محنة جديدة للدعاة في تونس
نفذ حكم الإعدام بشابين تونسيين، ونفذت أحكام أخرى تتراوح بين السجن
المؤبد والسجن لمدد طويلة بمجموعة أخرى. وقد نقلت وسائل الإعلام العالمية ما
صدر عن السلطة التونسية بشأن ذلك. ولا نريد ذكر تفاصيل ذلك، وإنما نريد
الإشارة إلى أن نتائج هذه المحاكمة كانت متوقعة، وأن الأحكام لم تصدر يوم النطق
بها رسمياً، وإنما صدرت عند بدء الحملة الإعلامية الشرسة التي وظيفتها التمهيد
ليكون وقع هذه الأحكام الظالمة خفيفاً على الناس، ولإحداث الصدى التبريري
المناسب الذي يحجب العقلية المتغطرسة والمتعجلة التي تتميز بها هذه الأنظمة عند
معالجة كل ما له تعلق بقضايا الإسلام والمسلمين.
ومنذ أن أسندت الدولة أمر محاكمة هؤلاء إلى محكمة برئاسة المدعي العام
للدولة، ظهر أنها لن تكون منصفة ولا عادلة في حكمها على هؤلاء، فكيف يكون
الخصم هو الحكم؟ ! .
ومن الدعاوى التي ساقتها السلطة للتنكيل: أن هؤلاء اتصلوا بإيران، وقد
أكد قادة حركة الاتجاه الإسلامي في بيانات أصدروها بأنه لا صلة لهم بإيران،
وأنهم يرفضون سياسة هذه الثورة ومنهجها.
ومن جهة ثانية: فإن الذين فروا تحت وطأة المطاردة كان من المنطقي أن
يفروا إلى إيران التي ادعى أعداؤهم أنها تساندهم، ولكنا نراهم قد التجأوا إلى
جهات معادية لإيران.
أما عن القول بأنهم يؤيدون الثورة الإيرانية؛ فإن كثيراً من المسلمين قد أيدوا
هذه الثورة، ورجوا منها الخير ثم تراجعوا عن ذلك، وإن من الملفت للنظر أن
أجهزة الإعلام عربية وغربية وقفت إلى جانب الإعلام التونسي الظالم وشاركته
إصدار أحكامه على هؤلاء الشباب منذ البداية، ولم يتنبه هؤلاء الذين لا يزالون
يلوكون ألفاظ التطرف والتعصب حتى عافتها النفوس ومجتها الأسماع أن أساليبهم
الفجة هذه هي التي تدفع الشباب المتسرعين دفعاً أن يقفوا منهم هذه المواقف التي
يقذفونهم بسببها هذا القذف، ويرمونهم عليها بأقذع الشتائم وأقبح الأوصاف.
فأين ادعاءات القائمين على هذا الإعلام بمسؤوليته التربوية والتوجيهية،
وحمله لواء الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان والكشف عن الحقائق؟ ؛ إننا وبكل
أسف لم نلمح ولم نحس حتى ولا من وراء السطور والكلمات أي أثر لتحذير النظام
التونسي الإقدام على مثل هذه الجرائم المتكررة لتشويه صورة العاملين للإسلام
عموماً، مع أن مواقف هذا النظام في عدم حياده ومجافاته للحق معروفة بدءاً
بعلمانيته التي يتفاخر بثمارها، ومروراً بالاستهتار بأركان الإسلام كالصوم،
والاستهتار بالقرآن الكريم وبأحكامه، وليست بعيدة تلك الفتاوى التي أصدرها كثير
من أفاضل العلماء بردة رئيس هذا النظام وذلك حين تجرأ وسخر من كثير من
الأحكام الإسلامية ومما عرف من الدين بالضرورة.. وانتهاء بمنع الحجاب، فقد
صرح الهادي خليفة وزير الدولة للتعليم الثانوي والابتدائي بتونس بأنه تقرر حظر
ارتداء الطالبات زي المحجبات في مختلف المدارس والمعاهد والكليات [القبس -
14/9/1987] .
بل إن هذا النظام لا يكف عن الافتخار بما يندى له جبين المؤمن، بل تثور
له النخوة العربية، ألا وهو: فتحه لأبواب بلاده لأمواج الفساد العاتية التي تقذف
بها الحضارة الغربية باسم السياحة وزيادة الدخل القومي، حتى تحولت تونس
الإسلامية على يديه إلى بلد يكاد يفقد هويته، التي إن فقدها فقد تحول إلى (بالوعة)
من بالوعات الفساد في هذه الحضارة الراهنة.
إننا في (البيان) نستنكر هذه الجرائم ضد الدعاة، ونعتقد أن مسيرة الدعوة
إلى دين الله لن توقفها مثل هذه التصرفات في بلد أنجب فحول العلماء والمجاهدين
كالشيخ محي الدين القليبي.
كما إنها فرصة ليعيد الشباب المسلم في تونس النظر في مواقفهم ومناهجهم
التي لم تسلم من دعاوى (العقلانية) ، وليبقوا على وفائهم لمنهج أهل السنة، الذي
لو لم يكن له إلا حفظ وحدة المغرب العربي الفكرية، وتجانسه الثقافي لكفت مزية.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.