اعرف عدوك
صالح العويشق
لقد كان محور تفكير «يهود» على مر القرون ينصب على أمرين مهمين
الأول المال حيث إنهم قد أشربوا حبه كما قال تعالى: [وأشربوا في قلوبهم العجل
بكفرهم] [1] ، أما الثاني فهو العودة إلى أرض كنعان، وإذا كانت الأفكار
الصهيونية الداعية للعودة قد ظهرت ممثلة في حركة سياسية في القرن التاسع عشر
الميلادي، فإن جذورها الفكرية تعود إلى أيام النفي إلى بابل، ولقد نجحت الحركة
الصهيونية في تجميع «يهود» وإقامة دولة لهم في فلسطين، ولكن آثار فترة
الشتات الطويلة تبدو واضحة للعيان في التركيبة الاجتماعية والدينية والسياسية
لمجتمعهم اليوم.
وفيما يلي نبذة موجزة توضح التناقضات التي يعيشها «يهود» مصداقاً لقوله
تعالى:
[لا يقاتلونكم جميعاْ إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد
تحسبهم جميعاْ وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون] [2] .
النظام الاجتماعي:
المجتمع اليهودي: مكون من خليط متنافر من الجماعات ذات الاتجاهات
المتنافرة، والأصول المتباعدة، والفروقات الثقافية والعنصرية؛ لذا كان من
الطبيعي أن يكون لكل جماعة منها تأثيرها على الواقع السياسي للعدو.
والهدف من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على تلك الفروقات والتناقضات
التي تضرب أطنابها في تركيبة ذلك المجتمع [*] .
ويمكن تقسيم المجتمع في دولة يهود إلى قسمين رئيسين:
1- الإشكناز: وهم يهود استقروا في شمال أوروبا وشرقها، وقد تأثروا بنمط
الحياة الغربية، ويختلفون عن غيرهم في بعض نصوص الصلاة وبعض طقوس
الأعياد، وهم أقطاب الصهيونية الحديثة. [3] .
2- السفارديم (السفارد) : وهم اليهود الذين استقروا في حوض البحر
المتوسط وفي الوطن العربي وإيران، وكان للغة العربية تأثير قوي على لغتهم
الأم [4] .
ويمثل الإشكناز أقلية إلا أنهم هم المتنفذون في الكيان الصهيوني، فنظرة إلى
أعضاء الكنيست (البرلمان) أو أعضاءالحكومة، أو حتى رؤسائها تجد هذا الأمر
واضحاً:
* حكومات العدو حتى 1984م قد ضمت 6 وزراء شرقيين من بين 58
وزيراً، حيث شغلوا وزارتي البوليس والبريد غالباً [5] .
* لم يرأس الحكومة قط يهودي من السفارديم.
* أما رؤساء الدولة فكانوا كلهم إشكناز ما عدا واحد من السفارديم، مع العلم
أن منصب رئيس الدولة شرفي.
* لا يمثل السفارد سوى 9 % فقط من الوظائف القيادية في المجال
الاقتصادي [6] .
وعلى الرغم من أن اليهود الشرقيين يشكلون غالبية السكان، إلا أن اليهود
الإشكناز يحاولون منذ زمن بعيد المحافظة على الوجه الغربي الحضاري للدولة.
يقول «إسحاق دويتشر» : «يوجد نوع من العداوة بين اليهود الشرقيين
والغربيين، إلا أنني أعتقد شخصياً أن اليهود الغربيين سوف يصهرون في النهاية
الشرقيين؛ لأنهم يمثلون الحضارة الأرقى التي تنتصر في العادة على الحضارة
الأدنى» [7] .
ومع أن الهوة بين المجتمعين واسعة جداً، إلا أنها تزداد اتساعاً عند الحديث
عن يهود «الفلاشا» [8] ، فإننا نجد معظمهم يعاني من العزلة والوحدة في
المجتمع الصهيوني، ويتعمد اليهود الآخرون استخدام لفظ (كوشي) بمعنى (العبيد)
في التعامل مع الفلاشا، مما يزيد من عمق الهوة الفاصلة بين هاتين الطبقتين.
ويصور بعض ما يعانيه يهود الفلاشا قول أحدهم: «لقد كُنا في أثيوبيا بشراً
أما هنا فلسنا سوى حمير» [9] ، وفي الجهة المقابلة يقول رئيس وزراء إسرائيل
سابقاً (ليفي أشكول) : «إن كل المهاجرين متساوون، إنما هنالك مهاجرون
متساوون أكثر» [10] .
أما الحديث عن الاختلافات المذهبية بين اليهود فهو حديث ذو شجون وسآخذ
بطرف منه هنا مع الإشارة إلى أن بعض تلك المذاهب قد اندثر وفيما يلي أهم
المذاهب اليهودية:
1- الغريزيون: وهم (الربانيون) يلقبون أنفسهم «الحسيديم» أي الأتقياء
ويعتقدون بأن عيسى عليه السلام زنديق! وإن كانوا معتقدين بظهور مسيح منتظر،
كما أنهم يوجهون العامة إلى احتقار الأمم والأديان والأجناس الأخرى [11] .
2- القناؤون: شعبة من الغريزيين إلا أنهم يمتازون بالتطرف والعنف
ويتمسكون بفكرة الوطن اليهودي الحر المستقل، وهم يفضلون الموت على أن
يبايعوا حاكماً أجنبياً، ومع أنها اندثرت كجماعة إلا أن أفكارها تسربت إلى الفكر
الصهيوني الحديث [12] .
3- القراؤون: من أشد أعداء الغريزيين، ويرون أن الربانيين قد استولوا
على مقدسات إسرائيل، ومن الملفت للنظر وجود التشابه بين المنحى الفلسفي لهذه
الطائفة مع المنحى الفلسفي عند المعتزلة [13] .
4- الإصلاحيون: يميلون إلى التساهل في أخذ الأحكام، وينكرون التوراة
كمصدر، وقد صرفوا النظر عن إعادة بناء الهيكل المزعوم، كما أنهم أنكروا أن
يكون الخلاص معناه إقامة دولة في فلسطين، ومما يرونه أن اليهودية دين فقط،
وليست جنسية [14] .
5- المارانوس: يعتبرهم المتأخرون من علماء اليهود خارجين عن الدين
اليهودي، وكانوا في أسبانيا مدة عيشهم يظهرون النصرانية، ويبطنون
اليهودية [15] .
6- الصهيونية: هي حركة التحرر الوطني اليهودي، ومن مضامينها العودة
إلى «أرض الميعاد» وإقامة الدولة اليهودية عليها، ويمكن اعتبارها حركة سياسية
ترفع شعاراً دينياً مع تبني العلمانية في نظم الدولة، ومن أهم أهدافها:
* المحافظة على تميز العنصر اليهودي.
* العمل من أجل العودة إلى «أرض الميعاد» .
* السيطرة على جميع شعوب الأرض وتسخيرها لخدمة الجنس
اليهودي [16] .
7 -الفلاشا: طائفة من اليهود على أساس مذهبي وعرقي، حيث إنهم
يسكنون شرق القارة الإفريقية وفي الحبشة بخاصة، كما أنهم لا يعرفون اللغة
العبرية ولا يؤمنون بالمشنا ولا بالتلمود، إلا أنهم يؤمنون برسالة موسى عليه
السلام ومن بعده وبالكتاب المقدس، والجدير بالذكر أنه لا يوجد أي دليل قوي يبين
مبدأ نشأتهم، وسبب اعتناقهم للدين اليهودي [17] .
النظام السياسي لدولة يهود:
إن من الأمور الملفتة للانتباه في النظام السياسي عندهم هو ذلك العدد الهائل
من الأحزاب السياسية (28) حزباً تجتمع فيما بينها في تكتلات ذات أهداف قد
تتوافق في بعض خطوطها العريضة، ويرجع بعض الباحثين ذلك التعدد إلى
الأسباب التالية:
1- عدم انتمائهم إلى تراث تاريخي واحد.
2- وجود اختلافات عقائدية بين الصهيونيين أنفسهم، تتفاوت من أقصى
اليمين إلى أقصى اليسار.
3- نزعة كل فريق منهم إلى التكتل مع أبناء وطنة القديم الذي هاجر
منه [18] .
والواقع أن تعدد الأحزاب ليس إلا انعكاساً للتركيبة المتناقضة لذلك المجتمع
والتفاوت الظاهر بين مختلف فئاته.
ويمكن تصنيف الأحزاب عندهم على النحو التالي: «التجمع العمالي» وفيه
حزب العمل، الأحزاب اليمينية (الليكود) ، الأحزاب الدينية، الأحزاب الشيوعية.
وهناك بعض الكتاب يرى تقسيمات وتصنيفات أخرى للأحزاب السابقة،
وسأكتفي هنا بالإشارة إلى أهم برامج وأهداف بعض الأحزاب والتجمعات السياسية
اليهودية الرئيسة.
أهداف حزب العمل:
السلام الحقيقي والدائم بين دولتهم وجاراتها، تجميع الشعب اليهودي في «
بلاده» ، القدس الموحدة هي عاصمة دولتهم، معارضة قيام دولة فلسطينية في
المنطقة الواقعة بين إسرائيل والأردن.
أهداف حزب الليكود:
منع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، القدس عاصمة
دولتهم الموحدة، ضمان قوة الدولة وتعزيز أمنها وإقرار السلام مع جيرانها شرق
الأردن هو جزء من أرض دولتهم التاريخية.
الأحزاب الدينية:
بالرغم من أن كثيراً من اليهود غير متبعين لأحكام الدين اليهودي، إلا أنهم
يتأثرون بالمطالب ذات الصبغة الدينية التي تطالب بها هذه الأحزاب [19] .
والأحزاب الدينية قديمة ومن تطلعاتها:
* يولي حزب (أغودات) المسائل الدينية الاهتمام الأساس في نشاطه السياسي، ويربط تأييده للحكومة بمدى استعدادها لتطبيق بعض القوانين الدينية اليهودية.
* أما حزب (المفدال) فهو لن يُسَلّم أي جزء من «أرض إسرائيل»
المزعومة إلى حكم أجنبي، وبين النهر والبحر تقوم دولة واحدة هي إسرائيل
وعاصمتها الموحدة القدس، كما يسعى إلى سلام بين إسرائيل وجيرانها.
الأحزاب الشيوعية:
ومنها حزب (حداش) الذي يتكون من حزب (راكاح) ومنظمة الفهود السود،
ومما يدعو إليه تحقيق السلام العادل في نظره، وذلك بانسحاب إسرائيل من جميع
المناطق التي احتلت عام 1967م بالإضافة إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني
في تقرير المصير، وإقامة دولة له في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس
الشرقية [20] .
ومن إفرازات الصراع الطائفي اليهودي ظهر حزب (حركة شاس) المسمى
اتحاد السفارديم حراس التوراة، وتركز هذه الحركة اهتمامها على المجالات الدينية
كما أن هذه الحركة ترى أن فلسطين كلها (لشعب إسرائيل) بحكم وعد التوراة.
ونستطيع ملاحظة مدى التشابه بين برامج الأحزاب الإسرائيلية وبخاصة فيما
يخص العلاقة مع الدول العربية.
والجدير بالذكر أن تلك الأحزاب السياسية تتجه دائماً إلى التكتل في وجه أي
خطر خارجي بغض النظر عن الاختلافات الموجودة حال السلم [21] .
وفي ختام الحديث عن الأحزاب الإسرائيلية أشير إلى ما قاله عضو حزب
العمل السابق (أبا إيبان) : «إن إسرائيل الآن في مفترق الطرق، فإما أن تتفاوض
وتبادل الأرض بالسلام، وتحافظ على حلم إقامة الدولة اليهودية، وإما أن تتخلى
عن هذا الحلم، وتصبح دولة قمعية مستبدة يحكم مصيرها صراع داخلي
رهيب» [22] .