مجله البيان (صفحة 1745)

مصطلحات

أهل السنة والجماعة

محمد بن عبد الله الوهيبي

السنة في الاصطلاح تأتي بعدة معان [1] ولا يعنينا في هذا المقال الموجز

تتبع تلك المعاني، وإنما يعنينا أن نُعَرّف بمصطلح «السنة» أو «أهل السنة»

باعتبارها دلالة على اتجاه معين في الاعتقاد، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله -

« ... وعن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء» [2]

ومراد هؤلاء الأئمة بـ «السنة» طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي كان

عليها هو وأصحابه، السالمة من الشبهات والشهوات، ولهذا كان الفضيل بن

عياض يقول: «أهل السنة من عرف ما يدخل في بطنه من حلال» [3] ، وذلك

لأن عدم أكل الحرام من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي -صلى الله عليه

وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم ثم صار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من

أهل الحديث وغيرهم: السنة عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، وبخاصة

في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل

القدر وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة وإنما

خصوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة، وأما

السنة الكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات والشهوات) [4] .

وأهل السنة هم المتبعون لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسنة أصحابه ...

رضي الله عنهم، يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: « ... ولا ريب في أن

أهل النقل والأثر المتبعين آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآثار أصحابه، هم أهل السنة» [5] .

إذاً لفظ «أهل السنة» يقصد به معنيان: الأول متابعة السنن والآثار الواردة

عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضي الله عنهم والعناية بها،

وتمييز صحيحها من سقيمها، والتزام موجبها من الأقوال والأعمال في مجال العقيدة

والأحكام والثاني: أخص من المعنى الأول، وهو الذي عناه بعض المصنفين حيث

سموا كتبهم باسم السنة كابن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وابنه والخلال وغيرهم،

ويعنون بذلك الاعتقاد الصحيح الثابت بالنص والإجماع، وفي كلا المعنيين يتبين لنا

أن مذهب أهل السنة امتداد لما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته

الكرام رضوان الله عليهم أما التسمية بأهل السنة فنشأت بعد الفتنة عند بداية ظهور

الفرق.

قال ابن سيرين رحمه الله: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت

الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل

البدع فلا يؤخذ حديثهم» [6] ، وسئل الإمام مالك رحمه الله «من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي» [7] ، ثم لما صارت للجهمية شوكة ودولة امتحنوا الناس ودعوهم إلى التجهم بالترغيب

والترهيب فآذوا الناس وعذبوهم، بل وقتلوا بعض من لم يقل بقولهم، فسخر الله

لأهل السنة الإمام أحمد رحمه الله حيث صبر على امتحانهم وابتلائهم، وناظرهم

وفند حججهم وأعلن السنة وأظهرها، ووقف في وجه أهل البدع والكلام، فصار

بسبب ذلك يلقب بإمام أهل السنة.

نستنتج مما سبق أن مصطلح «أهل السنة» اشتهر عند الأئمة المتقدمين

باعتباره مصطلحاً مقابلاً لمصطلح «أهل الأهواء والبدع» من الرافضة والجهمية

والخوارج والمرجئة وغيرهم، فأهل السنة هم الذين بقوا على الأصل الذي كان

عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم.

أهل السنة والجماعة:

ويطلق على أتباع مذهب السلف الصالح في الاعتقاد «أهل السنة

والجماعة» ، وقد وردت أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة، وتنهى عن الفرقة والخروج [8] ، وقد اختلف العلماء في المقصود بالجماعة على عدة أقوال [9] أحدها أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، والثاني أنهم الأئمة المجتهدون والثالث أنهم الصحابة رضي الله عنهم، والرابع هي جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمر، والخامس جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير.

وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى معنيين: (الأول: أن الجماعة هم الذين

اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع، فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم

الخروج عليها وعلى أميرها، والثاني: أن الجماعة ما عليه أهل السنة من الاتباع

وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا

معنى تفسير الجماعة بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد

الأعظم ... ) [10] .

ويقول شيخ الإسلام: «وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة هي الإجماع

وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس المجتمعين

و» الإجماع «هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة، مما له تعلق بالدين ... » [11] .

ومصطلح «أهل السنة والجماعة» يؤدي نفس المعنى الذي يؤديه مصطلح

«أهل السنة» ، فعامة استعمالات الأئمة له مقابل أهل البدع والأهواء، وإليك

بعض الأمثلة على ذلك:

قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى [يوم تبيض وجوه

وتسود وجوه] [آل عمران: 106] ، «فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة

والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة» [12] .

وقال سفيان الثوري رحمه الله: (إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة،

وآخر بالمغرب فابعث إليهما بالسلام وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة) [13] .

إذاً يمكن أن نعتبر مسمى أهل السنة والجماعة بين الفرق، كمسمى المسلمين

بين الملل، فالانتساب إليه والتسمى به واستعماله باعتباره دلالة على صحة الاعتقاد

والمنهج، أمر حسن وسائغ باعتباره انتساباً لاسم شرعي، وقد استعمله أئمة السلف، ومن أكثر الأئمة استعمالاً لهذا المصطلح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

الأشاعرة والماتريدية ومصطلح أهل السنة والجماعة:

يكثر استعمال هذا المصطلح بين الأشاعرة والماتريدية، ويعتبر كثير منهم أن

مذهب السلف «أهل السنة والجماعة» هو ما قاله أبو الحسن الأشعري وأبو

منصور الماتريدي، وبعضهم يعتبر أهل السنة والجماعة «الأشاعرة والماتريدية

ومذهب السلف» .

يقول الزبيدي: (إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة

والماتريدية) [14] ، ويقول صاحب الروضة البهية: (اعلم أن مدار جميع عقائد

أهل السنة والجماعة على كلام قطبين أحدهما الإمام أبو الحسن الأشعري والثاني

الإمام أبو منصور الماتريدي ... ) [15] ، أما الأيجي فيقول: ( ... وأما الفرقة

الناجية المستثناة: الذين قال فيهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «هم الذين

على ما أنا عليه وأصحابي» فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة

والجماعة) [16] ، ويقول حسن أيوب من المعاصرين: (أهل السنة هم أبو الحسن

الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريقة

السلف الصالح في فهم العقائد) [17] ، وعامة هؤلاء يذكرون عقائد الأشاعرة

والماتريدية على أنها مذهب أهل السنة والجماعة، وليس المقصود هنا مناقشة هذا

الادعاء الباطل، وإنما أردت ذكر فائدتين في هذا المجال هما:

1- أن استعمال الأشاعرة والماتريدية ومن تأثر بهم لهذا المصطلح لا يغير

شيئاً من حقيقة ابتداعهم وانحرافهم عن منهج السلف الصالح في أبواب كثيرة لا

مجال لتفصيلها هنا.

2- أن استعمالهم لهذا المصطلح لا يمنعنا من استعماله والتسمي به باعتباره

اسماً شرعياً استعمله أئمة السلف، ولا يعاب من يستعمله أو يُذم، إنما يعاب إذا

خالف اعتقاد ومذهب السلف الصالح في أي أصل من الأصول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015