الورقة الأخيرة
محمد سليمان
إن مشكلتنا مع من يسمون أنفسهم بالكتاب (المثقفين) أو (الانتلجنسيا) العربية، أو (التنويريين) وهذا يعني أن غيرهم ظلاميون مشكلتنا معهم أنهم يقفون مع الظلم
والاستبداد، بل مع الهمجية والوحشية عندما تكون ضد المسلمين، والحقيقة أن
هؤلاء ليسوا بمثقفين ولا أصحاب فكر، لأن الثقافة والعلم ستؤدي يوماً ما إلى
معرفة الحق والوقوف بجانب العدل، مع إننا نرى بعض الباحثين الغربيين وهم قلة
على كل حال يتكلمون ببعض الحقيقة التي لا يستطيع أحد عنده ذرة من حياء أو
موضوعية إنكارها.
جاء في حوار أجرته إحدى الصحف العربية مع الباحث الفرنسي (فرانسوا
بورجا) قوله عن النخبة الحاكمة بعد الاستقلال: فالنخبة الاستقلالية انفصلت عن
الغرب سياسياً، ولكن ثقافياً ظلت تتجاهل الأطر المرجعية المحلية، ففي تونس
مثلاً أغلق (الحبيب بورقيبة) المؤسسة التي كانت تعتبر قلب الثقافة الإسلامية في
تلك الفترة، وهي جامعة الزيتونة، وقال جواباً لسؤال حول العنف ومن الذي بدأ
به؟ : في كثير من الأحيان نجد أن العنف بادرت به الأنظمة الحاكمة، وليست الحركات الإسلامية.
ورداً حول ما يقال وإن المد الإسلامي يرجع إلى تدهور الحالة الاقتصادية قال: أنا لا أوافق على هذا التحليل، ولكن أعتقد أن الظروف الاقتصادية تؤثر إلى حد
ما على أسلوب العمل السياسي....
وهذا كاتب فرنسي آخر (جاك فيرجاس) يؤلف أخيراً (رسالة مفتوحة إلى
أصدقاء جزائريين تحولوا إلى جلادين) ، وفي هذا الكتاب يتهم مثقفي الجزائر
ويحملهم مسؤولية ما يجري، ويتهمهم بالتواطؤ مع السلطة، وأن فعل الإسلاميين
كان رداً على عنف السلطة، ويطالب (المثقفين) بتحديد موقعهم بوضوح، هل
يقفون إلى جانب النظام الديكتاتوري أو ينضمون إلى ضحايا القمع..؟ !
هل هذان الفرنسيان أعرف بالمنطقة وظروفها وتقلباتها من بعض المتعالمين
عندنا؟ أم أن شيئاً من الحياد والتعقل جعلهم يتكلمون ببعض الحقائق، بينما نرى
كتابنا (كتاب الصحف والمجلات) الذين يدعون (التنويرية) مازالوا يدندنون على أن
سبب المد الإسلامي هو التدهور الاقتصادي، ويطلبون من الغرب مساعدتهم
اقتصادياً حتى يقف هذا المد.
وإن مما يدعو للشفقة والرثاء أن يطلع علينا (فؤاد زكريا) في مجلة العربي
متأسفاً متحسراً على الأيام الخوالي، أيام طه حسين وأحمد لطفي السيد وسلامة
موسى الذين بدأت بهم حركة (التنوير) ! ومتحسراً على أن الإسلام هو الذي ينتشر
بين صفوف الناس والمتعلمين، وهذا في زعمه تراجع إلى الوراء.
حالة مؤسفة فعلاً أن يكون (المثقفون) العرب بهذا الجهل أو التجاهل.