المسلمون والعالم
قراءة في الأزمة اليمنية في مراحلها الأخيرة
عبد الله عبد العزيز
مرت البلاد اليمنية في الأشهر الأخيرة بعدد من الأحداث وشهدت العديد من
التطورات التي تستحق من المتابع للساحة التوقف عندها والنظر في آثارها، كما
أنها تستحق من أبناء الحركة الإسلامية دراستها واستنباط فوائدها، ولعل من أبرز
ما وقع مؤخراً الأمور التالية:
وثيقة العهد والاتفاق:
اتفق أعضاء لجنة الحوار السياسي بمن فيهم ممثلو أطراف الصراع في اليمن
(المؤتمر الشعبي العام الحزب الاشتراكي) على بنود وثيقة العهد والاتفاق بعد تلكؤٍ
من حزب الرئيس اليمني وإصرار من الحزب الاشتراكي ويعتبر ذلك الاتفاق بمثابة
الانتصار للحزب الاشتراكي إذ أنه قد استطاع أن يتجاوز البرلمان الذي لا وجود
مؤثر له فيه. كما استطاع أن يضع في هذه الوثيقة التي يسميها بعضهم «الدستور
اليمني الجديد» حيث كافة شروطه ومطالبه التي تضمن له النفوذ والبقاء في
السلطة، سواء أكان ذلك عن طريق تجريد الرئيس من كثير من مهامه وإعطائها
لرئيس الوزراء الذي ينتمي للحزب الاشتراكي نفسه أو عن طريق فرض (نظام
اللامركزية الواسعة) وإنتخاب محافظي وكبار مسؤولي (ما يسمى بالمخاليف) والتي
يضمن الحزب في كثير منها بطريقة أو بأخرى وبالأخص في مناطق نفوذه قبل
الوحدة انتخاب الناس لمرشحيه، كما أن الحزب استطاع بهذه الوثيقة نزع موافقة
طرف الصراع الآخر على تجريده من أبرز وسائل قوته عن طريق الموافقة على
إخراج وحدات الجيش من المدن وإلغاء وزارة الإعلام وإيكال مهام أعمالها إلى هيئة
وطنية مستقلة، وتقليص صلاحيات البرلمان بإنشاء مجلس للشورى يختار أعضاؤه
من أبناء المحافظات بالتساوي كما أن الحزب عن طريق هذه الوثيقة قد قطع عدة
خطوات في العمل على إضعاف نفوذ القبائل اليمنية وتجريد اليمنيين من أهم ما
يتميزون به وهو حيازتهم للسلاح وتنقلهم به عن طريق انتزاع موافقة (المنافس)
على العمل على إنهاء الوجود المسلح غير الرسمي في إشارة إلى أسلحة القبائل
والنظر في قانون حمل السلاح الحالي لجعله أكثر صرامة في إشارة إلى سلاح الفرد
العادي كما استطاع ذلك الحزب إبراز بعض القضايا التي تخدمه في صراعه
كالجانب الأمني وما يسمى بمحاربة التطرف والإرهاب الذي كان البند الأول من
بنود الوثيقة ... إلخ ومع الكسب الكبير للحزب الإشتراكي في الوثيقة وضخامة
التنازلات التي قدمت له إلا أن أبرز الملاحظات عليها لو توفرت النوايا الصادقة
لتطبيقها الجدول الزمني المحدد لتنفيذ بنودها إذ أن كثيراً من القضايا بحاجة
لإصلاحها إلى سنوات والوثيقة حددت لها أسابيع أو أشهر مما يضع الكثير والكثير
من الاستفهامات حول حقيقة مطالب الحزب المذكور.
تدويل الأزمة:
سعى الحزب الاشتراكي بقوة إلى تدويل الأزمة متخذاً ذرائع عدة لذلك ومن
أبرزها:
* إدعاء الرغبة في توفير ضمانات حقيقية لتنفيذ بنود الوثيقة عن طريق
حضور عربي ودولي واسع بعد قيامه بحملة إعلامية واسعة لإقناع المهتمين بالأزمة
اليمنية أن الطرف الآخر ليس جاداً في العمل على تنفيذ بنود الاتفاق وأنه يسعى
لوضع العقبات والعراقيل أمام ذلك، وقد حصل التدويل بالنسبة للوثيقة بالفعل إذ تم
توقيعها في الأردن في 9/8/1414 وليس في اليمن.
* أبراز خطورة الوضع الأمني والعسكري عن طريق تحريك بعض الألوية
التابعة للحزب إلى مواقع مثيرة للقوات الشمالية بالإضافة إلى تحريك بعض الأفراد
والقبائل ودفعهم إلى ممارسة بعض الأعمال المخلة بالأمن والتي تقلق الدول الغربية
كاختطاف بعض الأجانب كرهائن ونهب بعض ممتلكات الشركات الأجنبية هادفاً من
وراء ذلك إلى إثارة اهتمام القوى الغربية بالوضع وتذبيهها إلى خطورة ذلك على
مصالحها أو رعاياها أو شركاتها مما يستدعي تددخلها، وهذا ما حصل بالفعل إذ
أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قلقهما من تفاعلات
الأزمة اليمنية وضرورة إنهائها سلمياً، كما تم تشكيل لجنة عسكرية شارك فيها إلى
جانب اللجان اليمنية لجان عسكرية عُمانية وأدنية بالإضافة إلى الملحقين العسكريين
الأمريكي والفرنسي في صنعاء من أجل وقف التداعيات العسكرية وإرجاع ألوية
الجيش المختلفة إلى مواقعها قبل الأزمة وبالأخص الموجود منها في خطوط التماس
بين الشطرين سابقاً.
* الزيارات التي قام بها مسؤولوا الحزب الاشتراكي إلى بعض الأقطار العربية
كمصر وسوريا والسعودية والكويت والإمارات تحت ذريعة اطلاع الأشقاء العرب
على حقيقة الموقف من وجهة نظر الحزب وما استدعته من زيارات مضادة من
المؤتمر الشعبي العام لكل من الرياض والقاهرة و (أبو ظبي) لعرض الأزمة من
وجهة نظره أيضاً.
* إيهامه لبعض الدول بدعوى وجود عناصر قيادية كبيرة مناوئة لها في اليمن
وأنها تقع تحت حماية طرف الصراع الآخر، وأنه لا فرصة لها لتصفية معارضيها
الموجودين في اليمن والقبض عليهم إلا عن طريق الدخول على خط الأزمة
والمطالبة بتسليم معارضيها الذين تصفهم بالتطرف والإرهاب.
التداعيات العسكرية:
في الوقت الذي كان زعماء الائتلاف الحاكم في اليمن يوقعون وثيقة العهد
والاتفاق في عمان وفي حين لم تجف بعد أحبار أقلامهم كانت المدافع تتبادل القصف
في محافظة أبين الجنوبية بين قوات لواء العمالقة الشمالي وقوات لواء مدرم
الجنوبي ولقد عزز الحزب الاشتراكي وجوده العسكري في المحافظة عن طريق أو
امر قيادته إلى ثلاثة من الألوية التابعة له وهي الوحدة في المكلا وقوات اللواء
الخامس في عدن وقوات اللواء الثلاثين مشاة في شبوة بالتوجه اليها بهدف السيطرة
على المواقع المهمة في المحافظة وتطويق لواء العمالقة الشمالي الموجود فيها
وضرب الوجود المميز في المحافظة لشباب الصحوة الإسلامية العائدين من
أفغانستان ولقد أشرك الحزب مع جنود جيشه مليشياته الشعبية كانت نتيجة تلك
التداعيات خسائر بشرية ومادية ملحوظة للطرفين ولولا رحمة الله تعالى لكانت تلك
المواجهة بداية الشرارة لتصفية الوجود العسكري لما كان يعرف بالشمال في
الجنوب ولما كان يعرف بالجنوب في الشمال مما يعني قيام المواجهة المسلحة
الشاملة بين الطرفين وبالتالي التشطير والانفصال.
محاولة تصفية وجود الشباب المسلم في أبين:
قبل الوحدة اليمنية حارب الحزب الاشتراكي الدين الإسلامي وقتل الأنفس
سحلاً ورمياً وشنقاً، وهتك الأعراض، ونهب الأموال وصادر الدور والأراضي،
وأهان العلماء والأعيان وغيرّ في القيم والبنية الاجتماعية مما أثار عليه النفوس
المؤمنة والشريفة وحرض الأيدي المتوضئة على زعمائه فسعت إلى الثأر لدينها
ولمن قتل من أفراد عوائلها أو انتهك من أعراضها أو صودر من أموالها ودورها
ومزارعها.
وكان عودة الشباب اليمني من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية من
أفغانستان بعد قيامهم بواجب النصرة لإخوانهم هناك فرصة لدى أفراد محدودين جداً
منهم للانتقام من بعض زعماء الحزب وكوادره مما أخاف الحزب وأقضّ مضجعه
فأخذ يتحين الفرصة لنشر أولئك الشباب ومطاردتهم وإيقاع القتل والتعذيب والسجن
على من تقع عليه اليد منهم ولقد كانت أضخم محاولة لذلك في شهر رمضان
الماضي في محافظة أبين تحت التذرع بمشاركة أولئك الشباب لقوات العمالقة
الشمالي في صراعه مع جيش الحزب! !
انفتاح الحزب الاشتراكي:
نتيجة العزلة التي أوقع الرئيس على صالح نفسه فيها نظراً لموقفه في حرب
الخليج الثانية وعلاقاته مع الإسلاميين في اليمن وعدم استيعابه للواقع وطبيعة البلاد
الجغرافية والاجتماعية وقيامه بارضاء بعض الدول من خلال طرد بعض رعاياها
الذين يتهمون بالإرهاب والتطرف فقد تمكن الحزب الاشتراكي من الخروج عن
عزلته التي كان يعاني منها إقليمياً ودولياً ونظراً لتبعيته القوية في السابق للمعسكر
الشرقي حيث قام أمينه العام بزيارة القاهرة ليقول لها إنه مستعد لتسليم من تريد ممن
يسمونهم بالمتطرفين في اليمن كلها لولا معارضة على صالح والإسلاميين له من
القيام بتسليم من يوجد منهم في المحافظات الشمالية وزار دمشق ليعلن وقوفه إلى
جانب حزب البعث السوري في صراعه مع حزب البعث العراقي وليس كما يفعل
الرئيس اليمني.
وزار الرياض لينشئ علاقات جديدة وقوية لم تكن موجودة من قبل في وقت
يعاني الرئيس علي صالح من تردي الأجواء في علاقاته معها.
كما قام الأمين العام المساعد بزيارة كل من الكويت والإمارات معزياً إياهما
في ضحاياهما وخسائرهما في حرب الخليج الثانية ملقياً بتبعة الموقف اليمني آنذاك
على (رئيس الدولة) وكأن الحزب كان خارج السلطة وقد تلقى الحزب الاشتراكي
من جراء ذلك الانفتاح دعماً قوياً (انظر ما صرح به مسؤول إشتراكي رفيع
المستوى لمجلة الوسط «عدد 190» ) مما دفعه إلى مزيد من التصلب في
صراعه مع الرئيس علي صالح.
دعامة الوحدة داخلية أم خارجية؟
أثبتت الأحداث في الفترة الماضية أن ضمانة استمرار الوحدة اليمنية أمريكية
أوروبية، ويظهر ذلك من خلال التصريحات الرسمية لمسؤولين أمريكين
وأوروبيين بضرورة إنهاء الأزمة سلمياً ومن خلال التحرك الواضح للسفير
الأمريكي في صنعاء ومشاركة الملحقين الأمريكي والفرنسي (الأخير ممثل
للمفوضية الأوروبية) في اللجنة المكلفة بمنع استمرار التداعيات العسكرية وأهمية
العودة إلى الثكنات العسكرية حسبما كانت عليه الأمور سابقاً.
وكل أطراف الأزمة تدرك أن الغرب لا يهمه من يبقى في الحكم من أطراف
الصراع سواء الرئيس اليمني أو أمين عام الحزب الاشتراكي ولكن الذي يهمه أن
يكون الباقي منهما أكثر قدرة وأعظم تفانياً في خدمة مصالحه.
والغرب يسعي إلى الاستقرار في اليمن وبالأخص في أماكن وجود النفط حيث
يجب أن تبقى بمنأى عن الصراع القائم كما صرح بذلك مسؤول أمريكي وسعي
الغرب إلى الدعوة للاستقرار ليس من أجل سواد عيون اليمنيين ولكن من أجل
مصلحته لكي يتمكن من تهيئة الجو الملائم للشركات الغربية المنقبة عن النفط
والغاز هناك ومن أجل استخراج خيرات البلاد المختلفة.
ولكن يبدو أن الغرب مع حرصه على الاستقرار فهو يدعم الحزب الاشتراكي
مباشرة نظراً لكون الحزب هو الأقدر على ضرب الحركة الإسلامية المتنامية في
اليمن وهو الأجدر بمحاربة الانتشار الكبير لها.
كما أن الحزب هو الأقدر على القيام بخدمة المصالح الغربية نظراً لعدم وجود
روابط ذات شأن تربطه بعقيدة الأمة وموروثها وللخبرة الطويلة في الخضوع
للأسياد التي تميز بها نتيجة تبعيته لفترة طويلة لقادة (الكرملن) في موسكو والتي
يمكن انتقالها إلى قادة البيت الأبيض إن لم تكن قد انتقلت بالفعل.
كما أن الحزب نظراً لشراسته الشديدة ودمويته الكبيرة هو الأكفأ بالقيام بتقليم
أظافر القوى الوطنية الأخرى التي قد تقف حجر عثرة في المستقبل أمام المصالح
الغربية كالقبائل مثلاً.
وصحيح أن الغرب يهمه فقط تحقيق مصالحه سواء أكان ذلك عن طريق
الوحدة أو الانفصال لكن يبدوا أنه يدرك أن الوحدة أكثر ضمانة للاستقرار وأكثر
قدرة على منع وجود تواترات قد تصل إلى تهديد مصالحه في المستقبل، كما أن
الانفصال سيعني قوة الحركة الإسلامية في الشمال عن طريق تحالف الرئيس اليمني
معها نظراً لحاجته الماسة إليها لمواجهة فلول الاشتراكيين المنتفشة.
وتجدر الإشارة إلى أن ما سبق هو قراءة للمصالح الغربية في اليمن والتي
تصنع القرار الغربي، لكنها قراءة قد تخطئ من جهة، وقد يُدخل صُناع القرار في
الغرب بعض التعديلات التي تقلب المسألة وتجعل المصلحة ليست في الوحدة بل
بالانفصال كأن يُسعى إلى تشتيت قلوب أبناء اليمن وجرهم إلى الحرب والتقاتل
خارج مواقع النفط للتخلص منهم نظراً لعدم رضوخهم لاستعمار سابق اليمن الشمالي
وعدم الخضوع والاستكانة للرجل الغربي الأبيض، ونظراً لكثرة عددهم وخطورة
أن يشكلوا في المستقبل من خلال الوحدة مع إخوانهم في الخليج والجزيرة خطراً
يعرض مصالحهم وأمن وليدهم غير الشرعي (العدو الصهوني) للخطر.
كما تجدر الاشارة إلى أن القول بأن ضمانة الوحدة خارجية لا يعني عدم وجود
قوى داخلية خيرة ترغب بالوحدة وتكافح عنها بل هي كثيرة وفي طليعتها أبناء
الصحوة الإسلامية لكن المراد أن القوى التي بيدها صنع قرار الوحدة والانفصال
يرى أحدها الحزب الإشتراكي أن مصلحته بالانفصال ولا يوجد ما يردعه عن ذلك
لولا خوف تعريض المصالح الغربية في البلاد للخطر أما ما يوجد من عقبات داخلية
أمام الانفصال ككونه قد يؤدي إلى إراقة بعض الدماء نظراً لاختلاط مواقع القوات
الحالية للطرفين في الشمال والجنوب وكون الطرف الآخر قد يتخذ موقفاً متشدداً
ويفجر الوضع فليس بأمر ذي بال لدى الراغبين في الانفصال بدليل تاريخهم الحافل
بالقتل والدماء.
من آثار الأزمة:
عانى الشعب اليمني من الأزمة معاناة كبيرة في سائر المجالات حيث اكتوى
بنارها واحترق بلهيبها في وقت يتم تصارع الطرفين على بسط النفوذ وكسب
المواقع بعيداً عن الشعور بحرقة الشعب وعظيم معاناته، ولعل من أبرز الآثار التي
ولدتها الأزمة اليمنية ما يلي:
تجاوزت الأزمة جميع ثوابت اليمن الشرعية والدستورية والقانونية وعودة
تحكيم كل من طرفي الأزمة لمصالحه وما تمليه عليه رغائبه مما سبب فشل حركة
مؤسسات الدولة الدستورية كمجلس الرئاسة والوزراء والنواب بل وشل حركة جل
مؤسسات الدولة عن طريق عودة غالب الوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين
الاشتراكيين في الشمال إلى الجنوب وعودة غالب المحافظين والمسؤولين التابعين
لحزب الرئيس في اليمن إلى الشمال مما سبب تفككاً وفساداً إدارياً كبيراً أضف إلى
ذلك ما كان موجوداً من قبل من معاناة كبيرة لا تحفى على معظم أفراد الشعب.
الارتفاع الكبير في الأسعار حيث وصل سعر برميل الغاز في بعض المناطق
إلى 500 ريال وكيس السكر إلى أكثر من 2000 ريال وعلبة الحليب المجفف إلى
700 ريال. مع قلة دخل الفرد وازدياد في معدلات البطالة والانخفاض الكبير في
قيمة الريال الشرائية.
أضف إلى ذلك توجه طرفي الصراع إلى صرف عائدات النفط من العملات
الصعبة في شراء الأسلحة لتوزيعها على كوادرهما بدلاً من توفير السلع وتقديم
الخدمات والبدء في تنفيذ المشاريع التنموية لصالح الشعب كله.
بروز النعرات المناطقية والقبلية وانتشار الحقد والكراهية بين أبناء المناطق
والقبائل المختلفة إذ استغل طرفا الصراع أبناء المناطق التي تحت أيديهم والقبائل
الموالية لهم وسعى كل طرف إلى تحريض أتباعه على الطرف الآخر وغرس
البغض والحقد فيما بينهم والشخص الذي له اختلاط باليمنيين سيسمع ما يسوؤه من
مثل أنا شمالي وذاك جنوبي ومن مثل أنا من بكيل والآخرون من حاشد أو مذحج أو
يافع أو من الأشراف ... إلخ.
عودة الحزب الاشتراكي بقوة إلى المناطق الجنوبية والشرقية عن طريق ايذاء
وطرد المسؤولين والجيش والأمن الشمالي، وعن طريق تسليح ونشر ميليشات
الحزب وترويع الناس بها لكبت الرأي المخالف واعادة شعار الحزب المعروف (لا
صوت يعلو فوق صوت الحزب) مع زوال كل وجود لسلطة ما يسمى بدولة الوحدة
في أراضيه، وقد سببت تلك العودة القوية للحزب في تلك المناطق أموراً كثيرة من
أهمها ندرة إن لم نقل توقف قوافل الدعوة إلى الله من الشمال إلى الجنوب وقلة
حركة التنقل لكسب الرزق والبحث عن العمل ... إلخ.
تجميد العمليات والحركات الاستشارية الداخلية والخارجية وتعطيل الاقتصاد
وشل حركات البيع والشراء والعمران انتظاراً من أصحاب رؤوس المال لما ستسفر
عنه الأزمة.
تشجيع قُطّاع الطرق من الأفراد وشراء ذمم بعض القبائل من أجل قطع
الإمدادات من الغذاء والغاز عن بعض المدن.
غرس الحزب الاشتراكي الروح الانفصالية لدى كثير من أبناء المناطق
الجنوبية والشرقية عن طريق نسبة أسباب معاناة الناس وأخطاء المرحلة الانتقالية
إلى الشماليين وتجريد الحزب نفسه منها، بل إن الحزب ليقوم بارتكاب بعض
الأخطاء كالقتل ويقوم بنسبتها إلى خصمه ثم تقول كوادره للناس: هل تريدون هذا
الوضع السيئ الذي جاء به الآخر أم ترغبون بالأمن والاستقرار الذي كنتم تنعمون
به قبل الوحدة؟ ! بالإضافة إلى بث الأماني المعسولة بمستقبل واعد نظراً لظهور
النفط والدعم اللذين يحلم بهما الحزب ويتوقعهما.
فوائد وعبر من هذه الأزمة:
تستحق الأزمة اليمنية من المصلحين والدعاة إلى الله عز وجل التوقف عندها
لاستلهام عبرها واستنباط دروسها وأخذ فوائدها ولعل من أبرز الدروس والعبر ما
يلي:
* في الأزمة اليمنية سقوط آخر لدعاوي الديمقراطية في العالم الإسلامي بعد
السقوط الكبير في الجزائر، وثبوت أن المتشدقين بتطبيقها من أبناء المسلمين هم
ألد أعدائها ما لم توافق مصالحهم التي يبيتونها ورغبائهم التي يطمحون إليها هذا من
ناحية ومن ناحية أخرى فإن الأزمة اليمنية تسقط دعاوي الغرب في السعي إلى
تطبيق الديمقراطية في العالم الإسلامي إذ أنه وحلفاءه يدعمون بقوة الحزب
الاشتراكي الرافض لنتائج الانتخابات النيابية ومبدأ حكم الأكثرية للأقلية.
* تقلب حال السياسيين في التعامل مع شباب الصحوة الإسلامية بين مد وجزر
حسب مصالحهم واحتياجهم العملي فإن أرادوهم أو خافوهم قربوهم وأعطوهم بعض
المكاسب التي لا تؤثر على مواقفهم وإن استغنوا عنهم ولم يخشوهم لفظوهم وآذوهم
حساً ومعنى.
* خطورة استعجال شباب الصحوة وعلمائها في اتخاذ المواقف والحكم على
الآخرين ويبرز هذا الأمر جلياً في موقف بعض قيادات الإسلاميين في التجمع
اليمني للإصلاح من الحزب الاشتراكي فبعد أن أعلنت انتهاء الخلاف العقدي
والفكري وبقاء الخلاف السياسي مع الحزب الاشتراكي فقط إذا بالحزب يطلق العنان
لكوادره لمهاجمة الإسلام وشرائعه كتعدد الزوجات والمعاهد الإسلامية، وإذا به
يشتد في مطاردة الإسلاميين وقتلهم وسجنهم وتهجيرهم، وإذا به يمنع قوافل الدعاة
إلى الله ويعرقل أنشطتهم في الجنوب ويخيفهم، وإذا به يصم حتى أولئك الدعاة
بالإرهاب والتطرف والسعي إلى الفتنة وعدم فهم الدين على حقيقته. إن الاستعجال
آفة خطيرة برزت في تعامل أولئك الإخوة مع الحزب ولو أنهم تأنوا وثبتوا مطالبتهم
الحزب بالتوبة والإقلاع عما هو عليه من كفر وردة لكان خيراً لهم. إن دعوة الناس
إلى الحق لا يبرر أبداً مداهنتهم ووصفهم بما هم ليسوا عليه من الحق.
* عدم جدوى السعي إلى كسب تغييرات دستورية وقانونية نظرية تصب في
مصلحة الشريعة الإسلامية عن طريق دخول الانتخابات النيابية لأن الدساتير
والقوانين في عالمنا الإسلامي جلها سائر على رغبة المتنفذين ومحققة لمصالحهم
وبالتالي فإن على الدعاة إلى الله أن يبحثوا عن وسائل أخرى للتغيير مع الحرص
على الاتباع وتجنب الابتداع.
* إن الإسلاميين مهما أظهروا من مرونة واعتدال وتنازل عن بعض القيم
والمبادئ وسكوت عن أخرى من أجل إرضاء العلمانيين في بلدانهم ومن خلفهم من
قوى الشر القريب منها والبعيد فلن يغنى عنهم ذلك شيئاً أمام أولئك الأعداء
وسيستمر أولئك في الكيد لهم ومحاولة إزهاق أرواحهم والعمل على محاولات
تجفيف منابعهم.
هذه بعض من الفوائد والعبر من هذه الأزمة، والله نسأل أن يصلح الأحوال
وأن يجمع القلوب على الحق وأن يبصر الجميع بصراطه المستقيم حتى تتلافى في
تلك الأخطاء والسلبيات ولعله يتضح للجميع وبخاصة الإخوة أصحاب التوجه
الإسلامي الفوائد والعبر مما حدث وأهمية استيعابها وتصحيح المسار في الدعوة
والإصلاح والجهاد بالطرق الشرعية القويمة فهل نعي ذلك عسى؟ ولعل والله من
وراء القصد.