دراسات دعوية
أسئلة الأهلة في قالبها العبثي الجديد
تأملات في طبيعة الأسئلة المطروحة حول آليات الدعوة والموقف منها
سليمان بن عبد العزيز الربعي
ربما لم تكن الدعوة إلى الله بحاجة إلى تنقية من الشوائب والآفات أكثر منها
في واقعها المعاصر، نظراً لمبررات عديدة تشكل تهديداً حقيقياً لحاضرها وقابلها،
تلك الدعوة التي يحمل المسلم الواعي همها سبراً وأملاً إشفاقاً وبين الفينة وأختها
تُطل على ساحتها معالم أخطار جسيمة هي من قبيل تلك التهديدات، تدعو إلى
الوقفة الجادة والرؤية العميقة المصححة حيالها، وان من ذلك ما يُسمى باصطلاح
أهلها (المعوقات) ، وهي في الأعم الأغلب تندرج تحت قسمين رئيسين:
(?) معوقات داخلية (?) معوقات خارجية.
ويُقصد بالداخلية: ما يكتنف مسيرة العمل الدعوي من عوامل مثبطة ترتبط
بآليات محسوبة على الصف العامل منهاجاً أو ممارسة عينية، والخارجية: تأخذ
أشكال الزحف المباين، والرصد المريب القاصد إلى شر مضمر، ونحن إذا ما
نظرنا نظرة موضوعية، وجدنا المعوقات الداخلية بتوصيفها الآنف تربو خطراً
على تلك الخارجية المعلومة من أبجديات الدعوة بالضرورة؛ لأن البصير الناقد يجد
صعوبة في التمييز والتصنيف لما يستجد من عوائق داخلية، وحتماً يصاب بالحيرة
والتردد دون الجزم بنتائج مبنية على مقدمات افتراضية، وهو كذلك يواجه عند
الإقدام واتخاذ الاجراء عينات لا تحصى من سوء الفهم المفرز أسئلة يصعب الاجابة
عليها، وهذا هو سر إقدام النبي -صلى الله عليه وسلم- على أعمال حاسمة في
مواجهات مباينة عن الصف الإسلامي، في الوقت الذي لم يعمد فيه إلى ذلك عندما
يصبح الشأن داخلياً خوف البلبلة داخل التنظيم الجديد، وخشية الاستغلال السيئ من
قبل مراجع ومراكز عديدة قد ترى في الإجراء تعدياً على التقعيد والوحدة لا مبرر
له البتة، وهو -صلى الله عليه وسلم- يعطي السبب ذاته لعمر رضي الله عنه الذي
طالب باتخاذ إجراء حاسم في حق ابن أبي في غزوة بني المصطلق جزاء ما تفوه
به من فتنة بقوله عليه الصلاة والسلام: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً
يقتل أصحابه!» [1] .
والقرآن الكريم يحكي للنبي -صلى الله عليه وسلم- نماذج من تحركات مريبة
داخل الدولة الناشئة، لا يعلم عليه الصلاة والسلام رموزها ولا مدبريها، من بعض
أهل المدينة الذين مردوا على النفاق، في حين لم يكن يخفى عليه كافة رموز
طوائف الكفر الصراح في مدى الصراع الناشب حديثاً، وهذا وذاك من المعوقات
لكن الأول لطيف خفي، والثاني خارجي صريح جلي.
أريد من وراء هذا كله أن أخلص إلى القول: إن الدعوة الإسلامية تواجه في
حاضرها ضغطاً خارجياً متزايداً، غير أنه يسير لجهة فضحه من تحركات داخلية
خطرة بكل معنى لهذه الكلمة المقلقة.
وأحاول في هذه العُجالة - إن شاء الله - رصد لون من ألوان هذه المعوقات
الداخلية التي إستشرت في الصف المنهجي والآلي بشكل فعال ينبىء عن أن وراء
الاكمة ما وراءها، بل وامتدت بهاجسها القلق صوب ميادين دعوية خارجية تنظر
إلى صفوف الداخل نظرة استشراف وثقة، تنمذج من مثالها المرصود أساليبها
وخططها المستقبلية، إن محصلة ما سطرت يكمن في نشوء مناخات متنامية من
الأسئلة العبثية التي لا طائل وراءها، ومن تطور عوالم حوارية توصف بالسلب مذ
كانت وسيساً قلما يُسمع على قدر ما هو حادث في هذا الوقت بالذات.
وهذه الظاهرة ينبغي أن تُطرح طرحاً جاداً، وتناقش مناقشة تفصيلية متجردة، ويُبحث فيها عن الأسباب والدوافع والنتائج المنتظرة وراء هذه الظاهرة التي
يطَّرد الاهتمام بتحليلها وسط مجتمعات دعوية، تلك التي أصبحت - بعد أن لم
تكن - كوابيس مثقلة بالأسى والضجر، تزور منامات المصلحين بتعدد صورها البشعة التي لا تشاكلها إلا رؤوس الشياطين.
لقد نعى القرآن الكريم على المسلمين منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام توجيه
أسئلة عبثية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، طارحاً نموذجاً لتلك الأسئلة المنهي
عنها متكرماً برد نافع ينهج مناهج الحكمة والبلاغة الأصيلة.
إن ما أعنيه يكمن في ذلك الدرس العظيم الذي تعلمنا إياه سورة البقرة في قول
المولى عز وجل: [يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج..]
[البقرة: 189] ، فقد جاء في أحد تفسيري الآية الكريمة أن الناس سألوا النبي -
صلى الله عليه وسلم- عن الأهلة والكواكب، لمَ يبدو القمر هلالاً صغيراً، ثم لا
يلبث إلا قليلاً وقد أخذ في الزيادة والتوهج والاكتمال، وهو على أي حال سؤال
ساذج يدل على سطحية في التفكير، وبدائية في النظر، ومحدودية في التناول
التأملي، وبساطة في البحث عن المعرفة الفكرية المهمة المناسبة للمكان والزمان
وكان يمكن أن يأتي الرد على ظاهر سؤالهم العبثي، لكن النظر الصحيح يقرر غير
ذلك، حيث جاء بأسلوب الحكيم عند البلاغيين، وهو جديد على العرب ينبىء عن
شيئين اثنين: صد عن استفسارات لا تفيد، وتوجيه نحو المفيد من المقاصد العليا،
إنه قد صرف الإجابة إلى باطن القصد الذي لم يرد في العقول المستفهمة عن سبب
تطور الأفلاك لا عن مقصد وحكمة إيجادها.
أورد الإمام محمد بن جرير الطبري - رحمه الله - بسنده إلى ابن عباس
رضي الله عنهما أنه قال: «سأل الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن
الأهلة، فنزلت هذه الآية: [يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ... ] الآية.. يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقت حجهم» [2] .
ويبدو السؤال أكثر وضوحاً في مراده الدقيق في رواية - وإن كانت بسند
ضعيف - أخرجها الإمام السيوطي، إذ «أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قوله
تعالى: [يسألونك عن الأهلة] قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة ابن عتمة
وهما رجلان من الأنصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل
الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي، ثم لايزال ينقص ويرق حتى يعود كما كان لا
يكون على حال واحدة؟ فنزلت [يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ... ]
في حل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نسائهم والشروط التي إلى أجل» [3] .
إن القوم، إذن «يسألونه عن الأهلة.. ما شأنها؟ ما بال القمر يبدو هلالاً
ثم يكبر ثم يستدير بدراً؟ وفي الإجابة اتجه إلى واقع حياتهم العملي لا إلى مجرد
العلم النظري، وحدثهم عن وظيفة الأهلة في واقعهم وفي حياتهم، ولم يحدثهم عن
الدورة الفلكية، وكيف تتم وهي داخلة في مدلول السؤال: ما بال القمر يبدو هلالاً
... الخ، كذلك لم يحدثهم عن وظيفة القمر في المجموعة الشمسية، أو في توازن
حركة الأهلة والأجرام السماوية، وهي داخلة في مدلول السؤال: لم خلق الله الأهلة؟
فما هو الايحاء الذي يُنشئه هذا الاتجاه من الإجابة؟ لقد كان القرآن بصدد
إنشاء تصور خاص، ونظام خاص، ومجتمع خاص.. كان بصدد إنشاء أمة جديدة
في الارض، ذات دور خاص في قيادة البشرية، لتنشىء عالماً خاصاً من
المجتمعات غير مسبوق، ولتعيش حياة نموذجية، ولتقر قواعد هذه الحياة في
الأرض، وتقود إليها الناس، والإجابة العلمية على هذا السؤال ربما كانت تمنح
السائلين علماً نظرياً في الفلك إذا استطاعوا استيعاب هذا العلم، وهو محل شك؟
لأن العلم النظري بحاجة إلى مقدمات طويلة، ومن هنا عدل عن الإجابة التي لا
تفيد كثيراً في المهمة الأولى التي جاء القرآن من أجلها ... » [4] .
إنه لفت نظر إلى المهم، وتجنب طرح حوارات وأسئلة هي أقرب إلى العبث
منها إلى الجد، وهو رسالة تربوية للعلماء والمعنيين لاستخدام الأسلوب ذاته،
واليوم يمارس بعض المسلمين الدور نفسه، حيث اطردت أسئلة الأهلة بصورها
المتعددة الشوهاء، وأصبح هم الكثيرين «تصميم» أسئلة من هذا الطراز لتلقى
في مجمع يحفل بالأهم، لو أن قومي أولئك يعلمون!
إن الصورة تتكرر «لتشنف» الأذان بنشاز قديم، وتطرح في اهتمام عجيب
مئات من الحوارات المتكررة حول الدعوة وواقع الدعاة، خالية من ثمرة تُجتنى أو
فائدة تُرتجى.
بل وتقطع المسافات من أقصى الجنوب إلى أواسط الشمال ليتمخض الجبل
الأشم عن مواقف استفهامية كمواقف الأعراب في العهد الأول، ثم لا تلبث أن
تورث هذا الصخب القلق العقيم الذي ينحدر من صبب في نمط مسف يهتك حجب
الأحراز والحرمات لا في المناهج والآليات فحسب، بل في الاعيان والشخوص نقداً
وتقييماً ومغالطة وتجريحاً لا يرقب في داعية إلا ولا ذمة.
إنه لا يعني الدعوة إلى الله أن تحارب من مراصد خارجية، فتلك سنة
المواجهة، لكن الذي يعييها ويقلقها ويعنيها أن ينتدب أناس من داخل الصف أنفسهم
لهذه المهمة الدنيئة التي تصب في خدمة العدو المتربص، لقد خسرت هذه الدعوة
جهداً كبيراً صرفه أولئك في سبيل نبش قبر فلان وتشويه صورة علان عندما
اجتاحت هذه الأسئلة عقولهم وقلوبهم بصورة قوية، فحسبوا أنهم ببثها واشهارها
مناضلون مجاهدون، وما هم - في الحق - إلا أدوات غيرية، يحرقون أنفسهم
ومراجعهم وما يشعرون.
ولقد كان من نتائج هذا التوجه أن أصيبت الأمة والدعوة على اختلاف
مناهجها برجال مقدسين وأعلام معتبرين، جعلوا من محاريب علمهم مجالاً تطرح
من خلاله تلك الترهات، وقد أخذت صفة الشرعية والثقة والتزكية عند بعضهم.
إن مما يحفظ على الدعوة إلى الله جلالها، ونبلها، ومصداقيتها وتوحيد هدفها
الرشيد، أن يتعامل الأعلام من أئمة الإسلام مع أسئلة الأهلة الجديدة بأسلوب الحكيم
ذاته، الذي انتهج في القرآن الكريم، وعولجت به قضايا شائكة من قضايا الدين،
إنهم ملزمون بواجب توجيه أمثال أولئك السائلين نحو مقاصد تفيدهم، وتحذيرهم
من مغبة هذه العبثية الجديدة، وقد كان هذا دأب المصلحين من أهل العلم، حين
شعروا بهذه المسؤولية العظيمة واستكنهوا خطر مثل هذه الممارسات المضلة
وسلبيتها الماثلة، أورد أبو إسحاق إبراهيم بن جماعة الكناني - رحمه الله - عن
أبى إبراهيم المزني قوله: «فجعل يسمع مني وينظر إليَّ ثم يجيبني عنها بأخصر
جواب، فلما اكتفيت قال لي: يا بني ألا أدلك على ما هو خير لك من هذا؟ قلت:
نعم، فقال: يا بني هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت فيه لم تأثم؟ قلت: وما هو؟ قال: الفقه فلزمته وتعلمت منه الفقه ودرست عليه» [5] .
لقد أصبح من المعتاد تماماً أن يصدر كتاب تشويهي مقرظاً من العَالِم الفلاني،
أو أن يكتسح الأسواق شريط بصوت ذلك الحبر الرباني في شأن من شؤون هوامش
الحواشي!
إن مما علمناه عقيدة: أن الله - جل وعلا - لم يتعبدنا بالتنقيب عن السرائر
فذلك له وحده، وسوء النية منقصة في المسلم الحق، وتلك الأسئلة تتمحور حول
هاتين النقيصتين، فمن سؤال يركز على ذلك الأستاذ: ما عقيدته وعلى أي شيء
توفاه الله؟ وماذا كان منهجه في الممارسة؟ وفي عام كذا ماذا عمل؟ وفي مكان
كيت كيف شوهد؟ نقبوا في تراثه؟ وماذا ترى يا شيخ في القوم المحبين له؟ وفي
الفتية المثنين عليه؟ وهلم جراً من هذه الألوان القاتمة في أفق الساحة، أو سؤال
يفني الوقت في البحث عن كلمة في الكتاب المقروء تحتمل الوجهين وتقبل الرأيين، ثم لا يلبث المرء إلا وقد اطلع على نموذج من نماذج سوء النية في الدرس
والسبر والحوار من جانب واحد، لا لشيء إلا لحاجة في نفس يعقوب لما يقضها!
ولعله - باذن الله - لن يقضيها.
إن هذين النموذجين هما ميدان المنافسة هذه الأيام بين فئام من مدعي العلم
والمعرفة، وان الفطن الكيس يدرك كذلك أن القوم بين رجلين، رجل جاهل مغيب، وآخر اكتنفته دواعي الحالقة التي تحلق الدين لا الرأس كما في حديث المعصوم -
صلى الله عليه وسلم -.
نعم، فإن من القوم أولئك من هو حاسد حانق، يكشفه منطقه ويعريه لحن
القول، ونحن بحيال ذينك الرجلين، نقدم للأول علاجاً من المعرفة والعلم
والتوضيح، ودعوة إلى تفهم الواقع وقراءة الحقيقة من منطلق التجرد لله وطلب
الحق أياً كان وممن كان، أما الثاني فإن الإمام الجهبذ شيخ الإسلام ابن تيمية -
رحمه الله- يسدي إليه نصحاً بالتوبة والإنابة، ذلك لأن الواجب في حق كل «من
وجد في نفسه حسداً.. أن يستعمل التقوى والصبر، فيكره ذلك في نفسه» [6] ،
ويكره العبث بالعقول!
إن هدف المتربصين بالدعوة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إيجاد جر من
الصدام العنيف بين السادة العلماء والدعاة، الذي يمكن أن تسببه تلك الأسئلة
والحوارات العبثية القائمة اليوم، والمتجهة نحو إيجاد مثل ذلك الهدف، لقد أدرك
أولئك المتربصون أن المزلق الخطر المسبب لذلك يتمثل في تلك المناخات من
التشكيك والاتهام المبطن والعمل المضاد، وإيعاز مخيف بالإسقاط والتسلق على
حساب غيرهم.. وتفويت الفرصة إنما يتم بمضادات حيوية تقابل أسئلة الأهلة في
قالبها العبثي الجديد، وربط السائلين بأصول الدين، وصرف جهودهم السلبية نحو
(أهداف) و (مضامين) و (وسائل) تعينهم على فهم الدين ومن يرد الله به خيراً يفقهه
في الدين، لا في أسئلة العابثين.
وإن الأمانة الكبرى لا تقتضي من أولئك الأعلام أن يفنوا الأوقات الطويلة في
الإجابة على مثل هذه الأسئلة، أو طرح مناقشات تقابل بالرضا المعضد، بل إن
رباط العلم يجب أن يكون في سموق عال على الجراحات وإلهتافات الشخصية
الجانبية، لتصل إلى سماوات النبل الشريف في البذل والخير والعطاء الزاهر.
إن ما يدفع بتلك الأسئلة نحو الشيوع والشهرة الواسعة، ما يحسه بعضهم
بالوصاية على الدعوة النقية من كل شائبة، والحق أن تلك الدعوة المبتغاة، أو
السنة المطهرة، أو السلفية المتبعة ليست حكراً على أحد، بل ولا يمكن السماح
بمجرد خاطرة هذه الفكرة أن تسبح في فضاءات أحد، لأنها - ببساطة - منهج
مرفوض، نفاه المولى سبحانه عن الدين وحذر منه رسوله الأمين -صلى الله عليه
وسلم-.
إن تلك الأحاديث التي وردت في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ليست
متكأ مناسباً لأولئك، فهي فرقة لا تعرف بالأشخاص والأعيان، بل هى دعوة ذات
منهاج مطروح للعرض، وحين عرفت السنة بأحمد - رحمه الله - فإن ذلك بسبب
تقاعس أهلها - آنذاك - عن القيام بحق الوحدة الإتباعية لمبدأ العقيدة في إن القرآن
الكريم منزل غير مخلوق، وأن تدارس المتمسك به في الإعلان، وتأول بقية من
يعول عليهم، حينها عرف أحمد بها وعرفت به وأصبح من الغالب أن يقال: (إن
رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإن رأيته يكرهه فاعلم
أنه صاحب بدعة) .
وحين عرف المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بالسنة فلأنه
قد جاء على فترة من الاتباع وطفرة من الابتداع، ولسنا في حل اليوم أن نطبق ذلك
في حاضرنا على الأعيان، فالأمة آيبة إلى ربها، والسنة متبعة على مستوى
طيب - بحمد الله -، فلم هذه الوصاية على السلفية والسنة والإتباع من قبل أولئك السائلين ومراجعهم؟ إن هذه الأمة التي كانت خانعة مستذلة قد شبت عن الطوق، ولم تعد تتذكر الماضي الأسيف إلا وهي تسكب دموع التوبة والألم، وحين بلغت هذا الوعي الراشد فانها سترفع يد الوصاية التي يحاول إطباقها من يدعون حق تملك حقوق السنة والسلفية تمهيداً للتصدير واعتماد فروع خاصة في بلاد الإسلام.
إن الراعي في رأس شظية يؤذن فيقيم للصلاة لحقيق بتملك هذه الدعوى التي
بنقلها أصحاب الأسئلة لأنفسهم [7] ، أولئك الراجمون بجهالة المجتمع مقروناً ...
بشعور العلوية المشوبة بحذر لا يتصور، وهم إن سمعوا بعزم ذلك الراعي النجيب، أجفلوا بخيلهم وأسئلتهم حوله وحول مرعاه ورعيته طمعاً في الإلغاء والتصفية
والحسم، غير أن الحق كله لذلك الراعي في القول والفعل، والفصل حينئذ بين
الفريقين مرجعه إلى فضيلة القاضي.
وفي حين تكمن بينة الداعي «المدعي إقامة السنة وحقها» بصلاة الشظية
فإني أحسب أن يمين المنكرين سؤال عبثي جديد.
وعند الله تجتمع الخصوم، وهو وحده المستعان على ما يصفون.