من فقه الدعوة
نظرات تربوية في خلق الصدق
-3-
عبد العزيز بن ناصر الجليل
نشرت الحلقتان الأولى والثانية من هذه الدراسة في العددين (75) و (76) من
هذه المجلة، ولظروف فنية تأجلت هذه الحلقة الأخيرة حيث يضع الكاتب بين يدي
القارئ هذه الهموم والأشجان في صورة رسائل إلى من يهمه الأمر.
- البيان -
الرسالة الأولى إلى علماء الأمة وطلاب العلم فيها:
أوصي نفسي وإياكم بما أوصى به ربنا عز وجل عباده المؤمنين [يا أيها
الذين آمنوا اتقوا وكونوا مع الصادقين] [التوبة: 119] .
يا علماءنا الأجلاء: يا من تعقد عليهم الأمة أملها بعد الله سبحانه في إنقاذها
مما هي فيه من جهل ومحن وبلاء [اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] وإن من
لوازم الصدق مع الله سبحانه وتعالى ومع عباده المؤمنين، الحذر الشديد من الدنيا
وزينتها وزخرفها، فلا أضر على العالم منها، ولذا كان سلفنا الصالح يحذرونها أشد
الحذر، فبارك الله في علمهم وعملهم، وأصلح الله بهم ما فسد.
أيها العلماء الأجلاء: إن أمتنا الإسلامية تمر في هذا الزمان بمحن شديدة وهي
تنتظر كلمتكم، فإذا سكتم فمن لعقيدة الأمة التي يسعى الأعداء لإفسادها ومن لدماء
الأمة التي تسفك وتستباح يوماً بعد يوم، ومن لأعراض الأمة وأخلاقها التي تنتهك
باسم الحرية والتقدم والتحضر، ومن لأموال الأمة واقتصادها الذي تسري فيه نار
الربا والبيوع المحرمة؟!
ودعاؤنا إلى الله عز وجل أن تلتحم صفوف المصلحين في هذه الأمة من
علمائها ودعاتها ومجاهديها وقادتها ليكونوا يداً واحدة في الإصلاح والدعوة إلى الله
بالحكمة والموعظة الحسنة، راجياً أن تقبلوا هذا التذكير ولو صدر من ابنكم
الصغير.
ولكم في سيرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قدوة حسنة، فقد استفاد في
محنته من أعرابي عامي ... ذكر الذهبي في السير: قال أحمد بن حنبل: ما
سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر يعني محنته أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها
في رجعة طوق، قال: يا أحمد، إن يقتلك الحق مُت شهيداً، وإن عشت عشت
حميداً، فقَوى قلبي) [1] .
الرسالة الثانية إلى دعاة الأمة ومجاهديها:
أوصي نفسي وإياكم بما أوصى به الله سبحانه عباده المؤمنين: [يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] [التوبة: 119] .
وإن من لوازم الصدق ومقتضياته أن تكون الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد
في سبيله لأجل الله عز وجل وابتغاء مرضاته، فلا تكون لأجل مال أو منصب أو
جاه أو كسب شهرة أو التعصب لشيخ أو حزب أو طائفة، لأن كل ذلك ذاهب
وضائع وممحوق البركة في الدنيا والآخرة، فحري بنا أن نحاسب أنفسنا ونحن في
طريق الدعوة والجهاد في سبيل الله، ونتبين مدى صدقنا في دعوتنا إلى الله سبحانه، وهل هي خالصة لله وحده أم يشوبها ما يشوبها من أعراض الدنيا الفانية..؟ !
وإن من لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه أن يبادر الداعية إلى تصديق
قوله وما يدعو إليه بفعله، وأن لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، أو يرغب في فعل
ولا ينوي القيام به، أو يظهر للناس حرقة وغيرة على هذا الدين والأمر لا يتعدى
شقشقة اللسان، والقلب مشحون بأمر الدنيا وشهواتها وغارق في وديانها، إن كل
ذلك مما ينافي الصدق في الدعوة إلى الله عز وجل.
مع أهمية سلامة قلب الداعية من الغل والحقد والحسد على إخوانه الآخرين
من الدعاة، وإنما يُكنّ المحبة لكل مصلح يدعو إلى الخير، ويتعاون معه في طاعة
الله عز وجل، ولا يحتقر جهده مهما قل، ولا تراه إلا حريصاً وساعياً إلى اجتماع
الكلمة ووحدة الصف، فالداعية الصادق يكره الفرقة والاختلاف إذا لم يكن في
أصول الدين وكلياته، والدعاة الصادقون يرحم بعضهم بعضاً، ويرفق بعضهم
ببعض، ويتناصحون فيما بينهم.
كما إن الصدق مع الله سبحانه في الدعوة والجهاد يفرض على المسلم أن يكون
على بصيرة فيما يدعو إليه ويجاهد من أجله، وهذا يلزم التفقه في الدين والتبصرة
فيه بما قال الله عز وجل وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفهمه الصحابة
الكرام رضي الله عنهم.
وإن من لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه، الحذر من كيد الأعداء
المتربصين بهذا الدين وأهله من الكافرين والمنافقين، وبخاصة في زماننا هذا الذي
تنوعت فيه أساليب المكر والخبث، فحري بالداعية الصادق أن يتفطن لدسائس
الأعداء ودجلهم ونفاقهم ولو ألبسوا ذلك كله لبوس الحكمة والمصلحة إن التنازل
اليسير من الداعية إلى الله سبحانه لا يقف عند حد، بل يتبعه تنازلات وتنازلات،
لأن أعداء هذا الدين لا يكتفون بالقليل من الداعية وقد حذر الله سبحانه نبيه -صلى
الله عليه وسلم-من هذا الخطر فقال: [فلا تُطِعِ المكذبين * وَدُّوا لو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون] [القلم: 8-9] ، والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى الله هي
هذه الحقيقة التي لقنها الله لصاحب الدعوة الأولى -صلى الله عليه وسلم- وهي أن
التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند الله فهو صاحبها، وأن الحق الذي تنزلت به لا
يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار، فلا سبيل إلى التعاون بين حقها
وباطلهم، أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على
الباطل، فهما منهجان مختلفان وطريقان لا يلتقيان، فأما حين يغلبه الباطل بقوته
وجمعه على قلة المؤمنين وضعفهم، لحكمة قضاها الله فالصبر حينئذ حتى يأتي الله
بحكمه والاستمداد من الله والاستعانة بالدعاء والتسبيح، وهما الزاد المضمون لهذا
الطريق.
إنها حقيقة كبيرة لا بد أن يدركها ويعيش فيها رواد هذا الطريق فالمحاولات
كثيرة التي حاول المشركون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فيها المساومة
على الدعوة، ولكن الله عصم منها رسوله، وهي محاولات الطغاة مع أصحاب
الدعوات دائماً، محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلاً عن استقامة الدعوة وصلابتها،
ويرضوا بالحل الوسط الذي يغرونهم به في مقابل مغانم كثيرة، ومن جملة الدعاة
من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هيناً، فأولئك لا يطلبون منه أن يترك
دعوته كلياً، إنما يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق.
ومن لوازم الصدق في الدعوة أن يحذر الداعية من الكذب على إخوانه
المسلمين والدعاة المصلحين، ومن ذلك إشاعة الأخبار قبل التحقق من صحتها
واستخدام الأساليب الملتوية والمراوغات بحجة السياسة والمصلحة.. كل هذا لا
يتفق وصدق الداعية وسلامة قلبه.
ومن لوازم الصدق في الدعوة إلى الله سبحانه أن يعتني كل مسلم منا بنفسه
بالوسائل الشرعية للتربية، وذلك في وسط بيئة صالحة معروفة بصحة الفهم وحسن
القصد، يتربى معها، ويعد نفسه للتضحية في سبيل الله عز وجل وبذل المال
والنفس في ذلك، وأن يوطن نفسه لابتلاءات الطريق ومشاقه، التي هي سنة من
سنن الله عز وجل لتمحيص الصفوف، قال تعالى: [الم * أحسب الناس أن
يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين
صدقوا وليعلمن الكاذبين] [العنكبوت: 2-3] فلا يتبين الصادق في دعوته من
الكاذب إلا بالابتلاء نسأل الله عز وجل العافية والصبر عند البلاء.
إن الداعية الذي يهمل نفسه فلا يربيها ويعدها للبيع على الله عز وجل يوشك
أن ينهزم وتخذله نفسه عند أول هزة وأول اختبار، مع أنه يحب لنفسه غير ذلك
مما يعيشه في حال الرخاء والأمن من الحماس العاطفي والكلام الذي لا يجاوز
التراقي، يقول سيد قطب رحمه الله: «إن العقيدة وطريقها لشاقة بعيدة، تتقاصر
دونها الهمم الساقطة والعزائم الضعيفة، إن تكاليف العقيدة هو جهد خطر، تجزع
منه الأرواح الهزيلة والقلوب الخاوية، ولكنه الأفق الذي تتخاذل دونه النفوس
الصغيرة والبيئة الهزيلة، قال تعالى: [لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك
ولكن بعدت عليهم الشقة] [التوبة: 42] [2] .
وإنني بهذه المناسبة أوصي نفسي وإخواني الدعاة والمجاهدين أن لا نتكلم في
أمر، أو نقدم على موقف من مواقف الدعوة حتى تتوفر فيه الشروط التالية:
1- الاطمئنان التام أنه الحق الذي يحبه الله تعالى، وإعداد النفس لتحمل
تبعاته.
2- الاطمئنان التام على أن القيام في هذا الأمر هو لله سبحانه وحده وابتغاء
مرضاته.
3- الاستعانة بالله وحده في تحقيق هذا الأمر والثبات عليه إذ لا قدرة للعبد
لحظة واحدة بدون عون الله وتوفيقه.
إذن يا إخواني الدعاة: إن الأمر جد ليس بالهزل.
قد هيؤوك الأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
الرسالة الثالثة إلى المربين في هذه الأمة:
أوصي نفسي وإياكم بما أوصى به الله سبحانه عباده المؤمنين [يا أيها الذين
أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] [التوبة: 119] .
أيها المربون: إن التربية لها معنى أوسع من التعليم وتلقين المعلومات
فالتربية هي الجهد الذي يبذله المربون في كل مجتمع من آباء ومعلمين وغيرهم في
إنشاء الأجيال القادمة على أساس العقيدة التي يؤمنون بها، ومنحهم الفرصة الكافية
لتشرب معاني الدين والتضحية من أجله والاعتزاز به بين الأمم فالأمة الجادة هي
التي تربي أبناءها طبقاً للعقيدة التي تدين بها لله تعالى، وتسعى لنشرها بين الأمم،
حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله تعالى، وهذه مهمة المربين في هذه الأمة
فما أثقلها من تبعة، وما أشرفها من رسالة.
ومن لوازم الصدق أيها المربون الكرام أن تصدقوا مع من ولاكم الله تربيتهم
وتعليمهم، وذلك بتعليمهم الخير، وربطهم بأبطال هذه الأمة ورعيلها الأول،
وتحذيرهم من الشر وأهله، وتبصيرهم سبيل المجرمين وأفكارهم الخبيثة وتفنيدها
والتحذير منها.
ومن لوازم الصدق في التربية إعداد المناهج الكريمة المستمدة من الكتاب
والسنة، وفهم الصحابة وفقه الواقع الذي تعيشه الأمة، فعلى المسؤولين عن مناهج
التعليم في المجتمعات المسلمة أمانة عظيمة وتبعة ثقيلة، فليصدقوا مع الله عز وجل
في أمة محمد ص وأبنائها، فلا يختاروا إلا ما فيه الخير والإصلاح وتنشئة الأجيال
على العقيدة الحقة والأخلاق السامية، وأن يردوا ويسقطوا كل ما من شأنه إفساد
العقيدة والأخلاق والأفكار والهمم، فنحن أمة ذات رسالة عظيمة خالدة ينبغي للناشئة
أن يدركوا رسالة أمتهم، وأنها خير أمة أخرجت للناس.
أيها المربون من آباء ومعلمين: إن الله سبحانه سائلكم عما استرعاكم فأعدوا
للسؤال جواباً [واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله] [البقرة: 281] تذكروا أثر
العمل الطيب، والسنة الحسنة حين تسري في الأمة وينتشر الخير بسببها، فتنالوا
أجر ذلك عن كل من تأثر به، والعكس بالعكس والعياذ بالله تذكروا أثر العمل
السيء والسنة السيئة حين تسري في أبناء الأمة ويتربون عليها فستنالوا وزر ذلك
ووزر من تأثر به نعيذكم بالله من هذا المآل، وهذا مصداق قوله -صلى الله عليه
وسلم-» من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن
ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل
بها « [3] .
ومن لوازم الصدق في التربية: أن يربط الأبناء والطلاب في حياتهم
بالأهداف العالية النبيلة، ولا يربطون بالتوافه من الأمور والأهداف الهابطة لأن
النظرة السائدة اليوم في أكثر بيوت المسلمين ومدارسهم: أن طلب العلم قد ربط
بالمصلحة الدنيوية، وأنها وسيلة للعيش ولا يوجد في جو المنزل أو جو المدرسة إلا
من رحم الله من يقول للمتربي إن لك أمة تنتظرك، وأن لك دوراً ينتظرك في
الدعوة إلى التوحيد وهداية الناس بإذن الله تعالى والجهاد في سبيله عز وجل والذود
عن حمى الأمة وعقيدتها، إن هذا النوع من التربية قليل، فعلى المربين الصادقين
مع ربهم سبحانه أن يحيوا هذه المعاني عند إخوانهم المربين ويصبغوا بها المناهج
المعدة لذلك، وينشروها في صفوف أبنائهم وطلابهم حتى يخرج جيل قوي متماسك
يشعر بانتمائه لهذا الدين، ويشعر بمسؤوليته ليتولى هو بدوره إكمال الطريق،
وتربية الأجيال التي تأتي بعد ذلك.
وبقيت كلمة أخيرة أوصي بها نفسي وإخواني الآباء، ألا وهي الصدق مع الله
سبحانه في جعل البيت محضناً من محاضن التربية الكريمة للأبناء والبنات
والإخوان والأخوات والزوجات، وذلك بعمارته بذكر الله عز وجل ووجود القدوة
الصالحة، وتطهيره من أسباب الرجس والفساد، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته..
إن العجب كل العجب من أناس أنعم الله عليهم بنعمة الأموال والأولاد، ثم هم
يخربون بيوتهم بأيديهم ويلقون بأنفسهم وأهليهم إلى النار، والله تعالى يقول: [يا
أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراْ وقودها الناس والحجارة] [التحريم: 6] .
إن أحدنا لو رأى ابنه أو ابنته أو أخاه أو أخته أو زوجته يتعرض أحدهم
لهلاك في الدنيا بحريق أو غرق أو سقوط من شاهق، لهب مسرعاً لإنقاذه وإن لم
يكن قريباً منه صاح به محذراً من السقوط في المهلكة، وإن الله سبحانه يحذرنا من
نار تلظّى لا تأتي نار الدنيا عندها إلا جزءاً من سبعين جزء منها ومع ذلك لا
يتحرك الكثير منا في إنقاذ نفسه وأهله منها [قل نار جهنم أشد حراْ لو كانوا
يفقهون] [التوبة: 81] .
الرسالة الرابعة إلى الإعلاميين في هذه الأمة:
أوصي نفسي وإياكم بما أوصى به عباده المؤمنين سبحانه عز من قائل: [يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] [التوبة: 119] .
أيها المؤمنون من إعلاميي هذه الأمة: إني أخاطب فيكم عقيدتكم الإسلامية،
التي تحملونها بين جوانحكم التي تحدد هويتكم بين بني البشر وترفع رؤوسكم بين
بني الإنسان، أخاطب فيكم غيرتكم الإسلامية ومروءتكم العربية، وأخلاقكم العريقة
التي تميز المسلم عن غيره، أخاطب فيكم الأمانة العظيمة التي حملكم الله إياها من
خلال مسؤولياتكم الخطيرة التي تتولونها أخاطب فيكم المسؤولية التي أناطتها الأمة
بكم لتربوا أبناءها على الإيمان الصادق والعفة والطهارة والعزة والكرامة.
أيها الإعلاميون المؤتمنون على عقيدة الأمة وأخلاقها: اصدقوا مع ربكم
سبحانه في الوفاء بما عهد إليكم [وأوفو بالعهد إن العهد كان مسئولا]
[الإسراء: 34] ، [لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون]
[الأنفال: 27] .
واصدقوا مع أمتكم المسلمة التي أمنتكم دينها وأعراضها وعقولها وأفكارها،
فلا تخونوا أمتكم، وكونوا عند حسن ظنها بكم.
إن إعلام أي أمة يعبر عن عقيدتها وهويتها، وإذا أردنا أخذ صورة سريعة
عن أي أمة أو مجتمع، فلننظر إلى إذاعتها وتلفازها وصحفها وما ينشر فيها فإن
ذلك يدلنا على ما يقوم عليه هذا المجتمع من عقيدة وأخلاق.
إن لكل أمة هوية، فأين هويتنا الإسلامية في في كثير من إعلام دولنا؟ !
إن الإسلام ليس كلمة فحسب، ليس عقيدة مستكنة في القلب فحسب بل
الإسلام هو الاستسلام لله عز وجل وحده في جميع شؤون الحياة، قال تعالى: [يا
أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة] [البقرة: 208] .
هذا هو الإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل، وإن الناظر في إعلام
المجتمعات المسلمة اليوم ليرى ازدواجية وانحرافاً، وهذا يعني أحد أمرين:
1- أن يكون هناك جهل بحقيقة هذا الدين، وأنه بالإمكان أن يكون المرء
مسلماً بقلبه ولسانه فقط ثم يفعل بعد ذلك ما يشاء ويعمل ما يحلو له أن يعمل مادام
أنه ينطق الشهادتين، فالهوية التي يحملها هي الإسلام وهذه عقيدة المرجئة التي
أفسدت في الأرض ودخل من خلالها العلمانيون الذين يفصلون الدين عن الحياة،
ويجعلونه عقيدة مستكنة في الضمير وبين جدران المساجد فحسب! !
2- أو أن حقيقة الدين ومفهومه الواسع واضحة في أذهان القوم، ولكنهم
آثروا الحياة الدنيا ومناصبها وزخرفها على مرضاة الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، فاشتروا الحياة الدنيا الفانية بالدار الآخرة الباقية فما أشد خسارتهم وأكسد تجارتهم، ألا ذلك هو الخسران المبين.
ثم ماذا سيكون جوابك إذا حاكمتك الأمة بأسرها على ما قدمت لها من كلمة
مسموعة أو مرئية أو مقروءة يوم تكون سبباً في إضلال أبنائها، أناشدك بما معك
من الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا تغفل عن هذا اليوم الرهيب، فوالله إنه لقريب:
[وما يدريك لعل الساعة قريب * يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا
مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي شقاق بعيد]
[الشورى: 18] .
وبعد: هذا ما يسر الله سبحانه كتابته حول هذا الموضوع، عسى الله أن ينفع
به كاتبه وقارئه في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.