مجله البيان (صفحة 1895)

الورقة الأخيرة

الخروج عن النص

د. محمد البشر

(توظيف الكلمة) وسيلة قديمة قدم الأمم والحضارات البائدة التي جاء ذكر

بعض منها في القرآن الكريم، والتعبير القرآني عن (توظيف الكلمة) جاء بسياق

قصصي مختلف، فقد تحدث القرآن في غير موضع عن الكيفية التي لجأ إليها

الطواغيت في تضليل الأمة ومخادعة الرأي العام.

فقد قال فرعون في محاولته وأد الحركة الإصلاحية والتعتيم على الرسالة

السماوية: [ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ

فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] [غافر: 26] ، ومن يقرأ هذه الآية ويتدبر مضمونها ويتأمل

معناها ويعي مغزاها، يدرك أن هذه الآية - كغيرها من آيات القرآن الكريم - لم

تنزل لتحكي عن فرعون بشخصه من أجل الإخبار فقط؛ بل لاستلهام العبرة والتدبر

في المعنى الذي جاء في سياق هذه الآية.

ومن المعاني المستخلصة من ركوب الظالمين مطية الدعوة، وضعهم أعواناً

يفكرون نيابة عنهم، وينطقون بألسنتهم، ويُحَسِّنون صورتهم، وتتنوع وسائلهم

بحسب ما هو متوفر عندهم، ولن ندخل في تحليل تاريخي من أجل بيان الفرق بين

ماهية الوسيلة التي لجأ إليها فرعون في محاولته إيصال رسالته إلى قومه - التي

ذكرت في الآية الكريمة السابقة - وبين الوسيلة الإعلامية المعاصرة من حيث القوة

والنفاذ والسطوة والتأثير، فالعبرة بالمعنى المراد وليس بالكيفية التي يتحقق بها هذا

المعنى.

ولذلك نقول: إن معنى أن يتحول الظالم إلى داعية للإصلاح هو معنى يتجدد

في كل زمان ومكان، لكن الفارق الجوهري بين الماضي والحاضر هو أن الوسيلة

الإعلامية المسلطة على شعوب هذا الزمان قد نجحت وتفوقت بشكل مذهل في نقل

هذا المعنى والترويج له، وأدى القائمون عليها الدور الذي قضى بهم بكل دهاء

ومكر خرج في أحيان كثيرة عن (النص) المكتوب الذي قضى مُعدوه سنين عدداً من

أجل وضع استراتيجية فاعلة لهذا السيناريو الذي تكبدوا من أجله كل العناء.

وبعد ذلك كله يخرج الإعلاميون عن النص بعد أن خامرت عقولهم نشوة

(الانتصار) بما يزيفونه، حتى أوجعوا الأمة بضربها في عقيدتها ودعوتها، وكل

ذلك (وعين الرضا عن كل عيب كليلة) .

فضل صوم ست من شوال.

أخرج الإمام مسلم في صحيحه. عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال.

كان كصيام الدهر)

(صحيح مسلم ج2 ص 822)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015