المسلمون والعالم
العلاقات السودانية الإرترية
ودوافع التعكير
د/بلال محمد
لقد كان المتوقع من إرتريا الحديثة تعزيز علاقاتها بالسودان، وتنمية علاقاتها
معها، - على الأقل - مع أولويات مرحلة ما بعد الاستقلال، ودفعاً لمعوقات
خطواتها التنموية، ولكن يبدو أن قلق الرئيس النصراني (إسياس أفورقي) من المد
الإسلامي في القرن الإفريقي بعامة وإرتريا بخاصة، أبعده عن اتخاذ القرارات
الصائبة في حل متاعبه الداخلية، وترتيب علاقاته، وتذليل تعرجات المسيرة بالتي
هي أحسن، فآثر الجنوح إلى المصادمة مع الحركة الإسلامية الإرترية بدل المسالمة، وانشرح صدره لسياسات الكبت والقهر، وتكميم أفواه شعبه، وانساق لروح
الكراهية والتعصب المقيت ضد جاره المسلم تآلفا وتضامناً مع الاتجاهات المعادية
للتوجه الحضاري الإسلامي - رغم أن السودان بنظامه الحالي كان عضده الأيمن
في دعم أهداف الاستقلال، والمبادر الأول إلى تقديم العون المادي والسياسي -إذ
أسكت صوت المعارضة دون تفريق بين الإسلاميين وغيرهم! ! . بيد أن ذلك لم
يشبع نهمة (إسياس) ولم يجعله يكف عن شروره، بل راح يكيل للسودان التهم
ويحمله - استجداءً للغرب، وصرفاً للأنظار عن مشكلاته الداخلية - نمو الحركة
الإسلامية الإرترية وتصاعد أنشطتها السياسية والعسكرية، هذا بعد أن كان من قبل
يعزو وجودها -تنفيراً وتشويهاً- إلى الدعم الإثيوبي في عهد منجستو، ثم عزاها
بعد الاستقلال إلى ما زعمه من دعم خارجي! ثم ادعى القضاء على الحركة
الجهادية الإسلامية وإنكار وجودها، ثم أخيراً العودة إلى عزو تناميها - في الآونة
الأخيرة - إلى دعم الحكومة السودانية، وهكذا بقي (إسياس أفورقي) حائراً
مضطرباً في تصريحاته بشأن تزايد ثقل الحركة الإسلامية الإرترية، والوقوف من
كل معارضيه السياسيين مواقف متطرفة دائماً، متثاقلاً عن الحوار بتصعيد حملات
الاعتقال والاختطاف والاغتيال - حتى مع شركاء النضال والتحرر - تحت ذريعة
تطهير الجيش من العناصر المشاغبة والانقلابية [1] ، حيث صفّت أجهزته القمعية
في سبتمبر 1994م عدداً كبيراً من معاقي حرب التحرير الذين خرجوا من
معسكراتهم قرب العاصمة (أسمرا) تعبيراً عن معاناتهم الإنسانية، وتظلماً من
تقاعس النظام وعجزه عن رعايتهم.
والإسلاميون في إرتريا توقعوا من قبل هذه المواقف العدائية من (إسياس)
وحذروا مراراً من خطورة توجهاته الشعوبية، ولذا لم يفاجؤوا بسياساته الاستعدائية، فمن الأهمية بمكان لـ (أفورقي) أن يرى المشروع الإسلامي في السودان وقد
قُوض، وعندها تتحقق أطماع (إسياس) السياسية والثقافية بمنع المسلمين في إرتريا
من سند المقاومة والممانعة، من هنا اندفع (إسياس) نحو الارتباط (بإسرائيل)
واقتفاء أثرها في مكافحة المد الإسلامي الذي يراه خطراً على أمن المنطقة [2] .
وطبقاً لهذا الإحساس، وانطلاقاً من هذا الشعور كان (إسياس) أكثر رؤساء
(إيقاد) [3] ، تفاعلاً مع مشروعها المطروح لحل مشكلة جنوب السودان، والقاضي
بإلغاء النظام الحاكم في السودان وإقامة نظام علماني بدلاً منه شرطاً أساساً
للاستقرار [4] .
وقد حظي هذا المشروع بتأييد ومناصرة منظمة التضامن المسيحي العالمي في
بون ومنظمة الإخاء المسيحية الهولندية [5] ، وتبنته أحزاب العلمنة السودانية،
وسبق أن طرح الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) نظيره عام 1989م أثناء
وساطته بين الحكومة وقيادة حركة (جون جرنج) في لقاء نيروبي [6] .
لكن إصرار الحكومة السودانية على الرفض حمل (إسياس) على الخروج من
طور ادعاء الإصلاح إلى طور العداء المعلن، معتقداً أن ذلك سيحقق له كسباً
سياسياً وثقافياً واقتصادياً، بما يبرهن للقوى الصهيونية على إخلاصه في أداء دور
التخريب المتعمد ضد السودان من بوابته الشرقية، وكان فعلاً قد سبق ذلك بفتح
معسكرات تدريب لعناصر الجنوب المتمردة، وقدم السودان شكواه إلى منظمة
الوحدة الإفريقية متهماً إرتريا بالتعاون مع إسرائيل في تدريب عدد من المتمردين
الجنوبيين [7] .
وبات من المؤكد لدى السودان حسبما نقلته جريدة الحياة عن مصادر سودانية
مطلعة (أن القوات الجوية الإسرائيلية تبني الآن قاعدة قرب مدينة (أومال) في غرب
إرتريا في مكان لا يبعد كثيراً عن الأراضي السودانية، وأنه رصدت حركة
لطائرات هليوكبتر، ولوجود مهندسين وعسكريين من إسرائيل يشرفون على
الإنشاءات المدنية للمشروع) [8] .
هدف أفورقي من هذا الإجراء:
وتهدف هذه الإجراءات إلى عزل الشعب الإرتري عن خلفيته الاستراتيجية،
وإيجاد عداءات لا مبرر لها بينه وبين الشعب السوداني، ووضع حواجز بين
الشعبين للحيلولة دون تعميق الثقافة الإسلامية ولغتها العربية في المحيط الإرتري،
لأن حالة التواصل بين الشعبين ستؤدي حتماً إلى تغلب الثقافة الإسلامية على
سياسات (التجزئة) و (العلمنة ذات الاتجاه الصليبي) لاسيما أن (إسياس) يعزو ذيوع
اللغة العربية في إرتريا إلى جهود معلمين سودانيين في عهد الاستعمار
البريطاني [9] ، ويخشى أيضاً من أن يكون لهم هذا الدور نفسه في بث الوعي الإسلامي حالياً، ولذا: لم يكن غريباً منه أن يصدر قراراً بإبعاد السودانيين المقيمين في إرتريا عقب قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود.
وتَعَمِّد (إسياس) إحداث هذه الوقيعة والقطيعة بين إرتريا والسودان لأسباب
مفتعلة، وبجانب ما يعكسه لنا من استعداده للعمل في معسكر العداء الإسلامي يكشف
لنا من ناحية أخرى لجوءه إلى استخدام وسائل الحرب النفسية لسلب الذات
الإسلامية الإرترية اطمئنانها النفسي، وذلك من خلال التأكيد لها أن بمقدوره
الانقضاض على خلفيتها الإسلامية في السودان كما تغلَّب من قبل وقهر في مرحلة
ما قبل الاستقلال كياناتها العسكرية والسياسية بالتحالف مع (تجراي) امتداده الديني
والثقافي مستغلاً خلافاتها السياسية وانحرافاتها الفكرية، كما أنه على المدى البعيد
يرمي إلى بناء قوة (تجراي تجرنيا) المكونة من إرتريا وإقليم (تجراي) الاثيوبي
والمدعومة من إسرائيل، يكون المسلمون فيها أقلية مقهورة ومعزولة، لاسيما أن
ثمة تقارير سياسية تشير إلى أن إثيوبيا مقبلة على مرحلة من التمزق والتفتت
القومي بما يمنحه الدستور من حق لكل قومية في الانفصال والاستقلال [10] .
وقد كان هذا الهدف مطلباً مطروحاً في الخمسينات في فترة تقرير المصير من
الأب الروحي لنظام (إسياس) : (ولدآب ولدماريام) .
وهذا يتطلب ضرورة إيجاد مناخ مناسب وملائم، ومن ثم لا عجب أن يعكر
(إسياس) صفو علاقات إرتريا مع السودان بتوجهه الإسلامي، ويمتِّن في الوقت
ذاته صلاته بإسرائيل الصهيونية، ويشارك في قمع الإسلاميين بأوجادين، ويؤكد
أهمية ما أقدم عليه من إبرام عقد الكنفدرالية مع إثيوبيا مصرحاً أنها: (إحدى الصيغ
المطروحة للاندماج مع هذا البند..) [11] . دون أن يقول لنا من الذي طرحها،
ومتى.
وعلى كل حال، فإن ما يجري ما هو في نظرنا إلا شرٌ بيِّت بلندن عام
1991م عند البت في المسألة الإرترية عقب سقوط (منجستو) بين الثلاثي المنتصر
(إسياس أفورقي، وملس زناوي، وكوهين اليهودي) .
فاللهم فرق صفوف الأعداء واجعل بأسهم بينهم، وأخرج إخواننا المسلمين
منهم سالمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فرص رمضانية
* كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما
كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً.
(أخرجه البخاري)
* قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (عمرة في رمضان تعدل حجة)
أخرجه البخاري ومسلم.
* (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
أخرجه البخاري ومسلم