بقلم: عبد الرحمن نموس
ليست مهمة الإعلام الإسلامي إلا تبليغ رسالة الإسلام وتوضيح صورتها أمام
من جهلها والذود عنها ضد من عادها وما كان رسولنا الكريم إلا مبلغاً لهذه الرسالة
عندما نزلت من السماء وفق الأمر الإلهي في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا
أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ لا
يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ] [المائدة: 7] .
فنهض صلوات الله وسلامه عليه في أداء المهمة، وقام بإبلاغ الرسالة حتى
أتاه اليقين وقد شهدت له أمته بذلك.
ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال في خطبته يومئذ: «يا أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا:
نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء
وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد (ثلاث مرات) .
وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو قدوتنا وأسوتنا [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ] [الأحزاب / 21] .
وإذا كانت الرسالة قد أنزلت للناس كافة [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا] [سبأ / 28] وإذا كنا مطالبين بقوة بالاقتداء بالرسول الكريم -صلى الله
عليه وسلم-، وفي نشر هذه الرسالة والحفاظ عليها، فإن ذلك يتطلب منا أن نبذل
أضعاف ما نبذل من الجهد، وأن ننهض للذود عن أنفسنا وعن المليار مسلم الذين
عبث بهم السيل ما عبث، وعن الدين الذي ارتضاه ربنا لنا وبه صرنا المسلمين.
وللإعلام -الذي يمكن أن يسمى " تخصيصاً " بالعملية الإعلامية، من حيث
البث والاستقبال وأدوات البث- عدة عناصر:
أ- رسالة تشكل محور العملية الإعلامية.
ب- مرسِل يقوم على بث هذه الرسالة.
ج- وسيلة يتم بها الإرسال.
د- مستقبل هو المستهدف من هذه الرسالة.
والرسالة: هي مجموعة الأفكار التي يتم التعبير عنها بإشارات لغوية تكون
في الغالب على شكل أحرف أو كلمات تتحول إلى جمل مفيدة تترك أثراً في نفس
مستقبليها سلباً أو إيجاباً، ويسعى المرسل من خلالها إلى تحقيق هدف معين.
أما المرسِل: فهو الشخص الذي يبث الرسالة الإعلامية عبر وسيلته المناسبة
بغية تحقيق أهداف معينة قد تكون تعزيز مبادئ وأفكار معينة، أو تعديلها، أو
محاربتها، أو تأييدها. ومستقبل الرسالة هو كل من يتلقاها وتترك فيه انطباعاً ما،
سلباً أو إيجاباً، أما انعدام الأثر بالكلية بالنسبة للمستقبل فلا يعد استقبالاً لها ولو
سمعها أو قرأها، لأن للتفاعل معها دورا أساسياً.
والوسيلة هي الشيء الذي يتم من خلاله نقل الرسالة، كالصحيفة أو المذياع..
ويختار المرسل عادة الأسلوب الذي يراه جيداً لإيصال رسالته إلى أذهان
مستقبليها وهو في ذلك لا يخرج عن أحد الأساليب الثلاثة التالية:
1- التعرض للفكرة أو الظاهرة المطروحة في الرسالة من خلال بعدها
الوصفي، كأن يتناول ظاهرة اجتماعية معينة ويصفها وصفاً دقيقاً من خلال واقعها، دون أن يزيد على ذلك أو يضع آراء من عنده تبين سلبية أو إيجابية هذه الظاهرة، وبالتالي يترك القرار النهائي للمستقبل في أن يستوعب هذا الوصف ويقيمه من
منظوره الخاص، ويخلص إلى نتيجة هذا التقييم بنفسه دون تدخل مباشر من
المرسل، الذي قد يلجاً إلى الإيحاء الخفي في إبداء ما يريده من وصف تلك الظاهرة.
2- التعرض للفكرة من خلال بعدها الوصفي مع إضافة تقييم موضوعي لهذا
الوصف، وذلك بأن يتعرض المرسل للفكرة أو الظاهرة فيصبغها الوصف الدقيق
كما في الفقرة الأولى ثم يتبع هذا الوصف بتقييم موضوعي يبين فيه الجوانب
المضيئة في الظاهرة والجوانب المظلمة، وقد يجري موازنة بين هذه وتلك ثم
يتوقف تاركاً للمستقبل التوصل إلى النتيجة التي يريدها هو ويريد للمستقبل أن
يصل إليها. أو قد يزيد على ذلك بأن يقدم النتيجة التي وصل إليها بعد التقييم ... بنفسه، ولكنه يترك للمستقل حرية الالتزام أو عدم الالتزام بها.
3- التعرض للفكرة أو الظاهرة وتبيان أبعادها ولو بصورة موجزة ثم التزام
موقف حيالها وحض أو تحريض المستقبل صراحة على تبني موقف المرسل من
الظاهرة.
وذلك بأن يعرض المرسل للظاهرة أو الفكرة من منظوره الخاص ويقيمها
ويصل إلى نتيجة ويؤكد أن نتيجته هي الصحيحة وما سواها خطأ ويلزم بالتالي
المستقبل على الأخذ بما قدمه له على أنه الصحيح ولا يترك له الحرية للتفكير جيداً
بها، بل قد يهمل المرسل الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب الوصف والتقييم
الموضوعيين، ويقدم النتيجة التي يريدها، ويضع لها من المبررات ما يشاء حتى
يقنع المستقبل بها، ويحضه على تبنيها، الأمر الذي قد يصل إلى حد ازدراء آراء
المستقبل وخلفيته الثقافية وقدراته على تقييم الظواهر والأفكار مما يؤدي بدوره إلى
رد فعل سلبي عند المستقبل قد يجعله في الموقف المضاد -إن استطاع- وفي موقف
السكوت على مضض إن لم يستطع.
ويخرج عن هذا الضبط القرآن الكريم بما فيه من منهج إعلامي رباني، ولأنه
كلام الخالق وليس كلام بشر يستوي فيهم المرسل والمستقبل، ففي القرآن الكريم
الحكمة والموعظة الحسنة، وفيه الجدال بالتي هي أحسن، وفيه الترغيب وفيه
الترهيب، وفيه الوصف، وفيه التحريض، ومثل ذلك السنة النبوية، فالرسول -
صلى الله عليه وسلم- وإن كان بشراً لكنه بالإضافة إلى ذلك هو نبي مرسل [ومَا
يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاَّ وحْيٌ يُوحَى] [النجم: 3-4] .
أما ماخلا أسلوب القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة فيكون من المناسب أن
لا يشعر مرسل الرسالة الإعلامية مستقبلها بأنه من طبقة أدنى مستوى أو أقل فهماً
حتى لا يجعله عرضة للمواقف المبنية على ردود الأفعال.
وهنا تبدأ أهمية شخصية المرسل في اختيار الأسلوب الإعلامي الأنجع الذي
يمكن ممارسته تجاه مستقبلي الرسالة، خصوصاً وأن عدداً لا يستهان به من
المستقبلين لا يستقبل رسالة المرسل وحده، بل يستقبل رسائل من ألوان شتى تجعله
يعيش في بحر متلاطم الأمواج من المعلومات الصحيحة والخاطئة، الغثة والسمينة
تجعلهم يتيهون بين الخطأ والصواب ويتعثرون في الاهتداء إلى القيم من غيره.
والإعلام الإسلامي وسط هذا البحر الكلامي الهائج هو الأقدر على أن يمثل نقاط
العلام البارزة التي تهدي الحائر من عامة المسلمين أو غيرهم إلى الطريق الصحيح، وهو إذ يفعل ذلك لا بنوعية الورق ولا بحجم الكلام المكتوب أو كمية البث
المسموعة بل بالإنسان المرسل الذي أوكلت إليه مهمة الإرسال أياً كانت الطريقة.
وهذا ما يؤكد على أهمية المرسل في العملية الإعلامية، لذا فمن المناسب ... بيان أهم الصفات التي يتحلى بها المرسل الإسلامي الناجح، وهي:
أ- الأسوة الحسنة: وتكون الأسوة الحسنة من وجهين:
الأول: أن يتأسى المرسل أو على الأقل أن يجتهد للتأسي بأخلاق وأسلوب
الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في التبليغ والدعوة وغير ذلك فهو المشهود
له بالأخلاق العظيمة من رب العالمين [وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ] [القلم: 14] وهو
القائل -صلى الله عليه وسلم-:» بعثت لأتمم حُسْنَ الأخلاق « [1] والله سبحانه
وتعالى حضَّنا على أن نتأسى برسولنا الكريم بقوله سبحانه وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] [الأحزاب: 21] .
والثاني: أن يكون المرسل بتحقيقه للبند الأول أسوة حسنة لمن يبلغهم رسائله
لأنه إن تخلت عن هذا المعنى فلن يجد الأذن الصاغية لكلمته أو العين القارئة
لعبارته، ويكون إضافة لذلك قد تخلف عن جوهر أساسي يدعو إليه في رسائله
ووقع فيمن وصفهم الله عز وجل بالمقت في قوله: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 3-4] .
ويدخل في إطار الأسوة الحسنة انسجام القول مع العمل كما بينت الآية
الكريمة، إذ يشكل هذا الانسجام بين القول والعمل نقطة أساسية تعين المستقبل الذي
يستقبل كماً هائلاً من المعلومات المختلفة التي تدعو إلى تبني أفكار ونظريات شتى
على اختيار الأسلم والأصح، وتجعله يكبر ويحترم الرسالة التي أخلص لها
مرسلوها وانسجموا معها فجاءت نابعة من القلب قابلة لأن ينسجم معها المستقبلون.
وحقيقة نواجهها جميعاً هي أن الكثيرين لا يميزون بين حقيقة الإسلام وبين
المسلمين إذ يرون الإسلام فيهم فإن أساءوا كانت الإساءة للإسلام والعكس صحيح.
2- أن يتخلق المرسل الإسلامي بأخلاق القرآن اقتداءً بالرسول الكريم - ... صلى الله عليه وسلم- الذي قالت عنه عائشة رضي الله عنها: (فإن خلق نبي ... الله - صلى الله عليه وسلم- كان القرآن " [2] ، وعندما يتحقق ذلك بالمرسل يكون قد امتلك زمام الأمر تجاه مستقبلي رسالته بحيث يجدون أنفسهم أمام إعلام ملتزم منسجم لا ينبني على مراوغة ولا على دجل، الأمر الذي يسهل لهم ويمهد سبيل الاقتناع بالرسالة وتبنيها. ويوضح لهم الفارق بين الرسالة الإسلامية الواقعية والرسائل الأخرى التي بنيت على نظريات من خيال ... أصحابها ولم تنجح بحال -في معالجتها لمشاكل الإنسان- من الإفراط أو التفريط.
3- الإيجاز والبيان وعدم الإلحاح: فالكلام الكثير ينسي بعضه بعضاً وتضيع
قيمته بذلك، أما الإلحاح والكثرة فقد تسبب السآمة للنفس، فعن أبي وائل شقيق بن
سلمة قال: كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يذكّر الناس في كل خميس مرَّة،
فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن: لوددت أنك ذكَّرتنا كل يوم، قال:» أما إنه
يمنعني من ذلك أني أكره أن أملَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي -صلى
الله عليه وسلم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا « [3] .
والتكرار الذي قد يظن صاحبه أنه من الأدب والبلاغة قد يكون تكراراً غير
محمود يجعل ما دخل في القلب يتطاير مرة أخرى، وما قبلَتْه النفس وهو جديد
تعافه نتيجة التشدق به والإعادة.
4- عدم استخدام وسيلة الإرسال أياً كانت كمنبر للردود الشخصية أو
الهجمات اللاذعة غير المبنية على أساس علمي واضح، إذ يجب أن تسمو الوسيلة
الإعلامية عن ذلك وتترفع، مستمرة في أداء رسالتها الأصلية وفق منهجها الواضح؛ فللشريعة أساسياتها المتينة والثابتة التي منها ينطلق العمل الإعلامي والدعوي،
وأما مما اختلف فيه من نقاط على الدرب فتعالج بالأساليب الخاصة بها من غير
التعرض والتعرض المضاد في الوسيلة الإعلامية، حتى تحافظ هذه على ... مستوى رفيع من الأخلاقية الإسلامية، التي منها يستنشق المدعو أو المستقبل ... رائحة الرسالة الناجحة الهادفة.
5- إن الرسالة الإعلامية الإسلامية تعتمد على خصائص ثابتة تمثل خصائص
الشريعة نفسها من ثبات وشمولية وواقعية ومرونة وصلاحية، وبالتالي فإن مضمون
الرسالة ينطلق في هذه الخصائص، ولكن سر نجاح أو فشل تلك الرسالة يرتبط
بمقدار معرفة وخبرة المرسل بمستقبِلي رسالته، هذه المعرفة والخبرة التي تمكنه
من أن يقدم لكل جمهور مادته المفضلة عبر وسيلته المفضلة، وواضح أن لكل
وسيلة جمهورها ولكل رسالة مستقبليها، والخبرة والفراسة في ذلك هي سر النجاح، إذن: إن إساءة الاستخدام في هذه النقطة تؤدي إلى نتائج عكسية غير ما يتوخاه
المرسل.
6- المعرفة الجيدة بالإعلام المضاد وبمخططاته والعمل على صدها وردها
بالأدلة العلمية الدامغة لا بالهجمات الكلامية الفارغة، لأن المستقبل الذي اعتاد أن
يستقبل رسالة واضحة مدللة بأدلتها التي تدحض فيها ظاهرة أو تؤيد فكرة يجد من
غير المألوف ومن غير المقنع أن يلجأ المرسل إلى مجموعة عبارات محشوة بالشتم
والسباب على الإعلام المضاد، لأنه تصرف كذا أو وقف موقف كذا، دون أن يبين
المرسل إلى أي شيء استند في موقفه، وعلى أية أدلة ارتكز في مواجهته.
إن المستقبل الذي يستقبل الرسائل الإعلامية الإسلامية قد وعى تماماً ماذا
يعنيه طرح الشعارات الرنانة التي تدين اتجاهاً أو فكراً أو ظاهرة، أو تؤيد ذلك
الاتجاه أو الفكرة أو الظاهرة، وهو اليوم بحاجة إلى منهج إعلامي واعٍ تحمل
رسائله له ما يريح النفس ويقنع العقل، ويواجه الأعداء الذين لا ننتظر منهم
السكوت بالأدلة القادرة على إسكاتهم، والبراهين الباترة لادعاءاتهم.
7- معالجة الأخطاء التي يتعرض لها المرسل خلال بث رسائله بهدوء وتروٍ
وبصيرة، لأن الاعتماد على الإصلاح العاطفي أو المبني على ردود الفعل العصبية
سيؤدي بالضرورة إما إلى الإفراط أو التفريط، ومن هنا وجب الحذر والدقة في
معالجة أخطاء المرسل، مع وضع قاعدة (كل ابن آدم خطاء) بالحُسبان.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لأهم صفات مرسل الرسالة الإعلامية ... الإسلامية؛ لابد من الإلماع إلى أهم العقبات التي تقف حجر عثرة في وجه تقدم تلك الرسالة، أو على الأقل تعيق تقدمها بشكل ملحوظ.. ومن ذلك:
1- عدم الالتزام الفعلي والجيد بالمنهج الرباني الموضوع لنا، ويبدو ذلك
واضحاً من خلال تناقض الكثيرين من أصحاب الرأي المستنير بين قول وعمل.
ومن ذلك: أن تقع بأيدي بعض الشباب محاضرة أو موضوع عن الغيبة
والنميمة وأثرهما السلبي في البناء الإسلامي، ثم ما نلبث أن نصل إلى نهاية
المحاضرة أو الموضوع حتى نرى لمزاً أو غمزاً بشخصيات إسلامية من مستوى
صاحب المحاضرة أو أعلى مستوى. إننا نهاجم فعلاً معيناً وفق نصوص وأدلة
شرعية واضحة، ثم نأتي على ارتكاب ذلك الفعل، متخذين لأنفسنا مبررات تقنعنا
بضرورة خوض ذلك الغمار، جهلاً أو تجاهلاً، أو اتخاذ أعذار قد تقنعنا ولا تقنع
أحداً غيرنا، ولربما لم تقنعنا أصلاً ولكننا تصنَّعنا الاقتناع.
2- الاستهانة ببعض المخالفات الشرعية أمام أكذوبة (ضرورات العصر) فالإعلام الإسلامي إعلام عقائدي يتمثل بقواعد ومبادئ راسخة ينمو بنمائها ويزدهر بازدهارها في أنفس المسلمين، ولكن بعض هذه المبادئ أو القواعد قد يتم نقضها بحجة " ضرورات العصر " أو لأنها أمور صغيرة هنالك ما هو أهم منها بكثير، أو لأن البعض يعتقد أن نمو الإسلام وتقدمه لا يتوقف عليها.
وأمثلة بسيطة على هذه الأمور:
(التصوير، التدخين، حلق اللحية بغير ضرورة ملجئة، الاختلاط أحياناً)
علماً أن هذه الأمور جميعاً تخل بسلوك المسلم إخلالاً كبيراً، شعر بذلك أم لم
يشعر، اعترف بأثرها السلبي أم لم يعترف.
وإذا كان لمثل هذه الأمور أثرها السلبي في نمو شخصية أي مسلم، فكيف
يكون أثرها بالنسبة للقائم على توجيه الرسالة الإعلامية الإسلامية..؟ ! إنه تساؤل
جدير بالإجابة. ولكل قارئ أن يجيب بنفسه.
3- النقص العام وعدم التكامل في التوجيه:
يبدو واضحاً أن أغلب الرسائل الإعلامية الإسلامية تتوجه هذه الأيام إلى
المواعظ المتعلقة بالأعمال العبادية المحضة، وبالرغم من ضرورة هذه وموقعها
الأساسي في الإعلام الإسلامي فالواجب عدم الاقتصار عليها، فالإسلام دين متكامل
يتسع لكافة أمور الحياة، وبالتالي يلزم تنوع الرسائل بتنوع المستجدات وحسب
أولويات مدروسة.
إضافة إلى ذلك: فإنه من المفيد جداً وضع خطط يتم تنفيذها وفق جداول
زمنية معينة وبعد دراسة موضوعية شاملة، بحيث تؤدي هذه الخطط في النهاية إلى
النتيجة التي يتوخاها المرسل.
أسباب نجاح العملية الإعلامية:
مما تقدم يتبين، بأن الإعلام الإسلامي يعاني من عقبات عدة تستلزم
بالضرورة العمل الجاد لإزاحتها والتغلب عليها، وربما كان الخوض في هذا المجال
خوضاً في مجال واسع لا يسعني عرضه مفصلاً هنا، ولكن أعرض بعض النقاط
التي إنما تعبر عن وجهة نظرٍ، أدعو الله أن تلاقي القبول.
1- اختيار الكفاءات الصالحة والقادرة على القيام بهذا العبء:
فمعلوم أن القائم على العملية -وخصوصاً توجيه الرسائل- هو العنصر الأهم
فيها، وبالتالي فإن العمل على إنجاح هذه العملية يستوجب أن يكون القائم عليها
أهلاً للمهمة من حيث المستوى العلمي والإدراكي، ومن حيث النظرة الشمولية
لمتطلبات العمل، والأفق الواسع الذي يمكن من وضع المخططات التي تضمن
أحسن النتائج.
إن العلاقة التي يمكن أن تقوم بين المرسل ومستقبلي الرسالة علاقة تحتاج
إلى مزيد من الدقة في التعامل، فالمستقبلون يتلقون الرسائل فينسجمون مع بعضها
ويحبون بعضها ويمتعضون من قسم منها، وقد تثور ثائرتهم على جزء منها نتيجة
خلفية خاطئة عنها أو جهل مستعص بها، فكيف يتعامل القائم مع ذلك الاختلاف؟ !
إنه أمر خاضع -بالإضافة إلى العلم والإدراك وسعة الأفق- إلى مقومات شخصية
تستطيع أن تستوعب هذا الاختلاف المؤقت وتحيله انسجاماً ووحدة في النظر عند
الجميع حتى يتشكل عند المتلقين جميعاً، شيء أهم من الرأي العام وأرفع، وربما
كان الصبر الطويل واحداً من مقومات تلك الشخصية.
2- تحري الدقة التامة بمصادر بعض الرسائل الإعلامية:
إن المصادر الأساسية لرسالة الإعلام الإسلامي مصادر موثوقة بذاتها كالقرآن
الكريم والسنة النبوية، ولكن الأمر يختلف عندما تعترض العمل أحداث مستجدة لابد
من طرحها وقضايا معاصرة لابد من معالجتها، فمن أين نأتي بالمصادر الموثوقة
لمثل ذلك؟
هل نعتمد على وكالات الأنباء العالمية ونكون بذلك مروجين لكذبها وإشاعاتها؟ أم نعتمد على ما تتناقله بعض الوسائل الإعلامية الأخرى من غير فحص ولا تحرٍ ولا تدقيق؟
أم يكون لنا تميزنا بهذه وتلك، واستقلالنا بالعرض والتحليل دون تأثر أيضاً
بهذه وتلك؟ .
فالغلط أو الكذب في وسيلة الإعلام الإسلامية لا يتساوى أبداً مع الغلط أو
الكذب في أي وسيلة إعلام أخرى، بل هي أضعاف ذلك، لأن الغلط وإن كان
مبرراً شرعاً فهو غير مبرر في الغالب عند المستقبل، بل هو أحياناً لا يريد أن
يبرر، لأن الغلطة غلطة موجِّهه وليست غلطة تلميذه.
أما الكذب بالإضافة لكونه خرقاً للشريعة هو عمل سلبي كبير، يراه المستقبل
وصمة تهز كيان الاستقبال عنده، وفي هذا خطر لا يخفى. ولتلافي ذلك لابد من
الركون إلى مصادر مؤهلة ثقة وصدقاً وإدراكا وتحليلاً، تعين المستقبل على تلقي
رسالة صادقة متميزة.
3- وضوح الهدف: إن معرفة ما يريده المرسل من رسالته بوضوح،
ومعرفة كيفية بث الرسالة بالشكل الذي يحقق له ما يريده أمر غاية في الأهمية،
فإذا كان هدف الإعلام الإسلامي إعداد الجيل العقائدي الواعي الذي يفهم الإسلام
على أنه دين عبادة وعمل، وشرْع دنيا وآخرة، ومنهج حياة متكامل، فإن عليه أن
يعد لإيجاد هذا الفهم في أذهان المستقبلين، علماً أن هذا عملاً غير سهل في إطار
التنوع الإعلامي وتعدده، ولكن عدم السهولة لا تعني الاستحالة، فباعتماد أسلوب
العمل المنظم والصحيح يتمكن المرسل -بإذن الله- تحقيق هدفه، وتبدو أهميته
واضحة للتكامل في بث الرسائل في هذا المجال.
فعندما يكون لكل رسالة إعلامية على حدة هدف خاص تسعى لتحقيقه من
خلال منهج مرسوم لا من خلال تعبئة صفحات أو سد فراغ في برنامج مسموع،
وعندما تلتقي أهداف هذه الرسائل في محصلة عامة من غير تناقض، ساعيةً إلى
إيجاد الشخصية المتكاملة، وعندما يتحقق الانسجام الكامل بين الأهداف الجزئية
المرسومة لكل رسالة على حدة، والهدف العام الذي يجب أن تلتقي عنده كافة
الرسائل لتصب في توجه فكري معين، نكون قد خطونا خطوة هامة في العمل على
تحقيق الشخصية الإسلامية المتكاملة عند متلقي الرسالة.
ويبقى لمقدار استجابة المتلقي نفسه، ولمقدار تأثير المرسل بالمتلقي حتى
يجعله متكيفاً أكثر من الاستقبال أثرٌ آخر في تحقيق الهدف المنشود.
وربما كان هنالك عوامل جانبية أخرى لم يتسع المجال لذكرها.