المسلمون والعالم
بعد «التطهير» [*]
مقال مترجم
ترجمة: د. أحمد بن راشد بن سعيّد
الوقت هو يوم الجمعة ليلاً، ومطعم «أدريا» في «بانيالوكا» يغص
بالحديث والضحك والموسيقى، لا أحد يلقي بالاً إلى الأرض المهجورة في الجانب
الآخر من الطريق، والمكسوة ببقايا مسجد «فرحات باشا» ، الذي يعود بناؤه إلى
القرن السادس عشر.. كل مساجد «بانيالوكا» دمرت منذ بداية الحرب.
المسلمون القلائل الباقون في أجزاء البوسنة التي استولى عليها الصرب لم
يعودوا يأملون في أي نوع من التدخل، قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 1992م
كان عددهم يقارب 000ر350 نسمة، ومنذ ذلك الحين حوالي 90% وعلى جوانب
الطريق المؤدية إلى «بانيالوكا» يشاهد المرء حطام بيوتهم وأطلالهم بعض
الخرائب الباقية يرتفع عليها العلم الصربي إشارة إلى أن عائلة صربية تنوي إعادة
بنائها والسكن فيها، وبعض آخر يفكك بغرض استعمال أجزائها مواداً للبناء.
في بلدة بوسنية يحتلها الصرب وجدنا ثلاثة رجال مسلمين مستعدين للقاء زائر
أجنبي، إلا أن الرعب كان يتملكهم من عقاب الصرب إلى حد أنهم لا يريدون أن
يُعْلَنَ عن مكانهم ولا عن أسمائهم، أحدهم زعيم ديني وشيخ كبير، لم يقل لنا شيئاً، ولكن دموعه انهمرت على وجنتيه، أصغر الثلاثة سناً وهو يكتب مذكرات يومية
لما يعانيه شعبه من اضطهاد قال لنا: «التطهير العرقي» مستمر، في مارس قتل
37 مسلماً و3 كروات في بيوتهم في «برييدور» ، وفي الشهر الماضي امرأة
مسلمة اسمها «نورا ميدانوفيتش» تبلغ الخامسة والثمانين من العمر قتلت في بيتها
في «بانيالوكا» ، المسلمون بشكل يومي تقريباً يجلدون في الشوارع والأسواق،
والذي يزعج المسلمين أكثر هو سياسة العمالة القسرية التي ينتهجها الصرب، قال
الشاب: «هناك 1. 500 مسلم يجبرون على العمل الآن» ، وأضاف: «إنهم
يجعلوننا ننظف الشوارع نقطع الأخشاب، نشذب الأشجار، ونحصد القمح، وقد
بدأوا مؤخراً بإرسال كثيرين ليحفروا خنادق في الجبهة، وقد قتل الكثير منهم
هناك» .
قلة من المسلمين فضلوا السلامة عبر اعتناق النصرانية! امرأة صربية في
قرية «بوسانسكا غراهوفو» الصغيرة قالت إن أصدقاء مسلمين لها اختاروا هذا
الخيار: «في العام الماضي عمدوا كنصارى أرثوذكس لأنهم يريدون البقاء» ..
وقد أرسلوا مؤخراً إلى جبهة «بيهاتش» شمال غرب البوسنة، وأضاف: «إنك
لا تتخيل كم هي سيئة حالتهم، إنهم لا يغادرون الخنادق مطلقاً لأنهم سيقتلون إن
حاولوا ذلك، إنهم يقضون حاجتهم ويأكلون وينامون في الخنادق..» .
الأموال المقدمة من «بلغراد» إضافة إلى شبكة تموين سرية قللت النقص
(في مناطق البوسنة التي يحتلها الصرب) ، والذي أحدثته العزلة والعقوبات الدولية.
في «بانيالوكا» الأناناس المستورد وفاكهة «الكيوي» متوفرة بسهولة
ويستطيع المقتدرون شراء أزياء حديثة في المتاجر الواقعة على شارع
«غوسبودكا» .
الصرب في كل «بانيالوكا» يقولون إن اليونان عملت الكثير لتحسين
الأوضاع، فقامت برفع مستوى التعامل التجاري مع الصرب رغم العقوبات.
«كوبر يسانين» أحد الصرب قال: «لقد أثبتت اليونان أنها أحسن أصدقائنا»
مشيراً إلى أن «تهديد الإسلام» في البلقان قد أجبر الصرب واليونانيين والبلغار
على تكوين جبهة مشتركة.