الورقة الأخيرة
حسن قطامش
جال بخاطري أن أنظر فيما أوحى به قلم الرافعي من بديع الأسلوب وجميل
الحكم، فرددت بصري فيه ثم توقفت عند هذه الكلمات: إن الحقائق الكبرى
كالإيمان والجمال والحب والخير والحق ستبقى محتاجة إلى كتابة جديدة من أذهان
جديدة. تفكرت فيها، ثم أرجعت البصر في عرض هذه الحقائق اليوم وما نصيبها
من واقعنا، فإذا هي بين أيدي مرتزقة أكالين يدنسونها بمزاعم أوهام التقدم والرقي، وبين حابسين لها في نفوس ملؤها الخوف والتردد من صوغها في قالب الصدق
والموضوعية ولازالت الحاجة قائمة لسبرغور تلك الحقائق والتي تملأ حياة
الإنسان.. في نفسه وأهله ويومه وغده.
إن الإنسان بحاجة إلى أقلام صادقة توجهها عقول ناضجة تدرك حاجاته
النفسية والاجتماعية والثقافية والتربوية، أقلام تحمل همّ هذه الأمة التي تتجاوز
التيارات التائهة في دروب الهوى، أقلام تعرف للكلمة حقها وقوتها وسطوتها
وتعرف لها مكانها وزمانها.
وكم تآذت مسامعنا من أقلام ارتكست في رديء التصورات، وسيء المعاني،
مما أضعف في نفوس الكثير من الناس الأدب، وسار ركب الأقلام الآسنة يستقى
من مداد الرذيلة، ويلون الصفحات بزائف الكلم، ويقدمون الإيمان والجمال والحب
والخير والحق وغيرها من تلكم المعاني الكبار في ثوب زور لُطخ بآسن الأفكار
وزبالة الأذهان.. فأي ضحك على الإنسان.
إن هذه الأقلام العرجاء مهما بدا من حُسن مظهرها واستمراريتها لن تعدم
أصحاب نظر ثاقب يكشفون مرضها وعللها المزمنة.
أما بعض الأقلام الصالحة المنكسرة فلابد لها يوماً أن يستقيم عودها، وذلك
حين تتحرر من وهم الخوف والتردد، لتصبح أذهاناً جديدة لصياغة حقائقنا الكبيرة.