دراسات تاريخية
عبد الله بن سبأ
في ميزان البحث العلمي
-1-
د. محمد أمحزون
تمهيد:
موضوع «عبد الله بن سبأ والسبئية» أحد الأبحاث التي تطرق إليها
بالدراسة الكثير من الباحثين من المسلمين والمستشرقين، ومن أهم الدراسات في
هذا الباب بحث الدكتور سليمان بن حمد العودة بعنوان «عبد الله بن سبأ وأثره في
إحداث الفتنة في صدر الإسلام» وبحث «عبد الله بن سبأ بين الحقيقة والخيال»
د. سعدي الهاشمي، وبحث الأستاذ أحمد عرفات القاضي بعنوان «إنكار ابن سبأ
نقش على الماء» [1] .
وهذه الدراسة للدكتور (محمد أمحزون) مناقشة بحث جديد حول الموضوع
نفسه لباحث لم يأت بجديد وإنما هو نقل عن الباحثين حول تلك الشخصية، والناقد
(الكاتب) أحد المتخصصين في دراسة التاريخ، وعضو هيئة التدريس في جامعة
«مكناس» بالمغرب (قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.
- البيان -
هذه الدراسة نقد للبحث الذي نشره د. عبد العزيز الهلابي أستاذ التاريخ
الإسلامي في جامعة الملك سعود، في حوليات كلية الآداب الكويتية [*] عن عبد الله بن
سبأ، تدخل في مجال اهتمامات التاريخ الإسلامي، وقد قام فيه المؤلف بتحليل
روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن دور عبد الله بن سبأ في أحداث الفتنة
الواقعة في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما حيث انتهى بحثه إلى أن تلك
الروايات مختلقة ولا أساس لها من الصحة! ! ثم أورد النصوص عن «السبئية»
في بعض المصادر المتقدمة فأوضح أنه من خلال استخدامها في تلك المصادر لا
تعني جماعة لها عقيدة دينية أو مذهب سياسي محدد، وأنها أطلقت على أناس
مختلفين، وكان يقصد بها في كل الأحوال الذم والتعيير، وبعد أن ناقش أقوال
الباحثين المعاصرين وآراءهم من عرب ومستشرقين خلص في بحثه إلى أن ابن
سبأ شخصية وهمية، وأن الدور المنسوب إليه في إثارة الأحداث وتسييرها دور
مزعوم.
إن هذا البحث الذي كتبه د. الهلابي يعتبر أحدث دراسة مستقلة أفردت عن
عبد الله بن سبأ ولذلك أحببت إبداء بعض الملحوظات حول الآراء التي تبناها حيث
نفى في بحثه وجود تلك الشخصية، وأن ابن سبأ في رأيه لا يعدو أن يكون مجرد
خرافة سطرتها كتب التاريخ والفرق! !
ومن الملحوظات على هذه الدراسة ما يلي:
أولاً سيف بن عمر لم ينفرد بالرواية:
يقول د. الهلابي في ص (?) من بحثه: «ينفرد الإخباري سيف بن عمر
التميمي من بين قدامى الإخباريين والمؤرخين بذكر تلك الشخصية في رواياته،
ويجعل له دوراً رئيساً في التحريض على الفتنة، وقتل الخليفة عثمان وإنشاب
القتال في معركة الجمل في البصرة» [2] .
في الواقع أن سيف بن عمر لم يكن المصدر الوحيد الذي استأثر بأخبار عبد
الله بن سبأ، بل ورد ذكر أخبار ابن سبأ وطائفته منقولة عن علماء متقدمين ورواة
غير سيف بن عمر مثل:
* سويد بن غفلة أبو أمينة الجعفي الكوفي المتوفى عام (80 هـ/ 699م) ،
مخضرم ثقة، من أصحاب علي رضي الله عنه [3] جاء في «طوق الحمامة»
لحيي بن حمزة الزيدي وفي «اللفظ» للبرقاني أنه دخل على علي في إمارته فقال
: «إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك،
منهم عبد الله بن سبأ، فقال علي: مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله
أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيّره إلى المدائن،
ونهض إلى المنبر حتى إذا اجتمع الناس أثنى عليهما خيراً، ثم قال: أو لا يبلغني
عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري [4] .
* زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي المتوفى قبل عام (90هـ/709م) ،
روى عن علي بن أبي طالب، وهو من جلة التابعين، متفق على الاحتجاج به،
أخرج ابن عساكر في» تاريخ دمشق «عنه قال:» قال علي بن أبي طالب:
مالي ولهذا الخبيث الأسود، يعني عبد الله بن سبأ، وكان يقع في أبي بكر
وعمر « [5] .
* إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه الثقة المتوفى عام (96
هـ / 714 م) [6] . روى ابن سعد في» طبقاته «أن رجلاً كان يأتيه فيتعلم منه، فيسمع قوماً يذكرون أمر علي وعثمان، فقال: أنا أتعلم من هذا الرجل وأرى
الناس مختلفين في أمر علي وعثمان، فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال:» ما
أنا بسبأي ولا مرجئ « [7] .
* الشعبي عمر بن شراحيل الحميري اليمني المتوفى عام (103هـ/721م) ،
من رواة الأنساب والأخبار الثقات [8] . أخرج عنه ابن عساكر في» تاريخ دمشق «قال:» أول من كذب عبد الله بن سبأ « [9] .
*سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني المتوفى عام
(106هـ/721م) ، كان أحد فقهاء التابعين، ثبتاً فاضلاً [10] ، روى يعقوب بن
سفيان الفسوي في كتابه» المعرفة والتاريخ «قال:» قال أبو الوليد: سألني سالم
بن عبد الله بن عمر: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: بئس القوم بين
سبأي وحروري « [11] .
* أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي الصحابي المعمر المتوفى عام
(110هـ/ 728م) ، روى عن علي بن أبي طالب، قال فيه الحافظ الذهبي: وبه ختم الصحابة في الدنيا [12] . أخرج ابن عساكر عنه قال:» رأيت المسيب ابن نجبة أتى به ملببه، يعني ابن السوداء، وعلي على المنبر، فقال علي: ما
شأنه؟ فقال: يكذب على الله ورسوله [13] .
* حُجيّة بن عدي الكندي أبو الزعراء الكوفي، روى عن علي وجابر وهو
من الطبقة الثالثة [14] . ذكر ابن عساكر عنه أنه رأى علياً على المنبر، وهو
يقول: من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن
السوداء [15] .
* أبو الجلاس الكوفي، روى عن علي بن أبي طالب، من الطبقة
الثالثة [16] . نقل ابن عساكر عنه قال: «سمعت علياً يقول لعبد الله بن سبأ: ويلك! والله ما أفضي إليّ بشيء كتمته أحداً من الناس، ولقد سمعته يقول: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً وإنك لأحدهم [17] .
* قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى عام (117هـ/735م) ، من ثقات التابعين
وحفاظهم، روى عن أبي الطفيل وأنس بن مالك، كان آية في الحفظ
والرواية [18] . نقل الإمام الطبري في تفسير قوله:» وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية [فأما الذين في قلوبهم زيغ ... ] قال: إن لم يكونوا الحرورية والسبئية ... فلا أدري « [19] .
* أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام (157هـ/773م) [20] . نقل
الإمام الطبري عنه في» تاريخه «رواية يصف فيها أشراف أهل الكوفة لخصومهم
من أصحاب المختار بالسبئية [21] .
ثانياً الموهوم لا يدفع المعلوم:
يقول المؤلف:» لا أعلم فيما اطلعت عليه من المصادر المتقدمة أي ذكر لعبد
الله بن سبأ عند غير سيف بن عمر سوى رواية عند البلاذري « [22] .
إن المصادر المتقدمة التي اطلع عليها د. الهلابي إذا كانت أغفلت موضوع
ابن سبأ والسبئية، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه شخصية خرافية، إذ إن عدم ذكرها
له لا يقوم دليلاً على الإنكار أو التشكيك، فهل استوعَبَت تلك المصادر كل أحداث
التاريخ الإسلامي حتى نقف وقفة المنكر أو المتشكك إذا لم تذكر شيئاً عن ابن سبأ؟! وهل من شروط صحة الرواية التاريخية تضافر كل كتب التاريخ على ذكرها؟ !
ثم هل نسي د. الهلابي أن المصادر القديمة ضاع كثير منها فأصبحت مفقودة أو في
حكم المفقود، حيث ضاع كثير من مؤلفات الزهري وابن إسحاق والواقدي
والمدائني وابن شبّه والأصمعي والهيثم بن عدي وعروة بن الزبير وغيرهم، إلا ما
استوعبته بعض المصنفات الموسوعية كتاريخ الطبري مثلاً؟
ومن هنا ينبغي الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق للخروج من الشبهات
والتوهمات، إذ إن الموهوم لا يدفع المعلوم، والمجهول لا يعارض المحقق
فشخصية ابن سبأ وجماعته حقيقة تاريخية يتفق عليها كثير من المصادر المتقدمة
غير البلاذري.
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همذان المتوفى عام (83هـ/702م) وقد
هجى المختار وأنصاره من أهل الكوفة بقوله:
شهدت عليكم أنكم سبئية وأني ... بكم يا شرطة الكفر عارف [23]
وجاء ذكر السبئية في كتاب» الإرجاء «للحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى
عام (95هـ/713م) ، الذي أمر بقراءته على الناس وفيه:» ... ومن خصومة هذه
السبئية التي أدركنا، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس « [24] .
وفي الطبقات لابن سعد المتوفى عام (230هـ/844م) ورد ذكر معتقدات
السبئية وأفكار زعيمها، فعن عمرو بن الأصم قال: قيل للحسن بن علي: إن أناساً
من شيعة أبي الحسن علي عليه السلام يزعمون أنه دابة الأرض، وأنه سيبعث قبل
يوم القيامة، فقال كذبوا، ليس أولئك شيعته أولئك أعداؤه، لو علمنا ذلك ما قسمنا
ميراثه ولا أنكحنا نساءه ... » [25] . علماً بأن ما ذكر في هذا النص لا يخرج
عما جاء به ابن سبأ من آراء، وأكده علماء الفرق والنحل والمؤرخون في
كتبهم [26] .
وتحدث ابن حبيب المتوفى عام (245هـ/860م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد
أبناء الحبشيات [27] ، كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم المتوفى عام
(253هـ/ 859م) خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه «الاستقامة» [28] .
وفي «البيان والتبيين» للجاحظ المتوفى عام (255هـ/868م) رواية تشير
إلى عبد الله بن سبأ [29] ، كما ذكر الجوزجاني المتوفى عام (259هـ/873م) وهو
من علماء الجرح والتعديل، أن من مزاعم عبد الله ادعاءه أن القرآن جزء من تسعة
أجزاء، وعلمه عند علي، وأن علياً نفاه بعد ما كان هم به « [30] .
ويقول ابن قتيبة المتوفى عام (276هـ/889م) في» المعارف «:» السبئية
من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ « [31] .
ويذكر البلاذري المتوفى عام (279هـ/892م) ابن سبأ في جملة من أتوا إلى
علي رضي الله عنه يسألونه عن رأيه في أبي بكر وعمر، فقال لهم: أوتفرغتم لهذا؟ وحينما كتب علي الكتاب الذي أمر بقراءته على أنصاره كان منه عند عبد الله ابن
سبأ نسخة عنه فحّرفها» [32] .
وأورد الناشيء الأكبر المتوفى عام (293هـ/905م) عن ابن سبأ وطائفته ما
يلي: «وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق
العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ
رجلاً من أهل صنعاء، يهودياً ... وسكن المدائن» [33] .
ثالثاً السبئية في المصادر وليست للذم والتعيير فقط:
بعد أن ذكر المؤلف نصوصاً نثرية وشعرية ورد فيها ذكر السبئية، قال:
«وبناءً على هذا فلا يمكن الاستنتاج من النصوص السابقة أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معينة، أو مذهب عقائدي محدد، ولكن المؤكد أنها عندما تطلق على قوم يقصد بها الذم والتعيير» [34] .
إن هذا الاستنتاج للباحث لا يخلو من المغالطة والتمويه، فهو يحاول جاهداً
التشكيك في السبئية إلى حد جعله يتأولها مجرد كلمة تستعمل للسب والذم! !
إني لأكاد أدهش حين يقول ذلك، وهو نفسه يذكر نصاً شعرياً للفرزدق [35]
فيه إشارة واضحة إلى ابن سبأ اليهودي الأصل، الهمداني اليمني المنشأة.
تعرف همدانية سبئية ... وتكره عينيها على ما تنكرا
ولو أنهم إذا نافقوا كان منهم ... يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
على أن وجود عبد الله بن سبأ وارتباط السبئية به مما أطبقت عليه المصادر،
فذكرته كتب التاريخ والحديث والطبقات والرجال والأنساب والأدب واللغة، وجزم
بذلك علماء الفرق والمقالات.
فقد نقل القمي المتوفى عام (301هـ/913م) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر
الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم وادعى أن علياً أمره
بذلك [36] .
وأما الإمام الطبري المتوفى عام (310هـ/922م) فقد أفاض في تاريخه في ذكر
أخبار ابن سبأ ومكائده معتمداً على روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن
شيوخه [37] .
ويتحدث النوبختي المتوفى عام (310هـ/922م) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه
لما بلغ نعي علي بالمدائن قال للذي فعله: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة،
وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك
الأرض [38] .
ويقول أبو حاتم الرازي المتوفى عام (322هـ/933م) أن عبد الله بن سبأ ومن
قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله، وأنه يحيى الموتى وادعوا
غيبته بعد موته [39] .
وأكد ابن عبد ربه المتوفى عام (328هـ/939م) أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد
سلكوا مسلك الغلو في علي حينما قالوا هو الله خالقنا، كما غلت النصارى في
المسيح بن مريم [40] .
ويذكر أبو الحسن الأشعري المتوفى عام (330هـ/941م) عبد الله بن سبأ
وطائفته من ضمن أصناف الغلاة، إذ يزعمون أن علياً لم يمت، وأنه سيرجع إلى
الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً [41] .
وروى الكشي المتوفى عام 340هـ/951م) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر
قوله: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام
هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، كما روى بسنده إلى علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب: «لعن الله من كذب عليناً، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت
كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً، ماله لعنه الله» [42] .
ويقول ابن حبان المتوفى عام (354هـ/965م) : «وكان الكلبي محمد ابن
السائب الإخباري سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن
علياً لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة، وإن رأوا سحابة قالوا: أمير
المؤمنين فيها» [43] .
ويقول المقدسي المتوفى عام (355هـ/965م) في كتابه «البدء والتاريخ» :
إن عبد الله بن سبأ قال عندما بلغه موت علي بن أبي طالب: لا يموت حتى يسوق
العرب بعصاه [44] .
ويكشف الملطي المتوفى عام (377هـ/989م) عن عقيدة السبئية فيقول:
«ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا: أنت أنت! قال: من
أنا؟ قالوا: الخالق الباريء، فاستتابهم فلم يرجعوا فأوقد لهم ناراً عظيمة
فأحرقهم [45] . ...
ويذكر كبير محدثي الشيعة ابن بابويه القمي المتوفى عام (381هـ/991م)
موقف ابن سبأ وهو يعترض على علي رضي الله عنه في رفع اليدين إلى السماء
أثناء الدعاء [46] .
وفي» مفتاح العلوم «للخوارزمي المتوفى عام (387هـ/997م) :» السبئية
أصحاب عبد الله بن سبأ « [47] .
وذكر البغدادي المتوفى عام (499هـ/1037م) أن فرقة السبئية أظهروا دعوتهم
في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم، ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن،
إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه، وأشار عليه بنفيه
إلى المدائن حتى لا يختلف عليه أصحابه، لاسيما وهو عازم على العود إلى قتال
أهل الشام [48] .
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام (460هـ/1067م) إن ابن سبأ رجع إلى
الكفر وأظهر الغلو [49] .
ويقول الاسفراييني المتوفى عام (471هـ/1078م) إن ابن سبأ قال بنبوة علي
في أول أمره، ثم دعا إلى ألوهيته، ودعا الخلق إلى ذلك، فأجابته جماعة إلى ذلك
في وقت علي [50] .
ويتحدث الشهرستاني المتوفى عام (548هـ/1153م) عن ابن سبأ فيقول:
» ومنه انشعبت أصناف الغلاة « [51] . ويقول أيضاً: إن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي» [52] .
كما أن كتب الأنساب هي الأخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ،
ومنها كتاب الأنساب للسمعاني المتوفى عام (562هـ/1167م) [53] .
وعرّف ابن عساكر المتوفى عام (571هـ/1176م) ابن سبأ بقوله: «عبد الله
ابن سبأ الذي تنسب إليه السبئية، وهم الغلاة من الرافضة، أصله من اليمن، كان
يهودياً وأظهر الإسلام» [54] .
وفي اللباب في تهذيب الأنساب «يذكر ابن الأثير المتوفى عام
(630هـ/ 1232م) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ» [55] .
وذكر ابن أبي الحديد المتوفى عام (655هـ/1257م) في «شرح نهج البلاغة
ما نصه:» فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام أظهر ابن سبأ مقالته وصارت له
طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه « [56] .
وذكر السكسكي المتوفى عام (683هـ/1284م) أن ابن سبأ وجماعته أول من
قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت [57] .
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى عام (728هـ/1327م) أن أصل الرفض
من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي بدعوى
الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له» [58] .
وأشار الحسن الحلبي المتوفى عام (740هـ/1339م) إلى أن ابن سبأ ضمن
أصناف الضعفاء [59] .
وعند الحافظ الذهبي المتوفى عام (748هـ/1347م) : «عبد الله بن سبأ من
غلاة الشيعة، ضال مضل» [60] .
أما الصفدي المتوفى عام (764هـ/1363م) فقد قال في ترجمته: «عبد الله
ابن سبأ رأس الطائفة السبئية ... فلما قتل علي زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه
جزءاً إلهياً، وابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصور بصورة علي، وأن علياً في
السحاب، والرعد صوته، والبرق صوته، وأنه سينزل إلى الأرض» [61] .
ويشير الشاطبي المتوفى عام (790هـ/1388م) إلى أن بدعة السبئية من البدع
الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله تعالى الله وهي بدعة تختلف عن غيرها من
المقالات [62] .
ويعرف الجرجاني المتوفى عام (816هـ/1413م) عبد الله بن سبأ بأنه رأس
الطائفة السبئية ... وأن أصحابه عندما يستمعون الرعد يقولون: عليك السلام يا
أمير المؤمنين « [63] .
وفي خطط المقريزي المتوفى عام (845هـ/1441م) أن عبد الله بن سبأ قام في
زمن علي رضي الله عنه مُحدثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ [64] .
وسرد الحافظ ابن حجر المتوفى عام (852هـ/1448م) في كتابه:» لسان
الميزان «عن ابن سبأ أخباراً غير روايات سيف بن عمر، ثم قال في النهاية:
» وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ، وليس له رواية والحمد لله « [65] .
وفي عقد الجمان للعيني المتوفى عام (855هـ/1451م) أن ابن سبأ دخل مصر
وطاف في كورها، وأظهر الأمر بالمعروف، وتكلم في الرجعة، وقررها في قلوب
المصريين [66] .
وأكد السيوطي المتوفى عام (911هـ/1505م) في كتاب» لب الألباب في
تحرير الأنساب «نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ [67] .
وتحسن الإشارة إلى أنه لا ينبغي الغض من قيمة المصادر المتأخرة التي
ذكرت السبئية، ذلك أن أصحابها كابن كثير والذهبي وابن حجر والسيوطي
وغيرهم من الأئمة الحفاظ، كانوا يستقون معلوماتهم من مصادر قديمة وقيمة بعضها
الآن في عداد المفقود، كما عرفوا بسعة اطلاعهم، وغزارة معارفهم وتقصيهم
الدقيق للأخبار، حتى إن الباحث يندهش مثلاً عندما يطلع على كثرة الطرق
وتنوعها في رواية ابن حجر لأحداث تاريخية، ومن مصادر متقدمة كأخبار البصرة
لابن شبه، وكتاب صفين لحيي بن سليمان الجعفي، والمعرفة والتاريخ للفسوي،
وتاريخ أبي زُرعة الدمشقي، وغيرها من كتب التاريخ.
وللحوار بقية. في العدد القادم بإذن الله.