الآثار النفسية
للفيديو والتلفزيون
ليس بمقدور أحد أن ينكر ما للتلفزيون والفيديو من الآثار السيئة في النفس
الإنسانية، ولو أنصف كل مشاهد لأعلن عما ينتابه من إحساس لدى المشاهدة،
وليس هناك سوى الموتى لا تأثير للتلفزيون فيهم أمامه لأنهم موتى بلا نفوس.
ويقول خبراء شركة "جنرال إليكتريك " إنه بعد نصف دقيقة من المشاهدة
يبدو المخ وكأنه نائم، وهنا وجه الخطورة بالنسبة للتلفزيون، فإذا اعتاد المشاهد
الاستسلام للمشاهدة فإنه يظل مستسلمًا [1] ، وهنا مكمن الخطر فالمخ شبه نائم
وليس بمقدوره أن يدرأ عن النفس ما يوجه إليها ويصبح عاجزًا عن المقاومة فتصب
المعلومات فيه صبًا لتبدو الآثار الجانبية في النفس والعقل.
ومن المؤكد أن هذه الآثار لا تأتي مباشرة عقب صب المعلومات وتغلغلها في
النفس، وإنما تظهر بعد حين نتيجة تضافر برامج أخرى تعمل على تراكم الآثار
التي تأخذ بدورها من جديد بالاندفاع من الداخل نحو الخارج، على صورة سلوك
حركي يترجم التفاعل اللاإرادي المديد الذي يأخذ سبيله إلى النفس على شكل مفاهيم
امتزجت مع الشخصية فأكسبتها بعضًا من ملامحها وأهدافها ولذا فإن تأخر ظهور
هذه النتائج يوهم الكثيرين ويدفعهم للإقلال من الأخطار الناجمة عن ذلك، بل إن
العامة يرفضون هذا الرأي، أو على الأقل فإنهم لا يعتدون به.
والتلفزيون يثير كثيرًا من العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية، فهو يثير
الخيال أو الوهم، فيعيش الإنسان مع خيالاته المستمدة مما يراه على شاشة
التلفزيون أو الفيديو، كما يثير فيه روح التقمص أو التوحد مع من يرى من
شخصيات يعجب بها، أو آراء أو أفعال، كما تجعله يسقط آماله، وآلامه وعقده،
ومخاوفه النفسية على ما يشاهد من مناظر وشخصيات وأحداث، ويشجع فيه أحلام
اليقظة، وفيها يهرب الإنسان من الواقع المؤلم ليحقق رغباته المكبوتة التي عجز
عن تحقيقها في عالم الحقيقة، وفي ذلك نوع من التصريف. وكذلك يقال أنه يشجع
السلبية حيث أن المشاهدة لا تتطلب أي جهل من قبل المشاهد، كذلك فإنها تقدم
الأفكار جاهزة، وقد يتعود على ذلك فيتكاسل حتى عن مجرد التفكير أو النقد أو
التمحيص فيما يرى ويسمع، يضاف إلى ذلك أنه يرى - في حالة التلفزيون
خاصة- أشياء مفروضة عليه ليس له دخل في تصميم برامجها أو وضعها [2] .
التلفزيون وأحلام اليقظة:
يمكننا اعتبار مشاهدة التلفزيون نوعًا من أحلام اليقظة، وهى أحلام لا تعود
إلينا بل لشخص آخر في مكان بعيد مع العلم أنها تعرض على شاشة داخل عقولنا.
فالعيون الثابتة المحدقة في الشاشة الصغيرة تكاد تكون الحاسة الوحيدة العاملة من
حواسنا، ومع ذلك فإنها تتجاهل الصور وهي تصب داخل مناطق اللاوعي في
عقولنا، وقد بينت المئات من الدراسات العلاقة المباشرة بين حركة العين والتفكير.
فعملية جمع المعلومات بالنظر تتطلب أن يكون المشاهد يقظًا نشطًا، لا أن يتقبل
كل ما يجري أمامه بطريقة سلبية، وهناك دراسات تثبت أنه عندما تكون العينان
ساكنتين أو محدقتين بطريقة مخيفة فالتفكير يكون مضمحلاً تمامًا، كما يقول جيري
ماندر [3] فربما دخلنا في العصر الذي تحشى فيه المعلومات مباشرة في العقل
الباطن عند الجميع.
وأكثر المشاهدين يشعرون بمثل هذه الأحلام التي يبدو أنها تجمح بالخيال،
فتتوزع الصور المتركبة من المشاهدات المتتالية ذات الموضوع الواحد أو المتقارب، بل باستطاعة هذا الخيال أن يؤاخي بين الصور المتناقضة ليؤلف بينها، ويجعل
منها مادة تصلح لإطلاق أحلام اليقظة على غاربها، بعيدًا عن الواقع وهروبًا من
المسؤوليات [*]