المسلمون والعالم
قبض الريح
من أوسلو إلى دافوس
أحمد بن عبد العزيز العويمر
لم يخرج حتى أكثر المراقبين تفاؤلاً بعملية الصلح بين (منظمة التحرير
الفلسطينية) و (العدو الصهيوني) بأي أمل في إمكانية إتمام الصلح، ولم يصدق ولن
يصدق ما كان يمني به دعاة السلام شعبهم الفلسطيني من آمال عراض نتيجة للصلح
مع العدو، وذلك على ضوء لعبة المفاوضات من أوسلو إلى دافوس مروراً
بواشنطن وجنيف وطابا، حتى القاهرة ... وهذا شيء نعرفه حق المعرفة وهو أحد
المبررات التي جعلت المعارضين «الصادقين» للسلام مع العدو يكفرون بالصلح
معه لا لمجرد المعارضة فحسب، وإنما لأسباب جوهرية سبق أن طرحت ومازالت
تطرح منذ بوارق التصريحات بمهزلة (كامب دافيد) وما بعدها، وذلك للعداوة
الصريحة التي يكنها (يهود) للإسلام والمسلمين، وهذا مسطور في القرآن الكريم في
آيات كثيرة منها: [ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين]
(البقرة: 89) ولما يمثله (يهود) من خطر على الأمة الإسلامية في مجالات الفكر
والثقافة والاجتماع والاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية [1] ، إن لم يستعد لهم
بتقوية تلك المجالات كما دل عليه قوله تعالى [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة] ،
فإنهم يعملون وبكل السبل المتاحة لغزو أمتنا الإسلامية والقضاء على مقدراتها
وإشاعة عوامل التخلف والانهزامية فيها ليتحقق ما يخططون له من أهداف بعيدة
المدى.
ولا شك أن المستفيد الأكبر من هذه العملية الاستسلامية هم الصهاينة وهذا
مشاهد وملموس للأدلة الآتية:
1 -إن للعدو الصهيوني استراتيجيته التي قامت دولته على أساسها وهو يعتبر
ما احتل من الأراضي العربية جزءاً لا يتجزأ من أرضه التي يزعم أنه موعود بها،
ولذلك سماها بأسماء عبرية، ولكنه قد يتساهل تكتيكياً لأهداف يريد تحقيقها ومنها ما
يمني نفسه به من غزو اقتصادي للمنطقة بعد بروز ما عرف بالسوق «الشرق
أوسطية» ، وبعد تهافت قومنا على السلام معه كتهافت الذباب على الشراب، بل
اتضح لنا أن منهم من له اتصالاته السابقة بالعدو زمن (اللاءات الثلاث) وزمن
(الصمود والتصدي) ! ! وهو ما كتبت فيه دراسات موثقة، تعكس حقيقة الانتماء
وتوضح من هم أولئك القوم الذين يقولون خلاف ما يبطنون! [2] .
2 -إن يهود مازالوا يعملون على إذلال الشعب العربي بعامة والفلسطيني
بوجه خاص في أساليبهم التفاوضية، وطرقهم الملتوية في تفسير بنود الاتفاق وفق
أهوائهم وبما يحقق أهدافهم المرسومة.
3 -بعد اتفاقية ما سمي خيار (غزة أريحا أولاً) وإعطاء يهود وقتاً للانسحاب
لتدير (م. ت. ف) تلك المناطق، عادوا لوضع العراقيل بدءاً من عدم الموافقة
على انسحاب جيشهم، وادعاء أن المسألة مجرد إعادة للانتشار ثم تحجيمهم للمناطق
بحدود معينة، وبعد عدة اجتماعات لم يعط الصهاينة ولا عشر ما كان يأمل به
المتفاوض الفلسطيني من آمال.
4 -جعلهم المستعمرات الصهيونية (المستوطنات) عامل عرقلة لتنفيذ الاتفاق، وكل متأمل في التاريخ الصهيوني المعاصر يعرف أن تلك المستعمرات مناطق
استراتيجية في الأماكن التي تختار فيها، وتكون مسلحة وسكانها مسلحون، فهي
بؤر سرطانية تثير الرعب وتشيع الفاحشة في أي مكان تزرع فيه، ولقد كشفت «
يائيل ديان» حقيقة هذه المستوطنات وبينت ما يمارس فيها من إباحية [3] ، وهذه
المستعمرات ستبقى تؤدي رسالتها ولن تسحب بقول «رابين» في خطاب أمام
جمع ضخم من اليهود في أمريكا: (إن إسرائيل غير مستعدة لإزالة المستعمرات في
الضفة والقطاع، ومهما كانت الاتفاقية فالمستعمرات ستبقى وسيدافع عنها الجيش) .
5-كان من معطيات هذا التوجه للسلام مع العدو وهذا ما خطط له يهود
محاصرة الرافضين للتوجه الاستسلامي، وبخاصة أصحاب التوجه الإسلامي،
وهذا ما حصل بالفعل وآثاره الخطيرة على الشعب الفلسطيني بدت واضحة للعيان.
6-إتيانهم بفكرة (الاستفتاء) على الانسحاب من المناطق المحتلة وهي أحبولة
من أحابيلهم المعروفة في الالتفاف على ما قد يبدو من نتائج إيجابية مع أن تلك
الاستفتاءات مرفوضة في القانون الدولي، إذ كيف تستفتي دولة شعبها على أراض
احتلتها وهي تعترف باحتلالها؟ ! فهم يدّعون أن فكرة الاستفتاء تلك ستلقي بذور
الشقاق في صفوف خصومهم (الليكود) والمستوطنين فإن وافقوا على الفكرة فإن هذا
لن يؤدي لاستجماعهم صفوفهم وقواهم ضد التسوية ماداموا سيحتكمون إلى الشعب،
وإذا رفضوا سيظهرون بمظهر الرافض لآراء (الشعب) لكن لو جاءت نتيجة
الاستفتاء (سلبية) ففي هذه الحالة لابد من انتخابات جديدة، وبالتالي تؤجل التسوية
لعدة أشهر إضافية وإن عاد (الليكود) للحكم فإن نتيجة العملية ستكون معروفة سلفاً
والمستوطنون الصهاينة مازالوا يقومون بتحركاتهم المكشوفة الرافضة للانسحاب،
بل يقومون ببناء المزيد من المستوطنات غير المرخصة، بل إن مجلس البلديات
في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين قد دعا لمضاعفة المستعمرات وإن عاد عن
موقفه ظاهرياً.
7- إن لعبة التمديد والتمطيط للمحادثات، ووضع العراقيل في طريقها، هي
إحدى الأساليب التي تقوم بها إسرائيل مستغلة (اللوبي الصهيوني بأمريكا) لأخذ
المزيد من الإعانات والكثير من وسائل الترضية الغالية الثمن.
8 - إن المستفيد الأول والأخير من هذه العملية هو العدو الصهيوني نفسه فقد
ظهر أمام العالم أجمع بأنه الطرف الجانح للسلام، بل استطاع بهذه العملية أن
يحظى بمكاسب دبلوماسية مهمة، فقد زار رئيس وزراء العدو (تركيا) ، وهناك 11
دولة من خمسين دولة عضو في (منظمة المؤتمر الإسلامي) ذات علاقات دبلوماسية
كاملة مع العدو الصهيوني وفي الأفق 22 دولة مسلمة لها اتصالات جارية لإقامة
علاقات دبلوماسية فضلاً عما جناه العدو من ضمانات لقروض جديدة من (أمريكا)
إضافة إلى أسلحة متطورة، واجتذاب رؤوس الأموال الأوربية لدعم اقتصاده.
9 - الضحك على الذقون بوضع وجود غير مرئي للصهاينة في المعابر
بحيث يكونون وراء زجاج عازل يَرَى ولا يُرى، وبإمكانهم منع دخول أي
فلسطيني مسافر وتفتيشه واستجوابه ولكن بحضور محام فلسطيني! !
هذه معطيات المفاوضات!
* لم يجن المتفاوض الفلسطيني شيئاً حتى الآن، ويتوقع ألا يجني شيئاً ذا بال، فمازال العدو يماطل فيما وعد به وفي الوقت نفسه يضرب بيد من حديد على
إخواننا في الأرض المحتلة، ويسوم الناشطين في مقاومته سوء العذاب، ولا يمر
يوم إلا وقد قام بقتل عدد من رجال المقاومة الإسلامية الرافضين لتطبيع العلاقات
معه.
* تناسي العملية السلمية (فلسطينيي المهجر) ، والأدهى والأمر هو المطالبة
بتوزيعهم خارج وطنهم المحتل، ولقد صرح «بيريز» مؤخراً أنهم يعارضون
إقامة فلسطينيي الخارج في غزة وأريحا.
* قوة الأمن الفلسطينية التي أعدت لتقوم بالأمن وضرب كل معارض لتوجه
(السلام) ستقوم بالدور الصهيوني نفسه وسيكون ضحيتها أبناء فلسطين فهل هذا في
مصلحة هذا الشعب، أم أنها ستأتي بالمزيد من المعاناة والمزيد من الشقاق والمزيد
من المواقف المؤدية إلى ردود الأفعال الشديدة.. والمستفيد الأول هو العدو نفسه.
* ظهور الميول الخفية للعلاقات مع اليهود بشكل سافر، حتى أن بعض الدول
العربية تستعجل تطبيع العلاقات الاقتصادية مع العدو والتبادل التجاري معه بأقصى
ما يمكن، مع وجود المقاطعة العربية التي مازالت على الأقل (شكلياً) قائمة، ولم
تلغَ رسمياً حتى الآن، وهناك دعوات لوضعها على جدول أعمال أقرب لقاء في
الجامعة العربية للمطالبة بإلغائها على ضوء الضغوط الأخيرة.
* صار للعدو الصهيوني أدوار أكثر فاعلية في العمل الاستخباراتي وصارت
جواسيسه تصول وتجول في بعض الدول العربية وذلك بدعوى أنهم وفود شعبية أو
ثقافية أو حتى ادعاء (أنهم وفود يهودية لا صهيونية) ! ! وصار من يقبض عليه
بالجرم المشهود في التجسس للعدو يعاد مكرماً معززاً، ولو حوكم وأدين بجريمته.
* عقد اليهود في المغرب ولأول مرة في دولة عربية وبمباركة رسمية
مؤتمرهم الأولى في 5/2/1994م تحت شعار (إعادة إحياء اليهودية المغربية في
أفق تنوعها وامتدادها في العالم) ، ويحضره مندوب صهيوني هو نائب رئيس
الكنيست (رافي درعي) ، وقبل هذا المؤتمر زار المغرب وفد من جماعة (بناي
برث) الصهيونية الدولية المحظورة في بعض الدول العربية لكونها مؤسسة
صهيونية، ومعلوم أن (التجمع اليهودي المغربي) ثاني أبرز تجمع صهيوني في
العالم بعد اللوبي الصهيوني (إيباك) في أمريكا، ومن المتوقع أن يكون نتيجة هذا
التوجه للسلام مع العدو والمؤتمرات الصهيونية في بعض الدول: المطالبة وبإلحاح
للإفراج عن الجواسيس الصهاينة في البلاد العربية وعلى رأسهم (عدنان ياسين)
العين الصهيونية في السفارة الفلسطينية بتونس الذي ألقي القبض عليه بالجرم
المشهود مؤخراً. وهناك تفكير صهيوني جاد يسعون لطرحه وهو اللعب بورقة
المعتقلين الفلسطينيين وطلب مقايضتهم بالمتعاونين معها! .
* مازال العدو متمسكاً بآرائه الداعية لأن تصبح نتيجة هذا الاتفاق كياناً هزيلاً
ليس إلا، بل سيكون تحت رحمته بالشروط التي تقضيها هيمنته وحتى ما نشر في
(وثيقة القاهرة) مؤخراً لا يرقى إلى مستوى ما اتفق عليه سابقاً من التحفظ على
مساحة أريحا والسيطرة الصهيونية على المستعمرات. وهناك مناطق ستقسم السلطة
فيها بين الطرفين بالإضافة إلى مسؤولية الصهاينة عن المعابر الدولية، وقد ادعت
الإذاعة الصهيونية مؤخراً أنهم سينتهون عام 1995 م من إقامة سياج حول قطاع
غزة المحتل بطول 65 كم مزوداً بجهاز إنذار كهربائي سيطوق القطاع الذي ينتظر
أن يشهد بداية تطبيق الحكم الذاتي.
فأي مكاسب سيحققها السلام المزعوم مع العدو وهو بتلك المثابة؟ !
ولا يغيب عن البال ما قاله «رابين» عن زمن الانسحاب الذي كان مقرراً
في 13 ديسمبر الماضي وأُجل إلى 13 إبريل القادم، حينما قال: «ليس هناك
تواريخ مقدسة» .
المزيد من التضليل!
يعلن دهاقنة (م. ت. ف.) تضليلاً للأمة أن المعارضة للسلام في صفوف
الشعب الفلسطيني ليست إلا وليدة الظروف الاقتصادية الصعبة للشعب الفلسطيني
في الأرض المحتلة مما جعلهم يتمسكون بالرؤية الرافضة للسلام التي تلبي رغبة
القصاص من العدو المحتل الذي طالما آذاهم، وهذا ما صرح به (عرفات) مؤخراً
بقوله: «إن المجموعات المتطرفة ستستفيد من أجواء الفقر والظلم وانعدام
الاستقرار والتوازن، وأضاف قائلاً:» إن الأساس الأهم للتوصل إلى الاستقرار
هو العدالة والعدالة والعدالة لنا جميعاً «! ولا ندري أي عدالة يمكن أن يعطيها
اللصوص ومصاصو الدماء، لاسيما وأنهم مازالوا يعرقلون التسوية التي وقّعوا
عليها، بل إنهم وبأساليبهم المعروفة يلوحون بالتهديد النووي، وقد صدر مؤخراً
كتاب (الكتلة الحرجة) الذي يكشف ما في الترسانة النووية الصهيونية من سلاح،
والذي جهز لها صاروخهم (أريحا/2) الذي يبلغ مداه 1400 ميل، وبه تكون حتى
دول أوربا الشرقية في متناول ذراعهم النووية، فأي سلام يزعمون وهم يعدون
العدد بمثل هذه الأسلحة النووية؟ !
موقف الإسلاميين والعلمانيين:
لا شك أن الأوضاع المتردية التي يعيشها الشعب الفلسطيني المسلم ومعاناته
الطويلة من جور وإذلال العدو الصهيوني مشاهدة وملموسة، ثم إن فشل العنتريات
العربية في استرداد حقوقه.. وليأسه من الأحزاب التي طالما تحدثت باسمه،
ودعت إلى استقلاله وهي المستفيد الأول لرفع حساباتها في البنوك من جراء تلك
الدعاوى، والتي ماتزال تدعو لاستغلال هذا الشعب المسلم وزيادة أرصدتها المادية
والمعنوية باسمه، كل ذلك جعله يفقد الثقة فيهم جميعاً، نعم سقطت الأحزاب المادية
والعلمانية سقوطاً ذريعاً، وانكشفت حقيقة توجهاتها وطبيعة ولاءاتها، وهي وإن
كانت ماتزال ترفع لواء المعارضة للسلام مع العدو فهي تعلم بأن هذا هو الأسلوب
الوحيد الباقي لتستجيش به العواطف.
ومادام أن هناك بعض الدول التي مازالت ترفع لواء المعارضة للسلام مع
العدو لأسباب مؤقتة فيما يبدو، فستكون تلك الأحزاب العلمانية بالفعل في مواقف لا
تحسد عليه بعد سقوط أسيادهم في وحل الاستسلام، أما الإسلاميون الذين مازالوا
منذ كتائب التحرير الأولى لا يرون الحل إلا بالجهاد [*] ، فهم يدعون الأمة إلى المزيد من الوحدة وإلى المزيد من التعاون ليكونوا يداً واحدة.
هذا نهج الإسلاميين عبر التاريخ مروراً بعزالدين القسام وفرحان السعدي
ومحمد أمين الحسيني وأحمد ياسين وغيرهم [4] .
ولا يخفى أن معارضة الأحزاب العلمانية الفلسطينية إنما لسبب أنها لم تعط
وزناً من خلال المكاسب المحددة التي ستحظى بها (م. ت. ف) والمنتمين لها،
بينما معارضة الإسلاميين معارضة في سبيل الله ثم لوجه الحق الذي يؤكد أن
فلسطين بلاد إسلامية مقدسة لا يمكن بحال أن يفرط فيها بأي حلول لا تلبي أدنى
حقوق شعبها المحتل، فضلاً عما يشكله الصلح مع العدو الغاصب من إقرار
لاحتلاله أراضي إسلامية لا يصح بحال من الأحوال إقراره عليها مهما كانت
الدوافع [**] .
فإلى أولياء الله وأحبابه من المجاهدين في سبيله الرافعين لرايته، الحذر..
الحذر من اليأس من رحمة الله، وما عليكم أن تدركوا النصر مادمتم عاملين
للوصول إليه.. هذا هو الطريق لاسترداد الأرض المقدسة، وما عداه فإنما هو
قبض الريح! [وإن تتولوا يستبدل قوماْ غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم]
(محمد: 16) ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [5] .
مذبحة الخليل والعجز المريع حيالها:
في يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان 1414 هـ وهذا العدد ماثل للطبع
حدثت مذبحة الصهاينة في المسجد الإبراهيمي بالخليل التي نسبت إلى الصهيوني
المتطرف (جولدشتاين) أحد أنصار جماعة» كاخ «المتطرفة والتي قتل فيها
المصلون وهم سجود وقد بلغ عددهم ما ينيف على تسعين شهيداً فيما نحسبهم والله
حسبهم ولا نزكي على الله أحداً.
وقد نقلت نشرة (قدس برس) عن شهود عيان أن الجنود الصهاينة حاولوا منع
المصلين المسلمين من دخول المسجد بحجة احتفال اليهود بعيد (البوديم) وكانوا
يستفزون المسلمين منذ مساء الخميس بإطلاق الألعاب النارية تجاههم، ولما أصر
المسلمون على الدخول إلى المسجد سمحوا لهم، وعند العاشرة مساء طلب منهم
الخروج من المسجد واعتدي عليهم بالضرب.. وعند قدوم المصلين لأداء صلاة
الفجر من يوم الجمعة بأعداد كبيرة قدرت بحوالي ألف وخمسمائة مصل، وبعد إقامة
الصلاة وعند الركوع الأول ثم السجدة الأولى سمع إطلاق النار الكثيف من الخلف
وكان يقوم به جندي بزيه العسكري الرسمي والذي تحصن بأحد الأعمدة عند إطلاقه
النار، ويعتقد بأنه أطلق حوالي ثمانية مخازن من الرصاص، وأكد شاهد آخر أن
جندياً آخر أطلق النار على الملين وبصورة عشوائية.
وأكد الشهود بأن الجنود الصهاينة على غير عادتهم لم يحضروا لحراسة
المسجد، وإنما وقفوا بالقرب من الساحات الخارجية ولم يدخلوا المسجد إلا بعد
توقف إطلاق النار تماماً، مما يوحي بتواطؤهم مع الجناة، وقد قام المصلون
بالقبض على أحد المهاجمين وضربوه بطفاية الحريق حتى هلك، ولم ينتحر كما
زعمت الحكومة الصهيونية.
ومع ردود الأفعال الشديدة المستنكرة لهذه المجزرة ضد الشعب الفلسطيني،
وبعد عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الموقف والمطالبة بحماية دولية للشعب
الفلسطيني، وقفت أمريكا ضد أي إدانة للعدو الصهيوني وبكل بجاحة يقول وزير
خارجية العدو (يوسي بلين) : إن الأحداث المأساوية في الخليل يجب ألا تكون
مبرراً لأي شرط لاستئناف مفاوضاتهم مع المنظمة.
والعملية فيما ظهر من شهادة الشهود مخطط لها ولم تكن عملاً فردياً والخطوة
التالية يجب أن يؤكد على إلزام العدو بنزع السلاح من المستوطنين وليس
(المتطرفين) فقط.
إن الصهاينة لا يعرفون سوى أسلوب واحد فقط يوقفهم عند حدهم، فهل يفطن
له أنصار الحل السلمي الذين لم ينتج عن توجهاتهم تلك سوى السراب؟ هل يفطن
الغارقون في وحل السلام إلى الموقف الحق أم على قلوب اقفاله؟ !