا العقيدة
على المذهب الأشعري، أو الذين يوجد لديهم بعض الانحرافات العقدية في مسائل
التوسل والاستغاثة والقبور والاحتفالات البدعية المختلفة، من تدريس شباب
الصحوة في المعاهد العلمية وبعض مدارس وزارة التربية، من دون نكير واضح أو
ملاحظة جلية من علماء الصحوة وقادتها.
4- أن عدم الوضوح في طرح منهج أهل السنة والجماعة من قبل الحركة
الإسلامية، وجهل كثير من شباب الصحوة به: أوهم كثيراً منهم أن منهج أهل
السنة هو ماعليه بعض الأفراد والفئات المنتسبة إلى منهج أهل السنة، والتي لاقت
كثيراً من حملات التشويه من قبل كثير من قيادات الحركة، نظراً لاختلافهم مع
أولئك منهجياً أو شخصياً مما سبب لدى كثير من شباب الحركة نفسية رافضة لمنهج
أهل السنة نظراً لربطهم منهج أهل السنة بأولئك الأشخاص المشوهين في أذهانهم،
كما أدى ذلك إلى اعتقاد بعض الشباب أن منهج أهل السنة محصور في الحديث عن
بعض صفات الرب جل وعلا وأنه لا يعني الدين الخالص النقي الذي بعث الله به
محمداً -صلى الله عليه وسلم- بشموله وعمومه.
5- أن في عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة واكتفائها بدلاً من
ذلك بالطرح المجمل مراعاةً لأهل البدع من الرافضة والصوفية وهم حفنة قليلة،
ولم تغير تلك المراعاة من موقفهم تجاه الحركة شيء، وسيستمرون في عدائهم لها
حتى تتبنى ما هم عليه من معتقدات وأفكار منحرفة، ولقد كان من الواجب على
الحركة أن تبين لهم ولعامة الشعب ضلالهم وانحرافهم، هذا من جهة، من جهة
أخرى: فقد خسرت الحركة مئات من الدعاة وطلبة العلم وأعداداً كبيرة من
المتحمسين لمنهج أهل السنة والجماعة في طول البلاد وعرضها، وهي في أمسّ
الحاجة إلى جهودهم وخدماتهم، مما يعني أنها بهذا التوجه قد عملت وبأسلوب عملي
يخالف دعوات قيادتها الشفهية المتكررة على شق صف الدعوة وانقسام الدعاة وطلبة
العلم إلى قسمين أو أكثر.
ولا يعني هذا أنني أدعو إلى المواجهة والصراع المتشنج مع المخالفين، مما
يؤدي إلى فتح جبهات متعددة في الساحة ليس في مقدور الحركة مواجهتها جميعاً في
وقت واحد، ولكن أرى أنه لابد من الوضوح الهادئ في التعامل معهم، والدعوة
الجادة لهم إلى تصحيح مناهجهم بالحكمة والموعظة الحسنة (وما كان الرفق في
شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) وحماية أبناء الحركة بكافة الوسائل
والسبل من التأثر بهم، أو عدم النضج في فهم منهج أهل السنة نتيجة عدم الوضوح
في طرحه.
6- أن عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة، ورفعها للشعارات
المجملة أدى إلى عدم إعطائها للجانب الاعتقادي ما يستحقه من مكانة واهتمام كما
أعطاه إياه الشارع الحكيم، واستمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بنائه في
نفوس أصحابه ثلاث عشرة سنة هي مدة العهد المكي بالإضافة إلى استمرار
الاعتناء به أثناء تنزل التشريع في العهد المدني.
7- أن عدم وضوح الحركة في طرحها لمنهج أهل السنة والجماعة سوّغ
لبعض المهتمين أن يقول بأن الحركة الإسلامية في اليمن المنضوية تحت لواء
التجمع اليمني للاصلاح لا تعمل على نشر الفكر الصحيح، وإنما تحرص على
التوفيق بين الفئات المتواجدة في الساحة اليمنية ذات الأفكار المختلفة، وتحرص
على عدم حدوث صدام بينها لاغير، سواء أكانت تلك الفئات هي السلفية والصوفية
الغالية في الجنوب، أو السلفية والمذهب الزيدي الذي بدأ يميل بقوة إلى الرفض في
الشمال.
هذا، ولعدم وضوح الحركة في تبنيها لمنهج أهل السنة والجماعة سلبيات
كثيرة، إلا أن ذلك لايعني بحال أن الحركة الإسلامية المنضوية تحت التجمع اليمني
للإصلاح ليس فيها أحد من المنتمين إلى أهل السنة والجماعة، أو أن جميع
أطروحاتها الدعوية لا تتوافق مع منهج أهل السنة، بل إنني أؤكد على وجود نخبة
جليلة من العلماء السلفيين الذين نحبهم ونفخر بهم، وقد رأيناهم ينافحون عن منهج
أهل السنة بكل صدق وإخلاص في بعض المواطن، ولكنني أردت حثهم على مزيد
من الاهتمام والعطاء ودعوتهم إلى الحرص على نشر منهج أهل السنة، وتربية
أبناء الحركة وعامة الشعب عليه، مع الوضوح في طرحه وتبنيه والدعوة إليه،
لأن مجرد الطرح العام لا يكفي في كل حال.
* وجود التباس وعدم تميز في صفوف قيادة الحركة:
من غير المستغرب أن ينتسب إلى صفوف الحركة وهي التي دعت الجميع
إلى الانضواء تحت لوائها في التجمع اليمني للإصلاح أهل معاصٍ وفسوق، أو
أهل بدع وانحرافات فكرية، وإن كان الواجب على الحركة تجاه أولئك بيان الحق
لهم والاجتهاد في دعوتهم إلى ترك ما هم عليه من انحراف سلوكي أو فكري.
لكن الأمر الذي ينكر على الحركة الإسلامية في اليمن: أن يكون من قادتها
ومن علمائها بعض أهل البدع من معتزلة وزيدية هم أقرب إلى الرافضة بالإضافة
إلى بعض المتجاوزين لتحكيم النص الصحيح، والداعين إلى تحكيم عقولهم وما
تشتهيه أهواؤهم باسم ما يسمى بمصلحة الدعوة، حتى إنه ليتراءى للمراقب من
خارج الحركة أن زمامها في المستقبل القريب آيل إليهم (نسأل الله ألا يكون الأمر
كذلك) ، ولست أدري كيف يحتمل أهل السنة داخل الحركة الإسلامية في اليمن
وعلماؤهم خصوصاً التعايش مع أولئك من دون أن تكون لهم خطة واضحة على
المدى القريب والبعيد لنصحهم وتعديل مسارهم وبيان انحراف منهجهم لشباب
الصحوة وعامة الأمة حتى لا يغتروا به؟ ! .
ولست أنكر مشروعية الدعوة لأولئك، لكن دعوتهم شيء وتسليمهم كثيراً من
زمام الحركة الإسلامية، واتخاذ القرار فيها، والسكوت على ما هم عليه من منهج
منحرف مغاير لمعتقد أهل السنة والجماعة ومنهجهم شيء آخر.
* تحول قيادة الحركة في الفترة الأخيرة من العلماء إلى الساسة
وبعض مشايخ القبائل:
في بداية إعلان الحركة الإسلامية لقيام التجمع اليمني للإصلاح بعد قيام
الوحدة اليمنية كان المتابع لأطروحات التجمع مثل: كفر الدستور، تحريم الخمر
والدعوة إلى إغلاق مصنعه في عدن، تحريم الربا والدعوة إلى تحويل بنوك الربا
إلى مصارف إسلامية، محاربة إدارة الاقتصاد اليمني بأسس اشتراكية كما نص
على ذلك الدستور، محاربة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات بالمفهوم
العلماني الساعي إلى هتك القيم والضوابط الاجتماعية في المجتمع اليمني وتلاشيها،
محاربة إلغاء الحدود الشرعية والزكاة، محاربة الرشوة والفساد المستشري في
أوساط الدولة، الدعوة إلى تحكيم نصوص الكتاب والسنة والاستدلال بها، محاولة
جمع الدعاة على كلمة سواء ... وغير ذلك كثير: يحس أن خلفها علماء شرع، بل
إن الرموز التي كان لها صولة وجولة باسم التجمع في البداية هم علماء أجلاء
وطلبة علم فضلاء، يعرفهم العامة والخاصة.
إلا أن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن الأطروحات قد أصابها بعض الخلل،
وأن أسهم ما يسمى بالمصلحة قد ارتفعت على حساب النص، فمن تلميع وتزكية
بعض الزعماء السيئين المعروفين بمواقفهم المعادية للحركة الإسلامية ودعاتها،
الذين تتقلب مواقفهم في التعامل مع الحركة الإسلامية حسب قوة وضعف حاجتهم
إليها، إلى وصف بعضهم بالدهاء والفطنة والصدق والشجاعة والشهامة والثبات
على المواقف، متناسين بأنه لو كان الأمر كذلك: لأعلنوا توبتهم من تاريخهم
الأسود، ولقاموا بترك ما هم عليه من علمانية وولاء لأعداء الإسلام في الشرق
والغرب، إلى ضعف إنكار المنكرات المستطاع إنكارها يوماً بعد آخر، إلى ادعاء
أن عبادة القبور والاستغاثة بها من المسائل الخلافية ومن قشور الدين! التي لايجوز
التشاغل بها على حساب الأصول والقضايا الكبرى [2] ، إلى تكرار الاتهام لبعض
الدعاة غير المنضوين تحت راية التجمع بين آونة وأخرى بآيات النفاق وخدمة
الأعداء، ونسبتهم إلى جهات علمانية كالحزب الاشتراكي، أو اتهامهم بالعمالة
لجهات خارجية! ! إلى الزعم بأنه لا توجد أحزاب علمانية في اليمن، لأن قانون
الأحزاب يلزم كافة الأحزاب بأن تعترف بأن الإسلام عقيدة وشريعة، وأن كافة
الأحزاب بما فيها الحزب الاشتراكي وأحزاب البعث والأحزاب الناصرية قد وافقت
على ذلك، إلى حضور بعض زعماء الحركة لبعض المنكرات العامة دون
إنكار [3] ... وغير ذلك كثير.
صحيح أن هذا قد يصدر أحياناً من بعض القيادات باجتهادات فردية قد لا
تمثل الحركة أو مجلس الشورى فيها، لكنها حينما تكون من بعض القيادات الرئيسة
البارزة، وتتكرر في أكثر من مناسبة، فإنها في تقديري لن تفهم إلا بصفتها
الرسمية لا الشخصية.
وبعضهم قد يفعلها من باب التكتيك السياسي ... وهذا قد يقبل بحدود مقبولة،
ولكن الإسراف فيه حتى يصل إلى حد قلب الحقائق تجاوز غير مقبول، وسيكون له
بالتأكيد نصيب كبير في تضليل كثير من الناس داخل الحركة وخارجها.
كما أن الشخصيات التي بدأت تبرز في قيادة التجمع وتتحدث باسمه في الآونة
الأخيرة هم بعض الشخصيات في أمانة المؤتمر، ولجنة الحوار السياسي، وبعض
مشايخ القبائل، بينما بدأ يتضاءل دور العلماء وطلبة العلم، ويضعف صوتهم شيئاً فشيئاً.
وكلنا أمل بأن يسعى علماء اليمن وطلبة العلم الشرعي في الحركة، إلى أن
يستعيدوا دورهم البارز في قيادة الحركة الإسلامية عموماً والتجمع اليمني للإصلاح
بوجه أخص، حتى لا تغرق السفينة، وينفلت العقد، وتقاد الحركة الإسلامية في
اليمن إلى انحرافات عقدية وفكرية لا تحمد.
.. (يتبع)