مجله البيان (صفحة 1675)

حدث فى السوق

نصوص قصصية

حدث في السوق..!

د.محمد الحضيف

المكان: سوق مزدحم

أنا أشك في سلوكه ... دعنا نوقفه.

انتظر قليلاً ... فقد نكون مخطئين، ربما له غرض، أو ينتظرأحداً.

مخطئين..؟ ! بصراحة أنا ظني لا يخيب في هذا الصنف من الناس..

حليق.. والثوب طويل.. والدخان.. والنظارات الشمسية..

هذه ليست أدلة إدانة..

لكنها مؤشرات..

الهدوء أفضل..

يذهبان باتجاهه، ويقتربان منه..

السلام عليكم.

وعليكم السلام..

* يتأملهما الشاب وهما يتجاوزانه مبتعدين، ثم يخرج جهاز النداء الآلي

ويتصنع النظر إليه حينما التفت إليه أحدهما.

تُسلّم عليه..؟ !

وما المانع.. أليس هذا هو الهدي النبوي؟

إنك بهذا التصرف تشعره بالطمأنينة.

أليس هذا هو المطلوب؟

أنا لا أفهم لماذا تتصرف بهذه الطريقة ...

... ... ...

انظر ... لقد رمى بورقة على مجموعة من النساء ... دعنا نمسك به قبل أن

يختفي.

* يختفي الشاب في الزحام، التقط أحدهما الورقة، كانت تحمل رقم هاتف.

ألم أقل لك إن تصرفه مريب ... دعنا نلحق به.

لا بأس ... هات الورقة.

يسرعان في أثره، وبعد مدة يجدانه في مكان آخر من السوق، رآهما فارتبك

وأراد أن يتفاداهما، فلحق به أحدهما، وأمسك به.

ما اسمك ... وماذا تفعل هنا؟

من أنت؟

هذا ليس من شأنك ... أخبرني ماذا تريد ...

بل من شأني.

أنا من رجال الهيئة [1] .

مطوّع يعني..؟

مطوّع أو غير مطوّع.. يا فاضي.. يا قليل الأدب.

ويتجمهر الناس ويرتفع الجدال والشجار بين الاثنين، وتتعالى أصوات الناس

بين مؤيد للشاب: (حرام عليكم.. اتركوا الناس وشأنهم) وبين حامل عليه (جزاكم

الله خير.. يا جماعة نظفوا البلد من ها العينات التعبانة..) .

ثم يصل الشخص الثاني، ويتدخل، ويأخذ عقال الشاب الذي كان قد وقع

على الأرض، ويضعه على رأسه، ويمسك بيده بهدوء ...

السلام عليكم يا أخي الكريم.

... وعليكم السلام ... نعم ... ؟

أبداً ... طاحت هذه الورقة منك في الممر الآخر، ويبدو أنها تحمل معلومات

تهمك، فحرصت أن ألحقك وأعطيك إياها ...

- ... ... ...

يطالع الشاب في الشخص الذي أمامه مستغرباً، وينقل نظراته بينه وبين

الشخص الآخر اشتبك معه، غير مصدق ما يجري. يظل الشخص ممسكا بيد

الشاب بهدوء، وهو يسير به بعيداً عن الناس، ويتهامسان، حتى يصل إلى سيارة

كانت واقفة يفتحها الشاب ويركبها، ويدور بينهما حوار قصير قبل أن تتحرك

السيارة وينصرف الشاب وعلى وجهه ابتسامه.

* * *

المكان: مجلس مزدحم بعشرات الضيوف:

الأحاديث الجانبية تنبعث من كل مكان، يتكلم أحد الحضور طالباً الإنصات

إلى شخص يريد أن يقول شيئاً.

يا إخوان أريد أن أحدثكم عن حادثة شاهدتها بنفسي ... أو لأكون صادقاً معكم

شاهدها إنسان عزيز أثق به جداً! .

الحضور يرددون بصوت واحد:

تفضل.. تفضل..

قبل أسبوعين في أسواق (....) وأمام الناس كلهم هجم اثنان من رجال

الهيئات، هؤلاء الـ (....) على أحد الأشخاص وكان برفقته امرأة وطالبوه أن

يثبت صلته بها، ولما أخبرهم أنها أخته أوسعوه ضرباً حتى أغمي عليه واضطرت

المرأة التي كانت معه أن تستغيث بالناس وهي تصرخ وتقول ... لقد قتلوا أخي.

وماذا حدث بعد ذلك؟ !

لا أدري لأن الذي روى لي القصة قال إنه لم يتحمل أن يرى بقية المشهد

خصوصاً وأن أحد الشخصين أمطر المرأة بسيل من الشتائم، واتهمها في عرضها.

شخص آخر من الحضور يتدخل ويقول:

إذا كانت هي الحادثة التي وقعت أمام (أزياء الشرق) في أسواق (....) فإن

أولئك (الوحوش) طلبوا من الشاب أن يثبت لهم أن المرأة التي بصحبته هي زوجته.

يا أخي هذا شيء بشع.. لماذا لا يوقف هؤلاء الـ (....) «عند حدهم؟ !

هل تصدق أنهم طالبوه بصك الزواج؟ ! ..

إذن بهذه الطريقة علينا أن نحمل صكوك الزواج ودفتر العائلة وشهادة من

العمدة والإمارة، لنثبت أن من يسير معنا هم أبناؤنا وزوجاتنا وأخواتنا.

يا أخي لقد كان مشهداً لا يُنسى حينما وضع أحدهم قدمه على وجه الشاب

وقال له: أين لحيتك يا فاسق.. أو يا كافر على ما أظن.

.... وفجأة ينطلق صوت من بين الحضور الذين كان بعضهم يتسابق في

إيراد القصص والحوادث التي مرت به أو بصديق له أو بإحدى قريباته:

يا إخوان أين حدث كل هذا الذي تقولون..؟ ! في فيلم سينمائى أو في

خيالكم؟ ! .. أنا الذي كنت في ذلك السوق ... وأنا الذي حدث لي ذلك الموقف مع رجال الهيئة ... يا إخوان هذا الذي تقولونه غير صحيح ... ولا يجوز ... لم تسل دماء، ولم تصرخ امرأة، بل لم يكن في الموضوع كله نساء أو صكوك زواج، الأمر كله لا يحتمل كل هذه الرواية بفصولها المأساوية..! ! سوء فهم حدث وتمت تسوية الأمر بطريقة ودية ... هل عرفتم القصة الآن..؟

ما هي القصة إذن..؟ !

- ... ... ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015