مجله البيان (صفحة 1806)

خواطر في الدعوة

بين المداراة والمداهنة

محمد العبدة

إن الفرق كبير بين المداراة والمداهنة، فالأولى سنة، والثانية معصية

والمسلم الذي يتصدى لدعوة الخلق، وتعليمهم، وهدايتهم لطريق الحق، سوف

يلقى كثيراً من العنت، وكثيراً من الأذى، وسيجد بالمقابل أصنافاً من الناس فيهم

خير مشوب بجهل، أو غفلة، فإذا صبر على أمثال هؤلاء، واستعمل المداراة على

وجهها الصحيح، فإن العاقبة له بإذن الله، وما المداراة إلا حسن العشرة غير

مشوبة بمعصية، أو كما وصفها الشيخ رشيد رضا بالكياسة التي لا تهدم حقاً، ولا

تبني باطلاً، وحتى يكون للداعية أثره، وشخصيته المتميزة، لابد أن يبتعد عن

المداهنة، والفرق بينهما أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق، أو

يرده إليه، أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليُقره على الباطل، ويتركه

على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق « [1] .

والدليل على المداراة ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:

» استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام: قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام، قال: أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس إتقاء شره « [2] وفي البخاري في كتاب الأدب، ما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال:» إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا

لتلعنهم. « [3]

قال العلماء:» ما كان من أمر الدين، مثل أن يفتي بغير الحق أو يكذب أو

يترك شيئاً من الواجبات، فهذه مداهنة محرمة، والمداراة مثل أن تعطيه مالك أو

تحسن إليه.. « [4] . ويفصل ابن بطال أنواع المداراة حتى يكون المسلم على بينة

من أمره فيقول:» والمداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين

الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، فالمداراة

مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر

على الشيء ويستر باطنه «. [5]

وإذا فقه المسلم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكيف أنه استعمل

المداراة ليعلم المسلمين آداب الدعوة، مع أن الله سبحانه وتعالى عصمه من الناس،

وإذا فقه أقوال العلماء الذين نقلنا عنهم، فسوف يتألف أناساً، أو يبعد شر آخرين،

وأما الفظ الجواظ فلا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع، وهذه هي الدنيا بصفوها

وكدرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015