قصة قصيرة
شيء لم يحدث..! !
عبد الحليم البراك
يرقب جدار صمت قد امتدت قامته حتى الأفق البعيد.. لونٌ أشهب وبرودة
قاسية.. تجعله يحس بشيء من الانتشاء.. طعمهما الحلو في شفتيه اليابستين..
هذه الفتحة العلوية التي تكاد تختفي في ثنايا هذا الجدار الشامخ.. ثمة نور ضئيل
منها.. كأمل ينتظره من بعيد.. الجدار يعانق الجدار.. وهذه السلسلة الحديدية لا
تثقل أنفاسه الحرة داخله.. لا تمنعها من الفرحة.. وكأن شيئاً.. لم يحدث..
* * *
طريق مستطيل.. ينتهي بأفق حقله الصغير.. ثمة جموع وقحة.. قادمة..
ألقها.. هيا..
انتظر..
ألقها.. قبل أن يرونا..
أريد أكبر عدد منهم..
أنت تقودنا نحو الحديد.. معاً..
اذهب أنت..
ولكن..
إني آمرك.. هيا..
ولكن..
ولكن اذهب.. هل سمعت؟ !
حاضر! ! ..
غضب أحمر يتمخض عن انفجار مدو يحصد أربعة من ذوي الأكتاف
المذهبة.. وأكثر من عشرة قد زينت أذرعهم الوقحة بشرائط خضراء.. ثمة عين لمحته.. لا محالة.. أمسكوا به.. أحس بشيء من اللذة.. وكأن شيئاً.. لم يحدث..
* * *
يرقب حلقات من حديد متراصة ومترابطة.. «ستحاكم! ! ..»
(لم أقترف جرماً.. أرادوا سرقة أنفاسي من أضلعي) .
... يرقب باباً حديدياً أمامه.. أسود.. وعليه كتابات ثائرة..
صوت حذاء عسكري يرن.. يقطع مسافات من كهوف الصمت الداكنة..
حركة غليظة تهز هذا الباب المترس.. رجل ضخم الجثة مكتنز الخطوات
كجسمه..:
موعد المحاكمة اليوم..
اجتاحت صدى كلماته أرجاء الفضاء الموحشة.. لم يعلق.. قام.. مشى..
خرج.. شم هواءً عفناً.. تفل عن يساره.. أحس وكأن شيئاً.. لم يحدث..
* * *
دلف إلى القاعة.. ثمة أشياء ميتة.. مسح القاعة بعينيه.. الهواء العفن أيضاً
يتكوم في وسطها.. جهة المنضدة اللامعة.. يرقد عليها ثلاثة أشخاص.. هم
أنفسهم الذين راحوا جراء القذيفة.. «يبدو أنهم سينتقمون الآن..»
طلبوا منه أن يقترب من أوسطهم.. نظرة ممددة ألقاها عليهم..:
- أنت مدان! !
- بماذا؟ ! ! ..
- بقتل أربع حمامات..! !
- ... ؟ ؟ ! !
تذكر طفولته الممزقة.. وأحس وكأن شيئاً.. لم يحدث..