حوار
د. صلاح الصاوي في حديث شامل
أجرى الحوار / السيد أبو داود
د. صلاح الصاوي الأستاذ بكلية الشريعة جامعة الأزهر.. من الدعاة
المتميزين.. عمل نائباً للأمين العام لهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة
العالم الإسلامي.. ثم مديراً للمركز العالمي لأبحاث الإعجاز العلمي في باكستان ثم
أستاذاً زائراً في معهد العلوم الإسلامية والعربية في واشنطن.. ويعمل الآن مديراً
لمركز بحوث تطبيق الشريعة الإسلامية برابطة العالم الإسلامي.. وله صلات
عديدة بالمنظمات الإسلامية في أوروبا وأمريكا ومختلف أنحاء العالم الإسلامي
تعددت كتبه وتنوعت إلا أن القاسم المشترك بينها هو هموم ومشكلات الصحوة
الإسلامية وكيفية ترشيدها وبصفة خاصة على المستوى العقدي والفكري، ولذا كان
الحوار مع د. صلاح الصاوي مهماً وذا مغزى بحكم هذه الخبرة الواسعة في العمل
الإسلامي.
- البيان -
* الأمة الإسلامية في حالة انكسار وضعف في هذه المرحلة.. وباعتبارك
عشت في أوروبا وأمريكا، وعايشت مشكلات المسلمين هناك واقتربت من مقولات
الغرب.. ما هو الأسلوب الأمثل في رأيك للتعامل مع الغرب؟
إذا كان المقصود بالحوار بسط قضية الإسلام فهذا مما تعبّد الله به عباده في
جميع الأطوار والأحوال سواء أكانت الأمة في حالة انتصار أم في حالة انكسار،
فنحن أمة دعوة ورسالة نبلغها لغيرنا من الناس في جميع أطوارنا وفي جميع أحوالنا
فلا خلاف على بسط قضايانا والدفاع عنها وحشد الأدلة لإثباتها في أي طور وعلى
أي حال كنا، وهذا القدر من القضية يحكمه أيضاً ألا ينكسر حاجز الولاء والبراء
الذي أقامته الشريعة، وجعلته أساساً في التعامل بين المسلم وغير المسلم، وقضية
الولاء والبراء لها قواعد محكمة في دين الإسلام وقد وردت فيها عشرات الآيات
والأحاديث، وفي أزمنة الانكسار يرق هذا الحاجز ويضعف، ويبرز فقه التبرير
الذي تنشئه عوامل الوهن التي تمر بها الأمة من ناحية، ومفاهيم الاختراق
الوافدةمن ناحية أخرى، ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن يقال: إن الولاء والبراء
يحدده الكتاب والسنة لا غير، فمن كان مؤمناً بالله ورسوله بذلت له حقوق الموالاة
كاملة، ومن كان كافراً بالله ورسوله حجبت عنه حقوق الموالاة كاملة، ومن كان
فيه إيمان وفيه فجور أو فيه طاعة وفيه معصية فإنه يأخذ من الموالاة بحسب إيمانه
وطاعته، ويأخذ من المعاداة بحسب ما فيه من معصية، وهذا المعنى ينبغي ألا
ينهزم ولا ينكسر في أنفسنا مهما توالت مطارق المحن والشدائد علينا.
لكن من ناحية السلوك العملي فنحن نفرق بين الموالاة والمداراة فالتسامح
موجود للمسلمين ولغيرهم، والمداراة يلجأ إليها الناس حينما يكونون في حالة ضعف
وانكسار، وطبيعي حينما أكون ضعيفاً ومنكسراً أن لا تطلب مني أن أتصرف
باعتباري قوياً ومتمكناً.
وعندما تكون الأمور على هذا النحو فمنطق التسامح والتآلف وارد ومنطق
الدعوة والاستماتة في الدفاع عن قضية الإسلام وبسط حججه وَرَدّ بعض شبهات
وأباطيل خصومه واردٌ ومهم.
وعموماً فإن علاقتنا بالغرب وبغير المسلمين عموماً علاقة دعوة وعلاقة بلاغ، ونحن أمة دعوة ورسالة وأصحاب الدين الذي ارتضاه الله لعباده ديناً وقد نُسِخَتْ
به الأديان كلها، ونحن نمسك بأيدينا المصحف الذي حماه الله من التحريف والتبديل
على حين حرفت الكتب السماوية كلها فلم يبق على الأرض وحي معصوم إلا القرآن
والسنة، ولم يبق دين يقبله الله ويرتضيه لعباده إلا الإسلام، فبقدر جسامة هذا
الموقع وهذه المسؤولية ينبغي أن تكون أمانة الدعوة وأمانة البلاغ مع المحافظة على
عقيدة الولاء والبراء حتى لا تنكسر هذه الأمة على مافيها من انكسار، وحتى لا
تذوب هويتها في معترك الأفكار والسياسات.
* تختلف فصائل الصحوة الإسلامية في فهم النصوص وفي تنزيل هذه
النصوص على الواقع، ومن هنا تنشأ المشكلات، كيف يمكن في رأيك الخروج
من هذا المأزق؟
يحدث خلط في التعامل مع النصوص الشرعية بين مناط الاستخلاف ومناط
الاستضعاف، فهناك طائفة من النصوص يرتبط تطبيقها بواقع الاستخلاف والقوة
وطائفة أخرى يرتبط تطبيقها بواقع الاستضعاف والغربة. ومثال ذلك الآيات
الواردة في باب الصفح والمغفرة والمداراة وتألف المخالف.. فما ورد في هذا المقام
من آيات أو أحاديث فإنما ترتبط بواقع الاستضعاف والغربة، وما ورد من نصوص
في باب الهجر والزجر والغلظة، فإنما يرتبط بواقع التمكين والقوة، فإذا حدث خلط
فأنزلت النصوص التي ترتبط بواقع الاستضعاف على واقع القوة أو العكس فيحدث
الخلط ويحدث التشويش.
فالنصوص الواردة في باب الصفح والمغفرة وتألف المخالف مثل قوله تعالى:
[قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله] [الجاثية: 14] وقوله تعالى:
[وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون]
[يونس: 121] وقوله تعالى: [واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراْ جميلاْ]
[المزمل: 10] هذه النصوص ترتبط بواقع يعيش فيه المسلمون في غربة، لا قوة
لهم ولا شوكة ولا منعة، فإذا تحول المسلمون إلى واقع القوة والاستخلاف والتحكم
يخاطبون بطائفة أخرى من النصوص كقول الله تعالى: [يا أيها النبي جاهد الكفار
والمنافقين واغلظ عليهم] [التحريم: 9] ، وقوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة] [التوبة: 73] ومن أسباب
الخلط والشطط في وقتنا المعاصر قضية الغفلة عن هذا المعنى.. ومتى حدث هذا
الفصل الذي نرجوه، ينتظم الأمر، ويستقيم المسار بإذن الله.
* في ظل انهيار الحضارةالمادية الغربية.. هل ترى أن مستقبل الإسلام
سيكون نابعاً من بلاد المسلمين أنفسهم، أم من خارج بلاد الإسلام؟
هذه المنطقة هي منطقة الريادة.. منطقة الإسلام.. المنطقة التي بعث فيها
الأنبياء وتنزلت فيها كتب السماء.. وأهلها هم أبناء الأجيال الأولى الذين انتصر
بهم الإسلام ونحن نتمنى أن يشرح الله للإسلام صدورغيرهم، وأن يكونوا مدداً
للإسلام والمسلمين.
* الإعلام الغربي يتحدث دائماً عن الإنسان الغربي على أنه متحضر لا يفرق
بين الناس على أساس ديني.. على عكس الإنسان العربي والمسلم.. فعلى
اعتبارأنكم عشتم وسط الغربيين.. هل هذه المقولة صحيحة؟ بخاصة فيما نراه في
البوسنة وما نراه من تفرقة عنصرية في بعض ديار الغرب؟
الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين الوضوح وبين النفاق.. فقوانينهم ونظمهم
تنص على ما تقول.. وواقعهم في كثير من الأحوال يخالف ذلك مخالفة جذرية،
وحسبنا هذا التطفيف الظالم الذي يقوده ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، والمكاييل
المزدوجة التي يتعامل بها مع العالم الإسلامي.
ولكننا لا نعرف هذا التلون وهذا الخداع.. فظاهرنا كباطننا، ما نعتقده ديانة
نفعله على الملأ ونقيم عليه الحجج والبراهين، وكل من يعيشون على أرض
الإسلام يتمتعون بحقوق كاملة لا يتمتع بعشرها المسلمون المقيمون في الغرب الآن.
فلا يملك المسلم المقيم في أمريكا مثلاًِ أن يتزوج من امرأة ثانية إلا إذا قدم
وثيقة طلاق أمام القضاء الأمريكي، وإلا يعتبر قد ارتكب جريمة قانونية ضخمة
جداً، يحاكم بها، ويطرد من البلاد.
وبعض الناس قد تحتم عليه ظروفه الزواج وهو في ذلك المجتمع الجديد،
ولكن لا يملك ذلك، فهل صادر المسلمون حق غير المسلمين في أن يحتكموا في
مسائل الأسرة إلى قوانينهم عبر 14 قرناً؟ . ولكن في القرن العشرين.. يحجب
هذا الحق عن المسلمين.
ماذا يعني أن يقوم المجتمع الفرنسي ولا يقعد من أجل فتاتين محجبتين فأي
خطورة على الحضارة الغربية والمجتمع الفرنسي من ذلك؟
* هل لك أن تحدثنا عن مدى ارتباط الصليبية العالمية بالنظام العالمي الجديد؟
هذا موضوع متشابك.. لكني أقول: إن هناك صراعاً طويلاً عمره في
الحقيقة خمسة آلاف سنة بين وعدين وعد حق من الله تعالى ووعد مفترى.. كذب
به أصحابه على الله.
اليهود والنصارى اتفقوا على الأسطورة التي تقول: إن قادماً سيأتي وسينزل
في أرض الميعاد، وإنه يجب أن يهيء المسرح لاستقباله، وأن يتعاون اليهود
والنصارى معاً في ذلك، هذا القادم عند النصارى هو المسيح وعند اليهود هو
الدجال، وهناك تناقض جذري بين هذين القادمين.. فاليهود يرون في المسيح
عيسى ابن مريم أنه ابن زنا كذاب دعيّ! ، والنصاري يعتقدون أنه إلههم ومعبودهم، وأن اليهود هم الذين قتلوه، ورغم هذا التناقض الجذري الضخم جداً الذي يفصل
بينهما إلا أنهم استطاعوا أن يتفقوا حول هذه الأسطورة وقالوا نحن نتفق على أن
قادماً سيأتي، وبما أنه سينزل في أرض الميعاد، فيجب أن يكون شعبه قوياً لكي
يتمكن من استقبال هذا القادم.. فالصليبية العالمية تقول نحن نصلي للرب، ونرسل
السلاح لإسرائيل لنهيء المسرح لاستقبال هذا القادم الجديد الذي سيقود العالم قيادة
جديدة.
فتقف الآن اليهودية العالمية والصليبية العالمية في معسكر لاستقبال قيادة جديدة
للبشرية بزعمهم.. وأن هذه هي التي ستغير وجه الوجود كله. والمستهدف في
الناحية المقابلة هو الإسلام وبخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فمحاربة الإسلام
أصبح مشروعهم القومي الذي يجمعون عليه شعوبهم.
إن ما نراه اليوم من مرحلة للسلام، بدأ منذ خمسة آلاف سنة، منذ وعد الله
لإبراهيم وسينتهي عندما يلتقي المسيحان: مسيح الهدى عيسى بن مريم ومسيح
الضلالة الدجال، فيدرك مسيح الهدى مسيح الضلالة في فلسطين فيقتله، ويومها
يسدل الستار عن آخر فصل في هذا الصراع، والذي أخبرنا بذلك هو رسول الله
الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرنا أن المسيح سيصلي خلف
المهدي فقال: (وإمامهم منهم تكرمة الله لهذه الأمة) إشارة إلى أن المسيح لن يأتي
بشريعة جديدة وإنما سيحكم بشريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم يبدأ
مسلسل آخر الزمان وهو كالعقد إذا انفرطت منه حبة تتداعى سائر حباته وتتساقط.
فالقضية هكذا لها أبعاد وجذور دينية قابعة في أعماق مخططي السياسة
وصناع القرار في الغرب، وهو بعد ديني عند اليهود والنصارى نرجو ألا يغفله
المسلمون.
* ما هو دور المنظمات الإسلامية في الغرب لمواجهة هذه المخططات.. وما
الذي يعوقها لتؤدي دورها كما يفعل اللوبي اليهودي؟
أعتقد أن المسلمين يستطيعون أن يؤدوا دوراً كبيراً في هذه المجتمعات أن
يؤثروا بعض التأثير في السياسة الأمريكية إذا شاءوا، وأن يرجحوا مرشحاً على
آخر، وأن يدعموا بعض القضايا الإسلامية، ويمثلوا ضغطاً على صناع القرار
هناك، هذا ليس بمستحيل لكن العمل الإسلامي هناك يعاني من التشرذم أيضاً، لأن
جذوره مهاجرة من الشرق فنقلت معها ما نعانيه في الشرق من تفرق وتشرذم، فإذا
وفقوا في مثل هذه البلاد إلى من يرشد خطاهم ومسارهم ويجمع الله به كلمتهم،
فأتوقع أن يؤدوا دوراً كبيراً في هذه البلاد.
وهذا التفكير بدأ يطرح بعمق في الفترة الأخيرة فعقدت مؤتمرات إسلامية في
أمريكا لترشيد العمل الإسلامي، والجمع بين فصائله أو على الأقل إيجاد وحدة
موقف في التعامل مع الأحداث التي تمر بالإسلام والمسلمين، وبعض هذه
المؤتمرات حققت نجاحاً ملحوظاً، وبعضها انتهى إلى صياغات وبرامج محددة
يمكن أن تستمر وأن توظف إذا وجدت من يستكمل البناء ويكمل المسيرة فالساحة
واعدة بكثير من الخير، فالمسلمون يستطيعون أن يؤدوا دوراً فاعلاً إذا استغلت
وسائل الإعلام والاتصال في النافع المفيد، ووظفت لصالح الإسلام.
* كيف يمكن القضاء على الخلاف بين فصائل العمل الإسلامي؟
لقد تأملت في واقع العمل الإسلامي المعاصر فوجدت أنه يعاني من مشكلتين
كبيرتين.. من تشرذم علمي يوشك أن يمثل تفرقاً في الدين.. ومن تشرذم تنظيمي
يوشك أن يمثل تفرقاً في الراية.. فأخذت أبحث عن الأسباب.. ما الذي أدى إلى
التشرذم العلمي؟ هناك اجتهادات علمية متفاوتة مختلفة أدت إلى أن تموج الساحة
بالمفاهيم المتصارعة.. أسباب ذلك كثيرة منها.. الخلط بين الثابت والمتغير أو
الخلط بين المحكم والمتشابه، لأن سر الخلل في هذه الناحية يرجع إلى أحد أمرين:
إما أن نغلو في مسألة من مسائل المتشابه فنرفعها إلى مصاف المحكمات والقطعيات
فنوالي ونعادي عليها.. وإما أن نوهن ونفرط في مسألة من المحكم فنهمش قيمتها،
ونهمش دورها ونهبط بها إلى مستوى المسائل المتشابهه والبسيطة، هذايقتضي منا
أن نعيد ترتيب الأوراق داخل العقل المسلم، بحيث نفصل بدقة بين المحكمات التي
يجب أن تجتمع عليهاكلمة المسلمين كافة وبين المتشابهات التي يجب أن يتغافر فيها
الناس ولا يفجروا بسببها عداوات وخصومات.
ويجب أن تقدم ورقة عمل تجمع فيها نقاط التنازع بين فصائل العمل
الإسلامي.. لنفصل فيها كما قدمنا سابقاً.. ولي شخصياً دراسة مطبوعة في ذلك بعنوان (نحو مسيرة راشدة للعمل الإسلامي) .
* الشباب الإسلامي حائر الآن: فطائفة تغرق في التراث ولا ترى غيره
وطائفة تقطع الصلة بالتراث إلى حد كبير.. كيف السبيل للخروج من هذاا المأزق؟
لا بديل عن سلفية المنهج وعصرية المواجهة، بمعنى إننا يجب أن نرجع
بأصول الفهم إلى الكتاب والسنة وما أجمع عليه الفقهاء، وأن نستخدم هذه الأصول
في دراسة ومعالجة مشكلاتنا المعاصرة، فلا نهاجر إلى الماضي بالكلية فننفصل عن
الحاضر بالكلية فهذا نوع من الخلل، ومعناه أنني سأعيش في اهتمامات تراثية
تاريخية بحتة، فالسلف واجهوا مشكلات بعينها تصدوا لها بالقرآن والسنة وبكل ما
آتاهم الله، أما مجتمعاتنا المعاصرة فإنها تفرز قضاياجديدة فلا ينبغي أن أهاجر إلى
الماضي، وأنفصل عن مشكلاتي المعاصرة ولا ينبغي بنفس القدر أن تحجبني هذه
المشكلات المعاصرة عن التواصل مع السلف وعن استخدام أصول الفهم وقواعد
المنهج السلفي التي توارثتها الأمة جيلاً بعد جيل في دراسة وتحليل وعلاج هذه
المشكلات..
وهناك معيار يمكن أن يمثل صمام أمن في هذه القضية.. فإذا فصلنا أبناء هذا
الجيل عن تراثهم وعن كتب سلفهم فإننا نغامر بالفكر الإسلامي ونغرر به تغريراً
كبيراً ينذر بمستقبل شديد الظلام، فسلفنا الصالح كما نقلوا لنا نصوص الكتاب
والسنة نقلوا لنا الفهم الصحيح والمعتبر لمحكمات الكتاب والسنة، وكما مثلوا
مرجعية في نقل النصوص، مثلوا مرجعية في فهم المحكمات في هذه النصوص
ولهذا يقول الله تعالى: [ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير
سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم] [النساء: 115] كان يكفي أن يقول:
ويتبع غير سبيل الله، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين من بعدي [1] وكان يكفي أن يقول عليكم بسنتي فقط.. ففهم سلفنا
الصالح والقرون الثلاثة الأولى يمثل صمام أمن في فهم محكمات الكتاب والسنة.
ولقد قرأت لأحد المتساهلين من أهل الفكر المعاصر من يقول: إن مقصود
الشريعة من قطع يد السارق هوتحقيق الزجر الخاص للسارق ثم الزجر العام أمام
الناس حتى لا يأكلوا بالسرقة، فلو أتينا بعقوبة أخرى غير القطع ولتكن الأشغال
الشاقة فنحن نكون بذلك قد حققنا مقصود الشريعة، ولم نخالف الشرع، ولم نحكم
بغير ما أنزل الله، فهذا نوع من الضلال والبهتان الذي أدى إليه التفلت من مرجعية
السلف، فالأمة أجمعت جيلاً بعد جيل على هذه العقوبة وعلى أن الخروج عنها
ضلال والحكم بغيرها بهتان وكفر وشرك وظلم لأنه حكم بغير ما أنزل الله.